نظرة الشعوب الغربية إلى الإسلام: هل هي نظرة سلبية بسبب سياسة التشويه التي تعتمدها الدول الغربية؟
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
معلوم أن الغرب في وجهة نظره يظن أنه لا بد للإنسان، لكي يبدع، من منافسة، لأن هذه المنافسة وجودها ضرورة يقتضيها المبدأ للدفع بعجلة التقدم، وأن الإنسان لو ظل منتجاً لا منافس له، فإن هذا الوضع لا يوجد إلا جموداً وتقوقعاً، وقد كان في الماضي الإسلام هو العدو، خاضت أوروبا مجتمعة، حروبا صليبية، إلى أن استطاعت، مع خونة العرب والترك إسقاط الخلافة. لكن نتيجة لرواسب عميقة في ذاكرة الساسة ورجال الدين، تجاه الإسلام بخاصة، تحول المنافس إلى عدو مفتعل يهاجَم قبل أن يهاجِم، في أفكاره ونظمه وتشريعاته، وتُعدّ له العدة باستراتيجيات تشرف عليها جهات مختصة؛ من مفكرين وساسة وأحزاب متطرفة ومتنفذين مستفيدين من هذه الوضعية.
ومعنى هذا أن الغرب يتخذ من الإسلام قاعدة لصراع الحضارات؛ والتي تعني أن لا يسمح أي مبدأ للآخر بالوجود، وهذا ما قاله المفكر فرانسيس فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ)، حيث ذكر أن الرأسمالية أكمل نموذج للبشر، وهي نهاية التاريخ، ولهذا لا بد من القضاء على المبادئ الأخرى كالإسلام. ثم ظهر بعد ذلك كتاب صدام الحضارات لهنتينجتون الذي ذكر صراحة أن علاقة البشر لا بد فيها من صراع، معترفاً بصراع الحضارات الذي لا يعترف الغرب به صراحة. ونزيدكم من الشعر بيتا؛ فالمفكر الفرنسى جون كريستوف روفان ألف كتاباً أسماه (الإمبراطورية الرومانية والبرابرة الجدد)، ركز فيه على أن أوروبا هي الإمبراطورية الرومانية، وأن الدول جنوبها هم البرابرة الذين لا بد أن تنشر فيهم الأمراض الفتاكة، ويمنع عنهم الدواء حتى لا يتحمل الغرب كلفة إبادتهم بالحروب.
هذا غيض من فيض ما صدر عن مفكري الغرب؛ الذين تتقاطر كلماتهم، فتسيل أنهاراً من الحقد والكره والضغينة على الإسلام والمسلمين، مما يساعد في تبلور وجهات نظر الغربيين من العوام وبناء وتشكيل عقليات لا تطيق أن يذكر الإسلام ولا نبيّه إلا بالسوء.
وما يزيد الأمر تعقيداً تولي الأحزاب اليمينية المتطرفة مقاليد الحكم، كما حدث عند تولي جورج بوش الابن الذي أعلنها حرباً صليبية جديدة، وحدد أن من لم يكن معنا فهو ضدنا، وكما حدث في أيام رئيسة الوزراء البريطانية (تاتشر) حيث ذكر مستشارها ألفريد تشيرمان أن أوروبا المسيحية تتعرض لتهديد إسلامي.
ولو أضفنا إلى هذا العقلية الرأسمالية الشرسة التي تتوهم قلة الحاجات وكثرة السكان، يتبين أن وجود البوارج الحربية الغربية التي تطوق العالم الإسلامي، بل وتخنقه بأذرع أخطبوطية، لهو أمر يمليه المبدأ الرأسمالي حفاظا على التبعية الاقتصادية ونهب الثروات الظاهرة والباطنة التي يسيل لها لعاب الغرب.
كما أن الغرب يرى بأم عينيه تزايد أعداد السكان في بلادهم يوما بعد يوم بالتناسل؛ الذي يعتبر من صميم دين الإسلام، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ»، أو التزايد بالهجرة إلى الغرب نتيجة للظروف التي يعيش فيها المسلمون في بلادهم بسبب سياسات الدكتاتوريات حليفة الغرب؛ والتي اصطنعها لتكون خط دفاع أمامياً لحماية مصالحه الاستراتيجية، ومنع أي انعتاق عن التبعية الغربية بوجود كيان سياسي يوحد الأمة.
هذه الزيادة السكانية الكبيرة للمسلمين في الغرب مقلقة لهم، لأنها تفضح ضيق أفق وشذوذاً لا سابق له، حيث ينخرط المجتمع هناك في الانحلال الأخلاقى ولا يكترثون للإنجاب مما ضاعف أعداد المسلمين، مع ثبات في أعداد النصارى، وأهم مثال فرنسا الكاثوليكية ذات العداء المستفحل للإسلام، تصدر دراسات عنها تقول بحلول عام 2050م سيكون عدد المسلمين فيها 50%.
وبناء على كل هذه الخلفيات تقام دراسات تحت إشراف مراكز بحثية ممولة من الرأسماليين لتكون هي خلفية التعامل لحكومات الغرب تجاه الإسلام والمسلمين.
ففي صفحة كاملة في صحيفة هآرتس (الإسرائيلية) ورد أن أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية والموساد قدموا تقريراً مطولا إلى وكالة المخابرات الأمريكية يحذر من تزايد عدد المسلمين في الغرب، وأنه في العامين المنصرمين بلغ اعتناق الإسلام من الأوروبيين خمسين ألف شخصٍ معظمهم من النساء وأن من يدخل من النساء في الإسلام يعني دخول أسرة كاملة، كما يعني دعوة الصديقات، لأن المسلمة الأوروبية تقارن بين الحقوق في دينها الجديد وبين ما كانت عليه، وهكذا تدور الدائرة بشكل مخيف.
وفي حقيقة الأمر فإن الحياة الغربية التي ينغمس فيها الناس تحت مسمى الحريات أوجدت مجتمعاً ماجناً، يمتهن فيه كل ما حرمه الإسلام؛ من ربا وزنا وشذوذ وخمر وغيرها، مما أوجد عداء طبيعياً للإسلام وأفكاره ومعالجاته، أضف إلى ذلك الخلط المتعمد بين الإسلام والواقع المخيف الذي يعيشه المسلمون؛ من جوع وحرب وجهل وأمراض، أحوال شجعت الغرب بأن يتهم الإسلام بأنه هو الذي أوجدها، والحقيقة هي أنها نتاج سياسات الغرب وأذنابه حكام المسلمين الذين لا ينتمون للأمة إلا اسماً.
من هنا يتنادى هؤلاء المذعورون والمتخوفون من الإسلام باعتباره عدواً، فأعدوا عدتهم التي سيبطلها الله سبحانه وتعالى، فقاموا ينشرون الأكاذيب والأقاويل المرجفة عن الإسلام، فينعتونه بالإرهاب والتخلف والتشدد والتطرف، ويحاربونه حربا لا هوادة فيها، ولكنه يحاصرهم في عقر دارهم.
إن لهذه التخوفات آثاراً عميقة ترتب عليها تعمد إبعاد المسلمين عن دينهم، ومحاولات للحيلولة دون وجودهم في كيانهم الطبيعي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تشكل حائطا فولاذياً لهجمات أعداء الله السياسية والعسكرية، فتردهم خائبين بإذن الله سبحانه.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار