هل أزفت نهاية يهود؟!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تابعنا بشدة ما آلت إليه المنطقة العربية من أوضاع سياسية واقتصادية معقدة، وسقوط وضعف شديد للغرب والأنظمة العربية، وحركة الشعوب والثورات، وثورة الشام والتغييرات التي فرضت على الغرب والأنظمة والشعوب... هذه الأمور تابعها الجميع من غرب كافر، وحركات سياسية ومبدئية، وأنظمة وشعوب، كل يتابع ويبحث فيها ومنها عن أمور لعلها تكون لها نتائج إيجابية جيدة على وجوده وعمله أو على الأخطار التي تحيق به خاصة بعد أن أصاب الغرب ضبابية في الرؤية، وفقد الخطط والأساليب الخلاقة، بل مجموعة من التجارب التي عادت عليه بالخيبة والخسران. ولعلي أقول: إن من أشد المتابعين للأحداث في المنطقة هم كيان يهود، فهم منذ تحركت الأمة باتوا يستشعرون الخطر الحقيقي لا على مساحة الكيان ونفوذه، ولا على قدرته أو حجمه، بل بالقضاء ليس عليه فقط، وإنما بالقضاء عليه وعلى الغرب وقاعدته في المنطقة!
والملاحظ أن كيان يهود بات يدرك الخطر الحقيقي الكبير عليه؛ لإدراك كل من له عقل وفكر أن الجسم الغريب والذي زرع في غير مكانه يسقط من المكان الذي زرع فيه عند أي زلزلة أو تحرك؛ لأن الجسم لم يقبل هذا الكيان الغريب، فلا جذور له في أعماق منطقتنا الإسلامية. إن هذا الاستشعار للخطر أدركه الغرب إدراكًا حقيقيًا وقويًا، ولم يشأ أن يفكر في نتائج هذا التفكير؛ لذا أقدم الغرب بسرعة على محاولة الالتفاف على حركة الأمة لحرفها أو وأدها أو انتحارها أو إبعادها عن الحركة المبدئية من أجل تخفيف الآثار، وتجفيف الأخطار.
وقد تباينت ردود فعل الغرب على كيفية التعامل مع هذه الحركة الطبيعية للأمة، واختلفوا فيما بينهم: فحصل اختلاف بين الغرب وعلى رأسه أمريكا، وبين التابع لها في المنطقة الذي لم يشأ أن يضع نفسه تحت رحمة الغرب، فحاول أن ينطلق بنفسه من أجل تفادي الخطر إن تمكن من ذلك، أو يحاول البقاء ولكن من منطق غريب عجيب بعيد كل البعد عن المنطق والتفكير السياسي، بل من خلال أفعال مرتجلة قد تصيب وإن أصابت فليست إبداعًا منهم، بل لضعف وتراخ من الطرف المقابل، أو قد تحمل في طيات تفكيرها الخطر الذي يبقي الكيان على أضعف حالاته لحين مجيء كيان يركله بقدمه قريبًا بإذن الله تعالى!
وحتى يتجلى لنا أمر ما آل إليه مكان يهود وظروف منطقتنا نقول وبالله التوفيق: لا بد لنا من الوقوف عند حقائق معينة قبل الحكم على واقع معين، وقراءة للمستقبل فنقول:
أولاً: إن كيان يهود كيان ساقط من الناحية الجيوسياسية إذ لا يوجد فيه مقومات البقاء الذاتي، ولا القرار الذاتي، وإنما هو قاعدة عسكرية متقدمة للغرب تتبع الدولة الأولى حسب الموقف الدولي، فلا يوجد عند يهود بعد اقتصادي داخلي قوي، ولا شركات عملاقة تتحكم بصنع القرار، ولا بعد ديموغرافي سكاني، بل هو بعد فيه وطن متناقض متحارب متضارب معقد لا زال يرفض البحث عن مفهوم هل إسرائيل يهودية؟ وإن كانت كذلك من هو اليهودي؟ أو دولة قومية متعددة، ولا بعد عسكري، بل هي تابع للولايات المتحدة، وتحظى بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية بشكل كبير، بل هي الدولة الأولى عالميًا التي تحظى بالرعاية الأمريكية، ولا يوجد عندهم مبدأ ولا فكرة قابلة للبحث، وإنما عقلية من يبحث عن الأمان، ولا تعداد عسكري، ولا تقوى على حروب طويلة الأمد، فضلا عن وجودهم بين أمة تتحفز للقضاء عليهم!
ثانياً: ولأنه كيان يفتقد إلى مقومات القرار السياسي الذاتي، ويعتمد اعتمادًا كليًا على الغرب، فهو استند في وجوده إلى الغرب "بريطانيا سابقًا" ويستند في بقائه على الغرب أي على "أمريكا حاليًا" والغرب عمومًا، وعلاقته مع الغرب علاقة الجسد مع الروح، فالغرب روح كيان يهود، فإذا ضعف الجسد ضعفت الحركة، وأصابه الهزال، وترك مكانه، يطلب من يعينه ويحركه، وإذا خرجت الروح انقطعت الحياة، ومات الجسد بلا حراك، وهذه القضية والمسألة مهمة جدًا أدركها الأمير الأول رحمه الله تعالى، السياسي والمفكر والإمام تقي الدين النبهاني حين قال فيما ورد عنه: "لن يتم القضاء على كيان يهود إلا إذا تخلى الغرب عنه، وانقلب الرأي العام العالمي ضده". وهذه الكلمة أصابت كبد الحقيقة، بل لا يحتاج كيان يهود حينئذ لجيوش جرارة إن تخلى الكفر عنه؛ لأنه سيموت سريعًا!
إذا وقفنا على هاتين الحقيقتين فإننا نقف على ما سيتعلق بهما، ومن يقف خلف كيان يهود. وإليكم البيان:
أولاً: الدول الغربية وبالذات صاحبة النفوذ الدولة الأولى عالميًا "بريطانيا سابقًا" و"الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا" وقد قامت الدول الغربية بعدة أمور للمحافظة على كيان يهود بعد إقامته في بلادنا، وإعطائه الشرعية في الوجود من خلال ما يسمى بالمنظمات الدولية العالمية، كمجلس الأمن والأمم المتحدة، وعطلت أي قرار أو إدانة أو أي تحرك إن وجد ضد كيان يهود، وتسارع الغرب شاهد على هذا ولا يحتاج إلى إثبات أو برهان.
ثانياً: مد الكيان اليهودي بالمساعدات الاقتصادية ذات البعدين: العسكري والاقتصادي معًا. بل إن كيان يهود هو أكثر الدول أخذًا للمساعدات بنوعيها:
1. المساعدات العسكرية: حيث يعطي الغرب كل أنواع الأسلحة المتطورة لكيان يهود، والتعاون العسكري بين الغرب ويهود كبير، وفي المقابل منع الغرب أي طرف من امتلاك أي سلاح قد يؤثر أو يهدد كيان يهود.
2. المساعدات الأمنية: حيث تقدم ليهود كل المعلومات الأمنية من خلال ربط أمن يهود بالأمن القومي لدول الغرب.
ثالثاً: حماية كيان يهود من أي اعتداء محتمل أو جدي، أو أية أخطار حقيقية من مثل تحرك الشعوب ضد يهود، حيث قدمت منظمات علمانية خائنة مرتبطة بالغرب لقيادة تلك الشعوب، ولا تكاد تجد، أو لن تجد حركة ذاتية نشأت في ظروف طبيعية من خلال عقيدة الأمة لتحارب يهود. بل إن المنظمات التي نشأت هي من طبيعة الغرب وأدواته قامت بحماية كيان يهود من الأزمات التي تعصف به داخليًا وخارجيًا، ومحاولة حل العقد التي تواجهه. وأكثر ما فعله الغرب هو زرع يهود بعد القضاء على دولة الإسلام والعمل للحيلولة دون عودة قيامها من جديد؛ لأنها الخطر الحقيقي والوحيد ضد يهود. صحيح أن دولة الإسلام هي خطر على الغرب كله إلا أن كيان يهود هو في مقدمة ومتناول اليد لدولة الإسلام، فهي أول من سيعمل بها السيف!
رابعاً: إذن فكيان يهود يستند في وجوده إلى الغرب فهو سر حياته، وإذا أردنا القضاء عليه فلا بد من قطع صلته وعلاقته مع الغرب فيسري الموت سريعًا إلى جسد هذا الكيان! ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل من المتصور عقلاً أو على أرض الواقع قطع علاقة كيان يهود مع الغرب؟ قد يبدو هذا السؤال غريبًا في ظل إعلام عربي تابع للمنظومة الإعلامية العالمية فلا مكان لمثل هذا السؤال في إعلام الغرب؛ لأن من يملك الإعلام يملك توجيه الرأي العام حول حدث وأحداث أو قطع النظر عنه. ولن أبحث في إجابتي عن إمكانات معنوية أو غيبية أو روحية على صدقها وأهمية الإيمان بها، ولكني سأبحث من خلال الواقع المادي المدرك ليكون بحثًا للإنسان بغض النظر عن فكره وميوله فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: إن إمكانية قطع العلاقة مع الغرب يكون متصورًا عقليًا وواقعيًا بأحد الاحتمالين الآتيين: أما الاحتمال الأول فهو أن يقطع الغرب علاقته بهذا الكيان لأسباب معينة. وأما الاحتمال الثاني فهو أن تقطع العلاقة بين كيان يهود والغرب لأسباب خارجة عن السيطرة. ولا يتصور أن يقطع كيان يهود علاقته مع الغرب؛ لأن الجسد لا يستطيع أن يعيش بدون روح، ولا يفعل كيان يهود ذلك لأنه انتحار، وهذا الانتحار الذاتي ليس بحثنا.
ثانياً: إن الاحتمال الأول وهو أن يقطع الغرب علاقته بكيان يهود فيتمثل في ضعف أو انعدام الرأي العام مع كيان يهود، أو عدم امتثال هذا الكيان لمن أوجده حيث يكون عبئًا على الغرب، أو عدم قدرة كيان يهود على تحقيق الهدف من وجوده كقاعدة متقدمة للغرب في المنطقة، أو محاولة هذا الكيان التفلت من يد الدول الغربية ليكون قوة حقيقية يستند في وجوده إلى ذاته من خلال توسيع قدراته جميعها. والمتابع للغرب أنظمة وشعوبًا يدرك منذ حرب يهود على غزة أن الرأي العام ليهود بدأ في التراجع، وبدأ بعض المفكرين يكتبون، وبعضهم ينتقدون تحت مسمى انتقاد الصهيونية، في الوقت الذي كان محرمًا ذكر يهود وكيانهم ولو بكلمة، ويدرك الجميع أن يهود يحاولون التفلت من مخططات الغرب لمحاولة إقامة كيان يستند في وجوده إلى ذاته من خلال حكام المنطقة، ومحاولة يهود أن يكونوا إخطبوطًا، وليس دولة ذات أبعاد وحدود معينة.
ثالثاً: أما الاحتمال الثاني وهو أن تقطع علاقة الغرب بكيان يهود يكون متصورًا وجوده بضعف الغرب ضعفًا لا يستطيع معه مد يد العون والمساعدة لكيان يهود، فتجف الشرايين من أصولها وتنعدم الروح، ويقتصر دور المركز على المحافظة على ذاته إن تمكن من ذلك، ويترك كل أدواته وقواعده في بحر من الأزمات والأعاصير والنكبات والتراجع لمحاولة البقاء على قيد الحياة، والمتابع للأحداث العالمية يجد أن الغرب بدأ في دور الانكماش والضعف والتراجع والأزمات والاهتمام بأمراضه هو في محاولة منه لمعالجة وضعه إن أسعفه العلاج، وهذا ليس غريبًا، بل هو شأن كل الإمبراطوريات التي نشأت حين يبدأ دور التراجع والضعف فإنها تتخلى عن أراض وقواعد وأدوات لها في بحر من الضعف والتراجع والاهتمام بالمركز؛ لأن المركز هو بمثابة القلب للجسد.
رابعاً: وبعد أحداث حركة الأمة ظهر عامل جديد يضاف إلى قوة التصور للقضاء على كيان يهود، ألا وهو حركة الأمة وثورات الشعوب، وضعف سيطرة وقبضة الغرب على المنطقة، وأضعف منه حكام المنطقة في ضعفهم وهوانهم، هذا التحرك حرك المياه الراكدة، وزلزل الأرض تحت أقدام عملاء الغرب، بحيث جعلت من الغرب يعيد حساباته، ويستبدل عملاءه تحت مسميات جديدة لركوب موجة حركة الأمة. هذا التفلت وهذا التحرك لا يعني أن الغرب أفلتت منه المنطقة أو خرجت عن سيطرته، بل أضعفت من سيطرته وقوته، حيث رأى الغرب من الأمة قوة كامنة جبارة، ظن يومًا أنها ماتت أو انتهت، أو أنها أمة فقدت البوصلة، تاهت إلى غير رجعة، وإذا بها تحاول أن تستعيد مشروعها السياسي، وإعادته من جديد، ولعل بعض الناس يتساءل عن ضعف حركة الأمة تجاه عقيدتها وكيانها السياسي متغاضين ومتغافلين عن متابعة وإدراك أحوالها وظروفها، ولكننا في المقابل نجد الغرب الكافر يصرخ ليس من تحرك بسيط يمكن تداركه أو الالتفاف عليه، بل لإدراكه أن نهاية وثمرة حركة الأمة هي العودة لما كانت عليه سابقًا: دولة وكيان تتقدم الشعوب والأمم بالفتح والرحمة!!
خامساً: وأخيرًا: إن زوال الموانع أو ضعفها التي تحول دون القضاء على كيان يهود من خلال ضعف الغرب ذاته، واشتداد أزماته، واهتمامه بأمراضه، ومحاولة المحافظة على الواقع كما هو من خلال كيان متعنت متكبر يرفض أوامر أسياده، ويعمل ضد خطة الغرب مما يورث التناقض والضعف، وبروز التناقضات بين الغرب وقادته لدرجة أن الغرب بات يستشعر عبء هذا الكيان.
وختامًا: إذا فكرنا في هذه العوامل مجتمعة وجدنا أن إمكانية القضاء على كيان يهود باتت قريبة، ولعل بعض الناس يستغرب هذا الطرح، فأورد له إن لم يفكر فيما سبق اعتراف الغرب بهذا فأقول له على سبيل المثال: إن كيسنجر مستشار الأمن القومي السابق، وأشهر وزير خارجية لأمريكا قال: "بعد عشر سنوات من اليوم لن تكون إسرائيل موجودة"، بل إن ست عشرة مؤسسة أبحاث أمريكية استخباراتية خرجت بالنتيجة نفسها في تقرير أعدته تحت عنوان: "الإعداد لشرق أوسط في مرحلة ما بعد إسرائيل". وتناقلت وسائل الإعلام بعضًا من هذه الأخبار، لذا بات يستشعر السياسيون خطر بقاء الأمور على ما هي عليه. فلا بد من تدارك الأمور لمشروع سلام فيه تنازلات مؤلمة من الطرفين من أجل تهدئة الشعوب، ومحاولة إعادة السيطرة على المنطقة من جديد من خلال استلهام مشاريع سابقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ لذا بات الصراع السياسي على أشده، ولكنه بين طرف يحاول الصعود والقوة على دخن وضعف، وبين غرب مجرم كافر يتهاوى، وكلنا أمل بالله العلي العظيم إيماناً به، وتصديقًا بوعده أن نصر الله قريب، وأن مكر الغرب السَّيئ لن يحيق إلاَّ بأهله. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36]، وقال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚوَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (٥) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء: 3-7] وقال تعالى: ﴿وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان - أبو البراء