السبت، 19 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
سلسلة مقالات من بلاد الحرمين الشريفين حول "رؤية السعودية 2030"   (6)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

سلسلة مقالات من بلاد الحرمين الشريفين حول "رؤية السعودية 2030"


(6)


رؤية 2030: التحول إلى الرأسمالية التامة

 


إن أهم ما ركزت عليه مبادئ "رؤية 2030" هو الانتقال من "الاعتماد المفرط" في الاقتصاد على البترول وتحويله باتجاه مصادر أخرى، ونرى ذلك جليا في الوثيقة الرئيسية لـ"رؤية 2030" تحت عنوان "اقتصاد مزدهر" ما نصه: (إن تنويع اقتصادنا من أهم مقومات استدامته، ورغم أن النفط والغاز يمثلان دعامة أساسية لاقتصادنا إلا أننا بدأنا التوسع في الاستثمار في قطاعات إضافية)، وهذا ما أشادت به أرامكو حيث قال النائب الأعلى لرئيس أرامكو للماليّة والاستراتيجية والتطوير المهندس عبد الله بن إبراهيم السعدان: إن رؤية المملكة 2030م أعلنت إيذان تحوّل الاقتصاد الوطني للمملكة وتحريره من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على الموارد الأخرى. (صحيفة المدينة 2016/4/28)، وحتى إن الرؤية عرفت في موسوعة ويكيبيديا بأن رؤية 2030 هي خطة ما بعد النفط للمملكة...)


وهذا في ظاهره إجراء صحيح بداهة لأي حاكم أو لأي اقتصادي، ولكن هنا السؤال: ألم يكن هذا معلوما من قبل لدى رجالات واقتصاديي البلاد؟ فلماذا الآن؟! وهل ذلك بسبب انخفاض أسعار النفط وتردي الأوضاع الاقتصادية للدولة؟ يجيب على ذلك الأمير محمد بن سلمان بنفسه في مقابلته مع قناة العربية - والمنشورة بموقع بي بي سي عربي - بقوله إن "الرؤية ستنطلق سواء بارتفاع أسعار النفط أو انخفاضها"...


هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن هذه الرؤية لم تأت كردة فعل على الوضع الاقتصادي القادم بل هو توجه جديد وضع للبلاد لإرهاقها وإخضاعها فوق خضوعها اقتصاديا وسياسيا للنظام الرأسمالي العالمي والمتمثل بسيدته أمريكا، وهذا ما يمكن إدراكه من ردات الفعل العالمية حول إعلان الرؤية، فما إن أطلقت الرؤية حتى بدأ أقطاب الرأسمالية بالإشادة بها وتشجيعها، فنرى الولايات المتحدة الأمريكية في بيان خاص بقناة "العربية" تعبر فيه عن "تطلعها إلى تقوية علاقاتها التجارية والاستثمارية مع السعودية" في إطار رؤية المملكة 2030 التي أطلقها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز (العربية 2016/4/27). ونرى صندوق النقد الدولي يشيد بذلك، فقد قال تيم كالين رئيس بعثة صندوق النقد الدولي: "إنه منذ بعثة التشاور السابقة في 2015 كان هناك تسارع كبير في وتيرة الإصلاحات في المملكة العربية السعودية، وأضاف: رؤية 2030 تعد تحولا جريئا وبعيد المدى للاقتصاد السعودي لتنويع النمو والحد من الاعتماد على النفط" (الشرق الأوسط 2016/5/20)، وفي سياق متصل أيضا، دعت صحيفة "التايمز" البريطانية، في افتتاحيتها ليوم الأربعاء 2016/4/27، المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم للأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بعد إعلانه عن الرؤية المستقبلية للسعودية والتي قدمها باسم "رؤية السعودية 2030"، واصفة إياه بـ"الأمير غير المحدود". (العربية 2016/4/27)


وما هذا كله إلا ليزينوا للدولة غيّها وخضوعها اقتصاديا وسياسيا للنظام الرأسمالي العالمي كما أسلفت، والظاهر للمتابع للأزمة العالمية التي عصفت بالعالم وبالنظام الرأسمالي ككل يرى وبوضوح أن أكثر الدول تضررا - ناهيك عن الدول ذات الاقتصاد المعدوم أصلا - هي أكثرها التصاقا والتزاما بالرأسمالية، وأن السعودية كانت من أقل الدول تأثرا بالأزمة العالمية وذلك بسبب قوة اقتصادها المعتمد على "مال حقيقي" ألا وهو البترول، بعكس الدول مثل دبي مثلا والتي لسوق المال والأسهم وتجارة المال بالمال نصيب الأسد من اقتصادها فكانت الضربة قاسية جدا لها.


والظاهر أن هذه الحال لا ترضي بحال من الأحوال ربيبة الرأسمالية أمريكا، رغم عمالة السعودية وتبعيتها لها، فهي تريد أن تربط الجميع ارتباطا لصيقا بها فلا يخرج أحد منه سليما إن هي تضررت حتى يبقى الجميع مستظلا بمظلتها خاضعا لما تمليه عليه، حتى وإن كانت هذه الدولة عميلة لها.


لذلك نرى مرتكزات مبادئ هذه الرؤية الرئيسية قائمة على هذا الأساس، فعلى سبيل المثال لا الحصر:


1. زيادة دور القطاع الخاص وخصخصة أموال وأملاك للدولة وأرامكو خير مثال لذلك. وذلك لتقليل ما تملكه الدولة قدر الإمكان وتحويل الملكية لأفراد وشركات تركيزا للرأسمالية. خلافا لتقسيم الملكيات في الإسلام حيث هناك ملكية عامة وملكية دولة وملكية خاصة ولا يتعدى أحدها على الآخر فيطلق العنان للملكية الخاصة للتملك من أملاك الدولة أو من الأملاك العامة التي هي حق للمسلمين جميعا، كما هي الرأسمالية.


2. خفض الدعم وزيادة الضرائب كمصدر جديد للدخل في المملكة وهو اعتماد على "المال الوهمي" الذي لا أصل ماديا له، ولا يرفع من إنتاجية الدولة إطلاقا. فما يسمى بـ"الدعم" أصلا هو من واجبات الدولة في الإسلام والذي تنفق عليه من بيت المال، فهو دعم لما يجب أصلا أن يكون مجانيا، فهو إما من الأملاك العامة مثل الكهرباء ومصادر الطاقة أو من الحاجات الأساسية للحياة التي على الدولة أصلا توفيرها لرعاياها، وأما الضرائب فمنهي عنها ابتداء إلا لحاجة يقرها الشرع وعلى أغنياء المسلمين فقط.


3. تحويل أرامكو إلى "عملاق صناعي يعمل في أنحاء العالم" - كما عبر عن ذلك الأمير محمد بن سلمان في كلمته الافتتاحية لرؤية 2030 - ومن المعلوم لكل متابع أن أرامكو لا تخرج عن كونها شركة استعمارية أمريكية بامتياز لنهب ثروات البلاد النفطية، وزيادة نفوذها وتحويلها إلى "عملاق يجوب العالم" إنما هو زيادة للنفوذ الأمريكي بعيد استلام الملك سلمان مقاليد الحكم. يحادون بذلك قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ صدق الله العظيم.


فمن هذا كله نرى أن هذه الرؤية ليست وليدة الحالة الاقتصادية الحالية ولا هي وليدة بنات أفكار محمد بن سلمان، وإنما هي خطة مدروسة ومخطط لها لاستكمال "رأسملة" النظام في الدولة فوق رأسماليته وزيادة توثيق العلاقة بالمستعمر الأمريكي وإنهاك للبلاد اقتصاديا وإشغال لأبنائها بتردي الأوضاع الاقتصادية.


وعوضا عن هذا التخبط الذي لن يزيد البلاد والعباد إلا وبالا، كان على عقلاء الدولة - إن كان بها عقلاء يأتمرون بإمرة أنفسهم - أن يدركوا أن العلاج لحالهم وحال المسلمين جميعا بين أيديهم منذ بعثة محمد عليه الصلاة والسلام وأنه لن يصلح أمرهم إلا بما صلح به أوله، فالله جل في علاه خلق الإنسان وهو أعلم بما يصلح حاله ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ فجعل له طريقا يمشي عليه فإن فعل؛ اهتدى، وإن سار بغيره ضل، وأعد له نظاما ربانيا لحياته كلها ما ترك به صغيرة ولا كبيرة فإن سار عليه؛ سعد وصلح حاله وإن سار بغيره؛ شقي وخاب.


فلن يصلح الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد إلا الإسلام المتمثل بدولة الخلافة الراشدة التي ستقطع دابر المستعمر من البلاد وتقطع علاقتها بصندوق النقد الدولي والارتهان بقراراته بل وتنهي الاحتكام للدولار في العملات وتستبدل به العملات الحقيقية (الذهب والفضة) وستوزع الأملاك والثروات توزيعا عادلا بحسب أحكام الشرع فتعود خيرات المسلمين لهم...


فيا أيها العقلاء من بلاد الحرمين الشريفين! لقد كان لكم في دولة رسول الله في بلادكم أسوة حسنة عشتم بكنفها تنعمون بالعدل وتنعمون بالشريعة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله. حتى فتح الله على المسلمين فأصبحت دولتهم دولة الحق الأولى عالميا بكل المقاييس، الأولى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وعلميا فكنتم بذلك خير أمة أخرجت للناس فهل تريدون نهج نبيكم ودولته أم رؤية محمد بن سلمان ودولته!! ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾...


فاعملوا وأروا الله منكم ما يحب وغيروا على حكامكم ولا تسمعوا لمن باعوا دينهم بدنيا غيرهم من علماء السلطان إذ يزينون لكم ما يفعل حكامكم، فشريعة الله واضحة ونهجه واضح وليس في "رؤاهم" منه شيء.


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


معاذ محمد عيد – بلاد الحرمين الشريفين

 

المقالة الأولى: (1) "رؤية السعودية 2030" في ميزان الإسلام

المقالة الثانية: (2) ضرائب آل سعود على الحج والعمرة ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين

المقالة الثالثة: (3) رؤية السعودية للتسليح العسكري، سهم في كنانة الكافرين وطعنة في خاصرة المسلمين

المقالة الرابعة: (4) رؤية الصحة 2030 تخدير لأبناء بلاد الحرمين

المقالة الخامسة: (5) رؤية 2030 في التعليم: استهداف الجيل القادم

المقالة السابعة: (7) رؤية بن سلمان ورؤية صندوق النقد لاقتصاد آل سعود

المقالة الثامنة: (8)نظرة موجزة على ميزانية السعودية لعام 2017

 

1 تعليق

  • khadija
    khadija الثلاثاء، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2016م 23:09 تعليق

    ما شاء الله وبارك في كتاباتكم الراقية

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع