- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أهل الباطل ينفقون الأموال للصّدّ عن سبيل الله
فماذا عنكم يا أهل الحقّ؟!
صراع الحقّ والباطل حقيقة لا يمكن إنكارها، حقيقة ذكِرت في كثير من الآيات القرآنيّة؛ يقول عزّ وجلّ في سورة الإسراء: ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾، وفي سورة محمّد: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ﴾.
ولقد أقرّ أهل العلم هذه الحقيقة؛ فهذا سيّد قطب رحمه الله اعتبر أنّ المعركة "لا تفتر بين الحقّ والباطل، وبين الإسلام والجاهليّة، وبين الشّريعة والطّاغوت، وبين الهدى والضّلال". وأيّد ذلك الشيخ ابن عاشور رحمه الله إذ قال إنّ "المصارعة بين الحقّ والباطل شأن قديم، وهي من النّواميس التي جُبِلَ عليها النّظام البشريّ"... فكيف نجد من ينادي بالتّسامح مع الكافرين والضّالّين والعفو عن المجرمين والظّالمين قتلة أطفال ونساء المسلمين؟! كيف يمكن أن لا نكون أشدّاء عليهم ونعتبرهم أعداء وقد أعلنوها على ديننا حربا وأبادوا الأبرياء وسفكوا الدّماء؟!
لقد أمر اللّه رسوله بالشدّة والغلظة على الكفّار والأعداء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ فمن يحبّ الله يبغض أعداءه وأعداء رسوله، وذلك من لوازم المحبّة الصادقة الخالصة. كما أمره بأن يكون رحيما ليّنا مع المؤمنين، قال تعالى لرسوله: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
هذا هو سبيل المسلمين في معاملتهم للكفّار؛ عليهم أن يعلموا أنّ هؤلاء أعداء ما داموا مصرّين على الشّرك واتّباع أهوائهم، وما على المسلم إلّا أن يكون شديدا معهم لا يرحمهم وقد تمسّكوا بكفرهم وغيّهم.
فهل يعقل أن يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء؟! هل يعقل أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! هل يتّبعون من هم على ضلال ويحاربون الهدى؟ هل يستبدلون الباطل بالحقّ؟!
سمّي القرآن بـ"الفرقان" لأنّه يفرق بين الحقّ والباطل، بين الهدى والضّلال، بين ما أنزل الله من تشريع وما سنّه البشر من قوانين. فمن وقف في جانب الحقّ مدافعاً عنه، يكون قد عمل خيرا وهدي إلى سواء السبيل، ومن وقف في جانب الباطل، ونافح عنه، يكون قد عمل شرّا، وضلّ عن سواء السبيل.
لقد بيّن الله طريق الحقّ وجعله واحدا "سواء السّبيل" وما دونه سبل متفرّقة تحيد بمن يسلكها عن الطّريق المستقيم، وأكّد أنّ أهل الباطل يحاربون الحقّ دائما ويسعون لاجتثاثه من حياة النّاس ونشر مفاهيمهم الخبيثة التي فيها الهلاك والضّياع.
لقد اعتاد هؤلاء عبر نظامهم السّائد (النّظام الرّأسماليّ) على الكيل بمكيالين لنشر مفاهيمهم المسمومة وجعلها تسود فيضمنون بقاءهم وقيادتهم للعالم. يرفعون شعارات حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها ويدّعون الدّفاع عن حقوق الإنسان وضمان الحرّيات، ولكنّ الواقع يفنّد كلّ ذلك ويؤكّد أنّهم يطلقون أحكامهم ويسمّون الأشياء والأفعال بمسمّيات متناقضة فتسقط عن وجوههم تلك الأقنعة وتظهر حقيقتها. فالقتل عندهم بل الإبادة الجماعيّة مشروعة في غزّة وفلسطين وسوريا ويعتبرون ذلك دفاعا عن النّفس ومحاربة للإرهاب، أمّا دفاع الشّعوب عن أراضيها المغتصبة واسترجاع ما ينهبه الاحتلال المباشر وغير المباشر فهو إرهاب واعتداء!
فما يرتكبه أولياؤهم من الكفّار وأعداء الإسلام من مجازر وإبادات وانتهاكات أمر مشروع يؤيّدونه بكلّ قواهم ودولهم العظمى، أمّا سعي المستضعفين في الأرض المباركة وسوريا لرفع الظّلم ومحاربة الأعداء فهذا كلّه إرهاب وعلى الجميع الاستنفار لصدّه وردّه!
تجتمع ملّة الكفر على إبادة المسلمين واجتثاث مفاهيمهم الإسلاميّة، أمّا ملّة الإيمان فمتفرّقة مستضعفة وقد نال منها الأعداء بعد أن فقدت دولتها وحصنها المتين وصارت بلا خليفة يحكمها بشرع الله ويطبّق فيها أحكامه العادلة.
ملّة الكفر اليوم يساند بعضها بعضاً للنّيل من كلّ نفس يدعو لعودة الإسلام وتمكينه، فتسارع بالتأييد والتّمويل وتصمّ آذانها عن الانتهاكات وجرائم الحروب التي ترتكب في حقّ الضّعفاء والأبرياء وتصمت عن كلّ من يسيء للإسلام والمسلمين ضامنة له ما تدّعيه من "حرّيّة الفكر وحقّ التّعبير"!
كشفت صحيفة يسرائيل هيوم في تقرير نشرته، أنّ كيان يهود تلقّى مساعدات عسكريّة من الولايات المتّحدة بما تزيد قيمته عن 22 مليار دولار، منذ السّابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023. وأضافت الصّحيفة أنّه تمّ إرسال أكثر من 10 آلاف طنّ من الذخائر بقيمة 2.4 مليار دولار في البداية، وزادت هذه الكمّيّة خمسة أضعاف لتصل إلى 50 ألف طنّ بحلول آب/أغسطس 2024.
كما أرسلت واشنطن بحسب التّقرير مجموعة متنوّعة من المعدّات العسكريّة المتقدّمة، المُتمثّلة بصواريخ المنظومة الدّفاعيّة "القبّة الحديديّة"، والقنابل الموجّهة بدقّة، إضافةً إلى طائرات مروحيّة من نوع "CH-53" للنّقل الثّقيل، ومروحيّات هجوميّة من نوع "أباتشي AH-64" وقذائف المدفعيّة من عيار 155 ملم، وقنابل تخترق الحصون والمركّبات المدرّعة. وأشارت الصّحيفة إلى أنّ إجمالي عائدات شركات تصنيع الأسلحة الثّلاث الكبرى في كيان يهود ارتفع بنسبة 15% بعد بدء العدوان على غزّة وبلغ 13.6 مليار دولار.
هذه هي إنجازات الدّولة العظمى؛ ترسل مساعدات حربيّة لدولة الاحتلال لتحارب ما تسمّيه (إرهابا) فتقتل الرضّع والأطفال والنّساء والشّيوخ وتهدم المساجد والمستشفيات مدّعية محاربة (الإرهابيين) الذين يهدّدون أمنها وحضارتها! تتكاتف مع هذه الدّولة الغاصبة في إبادتها لشعب أعزل وقتلها للأبرياء.
ويعتبر الاتّحاد الأوروبي، المؤسّسة الثّانية التي تقدّم أكبر قدر من التّمويل لجامعات كيان يهود، بعد الحكومة، كما بيّن ذلك إيفار إيكلاند، المحاضر بجامعة باريس دوفين الفرنسيّة في حديث لوكالة الأناضول، ولفت إلى أنّ الأبحاث في جامعات كيان يهود تشمل "تطوير تقنيات متقدّمة مثل المسيرات والصّواريخ، وتُنفّذ برامج بحث وتطوير طويلة المدى" وقال إنّ هناك "علاقة وثيقة بين الجامعات والجيش في (إسرائيل)، والصّناعات العسكريّة (الإسرائيليّة) تستفيد من الدّعم الدّوليّ الذي تتلقّاه الجامعات" وأضاف: "من الواضح جدّا أنّ صناديق أبحاث الاتّحاد الأوروبّيّ تدعم في نهاية المطاف الصّناعة العسكريّة (الإسرائيليّة)".
ينفقون الأموال لمحاربة الإسلام والمسلمين ويموّلون كيان يهود وجامعاته ويدعمونه ليطوّر من صناعاته العسكريّة ليواجه أيّ خطر يمكن أن يهدّد كيانه ووجوده.
يقول الطّبري في تفسيره للآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾:
"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنّ الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم، فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقوَّوا بها على قتال رسول الله ﷺ والمؤمنين به ليصدّوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله، فسينفقون أموالهم في ذلك ثم تكون نفقتهم تلك عليهم ﴿حَسْرَةً﴾ يقول: تصير ندامة عليهم لأنّ أموالهم تذهب ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله لأنّ الله مُعْلي كلمته وجاعل كلمة الكفر السفلى، ثم يغلبهم المؤمنون ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنّم فيعذّبون فيها. فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك! أمّا الحيّ، فحُرِب ماله وذهبَ باطلا في غير دَرَك نفع، ورجع مغلوباً مقهوراً محروباً مسلوباً. وأمّا الهالك، فقتل وسُلب، وعُجِّل به إلى نار الله يخلُد فيها نعوذ بالله من غضبه".
وها هي أمريكا والاتّحاد الأوروبيّ ينفقون الأموال الكثيرة ويعطونها لكيان يهود ليتقوّى بها على أهالي غزّة وفلسطين وليحاربوا كلّ نفس إسلاميّ يدعو لعودة هذا الدّين ونصره. فهذا هو مآل هؤلاء الذين ينفقون الأموال للصّدّ عن سبيل الله ومحاربة الإسلام وأهله، فقد توعّدهم الله بالحسرة وبالخلود في جهنّم.
ولئن كسب أهل الباطل بعض الجولات في هذا الصّراع وأذاقوا أهل الحقّ الويلات فإنّ الجولة النّهائيّة ستكون بإذن الله للحقّ على الباطل، وللإيمان على الكفر، وللعدل على الطّغيان. يقول عزّ وجلّ في محكم آياته: ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾.
فيا أمّة الإسلام: هذا طريق ربّك مستقيما فاتّبعيه وتوحّدي على تحقيق غاية واحدة: رفع راية الإسلام وإعلاء كلمته، واعملي مع الصّادقين من أبنائك وانصريهم وكوني في صفّ المخلصين الذين لا همّ لهم سوى إقامة دولة الخلافة الرّاشدة الثّانية على منهاج النبوة التي بها وحدها يعود لك العزّ والتّمكين الذي وعد به الله عباده المؤمنين.
﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
كتبته للمكتب الإعلامي المركزيّ لحزب التّحرير
زينة الصّامت