الإثنين، 27 رجب 1446هـ| 2025/01/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الحضارة الغربية الزائفة

 

 

إن القارئ للتاريخ بتجرّد يرى بوضوح أن الحضارة الغربية عبر تاريخها الإقصائي مليئة بالشواهد التي تبرهن على ظلمها للشعوب الأخرى. فعندما وصل الأوروبيون إلى أستراليا، لم يبقَ فيها سوى بقايا من الشعوب الأصلية، وقد حوّلوا ثقافتهم وتراثهم إلى مجرد فولكلور قديم، وكذلك ما جرى للهنود الحمر في الأمريكيتين، حيث كان تاريخ الإبادة والاستئصال حاضراً بقوة، ولا ننسى مشاهد الإبادة التي تعرّض لها المسلمون في الأندلس، وجرائم محاكم التفتيش التي أبادت وشوّهت كل من خالفهم.

 

هذه هي الحضارة التي يتفاخر ويتبجح بها بعض الذين انبهروا بالفكر الغربي، المضبوعين بثقافته، حضارة قامت على حساب الشعوب التي وقعت ضحية لغزوها واستغلالها.

 

ولو قرأنا التاريخ بإنصاف ونظرنا إلى ما قدّمته الحضارة الإسلامية للبلدان التي فتحتها، لتجلّت أمامنا قيمها الراقية ومبادئها النبيلة.

 

فقد أسّست أول مجتمع إسلامي في الجزيرة العربية، مجتمعاً متماسكاً حيّر القلوب وسلب الألباب، مجتمع جمع بين أفراده بلالاً الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيباً الرومي، وأبا بكر العربي، دون أدنى تمييز بينهم، مجتمع تجد فيه مختلف القوميات، هذا المجتمع أرسى قواعد العدل على أساس ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾، هذا هو مقياس التمايز في حضارة الإسلام، هذا هو التشريع الحافل الذي تمتعت به البشرية وعاشت في ظله أعلى مراحل العز والكرامة التي حرمت منها البشرية اليوم أو منذ أن غربت شمس الإسلام وحضارته المجيدة.

 

الحضارة الإسلامية لم تُقم نظامها على الاستعلاء أو الإقصاء والطبقية المقيتة، وتتبجح بالمبادئ والقيم التي سرعان ما تكون تحت الأقدام حينما تدق أجراس المصلحة، كما فعلت الحضارة الغربية، بل كانت الفتوحات الإسلامية مثالاً للتعايش والتكامل.

 

ففي الدول التي دخلها الإسلام، حافظ المسلمون على السكان الأصليين، وكانت أعداد المسلمين قليلة في البداية مقارنة بهم، ورغم ذلك، ازدهرت المجتمعات تحت راية الإسلام، مستفيدة من عدالة التشريع وروح الأخوة التي تسود فيها.

 

على النقيض، نجد أن الحضارة الغربية تتباهى بمبادئها الإنسانية والديمقراطية، لكنها تسحقها عندما تتعارض مع مصالحها، فهذه الحضارة لا تتوانى عن دعم الانقلابات وتزوير الانتخابات وتمويل الطغاة لإبقاء الشعوب تحت هيمنتها، وتدعم بالمال ليأتي حكام من بني جلدتنا يظلموننا، ويسعون في الأرض فسادا، لذا فهم اليوم يبذلون جهوداً جبارة من أجل إيقاع بلادنا في براثن الاحتواء الغربي، من خلال حملات التشويه والدس، ومحاولة عرض الحقائق مشوهة من أجل إبعاد الناس عن الإسلام، فهم يحاولون برمجة العقول للتعامل مع حضارتهم المسمومة، كمنقذ للبشرية وحامية للحريات، والقيم الديمقراطية الزائفة، في حين ترى في الواقع عندما تثور الشعوب وتطلب الانعتاق من الظلم، تتسابق القوى الغربية لتقديم الحماية للطغاة ودعم الأنظمة الفاسدة.

 

ما يُبقي البلاد الإسلامية اليوم عقبة أمام مشاريع هذه الحضارة الاستعلائية هو عودة المفاهيم الإسلامية إلى مجتمعاتنا، وترسيخ قيم المقاومة الفكرية، وتعزيز الاعتزاز بالهوية والثقافة الإسلامية، والعمل الجاد لعودة الحياة الإسلامية واستئناف العمل بنصوصها، للانعتاق من عفونة الحضارة الغربية.

 

إن ما تقوم به أمريكا، زعيمة هذه الحضارة، من جرائم منذ نشأتها وحتى اليوم، لهو أكبر شاهد على كذبة هذه الحضارة القذرة التي تعشق الهيمنة والاستعلاء وإذلال وقهر الشعوب، والهيمنة على مقدراتهم، وإفقارهم، وكذلك الرغبة في تدمير كل من تشعر أنه يعارض مشاريعها، أو يحاول إفشال مخططاتها الخبيثة، والتي تبدأ أولاً بالسيطرة على العقول وإضعافها، وفقدانها الثقة في مقدراتها، وتحويلها لمجرد بقرة حلوب من أجل بقاء حضارتهم القذرة.

 

إن الحضارة الغربية المتمثلة بأمريكا زعيمتها، سلبت الفطرة السوية للبشرية التي فطر الله الناس عليها من عقول الكثيرين وجعلهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن قوة أمريكا لا تقهر، وهكذا يستمر هذا السيناريو الوهمي وكأنه حقيقة، ولكن الحقيقة أن هذا الوهم مرسوم في عقول من استطاعت السيطرة عليهم وسلب إرادتهم.

 

والحقيقة التي باتت واضحة اليوم أن أمريكا ترتكب بحق الشعوب منذ نشأتها جرائم بشعة لا حصر لها، ولكنها تسعى على الدوام للسيطرة على وسائل الإعلام، لطمس جرائمها وإشغال الناس في قضايا ثانوية من أجل صرف أنظارهم، كي لا يروا وجه أمريكا القبيح، ولو نظرنا نظرة بسيطة على المجازر التي ترتكبها أمريكا، لرأينا ما يذهل العقول، وما يؤكد زيف ادعاءاتها بأنها راعية الحريات، وحامية حقوق الإنسان.

 

إن البشرية اليوم تعاني من الظلم، والتفاوت الطبقي، والفقر، والجوع، والحرمان، وتحتاج إلى منقذ يخلصها من هذه العذابات، لقد جرّبت البشرية كل الحضارات، لكنها لم تجد العدل والمساواة والكرامة إلا في الإسلام، الإسلام هو العملاق الذي إذا نهض من جديد سيحطم قيود العبودية وسيقود البشرية نحو الحرية والكرامة.

 

نسأل الله أن يوقظ هذا العملاق (الإسلام) وأن يعجّل بفرجه، وأن يأخذ بيد العاملين لتحقيق وعد الله المنشود، السائرين مع سفينة النجاة (الرائد الذي لا يكذب أهله)، وما ذلك على الله بعزيز.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع