الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

حملة الإبادة الجماعية التي يشنها كيان يهود على أطفال غزة (مترجم)

بسم الله الرحمن الرحيم

 


"لن تكون ثمة دراسة في مدارسها غداً، إذ لم يبقَ أطفال هناك (في غزة)". كانت هذه الهتافات التي أطلقتها مظاهرة مؤيدة لكيان يهود خرجت دعماً للهجوم العسكري المتعطش للدماء الذي تشنه الدولة الصهيونية على غزة، الذي أسمته "عملية الحَدّ [كحدّ السيف!] الواقي". إن هذه الكلمات بكل ما تنطوي عليه من بشاعة تمثل وصفاً دقيقاً لأهداف حملة الذبح والتقتيل التي أعلنها كيان يهود المجرم ضد المسلمين الأبرياء في أكبر سجن مفتوح في العالم.


إن نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 1.8 مليون شخص هم تحت سن الثامنة عشرة. ولذلك لا بد أن تكون هذه الحرب الشرسة التي تشن على هذا الشريط الضيق المكتظ بالسكان هي في الحقيقة حرباً على الأطفال. وعليه، كانت صور الأطفال الرضّع الذين تغطيهم الدماء جرّاء شظايا القذائف، والأطفال المصابين بحروق شديدة، والأطفال الذين تناثرت أجسادهم مِزقاً مِزقاً بسبب القنابل، هي الصور الطبيعية المصاحبة لهذا الهجوم الضاري عديم الضمير على السكان العزّل في هذا القطاع الصغير من الأرض. كما قضى المئات من الآباء والأمهات والأسر العيد لا في توزيع الهدايا على صغارهم أو مشاهدتهم يلهون ويلعبون، وإنما قضوه إلى جانب قبورهم يترحمون عليهم ويدعون لهم.


وبالرغم من ذلك، على بشاعته، كان ثمة هدف أكثر خبثاً ولؤماً لهذا العدوان. ألا وهو الاستهداف المباشر والممنهج لأطفال غزة، الذي أصبح البصمة المميزة لهذا القصف المدفعي الذي تواصل بلا هوادة، ودون كلل أو ملل، على مدى شهر كامل على القطاع. فقد قتل في هذا الهجوم الوحشي أكثر من 340 طفلاً، كما أصيب فيه ما يزيد على 2500، وكان من ضمن الإصابات إصابات بليغة في الرأس، إلى جانب الأطراف المفتتة التي سيتعين بترها بالكلية. ويشكل هذا العدد خُمس عدد القتلى وأكثر من ربع المصابين في هذه الحرب الأخيرة على أهل غزة. كما ذكر مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة في بيان له أنه خلال يومي 23 و24 تموز/يوليو كان يُقتل طفلٌ كل ساعة في غزة.


ولا يمكن اعتبار هذا الأمر واحداً من "الأضرار الجانبية" للحرب. إنها عملية ممنهجة تهدف إلى "تنظيف" غزة من جيل المستقبل فيها، من خلال الإماتة أو الإعاقة الدائمة أو الأمراض النفسية التي تلازم الضحية مدى الحياة، وذلك لدى الأطفال ولدى مَن يلدونهم على حد سواء. وبالرغم من أن عبارة "إبادة جماعية" تبدو هي أشد وصفٍ يمكن أن تنطق به قوى الغرب والمجتمع الدولي للتعبير عن هذا النزاع، فإن هذا هو ما يحدث بالفعل، بلا زيادة ولا نقصان. إنها إبادة جماعية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ضد أطفال فلسطين.


ففي تموز/ يوليو، دعت النائبة أيليت شاكيد، وهي واحدة من أشهر أعضاء برلمان كيان يهود، إلى ذبح الأمهات الفلسطينيات اللاتي ولدن من أسمتهم "الحيّات الصغار". حيث كتبت على صفحتها في الفيس بوك ما نصه "يجب أن تموت هؤلاء الأمهات، وأن تزال بيوتهن من على وجه الأرض، كي يصبحن غير قادرات على ولادة مزيد من الإرهابيين. إنهم كلهم أعداؤنا، ويجب أن تغطي دماؤهم أيدينا. ويجب أن يطبق هذا أيضاً على أمهات الإرهابيين الذين ماتوا." وأضافت "يقف وراء كل إرهابي عشرات الرجال والنساء، الذين لا يستطيع بدونهم الانخراط في الإرهاب. كلهم أعداءٌ محاربون، ويجب أن تغطي دماؤهم كل رؤوسهم. وهذا يشمل الآن كذلك أمهات الشهداء اللائي يرسلنهم إلى جهنم مودّعين بالورود والقبلات. يجب أن تلحق هؤلاء النسوة بأبنائهن، وهذا هو العدل بعينه. يجب أن يذهبن، وكذلك المنازل التي ربّين فيها حيّاتهن. وإلا، فسيتم تربية المزيد من الأفاعي فيها."


من الواضح، من حمام الدم الذي تسبب به العدوان الصهيوني الأخير، أن تعليقات النائبة لا تعكس نظرتها هي وحدها للفلسطينيين، بل يشاركها فيها كذلك كيان يهود الإرهابي. فقد زار وفد من المحامين البريطانيين الضفة الغربية وكيان يهود في 2012 للتحقق من انتهاكات كيان يهود لميثاق الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل. وقال الوفد "إن جزءً كبيراً من الممانعة في معاملة الأطفال الفلسطينيين وفقاً للأعراف الدولية يعود إلى اعتقاد كشفه لنا نائب عام عسكري يقضي بأن كل طفل فلسطيني يعدّ "إرهابياً محتملاً"، ومن ثم فإنه يشكل هدفاً محتملاً [مشروعاً] طبقاً لهذا المنطق (الإسرائيلي) الأعوج.


إن مستقبل أي شعب يعتمد على حالة أطفاله. وكما يزداد تطاير غزة مع سحب الدخان الآن، وكما تسوّى بلداتها ومقاطعاتها بالأرض ويتم تحويلها إلى ركام، وكما يتم تدمير بُناها التحتية تدميراً كلياً وشاملاً، فإن دولة يهود تهدف بصورة واضحة وضوح الشمس إلى إيصال جيل المستقبل من مسلمي غزة إلى النهاية ذاتها. إنها تحاول إزالته من الوجود، من أجل محو مستقبل الأمة.


وما جريمة القتل الوحشية للفتى الفلسطيني محمد أبو خضير، ابن الـ 16 عاماً، الذي تم إحراقه حياً على يد شبان يهود، إلى جانب الضرب المبرح لابن عمه طارق أبو خضير من قبل الجنود اليهود، التي شكلت نقطة اندلاع المواجهة الحالية، سوى رمز للطبيعة الحقيقية لهذا العدوان الذي وضع أطفال غزة دون شك هدفاً مركزياً على أجهزة التسديد لدى العسكريين اليهود. ففي 28 تموز/ يوليو، اليوم الأول من أيام العيد، كان حشد من الأطفال يلعبون في متنزه داخل مخيم الشاطئ على أطراف مدينة غزة، ومن ضمنهم نحو 50 طفلاً يصطفون منتظرين دورهم ليلعبوا على دولاب عندما ضرب صاروخ (إسرائيلي) المنطقة. فقتل ما لا يقل عن 10 أطفال وأصاب كثيرين غيرهم إصابات مختلفة. حيث قال شاهد العيان منذر الديربي "كان الأطفال يلعبون على الدولاب... فسقط صاروخ وقطّعهم أشلاءً." وفي اليوم التالي استهدفت نيران دبابة (إسرائيلية) أطفالاً وهم نائمين في مدرسة أساسية للبنات تتبع منظمة الأمم المتحدة في جباليا، كانت مزدحمة بآلاف النازحين الذين التجأوا إليها هرباً من القصف العنيف، وذلك بالرغم من التحذيرات المتكررة بوجود نازحين مدنيين هناك، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من النساء والأطفال. وفي الأسبوع الذي سبقه، كانت الصورايخ (الإسرائيلية) قد أصابت مدرسة أخرى تابعة للأمم المتحدة في بيت حانون بينما كانت ساحتها تغص بالعائلات التي تنتظر إخلاءها وسط القتال المستعر هناك. فقتلت ما لا يقل عن 15 شخصاً وجرحت أكثر من 200. وهنا أيضاً كانت غالبية المصابين من النساء والأطفال. كما كان من بين القتلى أمٌ وابنها البالغ من العمر سنة واحدة. علماً بأنه في الهجومين اللذين طالا مدارس الأمم المتحدة كان العسكريون اليهود قد أبلغوا بالإحداثيات الدقيقة للمبنيين، وذلك 17 مرة في حادثة الهجوم على المدرسة الواقعة في جباليا.


وفي 26 تموز/ يوليو، قتل ما لا يقل عن 20 فرداً من عائلة النجار، من بينهم 11 طفلاً، في هجوم (إسرائيلي) على منزلهم. كما قام جيش كيان يهود في 20 تموز/ يوليو بتنفيذ مذبحة بشعة بحق أهالي حي الشجاعية، حيث قتل 26 امرأة و15 طفلاً، وشكل الأطفال ثلث عدد القتلى. وفي اليوم ذاته، أدت غارة جوية (إسرائيلية) إلى مقتل جميع أفراد عائلة فاطمة أبو جامع في خان يونس، إذ قتلت 25 شخصاً من ضمنهم 18 طفلاً و5 نساء، من بينهن 3 نساء حوامل. كذلك أطلقت البوارج الحربية (الإسرائيلية) في 16 تموز/ يوليو قذائفها على أطفال فلسطينيين يلهون على أحد شواطئ غزة، فقتلت 4 منهم وأصابت الآخرين إصابات بليغة. ويقول شهود عيان أن الأولاد حاولوا الهرب للنجاة من القذيفة الأولى التي أطلقت عليهم، لكن القذيفة الثانية استهدفتهم بشكل مباشر. وفي اليوم التالي كان ثلاثة أطفال يطعمون عصافيرهم على سطح منزلهم في حي صبرا بمدينة غزة عندما أصابهم صاروخ (إسرائيلي). ولقد حدث كل هذا في حين تحتوي ترسانة الجيش الصهيوني على أدق الأسلحة تصويباً حتى الآن. كما نشرت وسائل الإعلام في 1 آب/ أغسطس تقارير عن شهود عيان تفيد بأن 6 شباب فلسطينيين قد اقتيدوا إلى داخل حمام أحد المنازل في خزاعة قبل بضعة أيام، وتم إعدامهم بدم بارد من قبل قوات كيان يهود.


إن جميع الأحداث التي سقناها آنفاً ما هي إلا غيض من فيض هجماتٍ لا تحصى استهدفت الأطفال في قطاع غزة. وما يعزز هذه الحقيقة المرعبة، أن هذه الحرب ممنهجة وتستهدف أطفال غزة على نحو خاص، ملاحظات وتعليقات المسؤولين الطبيين على الأرض. حيث قال الدكتور مدحت عباس المدير الطبي لمستشفى الأقصى خلال مقابلة له مع فضائية Channel 4 News "إذا أردت أن تبقى حياً فعليك البقاء بعيداً عن أي طفل، لأن الأطفال هم الهدف المعلن للجيش الإسرائيلي." كما علق زميله الدكتور النرويجي مادس جيلبيرت الذي تطوع للعمل في مستشفى الشفاء على نسبة الإصابات بين الأطفال خلال هذه الحرب، مقارنة مع الأعداد الكلية لمن قتلوا وأصيبوا، فقال "إن عدد الأطفال ونسبتهم عالية بصورة غير عادية، ما يعني أن الإسرائيليين يقتلون الأطفال ويجرحون الأطفال بلا هوادة."


غير أن الأضرار والتشويه الدائم الذي يصاب به صغار غزة لا يتوقف على الناحية الجسدية فحسب، بل يشمل كذلك الأضرار العاطفية والنفسية. فقد قالت الدكتورة منى الفرّا من مستشفى الشفاء "إننا نتلقى الكثير الكثير من المكالمات التلفونية التي تتحدث عن حالات الهلع بين الأطفال... عن أطفال مرعوبين وقلقين متوترين. ولا تعرف أمهاتهم كيف يهدئن من روعهم." كما علق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يوم 23 تموز/ يوليو حول هذا الموضوع فقال "يوجد ما لا يقل عن 72390 طفلاً يحتاجون إلى علاج نفسي مباشر ومتخصص بسبب تعرض أسرهم للموت أو الإصابة أو فقد المنزل خلال الـ10 أيام الماضية"، وأضاف أنهم يتوقعون أن يرتفع هذا العدد على نحو صاروخي.


ومع ذلك، فإن استهداف وإيذاء الأطفال ليس بالأمر الغريب على كيان يهود. فقد ذكر تقرير صدر في شهر حزيران/يونيو الماضي عن المركز اليورو- متوسطي لمراقبة حقوق الإنسان، الذي يتخذ من جنيف مقراً له، أن دولة يهود اعتقلت نحو 2500 طفلاً فلسطينياً منذ 2010 فقط، وكان غالبيتهم في سن يتراوح بين 12 و15 عاماً. وتم اعتقال معظمهم لمجرد رمي الحجارة الذي يمكن أن تصل عقوبته للسجن 20 سنة. ويوثق التقرير أن 75% من هؤلاء الأطفال قد تعرض للتعذيب الجسدي، كما حوكم 25% منهم أمام محاكم عسكرية. وأضاف التقرير قوله "لقد تعرض غالبية الأطفال المعتقلين للتهديد والتعذيب الجسدي، بما في ذلك الضرب أثناء التحقيق. كما تستخدم سلطات كيان يهود المسؤولة عن التحقيق في كثير من الأحيان أسلوب "العزل" ضد 1 من كل 5 أطفال معتقلين، وذلك كوسيلة للضغط عليه خلال التحقيق. ويمكن أن تصل مدة العزل هذه إلى 10 أيام في المتوسط، وإلى 30 يوماً في بعض الحالات." ويقول هذا التقرير كذلك فإن السلطات تضع الطفل خلال فترة "العزل" في "زنازين ضيقة"، ولا تسمح لأحد بمقابلته، لا أفراد عائلته، ولا حتى محاميه في بعض الحالات. وإن مثل هذا التعذيب وسوء المعاملة سيترك بالضرورة أثراً نفسياً دائماً على الأطفال. وبالإضافة إلى ذلك، أفادت الباحثة في المركز اليورو- متوسطي ساندرا أوين أن ما لا يقل عن 1406 أطفال فلسطينيين قد قتلوا من قبل قوات كيان يهود منذ عام 2000، وكان من بينهم 263 طفلاً تحت سن الثامنة و450 تحت سن 15 عاماً.


كما وجه تقرير صدر عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الطفل في حزيران/يونيو 2013 أيضاً الاتهام لكيان يهود بتعذيب الأطفال الفلسطينيين أثناء وجودهم قيد الاحتجاز، وكذلك استخدام أطفال آخرين كدروع بشرية. وقال التقرير أن جنود كيان يهود يستخدمون هؤلاء الأطفال لإدخالهم أمامهم حينما يريدون الدخول إلى أبنية يحتمل أن تكون خطرة، وللوقوف أمام المركبات العسكرية للحيلولة دون تعرضها لإلقاء الحجارة عليها. وقال تقرير الأمم المتحدة كذلك أن نحو 7000 طفلاً فلسطينياً بين سن 12 و 17 عاماً، وإن كان سن البعض لا يتعدى التاسعة، تم اعتقالهم والتحقيق معهم واحتجازهم في المعتقلات على مدى السنوات العشر الماضية. وفوق هذا كله، تحدثت المنظمة غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، التي تطلق على نفسها اسم اللجنة العمومية لمناهضة التعذيب في (إسرائيل)، في تقرير لها أصدرته في كانون الثاني/يناير من هذا العام، عن أن النظام الصهيوني قام في بعض الحالات بوضع الأطفال الفلسطينيين المعتقلين خارج الأبنية ليلاً داخل أقفاص حديدية في ظل درجة التجمد لساعات عقب اعتقالهم.


إن هذه الحرب الرهيبة التي تشن ضد أطفال فلسطين قد وقعت، وما زالت تقع، تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي أعطى الضوء الأخضر لكيان يهود لممارسة الذبح والإعاقة وتقطيع الأوصال والترهيب، بلا شفقة أو رحمة، ضد الفئة الأشد ضعفاً وانكشافاً للأذى من الشعب المحتل من قبلها. ويحدث كل هذا بالرغم من إصدار عدد لا يحصى من القوانين والمواثيق الدولية التي تتعلق بحماية الأطفال، مثل ميثاق الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل. حيث تنص المادة 6 من هذا الاتفاق على أن للأطفال الحق في الحياة وأن على الحكومات كفالة عيش الأطفال وتطورهم بصورة سليمة ومفعمة بالصحة. كما تنص المادة 19 من الميثاق نفسه على أن للأطفال الحق في الحماية من كافة أشكال العنف ومن التعرض للأذى وسوء المعاملة. غير أنه يبدو أن هذه الكلمات قد ساحت وانحلّت في شلالات دماء أطفال فلسطين وأنهار دموعهم.


والأدهى، أن الأمم المتحدة ذاتها قد فضحت نفسها خلال هذا النزاع الأخير مجدداً، وبانت للعيان منظمة عاجزة، لا حول لها ولا قوة، وتجترّ كلماتها وبياناتها المرة تلو الأخرى. فقد قصف كيان يهود مائة وأحد عشر مبنى تابعاً للمنظمة، من بينها مدارس ومراكز توزيع معونات، كما قتل موظفوها ومسؤولوها على يد جيش كيان يهود. ووقفت مكتوفة اليدين غير قادرة على عمل أي شيء أو اتخاذ أي إجراء لوقف سفك الدماء في غزة ما لم تقل الدول الداعمة لحملة التقتيل والترويع اليهودية بذلك. إن من شأن سخف هذا الواقع أن يبعث على الضحك لو لم تكن آثاره ونتائجه على هذه الدرجة من المأساوية. فلم تعدُ المنظمة والحالة هذه أن أثبتت مرة أخرى انعدام قدرتها على تقديم أي نوع من الحماية الحقيقة، مهما كان ضئيلاً، للسكان المدنيين في غزة. حتى ولا لأولئك الذين التجأوا إلى ما يسمى جنّتها الآمنة. ولم يختلف دور الأمم المتحدة في هذا النزاع برمته كثيراً عنه بشأن الإبادة الجماعية التي تجري بحق المسلمين في سوريا وإفريقيا الوسطى وميانمار وبلدان أخرى كثيرة، إذ اقتصر دورها على إحصاء أعداد الضحايا والمصابين، وإصدار بيانات الاستنكار الجوفاء، وتقديم شيء قليل من المعونات الإنسانية، التي وبحسب اعترافاتها هي ذاتها أقل بصورة محزنة مما يكفي لتلبية احتياجات ضحايا هذه الحروب. وعليه، فقد ثبت أن أقوال هذه المنظمة اللا أممية وقراراتها خواء في خواء، ولم تزد عن أن تكون ضجيجاً يجري في خلفية حملات الإبادة الجماعية الجاري تنفيذها على قدم وساق ضد الشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.


وهكذا يتبين أننا هنا وفي العام 2014 نعيش في ظل نظام عالمي يطلق العنان فيه للدول الأقوى لدعم ومناصرة القاتل في إبادة شعب وتنفيذ حمام دم لأطفاله. ونحيا في ظل نظام عالمي يستطيع نظامٌ مجرم فيه ارتكاب أي جريمة حرب تخطر في باله، وأن يدوس كل الأعراف والمواثيق الإنسانية والخلقية، دون أن يكون فيه قيادة أو هيئة دولية تضع حداً لتاريخه الطويل الموغل في جرائم الإبادة الجماعية والظلم والاضطهاد. كما أننا هنا في ظل نظام دولي يقف حكام العالم الإسلامي فيه كمراقبين يشاهدون حملة الإفناء التي تشن على أهل غزة، متوالية فصولها الواحد تلو الآخر، مقيِّدين جنودهم بأغلال العار داخل ثكناتهم. بل والأسوأ من ذلك، تحالفهم النشط والفعال مع آلة القتل الصهيونية في مسعاها لتحويل فلسطين إلى مقبرة لأطفالها. وذلك من خلال مساندة الحصار على مسلمي غزة، وتزويد كيان يهود باحتياجاتها من الوقود وغيره من المستلزمات الضرورية، وتوقيع اتفاقيات تشرعن وجود كيان يهود واحتلاله للأرض الإسلامية.


لقد مررت أثناء تصفّحي جبال التغريدات المتصلة بالأزمة الحالية على تغريدة واحدة بعينها شدّت انتباهي. وهي تقول "لا أستطيع أن أرى ضوءاً في نهاية النفق". وهي نظرة عاطفية، بلا شك، قد يشارك الكاتب فيها كثيرون. لكن هذه النظرة الانهزامية نشأت عن رؤية هذا الكم الكبير الفاشل والمتكرر مما يسمى حلولاً للقضية، مثل الوقف المؤقت لإطلاق النار أو الاتفاقيات الفاسدة، بوصفها الوسيلة الوحيدة لمعالجة هذه المشكلة. وهي نظرة تنجم عن البحث عن إجابات من داخل إطار النظام العالمي الحالي، الذي يبدو أن كل الرياح فيه تجري على عكس ما يشتهي الفلسطينيون. نظام عالمي أثبت بدل المرة مرات أنه يعمل من أجل تكريس الوضع القائم، بدلاً من إحداث أي تغيير حقيقي لهذا الواقع.


إنه لضرب من الجنون الاعتقاد بأن الإبادة الجماعية التي تجري ضد الأطفال الفلسطينيين يمكن أن تُعالَج، من خلال مفاوضات أو اتفاقيات تعقد مع النظام الصهيوني عديم الضمير، الذي ليس لديه أي تقدير لحياة البشر أو أي احترام أو نيّة للالتزام بأي عهد، نظام ليس لديه أي وازع البتّة عن الاستهداف المباشر للأبرياء العُزَّل. كما أنها سذاجة ما بعدها سذاجة أن يضع أحدٌ ثقته في القوى الغربية، التي تعدّ الداعم السياسي والاقتصادي الأساسي للقاتل المجرم، فيتوقع منها أن تصوغ حلاً يحمي الدم الفلسطيني. وذلك لأن هذه القوى عينها هي من أنشأ وسلّح وحمى ونافح عن هذا المجرم. وهو خرف ما بعده خرف أن يؤمن أحدٌ بما يسمى القانون الدولي أو الهيئات والمنظمات الدولية، فيظن أنها يمكن أن ترفع ستة عقود من الاحتلال والاضطهاد والظلم الذي عاشه ويعيشه الفلسطينيون.

 

وذلك لأن هذه اللوائح والقوانين والهيئات والمنظمات ما كان لها أن توضع أو تشكَّل منذ اللحظة الأولى إلا من أجل العمل كأدوات تستخدمها دول الغرب متى شاءت لبسط نفوذها وهيمنتها على الشعوب والأمم. ولقد شهد التاريخ، وما زال، التطبيق الانتقائي، على سبيل المثال، للقانون الدولي من قبل القوى الغربية، التي طالما قامت بانتهاك هذا القانون دونما وازع أو حتى شعور بالخجل أو التردد. كما شهد التاريخ البعيد والقريب كيف أن مصطلح "الإبادة الجماعية" ذاته كثيراً ما تم ويجري التلاعب في تفسيره من قبل هذه القوى، تبعاً لمصالحها السياسية. وشهد التاريخ كذلك أن هذه المواثيق والاتفاقيات والقرارات قد ثبت على نحو قاطع أنها تافهة وعبثية تماماً، ولم تحمِ دماء أو مصالح الشعوب الإسلامية في سوريا أو مصر أو أفغانستان أو أيٍ من بلدان المسلمين الأخرى، على كثرتها. وبناء عليه، يتبين أن وضع الثقة في أي من هذه المسارات، التي كثيراً ما تمت تجربتها، وتم اختبارها، وأثبتت فسادها وفشلها الذريع، لمعالجة هذه القضية، هو الذي يطيل أمد معاناة الأطفال الفلسطينيين. وذلك من خلال صرف الانتباه وتحويل الجهود بعيداً عن الحل الحقيقي الناجع والشافي لهذه المشكلة.


وهذا الحل يجب وجوباً لازماً أن يمتد إلى ما هو وراء وأبعد من التهدئات والاتفاقات المكررة. يجب أن يرتقي فوق مستوى الرِّيَب والشكوك المعتادة التي تشكل الأساس الذي تبنى عليه كل الخطط والعهود التي تصوغها الحكومات الغربية التي لا تخدم إلا ذاتها فقط، ومع هذه الحكومات منظماتها الدولية التي لم تعمل يوماً لمصلحة الفلسطينيين. إن حماية دم الأطفال الفلسطينيين تكمن في تحريك جيوش المسلمين لنصرتهم، لأنه لا يملك أحدٌ مجابهة ومقارعة واجتثاث الهجوم العسكري الضاري والاحتلال العسكري الشرس إلا كيانٌ عسكري. بيد أن هذه الجيوش منع عليها أن تهبّ وتتحرك لنجدة إخوتها وأخواتها من المسلمين في فلسطين وسوريا وغيرهما، الأنظمةُ الحاكمة الحالية للعالم الإسلامي، التي تم تنصيب أو دعم الكثير منها من قبل القوى الغربية لتنفيذ أوامرها والسمسرة لها في المنطقة. ولذلك طالما عمل هؤلاء الحكام وهذه الحكومات كأكبر قوة دفاع عن كيان يهود.


وهكذا بات واضحاً، وضوح الشمس في رابعة النهار، أن الحل والعلاج الناجع الأوحد لمشكلة الإبادة الجماعية لأطفال فلسطين، وتحريرهم من ربقة الاحتلال، يكمن في شيء واحد، ولا سبيل غيره، هو ولادة قيادة جديدة في أرض الإسلام والمسلمين. قيادة ترقى وتسمو فوق النظام العالمي السائد حالياً، قيادة تضع حماية أرواح المسلمين وأرضهم ومصالحهم في القلب من نظام حكمها، قولاً وعملا. وما هذه القيادة سوى دولة الخلافة التي لا تنحصر نظرتها لجندها في مجرد حماية حدودها ومصالحها الوطنية. بل هي دولة ستقوم باقتلاع حدود سايكس وبيكو الاستعمارية التقسيمية التي غرسوها بين بلاد المسلمين. هذه الحدود التي تترك أطفالنا يموتون في بلد، فلا تحرك بلاد المسلمين المجاورة له جيوشها الجرارة، التي يبلغ تعداد الكثير منها مئات الألوف، لنجدتهم. بل وستوحّد الخلافة كل بلاد المسلمين وتحرك جيوشها لحماية أرواح المسلمين كافة، أينما كانوا وحلّوا. فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «‏إِنَّمَا الْإِمَامُ ‏‏جُنَّةٌ ‏ ‏يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».


ومن أسطع الأمثلة على ذلك، ما قامت به الخلافة العباسية من أعمال ضد احتلال النصارى الصليبيين لفلسطين. فعلى الرغم من أن عاصمة الخلافة كانت في بغداد في حينه، أرسل الخليفة واحداً من ألمع القادة العسكريين في الدولة، وهو صلاح الدين الأيوبي، الذي كان كرديّ الأصل، لتحرير منطقة بلاد الشام من رجس أولئك الصلبيين. وقد فعل.


ولذلك فإن الخلافة، بوصفها دولة تقوم على أساس الإسلام، كل الإسلام، ولا شيء غير الإسلام، لن تقبل باتفاقيات فارغة مع دول تلطخت أيديها بدماء المسلمين، اتفاقيات لم تحقق شيئاً على مرّ عقود سوى إضعاف الفلسطينيين مقارنة بعدوهم. كما أنها لن تقبل للاحتلال الذي دام 66 عاماً حتى الآن بأن يستمر ولو ليوم واحد. وإنما لن يهدأ لدولة الخلافة بالٌ حتى يتم تدمير الكيان الصهيوني العنصري فوق رؤوس من بنوه ومن وراءهم، ويتم تحرير كل شبر من أرض فلسطين، كل فلسطين، وإعادتها لتحكم بالإسلام. فتوفر الأمن والطمأنينة الحقيقيين للمسلم والنصراني واليهودي على حدٍ سواء، كما أمر الله سبحانه وتعالى. إنها دولة ستبيّن بالأفعال، لا بالبيانات والخطابات الجوفاء، القيمة الحقيقية للمسلم، ولدم الإنسان، كإنسان، وكرامته.


وبناء على ما سبق يتضح بكل جلاء أن السعي لوضع نهاية لحمام الدم الذي يجري تنفيذه ضد أطفال فلسطين، وكذلك وضع نهاية لحالة الظلم والبؤس التي يعيشونها برمّتها، يتطلب النظر إلى ما هو أسمى مما يقدمه النظام العالمي الحالية من حلول رخيصة تافهة، وتوجيه اهتمامنا، كل اهتمامنا، لتنصيب هذه القيادة الإسلامية الجديدة، التي تملك، وحدها، المفتاح لبلوغ هذا الهدف. قل: عسى أن يكون قريبا.

 

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتورة نسرين نواز
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع