الرّبيع وخطّة الإسلام المُعَدَّل
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يوما بعد يوم يزداد الطّغاة المتجبّرون والعملاء الخونة وزبانيتهم ذلاّ وهوانا وخسرانا عند الله ورسوله وعند كلّ من يشاهد خطاباتهم وتحرّكاتهم وقراراتهم، وفي المقابل تزداد الأمةّ عزّة عند الله ورسوله والمؤمنين. فقد ازدادت عزّةً حين تجرّأت على الطّغاة ووقفت في وجه الأنظمة العميلة الجاثمة على صدر الأمّة طوال عقود، والتّي استمدّت قوّتها من الغرب الكافر وأحكمت سيطرتها على البلاد والعباد بالحديد والنّار، وقدّمت ثروات الأمّة قربانا لأعدائها من دول الاستعمار التّي لم تشبع من ثرواتنا والتّي لم تجفّ أيديهم بعد من دم من قتلتهم من أبناء أمّتنا في العراق وأفغانستان وأفريقيا الوسطى والشّيشان. فكانت الانطلاقة من تونس حيث كان الطاغية زين العابدين بن علي على وشك الاضطراب العقليّ، فقد قتله الرّعب وغمره الهلع من الهبّة الشّعبيّة التّي عملت على إسقاطه هو ونظامه ففرّ هاربا تاركا وراءه السّلطة والجاه. وزادت عزّة المسلمين حين أسقطوا مبارك في مصر والقذافي في ليبيا وعبد الله صالح في اليمن وقريبا بإذن الله نشهد سقوط الطّاغية بشار في الشام. وبعد سقوط بن علي غذّ المسلمون في تونس الخُطا في طريق العزّة فطالبوا بتطبيق الإسلام وعلت حناجر المتظاهرين في كلّ مكان من شمال البلاد إلى جنوبها "الشّعب يريد تطبيق الشّريعة" و"الشّعب يريد دولة إسلامية" وشهد موضوع الخلافة إقبالا لافتا للنظر. فارتعدت فرائص الغرب وتنبّهت مراكز الدّراسات وذهل السّياسيّون والمفكّرون لما سمعوه من تمسّك المسلمين في تونس بالإسلام بالرّغم من آلة التّغريب التّي اشتغلت آناء الليل وأطراف النّهار لفترة تقارب الخمسين سنة.
ولمّا أدرك الغرب أنّه لا مكان للعلمانيّة في تونس، استخدم أساليب المكر والاحتيال فألبس العلمانيّة ثوب التّقى والعفاف وأتى بالذّين يلبسون الحقّ بالباطل ويكتمون الحقّ وهم يعلمون وبالذّين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. فعدّلوا الإسلام على مقاس الغرب؛ فأدخلوا فيه الدّيمقراطيّة وأحلّوا الخمر والرّبا بدعوى التّدرّج في تطبيق الإسلام، وجعلوا الإسلام السّياسيّ المبدئيّ تطرّفا وإرهابا، ومن خلالهم نجح الغرب في تعطيل الحكم بما أنزل الله وتعطيل الجهاد في سبيل الله، ونجح في الإبقاء على كثير من نفوذه وسيطرته على بلاد المسلمين.
لقد فاق هؤلاء المعدّلون للإسلام في تونس في فصلهم الدّين عن الحياة العلمانيّين أنفسهم؛ فهم قدّموا التّنازلات على حساب دينهم وافتخروا بموالاتهم للغرب وبدعم الغرب لهم، ولم يتّعظوا من النهي الصّريح في قوله الله عزّ وجلّ ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، ولم يتّعظوا من قوله تعالى ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾. لقد عمي هؤلاء عن إدراك معنى قول الله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
وها هم اليوم وبعد أن شاركوا العلمانيّين في الحكم بغير ما أنزل الله وبالتّشريع على غير أساس الوحي قد اجتمعوا على كلمة سواء بينهم؛ أن لا يطبّقوا شرع اللّه، وأن يجعلوا راية رسول الله وراء ظهورهم ولا يحرّكوا ساكنا تجاه قضايا أمّتهم، فسنّوا دستورا وضعيّا ينصّ على أنّ نظام الدّولة جمهوريّ ديمقراطيّ مدنيّ يفصل الدّين عن الحياة تحت راية سايكس بيكو المسمّاة براية الاستقلال. دستور يخالف الشّرع في أصله وفصله، المقياس في وضع بنوده رضا الغرب وليس الحلال والحرام بناء على قوّة الدّليل. دستور لا يجعل أساس الدّولة العقيدة الإسلامية ولا مصدر تشريعها الوحي، ويرتكز على معايير القوانين الدّوليّة وحقوق الإنسان والأفكار الغربيّة. بدعة أتى بها دعاة الإسلام المعدّل.. بدعة وضلالة تورد أهلها النّار والعياذ بالله، فهي تخالف قول الله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾، وقوله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، أين دعاة الإسلام المعدّل من قَسَم الله عزّ وجلّ في قوله ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾؟!
وها هي تونس.. بسبب هؤلاء تمكّن الاستعمار فيها من تثبيت النّظام العلمانيّ القديم وبات تدخّله السّافر في شؤون المسلمين أمرا لا مشاحة فيه فيما بات يعرف بإنجاح مسار الانتقال الدّيمقراطيّ فتكون تونس نموذجا للاستعمار النّاعم تروّج تجربتها في مناطق أخرى من العالم الإسلامي. وها هم اليوم يعملون على علمنة المساجد تحت مسمى التحييد ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾.
وهم يظنّون بمكرهم هذا أنّهم قد تمكّنوا من إجهاض الثّورة التّي قامت ضدّ الظّلم والطّغيان وظنّوا أنّ الناس اكتفوا باستبدال وجوه أقلّ سوادا وأقلّ اضطهادا بوجه رأس النظام بن علي. إلاّ أنّ الأمّة كانت بالمرصاد فبعثرت بعض أوراق الاستعمار وكشفت جزءا من مخطّطاته، وها هم المعتصمون في تطاوين يطالبون بإعادة الثّروات المنهوبة للأمّة وطرد الشركات الأجنبيّة ويلوّحون بإسقاط النّظام، ويسمع صداهم في توزر وبن قردان.. وها هم المسلمون في المنستير والقيروان يقيمون الصلاة في الشوارع تعبيرا عن رفضهم لقانون تحييد المساجد.
وعملا بقول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ وعملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» أقول لكم أيّها الثّائرون الصّامدون الرّافضون لأنظمة الكفر والاستعمار في تونس وفي كلّ مكان: إنّ النصر بيد الله سبحانه ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ و﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾، فانصروا الله سبحانه بنبذ أصل الدّاء النّظام الجمهوريّ الديمقراطيّ المدنيّ، ونبذ رايات سايكس بيكو المسماة برايات الاستقلال، وبالعمل على استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة. وأذكّركم ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثمّ تكون خلافة على منهاج النبوة».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سلمان الغرايري
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تونس