وقفة مع تقاعس جيوش المسلمين عن الإطاحة بالأنظمة الوضعية
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تعد البلدان الإسلامية في مقدمة بلدان العالم في الإنفاق على التسلح، فهي تنفق عشرات المليارات من الدولارات كل عام على تسليح جيوشها، وبالرغم من تصنيف البلدان الإسلامية من بلدان العالم الثالث بسبب الفقر، إلا أنّ حجم إنفاقها على التسلح يفوق مئات المرات قدراتها الاقتصادية المعلنة، والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: ما حاجة البلدان الإسلامية إلى الإنفاق العالي على الجيوش والتسلح؟ وما هي التحديات التي تهدد تلك الدول بحيث تدفعها إلى تخصيص جزء كبير من اقتصاد وميزانية البلاد لجيوشها وأجهزتها الأمنية؟!
الأصل في الجيوش أنّها لحماية الشعوب والبلدان، وفي حالة الدول المبدئية فإنّ الجيوش أيضا تحمل المبدأ وتنشره للعالم، وهكذا كانت الجيوش في ظل الحكم بالإسلام في الدولة الإسلامية، حيث كانت جيوش المسلمين رابضة على الثغور، لا تعرف الهزيمة، تتقدم فتطوي الأرض تحت أقدامها وهي تفتح البلدان للإسلام رحمة للعالمين، ولم يعرف المسلمون في تاريخ الدولة الإسلامية على مدار نحو ثلاثة عشر قرناً أن كان للجيش المسلم مهام غير هذه، بينما كانت جيوش الكفر على مر التاريخ وما زالت تقوم بمهام عدائية وغير نبيلة، من احتلال للشعوب وقهرها وسلب لمقدراتها وكتم لأنفاسها وتكميم لأفواهها، وكل ذلك حفاظا ودفاعا عن الأنظمة الوضعية صنيعة الإنسان، ولمصلحة حفنة قليلة من المنتفعين والمتسلطين على رقاب الشعوب من دون وجه حق، وهذه الحال هي حال الجيوش في العالم الإسلامي حاليا، فهي متقاعسة أو محبوسة عن حمل الإسلام رسالة هدى ورحمة للعالمين، وأصبح عملها محصورا في المحافظة على الأنظمة القابعة على صدور المسلمين، وهي الأنظمة التي تحكم بالكفر، وموالية في سياستها للغرب الكافر، الذي بدوره يعطي "الشرعية" لتلك الأنظمة ما دامت أنها تحكم بالكفر الذي صدّره لها، وما دامت أنها تخدم مصالحه المبدئية والاقتصادية والسياسية.
في ظل هذا الوضع البائس للبلدان الإسلامية والدور الوضيع لجيوش المسلمين، التي يتم الإنفاق عليها من قوت المسحوقين في العالم الإسلامي، فإنّ دعوة المخلصين وذوي العقول في الجيوش إلى تصحيح وضعهم، وإعادة دور الجيوش إلى حمل رسالة الإسلام رحمة للعالمين، وإعادة البلدان الإسلامية المحتلة إلى كنف الدولة الإسلامية، ونصرة المضطهدين في العالم، مسلمين وغير مسلمين، إنّ هذا العمل أصبح من أولى الأولويات في العالم الإسلامي.
إلا أنّ هذا التصحيح لا يمكن أن يحصل وقيادة الجيوش العسكرية والسياسية مرهونة للكافر المستعمر، لذلك فإنّ التمرد على القادة العسكريين والسياسيين والإطاحة بهم وتسليم السلطة للمخلصين من أبناء الأمة، أصحاب الفكر الإسلامي المستنير، ذوي البديل الحضاري الشامل، من أوجب واجبات الجيوش في العالم الإسلامي، وما لم تسلّم الجيوش قيادتها للخليفة الذي يحكم بالكتاب السنة ويقودها إلى ساحات النصر على أعداء الإسلام والمسلمين، فإنّ الأمة ستظل تنفق على تلك الجيوش من عرق جبينها من دون أي نفع يعود عليها، بل تنفق عليها لتقمعها وتقتلها وتكمم أفواهها وتحظر إسلامها، بل وتستخدم قدراتها لتنفيذ مشاريع الغرب في العالم الإسلامي، وستظل تلك الجيوش تأكل وتشرب من مال الأمة سحتا، وفي أحسن حالاتها تظل تعمل كباقي موظفي الدولة، تذهب في الصباح وتعود في المساء، وكأن الجندي أستاذ في مدرسة فاشلة أو مهندس في شركة ملأى بالبطالة المقنعة!
لقد حرصت الأنظمة الوضعية في العالم الإسلامي على تدريب الجيوش فيها على الطاعة المطلقة لها لضمان عدم الخروج عليها وإقامة نظام الإسلام الذي يحكم بالكتاب والسنة، ولكن حري بجيوش المسلمين التفقه في مسألة طاعة أولي الأمر وقادتهم العسكريين، فالله سبحانه وتعالى حين فرض على المسلمين طاعة أولياء الأمر الشرعيين فإنه قد قدم طاعته وطاعة رسوله على طاعة أولي الأمر، فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، فكيف بأولياء الأمور غير الشرعيين!، ثم وثق ذلك بأن جعل مرد النزاع إن وقع بين الحاكم والمحكوم إلى كتاب الله وسنة رسوله، فقال سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾؛ ثم جاءت السنة تركز مفهوم الطاعة الواجبة على المحكومين بشكل قاطع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»، وقال: «الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ».
والطاعة التي جاء بها القرآن طاعة يقوم على أساسها كيان الدولة وكيان الأمة بوصفها إسلامية، وهي في نفس الوقت بيان لخلق الطاعة حين يجب أن تكون، وينهى عنها حين تصبح حراما. فنجد القرآن حين يوجد سجية الطاعة يقول ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، ﴿فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾، ﴿وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾، ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾، ﴿مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾، ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾. وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي». فالله أمر بالطاعة في هذه الآيات والحديث. ولكن الرسول أوضح أنّ طاعة الأمير إنما هي الطاعة الواعية لا الطاعة العمياء، فقال صلى الله عليه وسلم : «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»، فالطاعة الواعية هي الطاعة في حدود الإسلام، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ».
وفيما يتعلق بطاعة الجندي لقائده العسكري فقد ورد في الحديث الشريف أنّه: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ فَقَالَ أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا فَقَالَ ادْخُلُوهَا فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ النَّارِ فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ». (صحيح البخاري)، وبهذا فإنّ طاعة الله وطاعة رسوله هي الضابط حين طاعة جميع الخلق.
وهكذا فإنّ الطاعة أمر بها الله حين تكون من أجل الإسلام ومنها طاعة الجندي لقائده العسكري. أمّا حين تكون هذه الطاعة ضد الإسلام أو تكون لسبيل غير سبيل الله، فقد جاء الإسلام ينهى عنها. ومن أجل ذلك نهانا الله تعالى صراحة عن بعض الطاعات فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾، ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾، ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، ﴿فَلاَ تُطِعْ الْكَافِرِينَ﴾، ﴿فَلاَ تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ﴾، ﴿وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾، ﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ﴾. فهذه الآيات كلها تنهى عن طاعة أشخاص معينين بصفاتهم، ومَن تتبعها يتبين أنها ضد الإسلام، ولسبيل غير سبيل الإسلام.
لذلك فإنّ تقاعس المخلصين في الجيوش الإسلامية عن أداء واجبهم الذي حدده لهم الشرع، وعدم نصرتهم لحملة الدعوة لإقامة الخلافة على أنقاض الأنظمة الوضعية الحالية، إنّ هذا التقاعس لا عذر لهم فيه يقدمونه بين يدي الله سبحانه ﴿يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نصير الإسلام محمود - باكستان