وشهد شاهد من أهلها: "لسنا بمبَصّرين"
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
"لسنا بمبصَّرين" ذاك هو الجواب الذي شهره مدير الاستخبارات القومية 'جامس كلابر' في شهادته أمام لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأمريكي يوم 16 شباط/فيفري 2011.
أزعجت إدارتهم وأحرجت استخباراتهم وأربكت صنّاع القرار والساسة عندهم وخلطت أوراق مراكز دراساتهم الاستراتيجية وجعلت بأسهم بينهم شديدًا وأتتهم بغتة على حين غرّة حتّى وإن كانوا يشعرون... إنّها ثورة الأمّة!
لماذا نقوّل الغرب وعلى رأسه أمريكا - عدوّة الإسلام والمسلمين - ما لم يدّعوه لأنفسهم لنكسبهم بذلك انتصارا معنويًّا وكبرياءً زائفًا حطّمته ثورة المسلمين التي تمتدّ يوما بعد يوم ويزيدها الله مدًّا بعد مدّ، ليعي كلّ غبيّ - عدوّ لهذه الأمّة أو من أبنائها بشهادة الميلاد - لم يدرك بالفكر والفقه والتلقّي أن أمّة الإسلام هي "وجدان واحد في انتظار كيان"؟! فها هي الحقائق ناطقات بائنات نراها رأي العين ونلمسها لمس اليد...
لماذا نقوّل أميركا ما لم تقله ونعاملها وكأن مخطّطاتها وأساليبها ناجزة لا محالة وأنّ مؤامراتها قضاء ملزمٌ وقدر حتمٌ ولا نملك فيه إلاّ أن نحلّ لغزه ونترقّب صدقه ونقيم البراهين ونلوي عنق الأدلّة لنبيّن انطباقه على الواقع فنجعل قاعدتنا الفكريّة وزاوية النّظر "وأمريكا غالبة على أمرها..."؟!! ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
هذه التصريحات الفلتات تبيّن حجم الارتباك على أعلى المستويات وتحكي لنا كواليس أروقة البيت الأبيض - بيت العنكبوت - العظيم المظهر الواهن المخبر ومن فيه من المتربّصين بهذه الأمّة ودينها الدّوائر لأنّهم يعلمون علم اليقين أنّ مشروع الإسلام العملاق بدولته العليّة هو مكمن خلاص الأمّة وسبيل عزّتها وحبل نجاتها وأفول حضارته وقطع شرايين حياته.
ممّا أرّق الغرب وأقضّ مضاجعه أنه رغم التّغريب الذي مورس علينا - نحن معشر المسلمين - والكيد الكبّار الذي تكاد تزول منه الجبال ورغم تعدّيه على كبرياء هذه الأمة العريق واتخاذه شعار "دمّروا الإسلام أبيدو أهله" إلا أنه فوجئ بهذه الأمّة تمرض ولا تموت وتغفو ولا تنام وأنّها لا تقبل الضّيم والظّلم ولو لم تجهر بالمحاسبة والمناكفة ولكن يظلّ البركان يعتمل في صدرها إلى أن ينفجر فتستردّ في سنين ما سُلب منها في قرون.
نعم لقد استكثر الغرب وعلى رأسه أمريكا على الأمّة الإسلامية ثورتها وكبر في صدره مقولة "الأمّة تريد..."، "الشعب يريد..." وجعلته يتميّز غيظا ويستشيط غضبا حيث كان يتحصّن هذا العدوّ الغاشم الذي دخل ديارنا عنوة وقهرا من أبواب خلفيّة متفرّقة برويبضات بثّوا الرّعب في شعوبهم وباعوا آخرتهم بدنيا أسيادهم ومارسوا على أمّتهم - التي هي منهم براء - قمعا وقهرا وظلما؛ حيث كان في عهدهم لا تسمع للناس إلا همسًا، وحتّى الهمس كان من وراء جدران كان يخشى أن تكون لها آذان!
ولكن دوام الحال من المحال وحقبة الوهن أوشكت على الانصرام وزمن السّنوات الخدّاعات قد بلغ مداه وهو إلى زوال؛ إذ بعد "ثورة الأمّة المباركة" فإنّ هذه الأمة تهوي أفئدتها إلى دينها وترنو إلى العوْد الجميل إلى سيرتها الأولى من كونها خير أمّة أخرجت للناس والوعي فيها على مكمن خلاصها، وجهاز مناعتها يزداد يومًا بعد يوم ألا وهو الإسلام مركز تنبّهها الطّبيعي.
إلى كل من لم يستطع فهم المرحلة وهضم الثّورة أو وقفت به عبقريّته إلى ما قبل الثورة فأصيب بــ "غيبوبة سياسيّة" ولم يستوعب "الوضع الجديد" القاضي بأن "لا خوف بعد اليوم" وأنّ "انحناءنا يعني طغيان الطّغاة"، إلى كلّ من اختار مذهب "الجبريّة السياسيّة" وكان لسان حاله "لا طاقة لنا بأمريكا وأعوانها ولا حول ولا قوّة لنا إلا بها" وكأنّ الأمّة الإسلاميّة ريشة في مهب رياح أمريكا والغرب - قوى الشرّ والاستكبار -، إلى كلّ أولئك أقول: إن أمر الله بين الكاف والنّون، وهو سبحانه يدافع عن الذين آمنوا، عليكم أن تعوا جيّدا قوله تعالى ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ ومكره سبحانه وتعالى أن يستدرج القوم بالنّعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وعلى خلاف أمره، فهم جديرون بأن يؤخذوا على حين غرّة ومن أولى من الغرب بأن يناله مكر الله!
إلى أسيري نظريّة المؤامرة وأدعياء الفكر والتفكير الذين أضاء الله لهم ما حولهم فجعلوا ثقافتهم سيفا مسلّطَا على أمّتهم أقول: قد ذهب الله بنوركم وتخندقتم خندق المثبّطين وأصبحتم مراقبين تتمنّون من أعماقكم أن تنجح خطط العدوّ ويضحكوا ضحكة المستهزئ المتشفّي، فإذا أصابت ثورة الأمّة خيرًا أساءتهم وإن أصابها خير ساءتهم.
أمّة الإسلام أمّةٌ مردودة إلى ربّها، وثورتها حقيقة عند الغرب، مقدمة لنهاية حضارته المترنّحة الآيلة إلى السقوط لتشرق الأرض بنور ربّها من جديد، وبإذن الله هذه الثّورة سيكون لها أنفاس لتؤول إلى وضعها الطبيعي؛ فيه يعود الحقّ لأصحابه و" يُوسّد الأمر لأهله" ويدخل النّاس في دين الله أفواجا.
﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران : 140]
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد بن حسين - تونس