الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

"سيّدي، أَمَريضٌ نحن؟؟" ردّا على رجاء بن سلامة

بسم الله الرحمن الرحيم


في تعليق على عمليّة شارلي إيبدو الإرهابية التي أودت بحياة 12 شخصا و11 مجروحا كتبت الجامعية رجاء بن سلامة على صفحتها على الفيس بوك النص التالي:


(ماذا تنتظرون من ثقافة الشريعة صالحة لكل زمان ومكان؟


ماذا تنتظرون من شبيبة ترضع في الحليب شريط الرسالة بغزواته وحروبه؟


رجال الدين يستنكرون الإرهاب. ماذا فعلوا لكي يقولوا بكل وضوح وصراحة إن الآيات التي تتحدّث عن الحرب، والجهاد بالسيف يجب أن تُنزّلَ في سياقها التاريخي، وأن تٌلغى أحكامها؟


لماذا لم يقولوا بوضوح وشجاعة وصدق إن آية مثل "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" يجب أن يُلغى العمل بها اليوم؟


لم يقولوا شيئا، لم يفعلوا شيئا، بالعكس، كفّروا كل من دعا إلى فصل النص المقدّس عن السياسة وعن التشريع، واعتباره نصّا للعبادة والدعاء والصلاة. أرهبونا حتى يحموا الإرهاب وبعد ذلك بكوا: الإسلام منه براء) انتهى


يحضرني في هذا المقام قول الناشط السياسي "مالكوم إكس" مسلم أمريكي من أصل أفريقي والمعروف كذلك باسم "الحاج مالك الشباز".. قال في إحدى أشهر خطبه في العصر الحديث: "حينما تقرأ تاريخ العبودية، تجد الزنوج نوعين: زنجيّ البيت وزنجيّ الحقل..


فزنجيّ الحقل هو من يهتمّ بحقل سيّده ويلبس أسوأ الثياب ويأكل أسوأ الأكل، ويذوق الويلات ويُضرَب بالسوط لخدمة سيده..


أما زنجيّ البيت، فهو يسكن بجوار سيّده، يأكل من أكله، ويلبس مثل لباسه، ويتكلّم مثله بأسلوب وبيان جيّد، وحُبّه لسيّده أكثر من حبّ سيّده لنفسه، حتى إذا مرض السيّد، يقول زنجي البيت له: ما المشكلة يا سيّدي؟ أَمَريضٌ نحن؟؟"


هذا هو الفرق بين الصنفين، وإلى اليوم ما زال هناك زنوج الحقل وزنوج البيت..


زنوج الحقل نجدهم بين عامّة الناس، يخدمون أسيادهم كرها وقسرا ويُعانون ويُضطَهدون.. أما زنوج البيت فنجد أغلبهم في أشباه المُثقّفين والسياسيين، المنتفعين المتملّقين لأسيادهم.


إنّ الفراغ الفكري والسياسي الناتج عن فصل الإسلام عن الحكم، أعطى فرصة لأشباه المثقّفين ليتصدّروا المشهد الثقافي في البلاد.. عقليّات هجينة تعيش خارج سياق الأمة وخارج تاريخها وحاضرها تطفو على الساحة السياسية مُتنكّرة لهويّتها.


وأمام صنم التبعيّة للغرب، هناك من يستمتع بالعبودية بعد أن فقد انتماءه الحضاري لهذه الأمة وانطمست هويته وضاعت ذاكرته، فلا هو يتبنّى فكر الإسلام النقيّ ومشروعه.. ولا هو غربيّاً في هويّته وجذوره، ولا هو محموداً وسط أمته، ولا هو معروفاً عند أسياده،.. هو فقط فاقد لبوصلته الإيديولوجية، يتخبطّ بفكره العشوائي، وخادم للأجندات الخارجية وبالمجان.


هؤلاء للأسف أشباه المثقفين اليوم، تَراهم يتهافتون على كلّ ما يتعلّق بالغرب، ويغارون عليه أكثر ممّا يغارون على أرضهم وشعبهم وعقيدتهم، بل إنهم وجدوا في موالاتهم للغرب فرصة سانحة لتفجير عقدتهم مع الإسلام.. فاستهزأوا بمقدّساتهم وشككّوا في دينهم وحَرّضوا وافتروا وكذبوا، كلّ هذا تودّدا لأسيادهم حتى يغدقوا عليهم بعض التصفيقات على المنابر والصدقات المُعلَنة والخفيّة. مرتزقة مثقفون، يقتاتون على فتات أسيادهم مقابل الهجوم على أحكام الإسلام والتطاول على النصوص القرآنيّة بصفاقة ووقاحة.


إنه منذ الاستعمار العسكري والسياسي لبلاد الإسلام، وانتشار حملات الاستشراق، والغرب الكافر يضع الأمة الإسلامية تحت المجهر، وقد استطاع من خلال ذلك أن يصنع عملاء له في الفكر والسياسة والثقافة.. حتى صارت الأجساد محليّة والعقول مُستوردة، فلا تُفكّر إلّا بما يُمليه المستعمر عليها، وسط حالة من الدهشة والانبهار والذهول بسيّدها، حتى لو أخطأ هذا الغرب واعترف بخطئه، يُهرول هؤلاء ليقدّموا التبريرات، بل ويتبنّون الخطأ ويعتبرونه جزءا من ثقافتهم. حتى الغرب نفسه، قد يتناقض مع شعوبه ويظهر فيه المعارضون والثائرون والرافضون لسياسته وقبح نظامه، وأشباه المثقفين يُراقبون بانبهار، غضّت أبصارهم عن القبح، وأوّلوا الأمر إلى استحسان للحرّيات في بلاد الغرب.


هم بتبعيتهم هذه يُعبّرون فعلا أنهم متخلّفون، لأن سيّدهم الغرب أدرك أنّه مهزوم ومغلوب أمام أمة عظيمة عريقة لا تموت ولا تستسلم.. وأدرك أن الإسلام عائد لا محالة، لأنّه حيّ في قلوب المسلمين.. فصار يتخبّط ويتلوّى ويُصارع بما بقيَ له.. وكلّها حركات مذبوح هنا وهناك لأن الأمة الإسلامية أقوى وأوعى وأعتى ممّا تصوّر..


لكن الغريب في كل هذا، أن أشباه المثقفين من بني جلدتنا، الذين يتحدثون بألسنتنا، لم يُدركوا بعد ما أدركه سيّدهم لقلّة ثقتهم بدينهم وبأمّتهم، واستنقاصهم لعقيدتهم، وللعقد الفكرية والنفسية التي يحملونها تجاه الإسلام بوصفه مبدأ، عقيدة عقليّة صحيحة ينبثق عنها نظام للحياة. هذه العقيدة بصفائها ونقائها لا يحملها إلا من كان عقله مُحرّرا من التبعية، ومن كانت فطرته سليمة غير مشوّهة بالحقد والعداء لنفسه قبل غيره..


تتساءل زنجيّة البيت، بيت الغرب، رجاء بن سلامة: "ماذا تنتظرون من ثقافة الشريعة صالحة لكل زمان ومكان؟"


وأجيبها: ننتظر من هذه الثقافة أن تُنتج لنا مثقفين مخلصين لدينهم، صادقين مع أمّتهم، لا يتنكّرون للإسلام ولا يتملّصون من ولائهم وانتمائهم وفكرهم، ولا يُزايِدون على شريعتهم بل يعتبرونها الأصل والفصل.


تقول: "ماذا تنتظرون من شبيبة ترضع في الحليب شريط الرسالة بغزواته وحروبه؟"


وأجيب: ننتظر منها خيرا عظيما، ننتظر منها أن تُدمّر الكفر تدميرا، ننتظر منها أن تعيد لأمتها ذكرى بدر والأحزاب وحطين وعين جالوت، ننتظر من هذه الشبيبة الواعية المخلصة، أن تغيظ أوروبا وتقهر أمريكا في عقر بيتها، ننتظر منها أن تأتي بالغرب الكافر صاغرا ذليلا يطلب الغفران ولات حين مناص..


تقول: "رجال الدين يستنكرون الإرهاب. ماذا فعلوا لكي يقولوا بكل وضوح وصراحة إن الآيات التي تتحدّث عن الحرب، والجهاد بالسيف يجب أن تُنزّلَ في سياقها التاريخي، وأن تٌلغى أحكامها؟"


وأجيب: لن يتجرّأ أحد ويقول أنّ الجهاد أُلغِيَ، لأنّ عقليّة الجهاد كامنة في وجدان المسلمين الأنقياء الأتقياء، وأنفسهم تتوق إلى الموت في سبيل الله، وحمل الإسلام إلى العالم ليبلُغَ أمر ديننا ما بلغ الليل والنهار، وتتحقق نبوءة سيدنا ونبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر» رواه ابن حبان في صحيحه..


وتتابع: "لم يقولوا شيئا، لم يفعلوا شيئا، بالعكس، كفّروا كل من دعا إلى فصل النص المقدّس عن السياسة وعن التشريع، واعتباره نصّا للعبادة والدعاء والصلاة."


الإسلام ليس دينا كهنوتيا، يبدأ بتلاوات من كتاب محرّف وينتهي في كاتدرائيّة، فلا تجعلي من تصوّرك للدين عند الغرب هو نفسه عن الإسلام.. فالسياسة في الإسلام عبادة نؤتيها حقّها ونتقرّب بها إلى الله شأنها شأن الدعاء والصلاة.


ختاما، أتوجّه بنصيحة لأشباه المثقفين، فالنصيحة من الدين:


لا تنغلقوا في قوقعتكم المظلمة، واخرجوا من عالمكم البائس اليائس وانظروا أين أنتم من أمتكم.. أمتكم تسبقكم بكثير، تسبقكم في تطلّعاتها ومطالبها وثقتها بدينها وإرادتها في النهضة على أساسه.. فلا تُغرّدوا خارج سربها، فلن تسمعكم ولن تلتفتَ لكم لأنها تلفظ من يلفظها وتتنكّر له كما تنكّر لها. لا تعطوا أنفسكم الحقّ بالتحدّث في مصلحة الناس، فأنتم لا تعرفون حتى مصلحتكم وأفيقوا من جهلكم علّكم ترشدون.


يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء: 105].


﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ بالأمر والنهي والفصل ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ لتسوس الناس بما علمك الله وأوحى إليك ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ ولا تكن لمن خان الإسلام معينا ومدافعا عنه.

 

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع