مأزق الولايات المتحدة في مصر
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الأيام تواجه الولايات المتحدة تحدياً حقيقياً لنفوذها في المنطقة الإسلامية يهدف لإخراجها من المنطقة الإسلامية إلى غير رجعة، لذلك فإنك تجدها قد استنفرت بكل ما تملك من قوة متاحة الاستخدام، وأجلبت على العالم الإسلامي بخيلها ورجلها، لتحافظ على استمرار وجودها في مصر، حيث إن مصر مفتاح المنطقة العربية وعمود العالم الإسلامي.
كانت مصر أبداً حاضرة في وجدان العالم الإسلامي، وكانت قلعته الشامخة، فهذا الجيش القادم من مصر بقيادة صلاح الدين، يقتلع الصليبيين من بلاد المسلمين في معركة حطين، ويحرر القدس، وتستمر الجيوش بالتدفق من مصر، إلى أن قطعت دابر الصليبيين.
وها هو جيش مصر تحت قيادة المظفر قطز في معركة عين جالوت يمحو أثر المغول.
وإذا ترك الربيع العربي دون تدخل، فإن سبيله ليس إلا إخراج نفوذ دول الاستعمار الطامعة في بلاد المسلمين، بعد أن خلا لها الجو ردحا من الزمان، فتصارعت على بلاد المسلمين، يحوزه المنتصر من بينها، منذ الحرب العالمية الأولى، فكانت النتيجة أن جمدت بلاد المسلمين وما زالت بيد الكفار مباشرة أو بيد عملائهم من أبناء المسلمين منذ ذلك الحين.
والآن تعمل أمريكا على أن تضع حدا للربيع العربي وتحرفه عن مساره وغايته، ولا تألو جهدا في أن لا يكون للمسلمين يدٌ في حكم أنفسهم، حتى ولو اختاروا غير الإسلام نظاما للحكم!.
وأما إذا اختاروا الإسلام قبل أن يجتثوا جذور الكفر والاستعمار، فهي سوف تمالئهم وتدعي التعاون معهم ريثما تنقضّ عليهم، كيف لا وقد خبرتهم، منذ حربها الفعلية عليهم في أفغانستان والعراق والصومال، ولم تنتهِ تلك الحروب إلى ما سعت إليه، لذلك فإنك تجدها جادة في إغلاق ملف إيران النووي، بعد أن كانت تتخذه فزاعة لتخويف دول الخليج العربي، وتشغل أوروبا به، وها هي تسعى لوضع الحكم بيد الإصلاحيين في إيران، فإن صيحات المتشددين لا يعلم أثرها على الآذان المصغية لها.
وقد جاء الآن الربيع العربي الذي يلوح في أفقه الحكم بالإسلام، وهو ما يخيف أمريكا ودول المسلمين خصوصا دول الخليج العربي وإيران، والناظر يرى أنه وإن لم يتم شيء من ذلك لحد الآن، إلا أنه ولا شك هو ما يخيف الجميع، الكفار بكل أشكالهم؛ الاستعمار الجديد والقديم الطامع والمتحفز، والعلمانيون من أبناء المسلمين، أصحاب الامتيازات ربائب الكفار، ومن يأمل بغنيمة من بلادنا، وحكام بلاد المسلمين، كل هؤلاء اجتمعوا على المسلمين، وكلهم يخشى خروج الأمر إلى إقامة حكم الإسلام على أنقاض ما بنوه عبر العقود الماضية.
وبنظرة تاريخية عاجلة نجد أن الولايات المتحدة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية قد عزمت على طرد الاستعمار القديم من بلاد المسلمين وأخذ مكانه، للاستحواذ على النفط وغير النفط، وقد استخدمت الانقلابات العسكرية أسلوبا لبسط نفوذها ولأخذ الحكم، وجعلت محاربة الاستعمار والتحرر والقومية والوطنية والاشتراكية، شعارات يستخدمها العسكر ليستحوذوا على قلوب الناس.
وفي سنة 1952 نجحت جهود المخابرات الأمريكية بترتيب انقلاب عسكري أجبر الملك فاروق على التنازل لابنه الرضيع والخروج من مصر، وقد منعت الولايات المتحدة الجيش البريطاني الموجود على ضفاف قناة السويس من التحرك من مكانه، وفي مقالة مترجمة في جريدة الغد الأردنية بتاريخ 29 كانون الثاني 2014 بعنوان (العالم السري لجواسيس أمريكا في الشرق الأوسط) يتحدث الكاتب عن قدوم عملاء المخابرات الأمريكية إلى المنطقة العربية ومنهم أحفاد تيدي روزفلت، أرشي وكيم وزميلهم مايلز كوبلند، يقول: "كان هؤلاء يتحدثون عن عهد جديد، حتى وهم يثيرون الانقلابات المناهضة للديمقراطية، ويوفرون الرعاية للقادة العسكريين الأقوياء، ويسعون لتحويل الأتباع السابقين للبريطانيين والفرنسيين، حيث دعم كيم ومحطة وكالة المخابرات المركزية أولا الضباط الأحرار الذين أطاحوا بالملك فاروق في العام 1952 وخصوصا زعيمهم الشاب جمال عبد الناصر".
لا شك أن هؤلاء المستعمرين الأمريكان حين يضعون أقدامهم في بلد لا يخرجون منها بسهولة، رغم فذلكات فيلسوف الدكتاتور، إلا بقطع أرجلهم وقص آثارهم، ومن ينزلق ويقع في شَرَكهم فلا تقوم له قائمة إلا بخدمتهم.
يصف نيكسون في كتابه الفرصة السانحة ترجمة أحمد صدقي مراد، كيف يتعامل عملاؤهم معهم، فيقول "فقد عبَّرتُ لمضيفي الفلبيني أثناء زيارتي للفلبين سنة 1953م عن قلقي من خطبة ألقاها أحد أعضاء مجلس الشيوخ الفلبيني، هاجم فيها سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وقد أكد لي مضيفي أن هذا العضو مشايع جدا لأمريكا" ويقول نيكسون أيضا "علينا أن نتقبل في بعض الأحيان رفض أصدقائنا في العالم الإسلامي لبعض تصرفاتنا، التي تسبب لهم حرجا سياسيا في بلادهم، قام كثير من الزعماء في المنطقة بلعننا على الملأ، وبالثناء علينا في سرهم، فيجب ألا يزعجنا أن تضطر الظروف أصدقاءنا، أن يتفوهوا ببعض السباب ضدنا إرضاء لأعدائنا".
إن مصر منذ أن طمع بها نابليون ولحق به الإنجليز واستعصت عليه عكا، وأصبح محمد علي واليا على مصر، بناء على طلب أهل مصر من السلطان، واستعصى على السلطان عزل محمد علي عن ولاية مصر، بعد أن تمكن منها وجعل منها قوة تنافس دار الخلافة، منذ ذلك الحين والإنجليز يعدون لاحتلالها، وتسنى لهم ذلك بعد خمسة وثمانين عاما، وساعدهم في ذلك سياسة محمد علي الانفصالية عن الدولة الإسلامية، وأطماعه الشخصية وميوله لفرنسا، وعدم وعيه على سياسة بريطانيا وأطماعها في مصر، وبشكل مباشر هوجة عرابي باشا وقد كان ولفرد كانتول بلنت ضابط المخابرات الإنجليزي مستشارا أمينا لعرابي! دخلت بريطانيا مصر ولم تخرج إلا بعد انقلاب 1952، وحاولت العودة سنة 1956 لتطرد نهائيا بسطوة أمريكا.
واليوم جاء الربيع العربي وقامت أمريكا فزعة كمن مسّه الجن لا تدري ما تفعل، فأمرت حسني مبارك بالتخلي عن الحكم وسلمت الحكم للجيش، ولم يستطع الجيش المصري ممثلا بالمجلس العسكري، السيطرة الكاملة والحكم، لرفض الشعب المصري لحكم العسكر، واضطر لتسليم الحكم للرئيس المنتخب محمد مرسي، بعد أن ألغت المحكمة الدستورية انتخابات مجلس النواب، وكانت أمريكا قد اطمأنت مرحليا إلى الإخوان المسلمين - على سبيل العور أخف من العمى ريثما تتدبر أمرها - حينما أخذت منهم عهدا على الاعتراف بالاتفاقيات الدولية وهي تعني الاعتراف بكيان يهود، واستمرار تطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي وتبادل السلطة السلمي بنظام الحكم الديمقراطي، ويجدر هنا أن نقول أن هناك من يذكر قولا للدكتور مصطفى الفقي: "إنه لا يحكم مصر إلا من توافق عليه أمريكا".
لقد استوعبت أمريكا ما حدث بمصر ولم يغير حكم محمد مرسي شيئا يذكر أو يحسب له حساب، ولم تستقر الأوضاع في مصر، وتبينت أمريكا طريقها وحركت عبد الفتاح السيسي، ووعدته بحكم مصر، فكان الانقلاب العسكري بوجه مدني وتأييد شعبي زائف.
ولم يكتفِ السيسي باتصال تشاك هيجل اليومي به، بل عتب على أوباما بأنه لم يبادر بالاتصال به، فهو يستعجل الجائزة - وهذا ما ينبئ استعجال الرجل على حيازة الكرسي - وقد أصبح الحاكم المطلق لمصر ويحدث نفسه، - لم التأخير والتسويف مِن الراعي إذن؟ وربطه بتشاك هيجل.
ويأتي كيري وزير خارجية الولايات المتحدة بعد الانقلاب ليقول: "إن الجيش المصري يعيد الديمقراطية".
ويقول أوباما: "الديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط".
وتشرح الوضع بيت جونز مساعدة كيري فتقول: "مرسي أظهر أنه لا يريد أو لا يمكنه الحكم بمشاركة كل الأطراف. ما أثار العديد من المصريين. واستجاب الجيش لرغبات ملايين المصريين الذين كانوا يعتقدون أن الثورة تأخذ منحى سيئا".
ولا يسعنا هنا إلا أن نقول: شكرا سيدة جونز، قلبك الكبير يحنو على المصريين، فيقتل وكيلكم الآلاف منا قتلا مروعا تنفطر القلوب منه، لا مثيل له ولا تطرف لكم عين، أنت وبلادك ترين أن تدخل الجيش في سياسة وحكم مصر أمر طبيعي ومبرر ولا بد منه. فقام السيسي بمشورتكم بعزل وسجن محمد مرسي، وعين رئيسا للبلاد ورئيس وزراء فهو يملك التعيين والعزل والقتل. ولا يحتاج الجيش حسب خبرتكم في ترتيب أوضاع مصر، إلا أسبوعًا أقل أو أكثر قليلا، - قاتلكم الله - حتى تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي ويتوج السيسي على عرش مصر بدون منازع.
وفي سبيل تحقيق ذلك نرى أنه قد حرك الشرطة والجيش ليثخن في الناس، وولغوا في دمائهم كوحش كاسر، لم نعرف قتلا مروعا مثله، إلا صور قتل الصليبيين للمسلمين في القدس، وقتل المغول للمسلمين في بغداد، واستعمل السيسي القضاة الفاسدين، يحكمون المعارضين بنزوات القائد الرمز، لتحقيق التحكم والسيطرة على أهل مصر.
لكن خاب فألهم، فما ظنوه يتحقق في أسبوع أو أقل، لم يتحقق.
نعم لقد جرد الشعب المصري الولايات المتحدة من أدواتها وأساليبها بالسيطرة عليه وأفقدها القدرة على الإبداع والتصرف بمصيره، هل أربكها الإثخان بقتل العزل؟. لا، فمن منظور أمريكا وأشياعها ما دام القتل والإثخان بالمسلمين، فإنها عودة للديمقراطية.
ومن إرباك أمريكا في مصر أنها لم تجد طريقا لها في خضم هذه الأزمة إلا الرجوع لملفاتها القديمة لتستنسخها، فهم يستنسخون النعاج، فلا بأس من استنساخ الانقلابات العسكرية وأساليب السيطرة والتحكم بالشعوب، وما اختلف الاستنساخ عن الأصل إلا بإدراكهم أن الادعاء بالوطنية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية لم تعد تجدي نفعا فقد جُرب مدّعوها، وادعاء محاربة الاستعمار مع صورة السادات في خلف صورة السيسي، والعلاقات الأخوية مع كيان يهود أمر لا يستقيم، حتى لو فلسف ذلك فيلسوف الدكتاتور، وكذلك صورة عبد الناصر، المخلّص!، الدكتاتور لا يتحمل النقد يبطش بمعارضيه، ولا يثق بمن حوله، المغامر، السلطة عنده أهم من المال والشهوة والصحة والأسرة (ثقوب في الضمير الدكتور أحمد عكاشة)، أهذا ما يريده المصريون؟!
لقد تغير الزمان، فقد تعدى الزمان والمكان هذه الدعاوى وقد استنفدت بريقها ووقف الناس على خداع مدعيها وأوصلت المديونية وفساد النظام الاقتصادي الرأسمالي مصر إلى حد الإفلاس الاقتصادي والسياسي.
ماذا تختلف الليلة عن البارحة؟ بم يختلف انقلاب أمريكا على بريطانيا على يد عبد الناصر عن انقلابها اليوم على يد السيسي؟
انقلاب 1952 استلم البلاد وهي (شغّالة) لا تثقل كاهلها الديون والفقر المدقع لأكثر من نصف عدد السكان. قام الحكام الجدد آنذاك ببعض الإجراءات لمسك دفة الحكم، تسريح 500 من الضباط في الأشهر الثلاثة الأولى من الانقلاب، فض إضراب عمال كفر الدوار بالقوة المسلحة، محكمة عسكرية لتنفيذ حكم الإعدام بمحمد البقري ومصطفى خميس رحمهما الله، لزرع الهلع بقلوب العمال، تشكيل محاكم عسكرية، أربعة آلاف جنيه مصري رشوة لرئيس اتحاد عمال النقل الصاوي أحمد الصاوي لتسيير مظاهرات مؤيدة للحكام الثوريين، تفجيرات لزرع الخوف بين الناس قام بها عبد الناصر بشهادة خالد محي الدين، افتعال حادثة المنشية وزج آلاف من الإخوان المسلمين في السجن وتنفيذ حكم الإعدام بخمسة أشخاص رحمهم الله، كان منهم الشيخ محمد فرغلي والأستاذ عبد القادر عودة، وضع محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية... وعندما خلا الميدان لحميدان، كانت الحياة كما يصفها الدكتور أحمد عكاشة في كتابه ثقوب في الضمير، وبتصرف.
ويؤكد الدكتور أحمد عكاشة صلة الولايات المتحدة بانقلاب 1952، يقول كان المصريون أثناءها يعتبرون الولايات المتحدة الأمريكية حليفا لهم، في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تستعد لوراثة قوى الاستعمار التقليدي البريطاني والفرنسي، وكانت تدبر الكثير من الانقلابات العسكرية في المشرق التي تؤدي إلى نشوء أنظمة سياسية ترتبط بالولايات المتحدة، يذكر الدكتور أن أمريكا بادرت إلى المساندة الإيجابية لمصر حتى انسحبت قوات العدوان. وهنا يذكر أن فيلسوف الدكتاتور يفتخر أنه من كتب قرار هيئة الأمم الذي سمح بموجبه لإسرائيل المرور من خليج العقبة إلى إيلات. ويفوت الدكتور عكاشة أن العدوان الثلاثي كان ردا على تأميم قناة السويس الذي يمتلك أسهم شركتها البريطانيون والفرنسيون، والأمريكان لا يملكون شيئا ولا يلحقهم أي ضرر بل هم يكسبون لأصدقائهم نصرا يرفع من سيطرتهم على الشعب المغبون فيهم، وكذلك سحب تمويل السد العالي كان ضمن رسم صورة البطل المحارب للاستعمار الغربي والتوجه للشرق الاشتراكي المحارب للاستعمار، وكان إظهار الدعم السوفيتي لمصر بشتى المجالات، ليتوارى الأمريكي ولا يلاحظ وجوده، ومن الهزل أن يذهب السيسي لموسكو لاستكمال الصورة!. كان هذا الواقع المرير الذي نشكو منه وهو نتاج لما حدث على مر السنين خصوصا من ثورة 1952 إلى اليوم والتي كانت ثورة على وضع بائس كان منتظرا منها أنها سوف تبني بالضرورة ما هو خير منه، إلا أن الأمر ازداد سوءًا، لقد بدأ واستمر عهد الثورة بشعارات غوغائية أو غير واقعية أو ليست حلولاً على الإطلاق، وأهداف هلامية، ولا بد أن نعترف أن مجتمعنا الآن باتت تعوزه القدوة، فالأفراد يعرفون ويسمعون الكثير عن انحرافات تؤرق ضمائرهم، بل هم يرونها تقع في أوساط ومستويات كان الأولى أن تتسم بالنزاهة، كما يشهدون أن العقاب قد يلحق بالبعض دون البعض الآخر. المواطن ليس له بالفعل أي دور في مجريات أمور وطنه، وقد ورثت النخبة الجديدة عن الاستعمار نظرية أن الشعب قاصر، وأن الحكام هم الأوصياء عليه فتراهم متمسكين بنظريتهم، نشطين في تطبيقها بكل الوسائل وفي كل ما يمس حياة المواطن، يريدون من المواطن أن يحتشد كلما دعت حاجتهم لذلك، ويلزموه بأن يتفرق وينصرف إذا انتفت حاجتهم إلى احتشاده.
وهذه النخبة الحاكمة اليوم لم تكن قبل أيام إلا ضباطا صغارا، أو كبارا في الجيش لا يعرفون إلا طاعة الأوامر، فجاء من يوهم بعضهم أنه - المخلّص - المبعوث من العناية الإلهية.
المسرح معد للممثلين الجدد ليتقمصوا أدوار أسلافهم والمخرج نفسه يلفظ آخر أنفاسه.
إن الدول المرتبطة بالاستعمار تتميز بالفساد والبطش والاستبداد والبعد عن حكم القانون، السيادة فيها للحاكم، ولا تكون السيادة فيها للقانون أبدا، أي قانون كان، وهكذا حال مصر منذ حكم العسكر لأكثر من ستة عقود. يقول الدكتور أحمد عكاشة: وهذا خطأ عبد الناصر لأنه جعل من الشعب طفلا يعتمد عليه في رزقه وطعامه، وبدلا من أن يمر الشعب بتجربة النضوج في عصر الدكتاتور، أصيب بالنكوص إلى مرحلة الرضاعة والطفولة. لقد جعل عبد الناصر الشعب في حالة انبهار وتخدير واستسلام، حين جعل نفسه المسؤول الأول والأوحد عن الرزق والعمل والمال والجاه والسلطة والكرامة والعزة.
فاليوم إذ تستنسخ أمريكا انقلاب الأمس، ويستنسخ عملاؤها صورة المنقلبين بالأمس، لسان حالهم يقول: حسبنا تقمص شخصية عبد الناصر في قوته وجبروته، ثم علينا الاعتماد عليه وإلغاء شخصيتنا، مما جعلنا نستسلم لكل آرائه، وعزز ذلك انفراده بالرأي والحكم وبطشه بمن يعارضه.
يذكر هنا أن الدكتور أحمد عكاشة من خاصة عبد الناصر وأهله فهو أخو ثروت عكاشة.
أهذا ما يريده الناس والساحة تعج بتلاميذ أحمد سعيد مذيع صوت العرب، وفيلسوف الدكتاتور وتلاميذه - محمد حسنين هيكل - وهم يسوقون الناس إلى حفرة لا قرار لها؟!
وأما السيسي فقد حرق نفسه عندما حرق جثامين الشهداء والجرحى في ميدان رابعة العدوية والميادين والشوارع الأخرى، وسوف يحرقه من يدفعه للترشح لمنصب رئيس جمهورية مصر، ويسوقه لمصيره المحتوم، ولقد أضاف إلى مخازيه: القتل الفظيع والاعتداء على النساء والفتيات، وواقع الحال لا ينبئ أن عند الرجل تصورا لمظالم المصريين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وجرأته وولوغه في دماء الناس سوف يلاحقه إلى حتفه، ويظهر أن نفسه تمنيه بكرسي الرئاسة وداعموه الأمريكان يمانعون، ولسان حالهم يقول: هذا جزار لا يصلح لرعاية أحد حتى ولو كانت رعاية صورية.
لذلك فإن الأمريكان اليوم في مأزق حقيقي ما دام القتل لا يوهن عزم رافضي الانقلاب، وها هي الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات تزيد الوضع الاقتصادي والسياسي ضغثا على إبالة، وتزيد المأزق الأمريكي استفحالا.
لذلك فعلى المصريين عدم الركون لمنفذي الانقلاب ولا لصانعيه وأتباعهم وعليهم العمل على إخراج أمريكا وأعوانها من المنطقة. وعليهم أن يعلموا أن ليس لهم أب ولا لهم جد إلا الإسلام.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو موسى