المستضعفون يستقبلون شهر رمضان في ذعر وكمد
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يستقبل المسلمون عبر العالم شهر الرحمات والبركات بفرحة وبهجة، فالحمد الله على أن بلغنا رمضان وأن أنعم علينا بما لا نملك عده وحصره من نعم، ورحم الله من مات ولم يبلغه. لا تنسينا هذه البهجة إخوة وأخوات يتربص بهم العدو في هذا الشهر ويستقبلون رمضان بخوف وذعر ويمارسون شعائرهم وقلوبهم ثابتة على الحق مدركين أنهم لم يختاروا جنسهم وعرقهم ولونهم ولكنهم في هذه المحن اختاروا أن يكونوا مسلمين ثابتين موقنين بأن الرزق بيد الله والأجل بيد الله ولسان حالهم يردد في يقين قول المولى عز وجل ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. مسلمون يخرجون للجُمع والجماعات في خوف من عصابات متربصة وقوى أمنية معادية لهم ويغذون السعي لبارئهم وهم يرددون "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم".. إنهم مسلمون أخلصوا لدين الله وبقوا على المحجة البيضاء. وبالرغم من بعد المسافة بينهم وبين إخوتهم في المشرق، ومع قلة معرفتهم بلغة القرآن والثقافة الإسلامية ملأ الإيمان قلوبهم. ملأت أخبار هؤلاء المسلمين السمع والبصر وعرف المسلمون بما يتعرضون له من إيذاء، لا لشيء إلا لقولهم ربنا الله. لقد هل هلالك يا رمضان ثقيلاً حزيناً على إخوة لنا في الإيمان فاللهم آمن روعاتهم واربط على قلوبهم وتقبل منهم وانصرهم على من ظلمهم.
حادث سير بسيط بين عربة شباب مسلمين وحافلة تقل راهباً بوذياً تحول لمسيرة حاشدة في بلدة الوثغاما في سيرالانكا، ألقيت فيها الخطابات المحرضة وتطورت لموجة عنف ضد المسلمين وأعمال انتقامية قامت بها المجموعة البوذية بودا بالا سينا التي تعني القوة البوذية أو (BBS) في الفترة من 15-17 يونيو/حزيران 2014. أدت هذه الأعمال الغوغائية لمقتل أربعة أشخاص وإصابة 48 بجروح بالإضافة لأضرار جسيمة لحقت بمحلات ومصالح المسلمين ودنست مقدساتهم. وكعادتها ملأت الحكومة الشاشات تنديداً وشجباً وألقت القبض على بعض المشتبه بهم ولكنها غضت الطرف عن الرهبان المحرضين على المسيرة وأعمال العنف ضد المسلمين. احتمى معظم المسلمين في البلدة بالمسجد خلال المسيرة التي قام بها مدّعو السلام والرهبنة ولم يأمن أي من المسلمين على نفسه أو ممتلكاته في أجواء ساد فيها خطاب التحريض والتخوين والكراهية. لم تكن هذه الأعمال مفاجئة للمسلمين. والجدير بالذكر أن قيادات إسلامية من بينهم السيد فايزر مصطفى "نائب وزير تشجيع الاستثمار" قد أرسل رسالة مع بداية المسيرة لوزير القانون والنظام محذراً من حدة التوتر في منطقة الوثاغما ومطالباً الحكومة بتوفير الأمن للمسلمين. كما بعثت مجموعات مسلمة إلى المفتش العام للشرطة في 14 حزيران "نحن ندعوك لاتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لحماية أرواح وممتلكات المسلمين في الوثغاما والمناطق المحيطة بها". (شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين" 2014/6/25).
إن وقوع هذه الهجمات بهذا الشكل بعد الإنذارات المتكررة من المسلمين يدل على أن الحكومة السيرالانكية لم تكترث للأمر بل مهدت له وتركت المجال مفتوحاً للرهبان المتشددين. وقد تساءل الأخ إقبال الذي عاد إلى بيته المحطم في دارغا تاون يوم 2014/6/16 "كيف حدثت هذه الأمور، بينما كان بمقدور الشرطة أو الجيش أو أي شخص في السلطة أن يمنعها؟ إن هذا يخلق الكثير من الخوف بيننا، نحن نشعر بأننا لا نستطيع أن نثق في أي شخص" (إيرين 2014/6/25) نعم كيف للمسلمين أن يثقوا بحكومة ضيعت حق أكثر من 250,000 من النازحين المسلمين خلال فترة الحرب الأهلية وتماطلت حتى اللحظة في إعادة توطينهم، حكومة تتهاون مع المحرضين على العنف وبل وتضم في صفوفها أعضاء وموالين لبودا بالا سينا ومن بينهم وزير الدفاع السريلانكي جوتابايا راجاباكسا الذي أعلن صراحة وعلى الملأ تأييده لبودا بالا سينا، حكومة تتابع تحريض الراهب جنانسارا على المسلمين ومطالبته أتباعه الدعس على كل كيس مكتوب عليه "لحم حلال" بل وبالفتك بالمسلمين حيث قال يوم الاثنين "إذا مد مسلم يده على أحد البوذيين من العرقية السنهالية فستكون نهاية المسلمين جميعاً". إنهم رهبانٌ موهومون يبنون لأنفسهم مجداً عبر ادعاء الزهد والسلمية وفي المقابل ينشرون العداء ضد المسلمين بعد أن يئسوا من استقطابهم لدينهم العبثي ويتوددون للحكومة الفاشلة كي تستخدم نجاح المسلمين في التجارة كشماعة تداري بها فشلها الذريع في معالجة الحالة الاقتصادية المتردية. زواج المصالح أو بالأحرى السِفاح بين الرهبان المتطرفين والحكومة الفاشلة أدى لموجات دعائية تمثل المسلمين السريلانكيين كخطر سياسي واقتصادي على الأغلبية البوذية. الحكومة تنشر الكراهية بشتى الطرق ثم تدعي أنها تبحث عن مشتبه بهم في أحداث الشغب المتجددة بينما يعيش المسلمون في سيرلانكا في خوف أدى بهم لتقصير صلاة الجمعة حسب إرشادات المجالس الإسلامية في البلاد.
هذا حال أهلنا في سيريلانكا، أما في الصين فالأمر مختلف فمن جهة تحضر الشركات الصينية لاجتياح الأسواق في العالم الإسلامي واستثمار فرص موسم شهر رمضان المبارك والعيد لتغرق الأسواق بفوانيس رمضان وملبوسات العيد وأزياء المحجبات وتتودد للذوق العام في العالم الإسلامي ومن جهة أخرى تحضر المسلمين في الصين لرمضان عبر هجمات أمنية تعسفية واعتقالات وأحكام جائرة بالإعدام وجو عام من التوتر والتجسس على الأفراد للحيلولة بينهم وبين ممارسة شعائرهم الدينية في هذا الشهر الفضيل. معاناة يومية يعيشها أهل البلاد من المسلمين خصوصاً في إقليم تشينجيانج. ومن ذلك ما تناولته الأخبار عن اعتقال الأخت باتيغول غلام إثر مطالبتها بمعلومات عن مكان ابنها المختفي منذ الأحداث الدموية في 2009 من ضمن آلاف من الشباب المسلم المختطفين منذ تلك الأحداث التي قتل فيها أكثر من 200 شخص، لم تكف الأم عن المطالبة بمكان ابنها ولم تكف الحكومة عن مضايقتها وتهديدها وترويعها بذريعة أنها تهيج الرأي العام وتؤلب الناس. ردت السيدة غلام ذات مرة على المحققين "ليس لدي مسدس ولكن لدي فمي ودموعي ولن تتمكنوا من السيطرة عليهما".
لم تتمكن السلطات الصينية من منع المسلمين من الصيام عبر القرارت التي تصدرها لتحذير الموظفين والطلاب من الصيام بذريعة أنه يؤثر سلباً على أدائهم. ولكنها لا تتوانى عن إيذائهم والتضييق عليهم لتحد من انتشار الإسلام ووضع العقبات أمام التزام المسلمين بالأحكام الشرعية. وبالرغم من كل المضايقات فالمسلمون الإيغور والمسلمون الهان حريصون على الحفاظ على هويتهم الإسلامية ويتكبدون المشقات في سبيل تعليم أولادهم القرآن ولغة القرآن ونشر الثقافة الإسلامية. يعبدون الله بالرغم من المشقات، غير آبهين بالتنكيل بالمخلصين خصوصاً الدعاة والعلماء. إنهم مسلمون يتعرضون لصنوف الإيذاء والإرهاب تحت مسمى محاربة الإرهاب بينما تنهب الدولة ثرواتهم وتستأثر بالامتيازات للصينيين الهان وتستغل جهودهم لتصنع لنفسها مجداً اقتصادياً زائفاً. فشلت الحكومة الصينية في أن تفتن المسلمين عن دينهم ووصل الحد بها إلى تجنيد الحزب الشيوعي والمدارس والمعاهد والهيئات للتجسس على المسلمين ومراقبة أدائهم لشعائرهم الإسلامية ولكن خابوا وخسروا والله متم نوره ولو كره الكافرون.
لعل كل المآسي تبدو بسيطة عندما يتحدث المرء عن مسلمي الروهينجا وما يتعرضون له من صنوف الإيذاء على يد العصابات البوذية ومن يدير أمورها في سدة الحكم في ميانمار. قصص تجعل الولدان شيبا وينهد المسلم عند سماعها، لا يسعه إلا أن يقول اللهم إنا مغلوبون فانتصر. بعد سنوات من عمليات التهجير وإحراق البيوت على ساكنيها لجأت العصابة الحاكمة في ميانمار إلى حصر الروهينجا النازحين في مخيمات والتضييق عليهم فلا هم أحرار ولا هي تركتهم ينعمون بحقوق أو يتلقون خدمات. يعيشون في حصار بدون رعاية صحية أو تعليم ولا حتى الصرف الصحي. معسكرات الموت والمعاناة تحصر الروهينجا وتعرضهم للموت البطيء بينما تقوم قوات بوذية متطوعة بحراستهم في المخيمات والقرى بعد عملية تطهير عرقي عزلتهم في معسكرات. بل ولاحقوهم حتى داخل المعسكرات ففي شباط/فبراير 2014 طردت الحكومة منظمة أطباء بلا حدود من البلاد غادرت باقي الهيئات بعد مظاهرات للرهبان البوذيين تطالب برحيلهم وأعمال عنف متكررة في شهر آذار/مارس حتى أصبحت الخدمات شبه منعدمة. قالت كانغ منسقة الإغاثة العاجلة لدى الأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي في نيويورك بعد زيارة ميانمار: "في راخين شهدت مستوى من المعاناة الإنسانية داخل مخيمات للنازحين لم يسبق لي أن رأيتها من قبل شخصيا حيث يعيش رجال ونساء وأطفال في ظروف مزرية وقيود صارمة على حرية الحركة سواء في المخيمات أو القرى المعزولة". (2014/6/17 موقع الأمم المتحدة) تحولت المخيمات والقرى لمعتقلات يقضي فيها البوذيون على المسلمين عبر انتشار الأمراض وسوء التغذية والموت كمداً وحسرة على إخوة لا يأتون لنصرتهم وجيوش لا تتحرك لغوثهم.
يحل علينا شهر بدر وحطين وفتح مكة وعين جالوت وانكسار الروم في تبوك وفتح القرم والأندلس وغيرها وقد تجددت المجازر في أفريقيا الوسطى.. حل علينا رمضان بحال غير الحال.. حل علينا في فرقة وشتات ووهن فاللهم أصلح الحال وأعزنا بالإسلام مرة أخرى. تتجدد المجازر التي يسميها الإعلام "بالاشتباكات" وأي اشتباكات تكون بين عزل ومسلحين؟! بين مستضعفين ووحوش كاسرة تعمل تحت حماية قوات السنجريس الفرنسية؟! أفريقيا الوسطى وما أدراك ما أفريقيا الوسطى! أننسى مشاهد المسلمين وهم يؤكلون أو صور الإرهابيين النصارى وهم يحملون السواطير ويلاحقون الفارين من البطش أو ننسى نظرات الذعر في عيون الرجال.. أو ننسى ردود المسلمين في المقابلات مع الهيئات الغربية "إن لنا إخوة مسلمين وهم قادمون لنصرتنا".
نتابع أحداث أفريقيا الوسطى عبر الإعلام البديل ويتجاهل الإعلام في بلاد المسلمين قضايا الأمة ويغيب أحداث أفريقيا الوسطى عن الشاشات والصحف بينما يتابع بشغف أتفه تفاصيل حياة لاعبي كرة القدم ونوادر مشجعي كأس العالم. إعلام شعاره الترفيه وهدفه التغييب والتسطيح والتبعية للغير (إلا من رحم ربك من فرسان الكلمة) لم يكن الإعلام ليذكر حجم المأساة في أفريقيا الوسطى ليدين الأنظمة القمعية التي تبطش بشعوبها ناهيك عن معاناة المسلمين. لم يجعل الإعلام الرسمي في بلادنا معاناة المسلمين أولوية وقد أفرغت مدن كاملة من سكانها المسلمين وساءت أحوالهم في مخيمات الدول المجاورة، لم يهتم بقصص أسر تشتت وعزيز قوم ذل بعد أن تحولت به الحال من تاجر ألماس إلى ساكن مخيمات ومجرد رقم في سجلات الهيئات الأممية. لم يهتم بحال الأطفال الأبرياء وكفى بمأساة أهلنا في أفريقيا الوسطى ما ذكرته اليونسيف في هذا الأسبوع أنه تم تشويه 227 طفل مسلم جراء الأحداث في أفريقيا الوسطى في الستة أشهر الماضية فقط. حسبنا الله ونعم الوكيل.
وبرغم التعتيم عرف المسلمون معاناة إخوتهم وتألمت قلوبهم لمصابهم فالمسلمون أمة من دون الناس، اهتموا بأمر إخوتهم ولكن غابت الإرادة السياسية التي تستنصر لأهل التوحيد وتسعى لعزة الإسلام والمسلمين. بقيت معاناة المسلمين المستضعفين في الشرق والغرب ولم ينصرهم المسلمون بل بقيت المعاهدات التجارية وتكدست أسواقنا بالمنتجات الصينية وبقي المسلمون على العمالة السيرالانكية البوذية والترويج للمنتجعات السياحية في سيريلانكا دون أي خجل وبقيت فرنسا مدينة الأضواء بالرغم مما تعيثه من فساد في أفريقيا الوسطى. لم تنصرهم الحكومات والبعثات الدبلوماسية بجرة قلم بل لا زالت البروتوكولات الدبلوماسية والتهاني المتبادلة والاتفاقات التجارية كما هي... اللهم فرّج كرب المسلمين واجمع شملهم ووحد كلمتهم في ظلّ خلافة راشدة على منهاج النبوّة اللهم اجعلنا وإياهم من عتقاء هذا الشهر واغفر لنا تقصيرنا وانصرنا على من ظلمنا.
كل هذا ولم نذكر سوى رؤوس أقلام.. لم نذكر ثورة الإباء والعزة في الشام (عقر دار الإسلام) وأهلنا هناك تحت القصف وبراميل الموت ولا الأقصى الحزين الأسير وأكناف بيت المقدس الطاهرة التي يعيث فيها المستوطنون فساداً. لم نعرج على أنجولا وحكومة أنكرت بدر الدجى وزعمت أن الإسلام دين غير معترف به فساوت بذلك بين الإسلام العظيم ودجل السحرة والمشعوذين وضيقت على المسلمين ممارسة شعائرهم الدينية. لم نذكر حال المسلمين في الغرب ومنع النقاب والحجاب في بعض الدول الأوروبية وأثر ذلك على بناتنا وأخواتنا في هذا الشهر الفضيل. ولا الإعلام الحاقد في الغرب وإثارته للإسلامافوبيا وكراهية المسلمين بشكل أدى لتكرر الاعتداءات على أخواتنا في الغرب (بلاد الحريات). لم نذكر الحرائر في سجون الأنذال والمظلومين الذين يصل دعاؤهم لرب العرش دون حجاب. آه يا رمضان من حال أمتنا اليوم في ظل غياب تحكيم شرع الله.. أواه من حال المظلومين والمستضعفين في أصقاع الأرض.
لم ننسكم إخوتي، بل لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إيمان وإحسان. نتقدم إليكم بتحية خجلة أيها الأكارم وفي أعناقنا دين ثقيل لكم.. نبارك لكم الشهر أيتها الكريمات الأسيرات ولكن ماذا عسانا أن نقول وليست في أعناقنا بيعة لخليفة المسلمين، الإمام الجنّة الذي يقاتل من ورائه ويتقى به. إن مأساتكم دليل صارخ على أن الخلافة وحدها تملك هذه الإرادة السياسية التي تجعل مصاب كل مسلم في أصقاع الأرض مصاب الأمة بأسرها.. إننا نعمل لاستئناف هذا الحكم الإسلامي وننتظر أنصارأً كأنصار رسول الله، رجالاً لا يرضون الضيم لإخوانهم، يرفعون راية ولواء رسول الله ذوداً عن المستضعفين ونصرة للحق وإعلاءً لكلمة الله أكبر.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» (أحمد وأبو داود).
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد