الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مناهضة الأخونة أم حرب على "إنما المؤمنون إخوة"!

بسم الله الرحمن الرحيم


تزامن قصف يهود الغاشم على أهلنا في غزة مع حملة إعلامية دنيئة لأبواق الأنظمة المستبدة في بلاد المسلمين، تنوعت هذه الحملة بين التشكيك بأعمال المرابطين والأهداف التي وصلت لها القذائف والتنويه بضعف الإمكانات وقوة الخصم وحلفائه. احتفلوا بفشل المجاهدين ثم ما لبثت أن فضحتهم التصريحات الرسمية من الجانب الصهيوني وصور الصهاينة وهم في حالة خوف وهلع. وما أن فشل التشكيك في الأهداف انتقل الحديث إلى محاولة يائسة لكشف عبثية المقاومة وأن الخسائر البشرية والمادية في جانب كيان يهود محدودة بينما ضربات سلاحهم الجوي تفتك بأهل غزة زاعمين أن القيادة السياسية زجت بالناس في حرب غير متكافئة. ثم حاولوا أن يعزفوا على نغمة أخرى قديمة وهي تآمر أفراد وقيادات فلسطينية على القضية وأن هؤلاء المتآمرين هم أس البلاء إذ إنهم يكشفون الأهداف لليهود ويخونون بني جلدتهم. بدت هذه التحليلات كمن فسر الماء بعد جهد طويل بالماء ولمحوا لخيانة السلطة وبيعها للقضية وكأن الأمة تحتاج لشواهد بعد المعاهدات والمؤتمرات والمصالحات وعمل الأمن الفلسطيني علناً لتأمين المحتل، وسلطة تبحث عن أي بقعة تضع فوقها كرسياً وعلماً ملوناً. كتبوا عن تخاذل السلطة الفلسطينية وتغافلوا عن دور أنظمتهم في ترسيخ الاحتلال وسمسرة حكامهم لصالح العدو.


كثرت الادعاءات ولكن بيت القصيد فيها والخلاصة أن المقاومة تنتمي للإخوان ومن ناصرهم فقد ناصر الإخوان وغفل عن المبررات الكثيرة لعدم نصرة غزة. يدعون أنهم يستهجنون المطالبة بنصرة غزة في ظل واقع معقد وقيادات متآمرة وحرب خاسرة لا محالة. بل إن البعض بلغ به الحال أن رفض أن يسمي ما يجري بقصف واستأثر أن يطلق عليه عملية "تنظيف" وكأن الأمر يتم بتنسيق أمني معه شخصياً عبر خط ساخن لتحديد الأهداف. ومنهم من اصطف مع الكيان الصهيوني وتبنى زورا مقولة البادي أظلم وإن جنحوا للسلم.. مواقف هذه الأبواق المتصهينة تجسد قول المثل (يكاد المريب يقول خذوني). إنها نخب ابتليت بها الأمة، تختلق المبررات وترد عليها، وتدخل في جدال عقيم مع نفسها لكي ترفع الحرج عن أنظمة مكشوفة للعالم. لم تعد الأمة تعول على هذه الأنظمة التي تطيل من عمر الاستعمار أو تظن بهم خيرا، بل إن استنصار المستضعفين بالأنظمة بات يقارن بعبثية الاستنجاد بالأموات. لا يود المسلم سوى أن ينصر أخاه المسلم ويكون له كالبنيان يشد بعضه بعضاً.


لا ترتفع أصوات هذه الأبواق المتصهينة بالتهليل والتكبير إذا أفلح المجاهدون وسدد الله رميهم بل تراهم في غيظ وحيرة وتشكك وهم يسألون "من أين لهم هذا ومن أعطاهم السلاح وهم في حصار منذ زمن". تعلو أصواتهم في السؤال عن مصدر السلاح البعيد ويخرسون عند الحديث عن السلاح القريب الذي أكله الصدأ أو صفقات السلاح المشبوهة أو عن تبديد أموال الأمة والمشاريع الوهمية من حولهم ورائحة الفساد التي تزكم الأنفاس. يحاسبون المستضعفين على وقفة عز وكرامة ولا يحاسبون الفاسدين من حولهم أو يقولوا لهم "من أين لك هذا وماذا فعلت بأموال المسلمين؟" ولا عجب.. إنه هرم العلمانية المقلوب وعيون وقحة ترى العالم بعدسات مستعارة بالية ومتسخة. يروجون للأكاذيب ويطمسون الحق ويسدون آذانهم عن صرخات الحرائر وأنات اليتامى وخذلوا إخوتهم ثم تجدهم يتظاهرون بالعقلانية والتمدن ليرضى الغرب عنهم وعن منطقهم المعوج. إنه منطق من قصف العدو بيته وفقد كل أهله ثم صرخ من تحت الركام "قاتلكم الله حرقتم بدلتي الجديدة"!!


تخاذل الأنظمة أمر معروف وعمالتهم وتبعيتهم أمر ذو جذور ومتزامن مع اغتصاب الكيان الصهيوني لمسرى الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم وهذه العمالة والتبعية التي تناقلوها كابراً عن كابر هي السبب الوحيد لبقاء دويلة الصهاينة ليومنا هذا. ولكن الجديد في الأمر هو ادعاء العداء لفصيل بعينه كمبرر لهذه العمالة وهذا التآمر. تعليقات وكتابات تطمس الفوارق بين ما يصفونه بمراهقة سياسية وتحركات غير محسوبة وبين استهداف الكيان المحتل للمدنيين العزل وقصف البيوت. إنها نظرة مجردة من البعد العقدي ولا ترى في أشلاء الأطفال سوى ضحايا مغامرة، نظرة مكيافيلية تستند لمقولة نيكولا مكيافيلي "لا يمكن تجنب الحرب لكن يمكن تأجيلها من أجل مصالح آخرين." إن هذه الحرب لا تعنيهم في شيء بل يرون أن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لا يغلي الدم في عروقهم لانتهاك الحرمات أو لمناظر الدم والجثث والأشلاء. لا يغضبون لاستهداف الأطفال والنساء والشيوخ. لا يستغفرون لخذلان الصائمين القائمين الركع السجود.. لا يأبهون لذلك لأنهم ليسوا منا ولسنا منهم.


الجديد في طريقة فصل الأمة عما يحدث في غزة هو الهوس بشبح الإخوان وغير الإخوان واستخدامه كشماعة لكل صغيرة وكبيرة تماما كما اتخذ الغرب الإرهاب وسيلة لتكميم الأفواه والسيطرة على البشر. حرب على الإسلام بعباءات ومسميات مختلفة. يستعجب البعض من لا مبالاة النخب والإعلام في بلاد المسلمين لمصاب المسلمين في أصقاع الأرض وينسون أن هذه النخب وكثيراً من الإعلاميين يبررون قتل المسلمين ويناصرون العدو، كيف لا وهي نخب استوعبت الدرس الذي جاء في كتاب الأمير لمكيافيلي "لا يفتقر الأمير أبداً للأسباب كي يكسر بوعده" أو في مثل هذه الحالة ليبرر تقصيره في التزاماته تجاه إخوته في الدين. إنهم يعادون الإسلام والأخوة في الإسلام ويستخدمون تشويه الجماعات الإسلامية كستار لهذا العداء والشواهد كثيرة.


إن محاولة فصل الأمة عما يحدث في غزة عبر الهوس بشبح الإخوان محاولة يائسة ومصيرها كمصير تهمة الإرهاب التي يستخدمها الغرب كشماعة لكل صغيرة وكبيرة لتكميم الأفواه والسيطرة على البشر. من يناصر الصهاينة في قصفهم لغزة ويبرر للمتقاعسين عن نصرتهم هم الكتاب المغرضون أنفسهم الذين يحاربون دين الله ويطعنون في الدعاة الغيورين على دين الله. إنها الأقلام ذاتها التي تثير الأقاويل على المسلمات القانتات فتصفهم بالأخونة كلما عجزوا عن الرد على الحجج والبراهين. ينظمون الحملات المغرضة ويسنون أقلامهم في الباطل خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بنصرة قضايا الأمة أو تطبيق الأحكام الشرعية على وجهها الصحيح. وها هم الآن يتابعون تفاصيل ما يجري لأهل غزة ولسان حالهم يردد مقولة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق نيفل تشامبرلين الذي وصف الحرب التي شنها هتلر على تشيكوسلوفاكيا عام 1938 بأنها "حرب في بلاد بعيدة بين أناس لا نعرف عنهم أي شيء" بل ويضيفون لمقولة تشامبرلين أنها حرب خاسرة يقودها مغامرون ونحن في حل من التدخل فيها.


لقد سمع المسلمون في العريش دوي القصف في غزة كما سمع أهل تركيا من قبلهم آهات المسلمين في الشام.. سمعوهم ولكن لم يلبوا ولم يطالبوا بحقهم ولم يزلزلوا الأرض تحت أقدام الطغاة لتفتح لهم السبل لنصرة الأخ القريب.. سمعوهم ولكن منعتهم حدود المستعمر وذل الحكام ووسوسة شياطين الإنس من تلبية النداء. سمعوا القصف ولكن شاشات التلفاز منهمكة في اللهو واللغو. بينما جيوشنا تحيي ليلة العاشر من رمضان بمتابعة مباراة كرة قدم وتصرف وجهها عن قصف الأبرياء في غزة. سكت الجميع عن جرح ينزف ونطق السفهاء يبررون للعدو الصهيوني ويجندون أقلامهم لنصرة قضايا الكيان الصهيوني ولم يبقَ لهم سوى التباكي عليه.


هل يعقل أن يبلغ الهوان بالمسلم أن يصطف مع العدو الصهيوني ليبرر موقف من يعطيه حفنة من الدولارات ويبيع آخرته بدنيا فانية! ألم يتعظ القوم بقصص من ظلم من قبلهم وابتلاء الله لهم بزوال النعم وتقلب الحال ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾، أيأمنون مكر الله وهم يجاهرون بعداء الله ورسوله والمؤمنين؟ ألا يخشون أن يكون هذا الطفل اليتيم الجريح خصيمهم يوم القيامة.. ألا يستحيون من الله في الشهر الكريم.. ألا يعقلون؟!


ربنا إننا مغلوبون فانتصر، مظلومون فانتقم، متضرعون فاستجب، مستغيثون بك فأغثنا يا أرحم الراحمين.

﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾




كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد

 

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع