لماذا التعتيم الإعلامي على المؤتمر العالمي "المرأة والشريعة"؟؟
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تعدّدت الآراء واختلفت حول المؤتمر النسائي العالمي "المرأة والشريعة بين الحق والباطل"* والذي عقد يوم السبت الثامن والعشرين من آذار/مارس 2015 ولكنّ الإعلام - تقريبا - توحّد واتّحد للتعتيم على هذا الحدث المهمّ والفريد في عرضه لقضايا المرأة التي لطالما نادى بحقوقها وحرياتها.
إنّ الإعلام يكيل بمكيالين بل أكثر... أليست هذه هي المرأة التي تشجعون الجمعيات والمؤسسات للنهوض بها؟ وها هي تقيم أعظم المؤتمرات بقدرات فائقة وطاقات رائعة وتبرهن أنها متمكنة قادرة على الإبداع وعلى الوقوف على مشاكل المرأة والبت فيها وإيجاد الحلول لها من وحي شرع ربها، أم أنّ هذا عكس المطلوب ويضادد السعي الحثيث لأعداء المرأة المسلمة لإبرازها مهضومة مقهورة؟
إن الصّورة التي يراد ترسيخها في الأذهان هي أن المرأة المسلمة مظلومة، وأنّ الأحكام التي أنزلت من لدن حكيم خبير لم تنصفها وجعلتها خادمة مطيعة للرجل وهو "السيد المطاع"... هكذا صوّر حال المرأة المسلمة، ولهذا بعثت الجمعيات النسوية للمناداة بحقوقها وإخراجها من سجن مجتمع ذكوري لم يراعها ولم يحمها... وجاء هذا المؤتمر النسائي ليفنّد هذا ويكذبه ويرمي بكل هذه الافتراءات عرض الحائط ويعطي الصورة الحقيقية للمرأة المسلمة الفاعلة في قضايا مجتمعها الساعية لحلها، شقيقة للرجل تتنافس معه في نيل رضا ربها.
فلا غرابة أن يصمّ الإعلام آذانه ويخفي عدسات كاميراته عن مواكبة هذا الحدث العظيم الذي جمع خمس دول من ثلاث قارات مختلفة؛ لأنه يسير عكس التيار ويتحدث في مواضيع تخالف المشروع الذي يعمل لتحقيقه أربابه والقائمون عليه... مشروع صرف المرأة المسلمة عن تحكيم الشرع وتشكيكها في أحكامه وتكبيلها بمفاهيم لا تمت بصلة لعقيدتها.
أن يكون موقف الإعلام - إلا من رحم ربي وكان نزيها - من المؤتمر موقف المتجاهل... موقف من يعتم وينفذ ما يطلب منه سمعا وطاعة فهذا غير مستغرب في واقع يحكمه نظام رأسمالي مصلحي منفعي، ولكن الأمر الذي يدعو للوقوف عليه هو بعض هؤلاء الذين يدّعون المصداقية في نقل الحدث فيواكبونه ولكن "يفبركونه" على المقاس الذي يريدونه، فيتركون لبّ الموضوع المطروح ويهتمون بنقاط أخرى يجعلون منها أم القضايا.
لقد ركّز بعضهم على مسألة حصر حضور المؤتمر على الصحفيات دون الصحفيين، حتى إنّ إحداهنّ كتبت دعوة للصحفيات بمقاطعة الفعالية لأنّها تفصل الرجال عن النساء ولا تسمح إلا بدخول الصحفيات، فهل كانت بدعوتها تنتصر للصحفيين الذكور وتدافع عن حقوقهم التي سلبت منهم وتطالب بها؟! أم أنّ الأمر منصب فقط على المرأة وكأنّها تمثل وحدها "الإنسان".
وكأنها بهذه الدعوة وبرأيها هذا قد جاءت بما عجز عن إدراكه الآخرون و... تمخض الجبل فأنجب فأرا، أرادت وغيرها أن يستهزئوا بهذا الإجراء... ويجهلون أو يتجاهلون أنّ في ذلك التزاماً بحكم شرعي يقضي بضرورة الفصل بين الرجال والنساء، فلو كان الأمر صادرا عن جهات أخرى لوجدوا له تبريرات وعللاً كثيرة ومتنوعة، ولكن أن يحدث هذا في مؤتمر لنساء مسلمات فهذا مرفوض منبوذ مردود.
أخطأت مقاييسهم وخابت معاييرهم، فكيف لهم أن يعيبوا هذا على نساء من أمة عريقة عزيزة كانت لها الريادة والقيادة قرونا عاشت فيها البشرية أفضل عيش وأكرم، أمة لها خصوصيتها ومميزاتها وبها كانت خير أمة؟ كيف لهم أن ينكروا هذا والحال أن العلوم والأبحاث تدل على خصوصية كل حضارة وثقافتها؟ فلماذا الإنكار والاستنكار إذا تعلق الأمر بأمة الإسلام؟
إنّ الهدف الرئيسي من وراء ذلك هو التعتيم على المشاركة الفعّالة والفاعلة للمرأة المسلمة الملتزمة التي برهنت أنها قادرة على العمل لنهضة أمتها؛ فرغم حضور صحفيات للمؤتمر وتغطيته فقد تجاهله الإعلام حتى تحجب المرأة المسلمة عن المجتمع وتؤسر وراء أبواب مغلقة فلا يسمع لها صوت، وتظهر للعالم مظلومة مقهورة فتأتي الجمعيات النسائية لترفع شعار تحريرها وإخراجها من ظلمات الجهل - كما تدّعي - إلى نور العلم والتحرر من قيود الرجل.
نتساءل هنا: هل سلّط الإعلام الضوء على منقبات طبيبات وعالمات وفاعلات في المجتمع؟ هل نظر إلى المرأة المسلمة نظرة تقدير وتوقير واحترام، أم ربط بين صورتها وصورة الإرهاب فجعلهما متلازمتين؛ متى ذُكِرت واحدة اسْتُحضِرت الأخرى؟
قاموا بوضع الحجاب على العقول ونادوا بنزع حجاب الرؤوس، وأرادوا للمرأة المسلمة الملتزمة التحرر من أحكام ربها ليكبلوها ويأسروا عقلها ويحجبوه!
يدّعي الفكر الليبرالي وعملاؤه أنه ينصر التعددية واحترام الآراء الأخرى، لكنه متحجر متسلّط أخذ شكل القالب الواحد الذي لا يلين، والذي يمارس التعتيم والتجاهل على كل فكر أو رأي يسير عكسه ويخالفه.
إنّ المدقق في هذا الموضوع والمتمعن فيه يرى أن الإعلام - وأكررها إلا من رحم ربي من المخلصين من أبناء الأمة - يدور حول رحى الغرب أينما دارت، يسعى لإرضائه وإرضاء القائمين على مصالحه، لا يهمه وضع المرأة المسلمة ولا يسعى - كما يدعي - إلى تحريرها وإعطائها حقوقها، بل يقف حجر عثرة أمام كل محاولة صادقة لإكرام المرأة والنهوض بها.
لكننا نساء حزب التحرير ندرك أنّ مبدأ الإسلام هو المبدأ الصحيح الذي بني على أساس متين، ولا يضيرنا من خالفنا أو تجاهلنا؛ نسير على هدي رسولنا الحبيب بخُطا ثابتة، عاملات لنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته وتحرير المرأة من قيود الرأسمالية وأفكارها حتى تعيش كريمة مكرّمة بأحكام ربها.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زينة الصامت
* عقد القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير مؤتمرا نسائيا عالميا فريدا من نوعه يوم الثامن والعشرين من آذار/مارس 2015م بعنوان "المرأة والشريعة بين الحق والباطل"؛ وقد تميزّ هذا المؤتمر عن سابقيه بانعقاده في قاعات محوسبة في كل من لندن، وفلسطين؛ وتونس؛ وتركيا وإندونيسيا، وتميّز أيضا بمشاركة متحدثات من تلك الدول في بث حي مباشر للناس حول العالم.