الثورة السورية على طريق يختلف عن طرق ثورات الربيع العربي
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ها هي الثورة السورية تدخل عامها الرابع وذلك بعد انطلاقها في منتصف آذار/مارس 2011م، فهي أطول الثورات استمراراً فيما يعرف بثورات الربيع العربي، فثورة تونس ومصر لم تتجاوزا الشهر حتى سقط رأسا النظام فيهما، أما ليبيا واليمن فلم يتجاوزا العام والنصف.
استمرت الثورة في سوريا رغم القمع والترهيب الذي لاقته من قوات النظام المجرم التي لم نرَ مثيلاً لها في العالم في قمع وإخماد الثورات، هذه الوحشية التي مارسها نظام الأسد تجاه الثوار بدأها بتعذيب الأطفال في درعا الذين كانوا يلعبون بشعارات ثورية ولكنه خاف أن تكون هي الطامة عليه، فعذب أولئك الأطفال وفعلاً اندلعت الثورة في درعا، وظل يقتل النظام السوري في الغلمان ويرسل جثثهم إلى أسرهم حتى يوجد الرعب في قلوب الثائرين ضده، كما فعل بالطفل أحمد الخطيب الذي أرسلت جثته إلى أهله وهي مثخنة بالجراح نتيجة التعذيب الذي مارسه عليه هؤلاء المجرمون من نظام الأسد، مروراً بالغوطة التي قتل فيها الآلاف بالسلاح الكيماوي من الأطفال والشيوخ والرجال والنساء، كما حطم هذا النظام المجرم المجمعات السكنية على رؤوس ساكنيها مما أدى إلى قتل مئات الآلاف، ونزوح الملايين إلى مناطق أخرى في داخل وخارج سوريا.
لم يدخر هذا النظام المجرم جهداً ولا مالاً ولا جنداً إلا وظّفه لقمع وذبح هذه الثورة، مستخدما كل أساليب القتل والترهيب النفسي ونشر مشاهد التعذيب التي يمارسونها مع الثوار وغير ذلك من الأساليب لقمع هذه الثورة المباركة، لذلك وصل عدد ضحايا الثورة السورية إلى يومنا هذا إلى 11,754,655 ما بين (شهداء، وجرحى، ومعتقلون، ومفقودون، ولاجئون، ونازحون). في أكبر كارثة إنسانية في أيامنا هذه بكل المقاييس والأعراف والمواثيق الدولية، ونجد ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي يتحدث عن الأمن والسلم الدوليين يتآمر على الأهل في سوريا. فهم - أي القوى الغربية - لا يرضون بأن تذهب مقاليد الحكم إلى المخلصين من أبناء هذه الأمة الذين يطالبون بتطبيق شرع الله وإقامة الخلافة الراشدة على نهج النبي صلى الله عليه وسلم. ويستمر مكر الليل والنهار من قبل القوى الدولية على رأسها أمريكا وروسيا لتوجد موطئ قدم لما يسمى بالقوى المعارضة في الخارج التي تتفق معها فكراً ومنهجاً، لتسلمها السلطة في سوريا فتعقد المؤتمرات الدولية جنيف1، وجنيف2، وغيرها من المحافل الدولية التي لا ترضى أن يكون الإسلام وشرعه بديلاً لنظام الأسد، فقد حذر وزير الخارجية الروسي لافروف في خطابه أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة الجمعة 2013/9/27م من أن "أكثر المجموعات المسلحة قوة في سورية هي المجموعات الجهادية التي تضم العديد من المتطرفين الذين جاؤوا من كل أرجاء العالم، والأهداف التي يسعون لتحقيقها ليست لها أي علاقة بالديمقراطية، وهي تقوم على مبادئ التعصب، ويهدفون إلى تدمير الدول العلمانية، وإقامة خلافة إسلامية". وبعد خروجه من اجتماعات الأمم المتحدة، وحول التخلص من السلاح الكيماوي السوري، صرح بأن "بلاده لا تستبعد إشراك المعارضة السورية المسلحة في مؤتمر جنيف2 ما لم تكن تفكر في إقامة الخلافة". ولكن كل خططهم هذه إلى الآن باءت بالفشل ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
بل عندما أوشك نظام الأسد على الانهيار واضطربت أركانه، دعمته الولايات المتحدة الأمريكية بالمرتزقة من هنا وهناك ليسندوه حتى لا يسقط، وعندما أحست بخطورة أن يقع السلاح الكيماوي في أيدي الثوار مما يهدد وجود ربيبتها دولة يهود في المنطقة، مثلت تلك المسرحية مع روسيا ونظامها في سوريا بضرب الغوطة بالسلاح الكيماوي حتى تضع يدها على ذلك السلاح في لعبة واضحة مكشوفة.
أمام كل هذا الحجم الهائل من المؤامرات الدولية والقمع والترهيب ضد الثوار، نجد الأهل في سوريا يرسمون لنا لوحة من الصمود الأسطوري في وجه النظام المجرم والمؤامرات الدولية...
لذلك نرى الوعي عالياً في هذه الثورة والمطالب أكثر وضوحاً وتحديداً، فهم قد تواثقوا على أنهم لا يريدون إلا الإسلام مجسداً في دولة الخلافة، والدافع والشعارات المرفوعة إسلامية فحسب مثل (ما لنا غيرك يا الله) و (قائدنا للأبد سيدنا محمد) وهذا ما يميز هذه الثورة عن سابقاتها لذلك سميت بالكاشفة، فهي قد كشفت خزي الحكام في العالم الإسلامي وما يسمى بالمجتمع الدولي وما يدعيه من قيم إنسانية.
إن من الجهات التي نراها بارزة وبقوة وفاعلية في هذه الثورة هي القوى الإسلامية على الميدان، وعلى الصعيد الفكري والسياسي نجد حزب التحرير الذي يتابع بدقة متناهية الأحداث لحظة بلحظة؛ يصدر التحليلات والآراء الصائبة في بياناته ومنشوراته التي توزع على الثوار، حتى وصل الأمر بإدارة الفيس بوك أن أغلقت صفحة مكتبه المركزي أكثر من مرتين لتأثيرها على مفاوضات جنيف2، وقد سمعنا كلمة لرئيس المكتب الإعلامي في سوريا المهندس "هشام البابا" في المؤتمر العالمي الذي عقده الحزب في السودان بمدينة الخرطوم في قاعة الصداقة في 2014/5/3م وكانت الكلمة بعنوان: (سوريا في مفترق الطريق) تحدث فيها عن خط الثورة السورية وقرب الخلافة الراشدة بإذن الله مما ألهب مشاعر الحاضرين بالتكبير والتهليل.
لعل طول الانتظار لهذه الثورة الكاشفة هو تمحيص من ربنا سبحانه وتعالى يعقبه نصر منه سبحانه، وهو القائل: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ فلعلها من هذا القبيل وهذا ما نرجوه من ربنا سبحانه وتعالى هو ولي ذلك والقادر عليه.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الرحمن سعد الحسين
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير / ولاية السودان