الخميس، 12 ربيع الأول 1447هـ| 2025/09/04م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الشام والكارثة الكبرى

 

 

 

مأساة الشام اليوم هي في فراغ الحكم وعقم الحاكم وغياب مطلق لمشروع دولة، فنحن أمام حالة من سياسة شاذة للحكم مثخنة بعمى البصيرة السياسية وانعدام تام لشروط الحكم والقيادة، فالرئاسة والإدارة اليوم بالشام رهن للاستعمار، قرارها بيده ورسم سياساتها بيده، بل وجودها وعدمها سيان، فالمستعمر الأمريكي عبر مبعوثه الخاص (المندوب السامي) توم باراك هو من يدير الشام.

 

فالشام اليوم بعد سقوط سفاحها بشار رهينة سياسية لأمريكا محجوزة ومقيدة بسياستها الاستعمارية ونفوذها الخارجي، وإدارة دمشق صيرتها أمريكا أداة لتحقيق أهدافها الاستعمارية. وها هي أمريكا قد عاثت في الشام فسادا وإفسادا عبر مبعوثها توم باراك ومكائده ومكره الخبيث لتحقيقه أهدافها الاستعمارية عبر قاعدتها الاستراتيجية كيان يهود، بل حتى عبر أحقر أدواتها من شراذم خونة الدروز والعلويين والأكراد الذين باتوا يصولون ويجولون ويعيثون فسادا ولهم رأي في أمر الشام وسياسة أهلها، وأنكى من ذلك عبر أحمد الشرع وبطانته بدمشق.

 

المفارقة اليوم ورزية الشام وكارثتها الكبرى هي في فراغ الحكم وانعدام الدولة، ليس بالشام حاكم، أو حتى شبه حاكم، بل نحن أمام فراغ مدمر على مستوى الحكم والقيادة، هذا الوضع الشاذ جعل تمرير الخيانات الكبرى كسياسات ومشاريع حكم، حتى إن هذه الإدارة في عمى بصيرتها السياسية وارتهانها للاستعمار الأمريكي حققت له وأنجزت من الخيانات في سبعة أشهر ما تطلّب عقودا طوالاً من مؤامرات حكام الوظيفة الاستعمارية بالمنطقة.

 

فهذا الوضع السياسي الشاذ اليوم بالشام جراء هذه السياسات الشاذة للإدارة بدمشق، المندفعة بخطا متهورة متسارعة متلاحقة لإنهاء ثورة الشام عبر تسليم الشام لأمريكا، هي حالة من غرائب السياسة أن تنتهي ثورة للتحرير من الاستعمار إلى إحكام قيود الاستعمار!

 

فأمريكا مصرة على بقاء نفوذها في الشام بشروط وقيود ألعن من سابقاتها زمن السفاح بشار، وإدارة دمشق هي أداتها الخانعة الطيعة في تنفيذ كل مكائدها الاستعمارية وخبيث مكرها، ومبعوثها الخاص لسوريا توم براك هو حقيق مندوبها السامي لإدارة الشام وحكمه.

 

فنحن أمام مبعوث خاص أمريكي بصلاحيات مندوب سامي له السلطة العليا في القضايا المصيرية للشام تشريعا وحكما وسياسة وجيشا واقتصادا واجتماعا وإدارة. فتصريحاته لصحيفة نيويورك تايمز في تموز/يوليو 2025 كشفت دوره وصلاحياته وخريطة الطريق التي رسمتها أمريكا للشام والموكول به إنجاز أهدافها.

 

أبرز ما جاء فيها:

 

سوريا و(إسرائيل) تجريان محادثات جادة برعاية أمريكية لاستعادة الهدوء على الحدود

 

إدارة ترامب ترغب في انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، لكن هذا الأمر قد يستغرق وقتاً

 

الرئيس الشرع قد يواجه معارضة داخلية بشأن الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية

 

لا يمكن للسوريين أن يروا رئيسهم مجبراً على الانضمام لتلك الاتفاقيات، ولذلك عليه أن يعمل بتأنٍ

 

التقدم في مساري الديمقراطية والحكم الشامل في سوريا لن يتحقق بسرعة، وهما ليسا جزءاً من المعايير الأمريكية

 

واشنطن أدركت أن سوريا لا تستطيع طرد من تبقى من المقاتلين الأجانب (المجاهدين)

 

المقاتلون الأجانب قد يشكلون تهديداً للحكومة السورية الجديدة في حال استبعادهم

 

إدارة ترامب تتوقع شفافية بشأن الأدوار الموكلة إلى المقاتلين الأجانب في سوريا

 

رفع العقوبات يهدف إلى تشجيع التغييرات، وهو أكثر فاعلية من إبقائها سارية حتى تلبية مطالب محددة...

 

فنحن أمام مندوبية استعمارية مكتملة الأركان لها مندوبها السامي وأهدافها الاستعمارية المعلنة وخريطة طريقها لإنجاز أهدافها وحكومة دمشق أداة تنفيذ فيها. تَمَّت ترجمة ذلك عبر اللقاءات المكثفة لتوم براك بكل من أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، ففي تصريح عقب اللقاء الذي جمع توم براك بأحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في أيار/مايو 2025 بإسطنبول، أكد أن الملفات التي تم بحثها متعلقة بالخطوات العملية للاتفاق مع يهود، والإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومة السورية فيما يتعلق بملف المقاتلين الأجانب (المجاهدين أنصار الثورة).

 

ثم هناك اللقاء الذي جرى في قصر الشعب يوم الأربعاء، 9 تموز/يوليو 2025، وجمع توم براك بأحمد الشرع بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني، حيث جرى بحث أربعة ملفات رئيسية تتعلق بوضع سوريا، والملفات التي تم بحثها متعلقة بـ:

 

الهيكل السياسي المستقبلي للدولة السورية بحسب نظرة أمريكا وتوظيفها لملف العرقيات الصغيرة (الدروز، الأكراد، العلويين) في تفكيك سوريا وشرذمة مجتمعها.

 

تسريع تنفيذ بنود الاتفاق بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) العميلة لأمريكا، علما أن الاتفاق كان تصميما أمريكيا، والهدف منه دمج قسد في الدولة والجيش كجزء من مشروع إعادة هيكلة الحكم والجيش بعملاء جدد للاستعمار مع تصفية تامة للثوار والمجاهدين من أجهزة الحكم والجيش.

 

ملف الترتيبات الاقتصادية عبر تفعيل الصندوق الاستثماري الذي اقترحه توم براك، والذي يعتبر الآلية الأمريكية لفتح الباب أمام الشركات الأمريكية لنهب ثروات الشام تحت خديعة إعادة الإعمار والتنمية.

 

ترتيب وضع القوات العسكرية في شمال شرق سوريا، والقوات المعنية بالأمر هي القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة الشمالية الشرقية، أي تأمين الحكومة السورية وأجهزتها العسكرية والأمنية لقوات الاستعمار الأمريكي وضمان حركتها وحمايتها.

 

هكذا انتهت حكومة دمشق كإدارة وفرع في المندوبية السامية للاستعمار يشرف عليها ويديرها المبعوث الخاص الأمريكي توم براك بسلطات وصلاحيات مندوب سامي، وعليها تنفيذ سياساته وإنجاز مشاريعه.

 

ولقد كان تقرير واشنطن بوست الأخير في 23 آب/أغسطس 2025 والذي يستند إلى تصريحات توم براك، كاشفا بوضوح عن الرؤية الأمريكية لسوريا بعد الأسد وصيغة الدولة الوظيفية المستقبلية، فقد أدلى براك تصريحات كاشفة عن رؤية أمريكا للهيكل السياسي للدولة الوظيفية بسوريا نقلتها الصحيفة، حيث قال: "ليست اتحادية ولكن صيغة دون ذلك تسمح للجميع بالحفاظ على ثقافتهم ولغتهم الخاصة، دون تهديد من الإسلام السياسي". فهدف أمريكا هو تفكيك الشام للتصدي لمشروع الإسلام الحضاري والوحدة الإسلامية الفريدة.

 

وكل ما يطرح اليوم من مشاريع استعمارية سامة هو لخدمة هدف التفكيك، وتطرح للرأي العام كخيارات سياسية بل وضرورات لإدارة المرحلة الانتقالية تزييفا للوعي وتعمية عن الخيانة، ومن هذه المشاريع الاستعمارية الخبيثة:

اللامركزية المرنة عبر منح سلطات محلية للعرقيات الصغيرة تحت إشراف الحكومة في دمشق

 

ضمانات دولية للعلويين والدروز والأكراد، تحت ذريعة طمأنتهم بأنهم لن يتعرضوا للإقصاء أو الانتقام

 

رقابة أمريكية غربية (من الدول الاستعمارية تحديدا) لمتابعة تطبيق أي صيغة سياسية جديدة وضمان التوازن.

 

ثم ما يحاك في سراديب ودهاليز الشر الأمريكي من سياسات ومؤامرات ضد الشام وإسلامها وأهلها خدمة لكيان يهود الغاصب أدهى وأمر، وهي حقيق الردة والقهقرى نحو العمالة. فقد صرح توم براك "أن الإدارة الأمريكية ترعى محادثات غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب تهدف إلى استعادة الهدوء على الحدود، وأن الطريق نحو الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام لن يكون فوريًا"، وأضاف "بأن الإدارة الأمريكية ترغب في أن تنضم سوريا إلى اتفاقيات أبراهام... وقد يستغرق وقتًا لتحقيقه".

 

وهذا الانخراط التام في اتفاقيات أبراهام مؤامرة أمريكا الكبرى في تذويب كيان يهود في المنطقة عبر تطبيع شامل للعلاقات معه، وقد تسارعت خطوات حكومة دمشق وتلاحقت اتصالاتها به كمقدمة للتطبيع، وكان من مقتضيات سياسة خطوة خطوة نحو التطبيع، اقتطاع جنوب الشام وتحويلها إلى منطقة عازلة لتأمين يهود، وأحداث السويداء كانت الشق الأكبر في المؤامرة الأمريكية، جاء في جواب سؤال عن أحداث السويداء من إصدارات أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة: "كل هذا يؤكد أن أمريكا تريد أن يكون جنوب سوريا منطقة عازلة وآمنة لكيان يهود، وأنها راضية عن اعتداءاته المتكررة حتى يخضع النظام لهذا الوضع من أجل التطبيع.. وأن ما حدث من لقاءات في أذربيجان وباريس هي خطوات متلاحقة في هذا المسار.. وحسب تسريبات إعلامية فإن من أبرز ما يجري التفاوض عليه: إنشاء منطقة أمنية عازلة جنوب سوريا لحساب كيان يهود، كما هو موجود في سيناء بين مصر وكيان يهود حسب اتفاقية السلام التي عقدها النظام المصري عام 1979 والتي ما زالت سارية تمنع أهل مصر من أن يتحركوا لنصرة إخوانهم في غزة الذين يتعرضون للإبادة الجماعية".

 

لقد كان اجتماع باريس صادما فاضحا، لقاء مباشر يوم الثلاثاء 19 آب/أغسطس 2025 بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووفد من كيان يهود ممثلا بوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وكان اللقاء تحت إشراف وإدارة أمريكية. وهذا الاجتماع الذي رعته إدارة ترامب يُعد أرفع مستوى من التواصل الرسمي بين كيان يهود وسوريا منذ أكثر من 25 عامًا. كتب توم براك على منصة إكس: "التقيت هذا المساء بالسوريين والإسرائيليين في باريس، كان هدفنا الحوار وخفض التصعيد، وقد حققنا ذلك بالفعل. وأكد جميع الأطراف التزامهم بمواصلة هذه الجهود".

 

هي خطوات في درب التطبيع الشامل مع الكيان الغاصب، وسير في دروب السياسة الأمريكية ومشاريعها الاستعمارية في إعادة الشام لحظيرة الاستعمار مثخنة بالجراح مكبلة بمزيد من الأغلال.

 

هي الكارثة العظمى يا أهل الشام فأحمد الشرع وبطانته ماضون في تسليم الشام لأمريكا والتطبيع مع الكيان الغاصب لأرضكم المباركة وشامكم، فكيف ترضون أن يكون مصير ثورتكم المباركة هو إقرار اغتصاب يهود لأقصاكم ومسرى ومعراج نبيكم واستعمار أمريكا لشامكم؟! كيف ترضون أن يكون حصاد ثورتكم المباركة هو استعمار شامكم؟!

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع