الإثنين، 28 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 4 تعليقات
سلسلة مقالات من بلاد الحرمين الشريفين حول "رؤية السعودية 2030"   (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سلسلة مقالات من بلاد الحرمين الشريفين حول "رؤية السعودية 2030"


(2)


ضرائب آل سعود على الحج والعمرة ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين

 


في ظل ما يعصف في بلاد الحرمين من أزمة اقتصادية وتماشيا مع رؤية 2030 التي نصت على وجوب وجود مصادر دخل بديلة للنفط، قامت حكومة آل سعود باستصدار قوانين جديدة تتعلق بزيارة المسلمين للمشاعر المقدسة بغرض الحج أو العمرة، وجاءت تلك القرارات على شكل زيادات لأسعار تأشيرات الزيارة والحج والعمرة، وقد تضاعفت تلك الرسوم من مبلغ يقارب 200 ريال سعودي (53 دولاراً أمريكياً) إلى 2000 ريال سعودي (533 دولاراً أمريكياً)؛ أي الرسوم السابقة مضروبة بعشرة، ولتزيين الأمر في عيون الناس فقد جاء في بيان القرار أن الحكومة سوف تتحمل هذه الرسوم لمن يحج أو يعتمر للمرة الأولى فقط كما أن تطبيق القرار سوف يبدأ من الأول من محرم 1438هـ، ولكن ذلك التزيين والإخفاء لن يقلل من فداحة الجرم، فحتى من ظن بالحسنى أن خططهم لتعويض العجز سوف تكون من خلال موارد بديلة كالصناعة أو الزراعة والمشاريع العملاقة أو بتحرير التبعية من الدولار مثلا، لم يخطر ببالهم أبدا أن الهدف الحقيقي، هو السطو على جيوب المسلمين والتجارة في مقدساتهم وشعائرهم، ولسان حال تلك القرارات يقول أن ليس للمسلم أن يحج أو يعتمر إلا مرة واحدة ومن أراد الزيادة فعليه عقوبة دفع الغرامة.


لقد كانت سياسة آل سعود المبنية على توصيات ربيبتها أمريكا فيما يخص تعويض العجز في الميزانية، كانت هذه السياسات الجديدة كلها مبنية على زيادة الرسوم واستحداث الضرائب ورفع الدعم الحكومي وزيادة الاستثمار في الصناديق الربوية، فتوجهات الحكومة في مجال خصخصة الأملاك العامة للأمة والاستثمار في صناديق الربا في دول الغرب والتخفيف من النفقات إلى أدنى المستويات، كل هذه التوجهات وما يشابهها مبنية على مبدأ المنفعة المادية البحتة، فما يعود بالمردود المادي الوفير تنفق عليه الدولة، وما لا يجلب ذلك المردود تمتنع عن أدائه حتى لو كان من الواجبات المفروضة على الدولة في الإسلام.


في قرارات رسوم الحج هذه، يظهر لنا مدى قبح النظرة المادية الرأسمالية في "رؤية السعودية 2030"، ويظهر لنا أيضا وبشكل جلي مدى مخالفة هذه القوانين لأحكام الإسلام المتعلقة في شؤون الحج والعمرة، فمصلحة تنفيذهم لأوامر سيدتهم أمريكا، ومصلحة بقائهم على عروشهم الخاوية، ومصلحة تعويض النقص الحاصل في ميزانيتهم بأي شكل، كل هذه مصالح مقدَّمة بالنسبة لهم على أحكام الإسلام، حيث إن أحكام الإسلام في شؤون الحج والعمرة لم يُنظر لها من قِبَلِهم بشكل مبدئي منبثق عن العقيدة لنوال رضوان الله، وإنما عطلت هذه الناحية بشكل كامل واتُّخذت بدلاً عنها الناحية المادية والاقتصادية للحصول على منافع دنيوية فقط.


لقد مرت على المسلمين العديد من الأحداث التاريخية التي منعت المسلمين من الوصول إلى المسجد الحرام، فمنها ما كانت في ظل عدم سيطرة المسلمين على المسجد الحرام كحادثة صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، ومنها ما كان بسبب فئة باغية على الدين بالقوة والقتل كحادثة القرامطة، ومنها ما كانت بسبب خلاف سياسي كالذي حدث بين عبد العزيز آل سعود وحسين بن علي والذي منع حجاج نجد من الوصول إلى الحجاز، وهي الحادثة التي مثلت القشة التي ألَّبت المسلمين على حكمه فعجلت بسقوطه وتمكين آل سعود في بلاد الحجاز، ولكن وفي كل أحداث التاريخ - بحسب ما وصلنا - لم نسمع عن قوم أو فئة أو دولة قامت باستغلال بلاد الحرمين بشكل مادي لتفرض على الناس أتاوات وضرائب مقابل دخولهم البيت الحرام، فهم في ذلك يتصرفون كمن امتلك الأرض والعباد، يمنون على المسلمين أنهم يستقبلونهم في بيت الله الحرام، ويسمون أنفسهم بعد ذلك كله خدام بيت الله الحرام، فهلا أعادوا قراءة التاريخ ليعرفوا سيرة خدام بيت الله الحرام بحق؟!


إن من الأمثلة التي يذكرها لنا تاريخ الخلفاء المسلمين في شؤون الحج ما جاء عن عمر بن عبد العزيز - خامس الخلفاء الراشدين - أنه كتب إلى عماله يقول (انظر من أراد من الذريَة أن يحج فاجعل له مائة ليحج بها) وأيضا كتب إلى ولاته (من أراد الحج فعجلوا عليه عطاءه حتى يتجهز به) وأرسل إلى عامله على اليمن يوصيه (أن أَقْعِدْ على طريق الحاج قوما ترضاهم وترضى دينهم وأمانتهم لكي يُقوّوا الضعيف ويغيثوا الفقير)، فأين آل سعود من سيرة خليفة عادل يأمر ولاته في تعجيل عطاء من أراد الحج وبين من تسلط على رقاب الناس وأخذ منهم ضريبة على حجهم وعمرتهم؟! وإننا لنعلم أن آل سعود ليسوا أهلا لأية مقارنة مع خلفاء المسلمين العظام...


لقد كان مشركو قريش على كفرهم يقومون بشؤون السقاية والرفادة لحجاج بيت الله الحرام على أكمل وجه، وذلك اتقاء مذمة العرب لهم في حال تقصيرهم فيما أوكل إليهم من شأن هذه البلاد المباركة، ولقد كانت قريش تتفاخر في ذلك وهي على كفرها أيما تفاخر، فقد كانت تجمع لذلك المال من جميع سادات قريش ويقسمون المهام فيما بينهم بل ويتنافسون عليه فيطعمون ويسقون، فأين آل سعود في تعقيداتهم وتصعيباتهم وضرائبهم وتعسيراتهم من كفار قريش؟!!


لقد وصل المسلمون في زمان آل سعود إلى مرحلة صرنا نسمع فيها بعجائب الحج في القرن الواحد والعشرين، فتارة نسمع عن حجاج باعوا بيوتهم ليتمكنوا من الحج، وتارة نسمع عن آخرين يدفعون كامل ما جنوه في حياتهم مقابل دفع تكاليف الحج، وقصص أخرى عن حجاج تتجاوز حدوداً كثيرة وعقبات وصعاباً تستمر لأشهر حتى يتمكنوا من الوصول إلى بيت الله الحرام، وقصص وقصص، كلها مآسٍ نسمع عنها ونشاهد أصحابها على شاشات التلفزيون، تجعل من أداء فريضة الحج حلما صعب المنال!!


لقد استغل حكام آل سعود مشاعر المسلمين التي تهوي إلى البيت الحرام، وقد قاموا بقياس الأمر بمقياس تجاري منفعي بحت، ونظروا للمسألة وكأنها عروض تجارة تحدَّد فيها الأسعار بمقياس العرض والطلب، وقد علموا أن الطلب على الحج والعمرة في تزايد مستمر، وذلك في ظل إخفاقاتهم المستمرة عبر عقود في رعاية شؤون الحرمين الشريفين، وعجزهم عن تلبية حاجات المسلمين في الحج والعمرة ومجاراة الأعداد المتراكمة من الحجاج والمعتمرين، ولذلك فإنهم يفرضون تلك الضرائب وهم واثقون بأن الطلب سوف يبقى مرتفعا، وأن التجارة بالنسبة لأمة المليارين مع الله غالية، وعليه فإن الصفقة بالنسبة لآل سعود مربحة جداً ويمكن من خلالها جني الكثير من الأموال في الدنيا وتغافلوا عن الآخرة.


إن حدود سايكس وبيكو كانت وما زالت أول عقدة أمام المسملين في رحلة الحج، ثم جاء آل سعود ليضيفوا لتلك العقدة الكثير من العقد والعقبات والصعوبات، فمن بدعة التصاريح التي "لا يكون الحج صحيحا دونها"، إلى البيروقراطية العفنة في المعاملات والإجراءات، إلى المعاناة في التنقلات وسوء الخدمات، إلى خنق مكة بالفنادق والأبراج، كل تلك العقبات وغيرها الكثير من العقبات التي أضيف إليها ضريبة جديدة، تلك الضريبة التي تعادل تقريباً ثلاثة ونصف مداخيل شهرية للموظف الأردني وذلك بناءً على متوسط الرواتب في الأردن، وكذلك راتبين ونصف للموظف السوري قبل الثورة، وفي مصر ما يعادل أربعة رواتب شهرية، وقس على ذلك مختلف بلدان العالم الإسلامي، وهذا بالنسبة للموظفين الذين يتقاضون راتبا شهريا، ناهيك عمن لا يملكون دخلا ثابتا أو ممن لا يملكون ما يعيلهم، فمن أين لأمثال هؤلاء أن يحجوا أو يعتمروا بعد هذه الضريبة الجديدة التي يضاف إليها مصاريف الحج الأخرى كالنقل والسكن والمعيشة والتي إذا ما قمنا بحساب متوسطاتها فإننا سوف نحتاج للحساب على أساس مضاعفات الدخل السنوي للفرد، بل يمكن أن نصل إلى أساس متوسط الدخل كله خلال متوسط عمر الإنسان!!


لقد عملت حكومة آل سعود في رؤيتها على تعويض العجز في ميزانية الدولة من جيوب سكان بلاد الحرمين في البداية، وها هم الآن يصلون إلى جيوب المسلمين في شتى بقاع الأرض، وما ذلك إلا لتنفيذ مخططات أمريكا وتوصياتها، وإن العائد للدولة من خلال هذه الضريبة فقط وبحسب رؤية 2030 والتي تسعى إلى بلوغ 30 مليون معتمر في السنة يعادل 60 مليار ريال سعودي (16 مليار دولار أمريكي) ومن الحج يمكن أن يصل العائد إلى 1.6 مليار دولار وذلك إذا ما اعتبرنا متوسط عدد الحجاج 3 مليون حاج سنويا - رغم أنه يقل سنويا بسبب تعقيداتهم، أي ما يمثل 17.6 مليار دولار كدخل سنوي على خزينة الدولة وذلك نتيجة قانون ضريبي واحد، فهل هذه الضرائب حقاً تأتي لسد العجز فقط أم هي للصد عن سبيل الله والمسجد الحرام والمتاجرة في المقدسات؟!!... فأين علماء بلاد الحرمين من كل هذا؟!!


لقد حاول الكثيرون عبر التاريخ الصد عن سبيل الله والمسجد الحرام؛ من أبرهة الحبشي وصولا إلى حسين بن علي، ولقد انتهى بهم الأمر جميعاً بالخروج مدحورين من المسجد الحرام، وإن ما يفعله حكام آل سعود لهو بشارة بقرب زوال حكمهم وانتقالهم إلى مخلّفات التاريخ، وإننا نسأل الله، ونشحذ همم المخلصين في بلاد الحرمين، أن لا يرضوا على أنقاضهم بديلا عن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة...

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ماجد الصالح – بلاد الحرمين الشريفين

 

 

 

المقالة الأولى: (1) "رؤية السعودية 2030" في ميزان الإسلام

المقالة الثالثة: (3) رؤية السعودية للتسليح العسكري، سهم في كنانة الكافرين وطعنة في خاصرة المسلمين

المقالة الرابعة: (4) رؤية الصحة 2030 تخدير لأبناء بلاد الحرمين

المقالة الخامسة:  (5)رؤية 2030 في التعليم: استهداف الجيل القادم

المقالة السادسة: (6) رؤية 2030: التحول إلى الرأسمالية التامة 

المقالة السابعة: (7) رؤية بن سلمان ورؤية صندوق النقد لاقتصاد آل سعود

المقالة الثامنة: (8)نظرة موجزة على ميزانية السعودية لعام 2017

 

4 تعليقات

  • Khadija
    Khadija الأحد، 18 أيلول/سبتمبر 2016م 21:23 تعليق

    اللهمّ ارحمنا بالخلافة الرّاشدة الثّانية على منهاج النبوّة التي تزلزل أركان الطّواغيت وتسعد البشريّة جمعاء...

  • خالد أبو محمود
    خالد أبو محمود الخميس، 15 أيلول/سبتمبر 2016م 21:40 تعليق

    بارك الله فيك اخي الكريم.

  • ام عبدالله
    ام عبدالله الخميس، 15 أيلول/سبتمبر 2016م 19:43 تعليق

    بارك الله فيكم

  • إبتهال
    إبتهال الخميس، 15 أيلول/سبتمبر 2016م 16:47 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع