الأحد، 22 شوال 1446هـ| 2025/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لماذا نخاطر في تعبئة جيوش المسلمين لنصرة لغزة؟!

 

(مترجم)

 

سؤال صعب في أجواء الخوف والتهديدات، ولكن بسم الله... لنبدأ

 

لقد ألهمتني أختنا ابتهال، التي وقفت مؤخراً في وجه شركة مايكروسوفت بسبب دعمها للإبادة الجماعية في غزة. كان موقفاً شجاعاً جريئاً، وتحدياً صريحاً. أنا أبٌ لثلاث بنات، وعمٌ لخمس من بنات إخوتي، لذا شعرتُ بذلك الموقف الشجاع في أعماقي، شعور لا يعرفه إلا من رُزق بمثل هذه النعمة. إنها ابنة تخاطر بالكلام، في حين إن والدها لا يحتمل حتى خدشاً في يدها، ومستعدٌ لأن يفديها بحياته دون تردد.

 

لقد ذكّرتنا ابتِهال جميعاً، سواء أكنا آباءً أم لا، بصورة اللبؤة التي تحمي أشبالها من أشرس الوحوش، في غياب الأسد. من أين يأتي هذا؟ من محبة الله ﷻ، ومحبة الجنة، وجرعة لا بأس بها من الخوف من النار. هذا هو ما يُبقينا ضمن حدود الله ﷻ، في صيام رمضان، ودفع الزكاة، وأداء الصلاة.. وفي الابتعاد عن شرب الخمر، وكره الزنا، وتجنب الربا...

 

فإن كانت بناتنا، اللواتي نحن مأمورون بحمايتهن، هكذا، فكيف يجب أن يكون آباؤهن، الحماة الحقيقيون؟ وإن كانت اللبؤات هكذا، فكيف يجب أن يكون الأسود؟ وإن كان حال الناس هكذا، فكيف يجب أن يكون حكامهم؟ وإن كان حال المدنيين هكذا، فكيف يجب أن يكون الضباط العسكريون؟ أليس هؤلاء الضباط والحكام يعرّضون أنفسهم لخطر دخول النار، ولو للحظات؟ فإن عقوبة ترك واجب شرعي، أو الإقدام على حرام شرعي، هي النار، ولو كانت للحظات. حتى إن بعض أهل الجنة سيحملون آثاراً من النار التي دخلوها. هذا هو أساس ما نقوم به بوصفنا مسلمين؛ نتجنب سخط الله ﷻ، نجتهد ونكدّ لننال رضاه ﷻ، إن شاء أن يمنّ علينا بذلك. اللهم ارحمنا وتفضل علينا، اللهم آمين.

 

نحن لا نفترض أن المغفرة مضمونة. نعم، نعتمد على رحمة الله ﷻ لندخل الجنة ونتجنب حتى لحظة في النار. ولكن هذا لا يعني أننا يمكننا شرب الخمر، وارتكاب المعاصي، والسكوت عن المنكر، وممارسة الزنا، على أمل أن تُجبر سيئاتنا ويغفر الله ﷻ ذنوبنا. فعمرة، أو صدقة، أو إطعام يتيم، قد تعوّض، ولكن لا تجبر تقصيرنا في عدم القيام بواجب شرعي، أو إقدامنا على معصية. فحتى مثقال ذرة من الشر قد يُدخل صاحبه النار.

 

أنا الآن في منتصف الخمسينات من عمري. ولدي ذكريات جميلة عن محمد علي، بطل العالم في الملاكمة. أحب شيئاً معيناً فعله، إلى جانب كونه سفيراً ملهماً للإسلام، وهو أنه كان يحمل عود ثقاب، ويشعله، ويقرب يده منه إذا ما فكر في الاستسلام لأي من الإغراءات من حوله. والأمل في رحمة الله ﷻ والخوف من سخطه ﷻ هما أمران متناقضان في الظاهر، ولكنهما يتعايشان في قلب المؤمن. قال الله ﷻ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. وروى أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ زار شاباً وهو في سكرات الموت، فقال له: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟« قال: "أَرْجُو اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَخَافُ ذُنُوبِي" فقال النبي ﷺ: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ« رواه الترمذي وابن ماجه.

 

أتذكر أن والدتي حفظها الله كانت تصب عليّ ماءً بارداً جداً من إبريق كبير، عندما كنت في العاشرة من عمري في شتاء إنجلترا، إذا طلبتُ "خمس دقائق إضافية" لأقوم لصلاة الفجر. وكانت تقول لي بابتسامة عريضة: "هذا يُطفئ نار جهنم. الآن قم يا بني"، لتأديبي بشأن عذاب جهنم بسبب تفويت صلاة واحدة، كنت أتلقى تذكيراً على شكل بلل بارد جدا. لهذا السبب أنا من النوع الذي ينام مبكراً ويستيقظ مبكراً، ونشيط جداً في وقت الفجر، كما تؤكد زوجتي الصبورة منذ ثلاثين عاماً، وبكل حماس.

 

أمي هي تذكير لي، كونها ابنة لأم بشتونية، وهم من خير الأخوال. أسأل الله ﷻ أن يمد في عمر والدتي في طاعته. اللهم آمين. أما والدي، رحمه الله رحمة واسعة، فكان يشعل الموقد الغازي، ويسألني: "إلى أي مدى يمكنك أن تقرب يدك منه؟" يسمونه الآن "الحب القاسي"، يسمونه "المدرسة القديمة". لكنه تأديب شرعي، وإن لم نعرف ذلك آنذاك. فالأب يؤدب ابنه ليحميه من النار، حتى لو كرهه الابن لأجل ذلك. فحب الأب لابنه يكون بهذا الشكل.

 

عائلتي من جهة الأب تنتمي إلى مدينة لكناو، في الهند قبل التقسيم، قبل هجرتهم إلى كراتشي في باكستان. كانوا من المجاهدين ضمن حركة "المنديل الحريري"، يقاتلون الاحتلال البريطاني. وكانت نساؤهم يقطفن أوراق الأشجار ويطبخنها تحدياً، عندما كان البريطانيون يحاصرونهم عقاباً جماعياً على ما فعله رجالهم. وما زلت أرى ذلك التحدي، تلك النظرة، في أختي ونساء عائلتي. فاللبؤات لا يقللن شأناً عن الأسود، كما ذكرتني أختنا ابتهال.

 

أمي ضعيفة الآن، ولكن حتى في ضعفها، وبيدين مرتجفتين، ستسكب إبريق ماء بارد على أي ضابط جيش، أياً كانت رتبته، لتذكره بأنه لا يجرؤ على أن يطلب "خمس دقائق إضافية". لقد مرت ثمانية عشر شهراً دون أن تتحرك الجيوش لنصرة غزة. أبي رحل الآن إلى رحمة ربه الواسعة، أسأل الله ﷻ أن يمنّ عليه بمرافقة النبي ﷺ في الجنة. الموقد الذي كان يشعله لم يعد يُشعل، لكنه ما زال يشتعل في صدري... ولو كان معنا اليوم، لأمسك بأحد أبنائه من الجيش الباكستاني ووضع يده على الموقد، حتى لو كره الضابط ذلك. هذا هو الحب الصارم المطلوب الآن.

 

النار المتقدة التي يُمثلها ذلك الموقد، تذكر ابنه بأن يتكلم ويتصرف، ربما بلا خوف، أو على الأقل بعد التغلب على بعض من خوفه. بعض ما يفعله الابن الآن من أجل غزة قد يسبب له بعض المتاعب، بل قد يجلب له الكثير من المتاعب، في الواقع، هناك ربح وخسارة. ولكن المكافأة تستحق المخاطرة. وفوق كل هذا، لديه أم تدعو له بالسلامة، وربما بعض أمهات مرضاه يدعون له أيضاً. وهو يتوق بشدة أن يترك إرثاً طيباً لبناته وبنات إخوته، ووضعاً أفضل للأمة، أفضل مما رآه طوال حياته، حتى الألم الشديد الذي رأيناه في غزة. وفوق كل شيء، قال الله ﷻ: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، ومع كلام الله ﷻ، أتذكر حديث رسول الله ﷺ الذي قال فيه: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلاَ تَعْجِزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» رواه ابن ماجه. فالجبان يموت ألف مرة قبل أن ينتهي رزقه وأجله، وكلاهما مقدر من الله ﷻ، مهما فعل. وقد أرانا الله ﷻ شيئاً من ذلك في جميع أنحاء العالم، من خلال صمود أختنا ابتِهال. كل هذا كان مما تحرّك في داخلي حين رأيت لبؤتنا، الأخت ابتهال، تقف شامخة.

 

إنّ صمود أهل غزة، ودعم لبؤتهم الجسور، أمة الإسلام، ينبع من محبة عميقة لله ﷻ، ولرسوله ﷺ، وللمؤمنين، ومن أمل في نيل رضوان الله والفوز بالجنة، ونعم، من خاف من النار اتعظ. لقد أدّى مسلمو غزة واجبهم الشرعي، وحان الوقت لأمة الإسلام وجيوشها أن تؤدي واجبها، وتُزيل كل من يعترض طريقها، بشجاعة اللبؤة التي تحمي أشبالها وسط الوحوش، في غياب الأسد.

 

يا ضباط القوات المسلحة من المسلمين: لقد نهضت الأمة وهي تناديكم لنصرتها، كونوا أسود عزّتكم، وأسود أمة محمد ﷺ، وافترسوا الوحوش الكاسرة لوجه الله ﷻ! ولا يجرؤ أحد منكم أن يطلب "خمس دقائق إضافية" قبل أن يفعل، لأن الأمهات في هذه الأمة ما زلن يحملن جراراً كبيرة من الماء البارد لتذكيركم، إن نسيتم، أو تعمدتم النسيان. ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مصعب عمير – ولاية باكستان

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع