- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة الخامسة
رِبْقَةَ الإسلام من عنقه
رِبْقَةَ الإسلام من عنقه: قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: أي نقض عهده وذمته من عنقه وانحرف عن الجماعة وخرج عن الموافقة.
وقال بعضهم: المعنى فقد نبذ عهد الله وأخفر ذمته التي لزمت أعناق العباد لزوم الربقة بالكسر وهي واحدة الربق وهو حبل فيه عدة عرى يشد به إليه أي أولاد الضأن والواحدة من تلك العرى ربقة. انتهى، فكأنما شبه اجتماع المسلمين على إمام واحد يشد أزرهم ويجعلهم جماعة واحدة، كأولاد الضأن يشدون بحبل واحد فيه عرى تلتف على أعناقهم فتشد وثاقهم فلا يشرد منهم واحد عن ذلك الاجتماع، وجعل ذلك الاجتماع: الإسلام، فقال: خلع ربقة الإسلام من عنقه، ويا له من تشبيه!
وقال الخطابي: من خرج عن طاعة إمام الجماعة أو فارقهم في الأمر المجتمع عليه فقد ضل وهلك.
وروى مسلم في صحيحه: عن أبي قيس بن رياح عن أبي هريرة عن النبي rأنه قال: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ»
وأخرج أحمد من حديث فضالة بن عبيد الأنصاري، عن رسول الله rأنه قال: «ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إِمَامَهُ، وَمَاتَ عَاصِيًا».
قال الصنعاني: وقوله وفارق الجماعة أي خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم قوله فميتته ميتة جاهلية[1]
المقصود بمفارقة الجماعة:
فالمقصود بمفارقة الجماعة هنا أمران:
أولهما: الخروج على طاعة الإمام الذي انعقدت له الإمامة بالبيعة على تطبيق أحكام الله في الأمة،
وثانيهما: الخروج من الجماعة التي اجتمعت على معاريف الإسلام وأنكرت منكراته، فأضحت مفاهيمها قائمة على مفاهيم الإسلام[2]، كما مر في الحلقة السابقة من كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه، وكان واجبا عليها تطبيق أحكام الإسلام فيها، أي أعطيت السلطان لتطبيق الأحكام، ثم بايعت الإمام على تطبيق هذه الأحكام فكان ولي الأمر وصاحب السلطان الذي عليه مسئولية التنفيذ، وليس خروج أبدان، إنما خروج مفاهيم وقناعات. لذلك لم يكن هناك من مسوغ للخروج عن الطاعة وعن الجماعة إلا أن يخلع ربقة الإسلام من عنقه!
فالخروج إذن: خروج عن الجماعة التي لها إمام منتصب، صاحب ولاية لتطبيق الأحكام، فلا يجوز الخروج على هذا الإمام ولا نكث بيعته، ولا الخروج عن معاريف الإسلام التي أضحت أساسا للدولة والمجتمع، وكان واجبا اتخاذها مفاهيم وتنفيذها من خلال نظام حكم يحكم بما أنزل الله!
ويؤيد هذا أن هذه الأحاديث الثلاثة قد وردت بألفاظ أخرى متقاربة وفيها: «مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا» بدل «مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ شِبْراً». والحديث مروي عن ابن عباس نفسه رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله r: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
وفي رواية عنه قال: قال رسول الله r: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ».
قال ابن حجر رحمه الله: (وقوله (شبراً) بكسر المعجمة وسكون الموحدة وهي كناية عن معصيته السلطان ومحاربته، قال ابن أبي جمرة: المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق)،... إلى أن قال: (والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافراً بل يموت عاصياً)[3]
وأخرج أحمد من حديث فضالة بن عبيد الأنصاري، عن رسول الله rأنه قال: « ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إِمَامَهُ، وَمَاتَ عَاصِيًا...».
وعند أحمد أيضاً حديث النعمان بن بشير قال r: «وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ».
وأخرج مسلم عن عرفجة أن رسول الله rقال: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ».
وعن عمر عند النسائي وابن ماجه أن رسول الله rقال: «... فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنَالَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ، فَلْيَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
[1] سبل السلام للصنعاني
[2] في الإسلام مفاهيم تفصيلية يجوز الاختلاف فيها، ولكن الاختلاف فيها منضبط بأحكام الاجتهاد والتقليد، فما ثبت أنه إسلام من طريق اجتهاد شرعي صحيح منضبط بقواعد الاجتهاد أضحى من مفاهيم الإسلام التفصيلية التي يجوز حملها، وتدخل في جملة معاريف المجتمع، وهناك أحكام قطعية غير قابلة للخلاف فيها كمفاهيم الاعتقاد، وقطعيات الأحكام، فهذه لا خلاف فيها لأنها قطعية، وهكذا، فإن ما يمكن عده من مفاهيم الإسلام ومعاريفه منضبط حتى وإن كان موضع خلاف في بعض تفصيلاته، إلا أن آلية استنباطه وآلية تقليد الاجتهاد فيه منضبطة بحيث يمكن بسهولة التفريق بين ما هو إسلام وما هو غيره.
[3] فتح الباري لابن حجر
لمتابعة باقي حلقات السلسلة