اغتيال قادة حركة أحرار الشّام عنوان بارز يوضح الاستراتيجية الأمريكية في سوريا
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
فجعت مكونات الثورة السورية مساء الثلاثاء 9 سبتمبر باغتيال جماعي لمجموعة من قيادات حركة أحرار الشام، تجاوز عددهم 45 شهيداً من بينهم 28 من قيادات صف أول وصف ثانٍ في الحركة وذلك أثناء اجتماع للحركة بمدينة رام حمدان بمحافظة إدلب. ويقع حسان عبود "أبو عبد الله الحموي" على رأس هذه القائمة إلى جانب ثلة من قياديي الحركة الشرعيين والعسكريين والسياسيين. وحركة أحرار الشام هي جزء أساسي من الجبهة الإسلامية وهي من أهم المكونات العسكرية في الثورة السورية التي تحارب نظام بشار الأسد.
يأتي هذا الحدث ليمثل منعرجا خطيرا في سياق أحداث دولية متسارعة ففي نفس الأسبوع تم تكوين تحالف من 10 دول كبرى أبرزها أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من دول أوروبية، تحالف أعلن أن هدفه شن حملة عالمية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء عليه. يذكر أن تنظيم الدولة له وجود بالعراق والشام وأن التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا قد حسم أمره في مواجهة التنظيم بالعراق بعد أن أعد الأرضية الملائمة بتكوين الحكومة العراقية الجديدة برئاسة حيدر العبادي، حكومة اعتبرها وزير الخارجية الأمريكية خطوة كبيرة في سبيل محاربة تنظيم الدولة في العراق.
أما فيما يخص وجود تنظيم الدولة في سوريا فالوضع يبدو أكثر تعقيدا؛ فقد تحدثت صحيفة الواشنطن بوست عن تفكير إدارة أوباما في استراتيجية قد تطول إلى 3 سنوات أو أكثر في سبيل القضاء على هذا التنظيم، كما لم يستبعد مراقبون أن تشن أمريكا ضربات جوية على مواقع لتنظيم الدولة في سوريا ولكن يبدو أن واقع الحال أكثر تعقيدا في سوريا وهذا لاعتبارات عديدة.
لقد ارتكب نظام بشار الأسد من الإجرام والخراب والدمار والقتل ما لم يعد يسمح لأمريكا بدعمه علنا ولكنها في نفس الوقت قدمت ضوءاً أخضر إلى حد الآن لكل من روسيا وإيران وحزبها في لبنان "حزب الله" لمساعدة النظام وتقويته ومدِّه بالعدة والعتاد والمقاتلين لكي يواصل صموده وينتعش. وفي ظل دعوة أمريكا لمحاربة تنظيم الدولة فإن الرأي العام في سوريا والعالم قد تتجه أنظاره لتغاضي أمريكا عن إزاحة الأسد وهذا ما جعلها ترفض تدخل بشار في محاربة التنظيم بل تنعته بالإجرام وتبشره بالسقوط لا محالة. أما النقطة الثانية فإن أمريكا قد وجدت مكونات عدة للثورة السورية يطغى على جلها النفس الإسلامي وأطروحاتها السياسية لا تخلو من الإسلام كبديل حضاري للأنظمة القائمة، ورغم محاولاتها الكثيرة عبر سنوات الثورة الفارطة لتكوين معارضة سورية معتدلة إلا أنها كانت تفشل وتتخبط في كل مرة، فكل من تستطيع أن تعتمد عليهم لا وزن لهم ولمشاريعهم السياسية على أرض الواقع.
لقد جاء مؤتمر جنيف 2 ليفرض محاولة توافقية بين المعارضة والنظام يتم على أساسها بلورة المستقبل السياسي لسوريا غير أن هذا المشروع كان عاجزا ميتا فاشلا منذ نشأته، ولعل الأمريكان قد دخلوا اليوم في مرحلة جديدة عنوانها البطش والقضاء على كل المعيقات لتنفيذ هذا المشروع.
اغتيال قادة أحرار الشام رحمهم الله يأتي في أثناء محاولة حثيثة ومساعٍ أمريكية جدية في توحيد المعارضة السورية لقتال تنظيم الدولة، نعم هذا هو الهدف المعلن، أما ما تؤكده الأحداث على أرض الواقع فهو أن أمريكا تحاول جاهدة تصفية الثورة السورية من رموزها المخلصة التي قد ترفض أي مشروع يكون خنجرا في ظهر الثورة فيبقي للنظام الذي خرجوا لاقتلاعه جزءاً من حياة أو يجعل من بديله علمانية وقوانين وضعية لا تحتكم للإسلام مطلقا وهم في معظمهم من الصف الإسلامي الصريح. وقد صرح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بعد عملية الاغتيال قائلا "ندعم المعارضة السورية المعتدلة وسنزيد من دعمنا لها"
عمل استخباراتي كبير بكل المقاييس كانت نتيجته القضاء على صف أول وثانٍ من القيادات البارزة، كما كانت حيثياته ولا زالت غامضة مشبوهة؛ حيث إن مكان الاجتماع محاط بتدابير أمنية قصوى وحيث إن التوصل لمكان وجود قيادات على مستوى عالٍ لحركة من أبرز الحركات الموجودة على الساحة ليس بالأمر السهل أو الميسور لأي تنظيم أو جماعة. والجدير بالذكر أن قيادات أحرار الشام رفضوا بعض المقترحات التركية لحلول قد لا تخدم مصلحة الثورة وتؤدي إلى وأدها، مقترحات تركية تمليها وتدعمها أمريكا ضمن مساعيها لهيكلة المعارضة السورية المعتدلة.
إن هذه التصفية البشعة للعشرات من الأنفس المسلمة تبين مسارا واضحا ستنتهجه الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، مساراً يتضمن رسائل كثيرة أبرزها للكتائب التي تحاول أمريكا توحيدها؛ فإما القبول بالشروط والمطالب والأهداف الأمريكية للثورة السورية، وإما العيش تحت تهديد القتل والاغتيال، أما النقاط الأخرى المهمة في هذا المسار فهي شماعة الإرهاب التي تكتسي في هذه المرة حلة تنظيم الدولة، فبغض النظر عن تكوين التنظيم وأهدافه فإن أمريكا تحاول استغلاله لتنفيذ مشاريعها في المنطقة ولكن التنفيذ في هذه المرة لن يكون باليد الناعمة ولكنه سيتحول للوجه الأمريكي الحقيقي الصريح وجه السطوة والعجرفة والدم.
إن أمريكا وإن كانت تنوي القضاء على تنظيم الدولة في آخر المطاف فإنها ستكون أكثر الرابحين باستغلاله وتمديد وجوده لسنوات حتى تتمكن من فرض ما يجب فرضه وتحقق أهدافها السياسية في سوريا والعراق خاصة بعد أن فشلت في تحقيقها وعرفت لخبطة غير مسبوقة في مواقفها في الشرق الأوسط وخاصة في الشأن السوري، وإنها اليوم ولا شك تبدأ مرحلة جديدة هدفها تثبيت ما تقرر في مؤتمر جنيف 2، وأبرز مقتضيات هذه المرحلة هي عملية الاستنزاف الممنهج للثورة السورية ولكل نفس جدي للتحرر والانعتاق من الهيمنة الغربية، استنزاف للنفس الثوري العسكري المخلص الجاد وأيضا لكل نفس سياسي يطمح في رسم سياسات سورية خارجة عن سيطرة العم سام، وأخيرا استنزاف لطاقة الشعب السوري العظيم بصبره واحتسابه لعل شدة البطش والقتل والتدمير مع فراغ الساحة إلا ممن هم تبع لأمريكا سينتهي بالنفس الثوري إلى اليأس والاستسلام لا قدر الله.
إن الواجب اليوم على كل القوى السورية الثورية أن توحد صفها بناء على نقاط أساسية أبرزها رفض التحالف الدولي الذي اتخذ لنفسه كهدف رئيسي القضاء النهائي على ثورة الشام تحت ذريعة محاربة الإرهاب. كما أن على هذه القوى الفاعلة أن تجعل لنفسها قيادة سياسية وعسكرية موحدة تعطيها الأولى وضوح الرؤية السياسية وتعطيها الثانية المنعة والقدرة على تحقيق الأهداف العسكرية التي من شأنها الإطاحة بنظام البعث. ولعل اغتيال قادة أحرار الشام رحمهم الله يكون سببا في تحديد العدو من الصديق وفي لم شمل القوى الثورية في الشام ونبذها الفرقة والاختلاف والإعلان الواضح والصريح باتخاذ الحلف الدولي عدوا لا يؤدي التعامل معه والالتجاء إليه إلا إلى مزيد من الخراب والدم، ومن ثم إلى مشروع يرضى عنه ساكنو البيت الأبيض ولا يرضى به من ولد حرا وعاش حرا رافضا للاستعمار بكل صيغه فضلا على أنه مسلم لا يرضى بغير الإسلام بديلا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حبيب الحطاب - تونس