- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة السادسة
لفظ الجماعة مقيد غير مطلق
فلفظ الجماعة الوارد في هذه الأحاديث، ورد مقيداً إما بالألف واللام، وإما بالإضافة إلى المسلمين وإما إلى الضمير العائد إليهم،
فَوَرَدَ: (الجماعة)، (جماعة المسلمين)، (جماعتكم)، ولم يرد في حديث الرسول rلفظ (الجماعة) إلا مقيداً غير مطلق.
وهو وإن ورد على لسان بعض الصحابة مطلقا فإنه يُحمل على المقيد، كما تنص على ذلك القاعدة الشرعية، كقول سعيد بن زيد الذي يرويه الطبري: (... كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة)
وكلام علي كرم الله وجهه الذي أخرجه البخاري: (اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلافَ، حتى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي).
هذا وإن ورد مطلقا إلا أن آخرين من الصحابة والتابعين كانوا يستعملونه مقيداً، كما روى ابن عبد البر في التمهيد عن أبي الدرداء قال: (كان يقال خمسٌ كان عليها أصحاب محمد والتابعون لهم بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله).
فحيثما ورد لفظ (جماعة) مطلقا غير مقيد، فإنه يحمل على المقيد، من باب القاعدة الشرعية.
وعلى هذا فإن الجماعة التي أمر الرسول بالالتزام بها ليست مطلق جماعة، لأن النصوص تصرح بجماعة مقيدة، أي جماعة معهودة مقيدة، ذات مواصفات خاصة، لا مطلق جماعة [1].
"ال" الجماعة للعهد لا للجنس
فـ"ال" في قوله جماعة إما أن تكون للجنس، أو للعهد،
فأما ال الجنس فتقسم إلى نوعين: ال الماهية أي التي تبين حقيقة الشيء، وال الاستغراق، فأما ال التي للاستغراق، فإما أن تكون لاستغراق جميع أفراد الجنس، أو لاستغراق جميع خصائصه، وعلامةُ "الْ" الاستغراقية أن يَصلُحَ وُقوعُ (كلٍّ) موقعَها، فإن كان (كل) حقيقة لا مجازا نحو، ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ فتقول: وخلق كل إنسان ضعيفا، فهذه تكون لاستغراق جميع الأفراد، أو أن تكون ال الاستغراق تفيد الإحاطة والشمول بصفات أو خصائص أفرادها، وهي أن يَصلُحَ وُقوعُ (كلٍّ) موقعَها، مجازا لا حقيقة، نحو: خالد الرجل، أي خالد بمنزلة الرجل لوجود خصال الرجولة فيه، إذ لو قيل: خالد كل رجل، على وجه المبالغة والمجاز لصحَّ، بمعنى أنه اجتمع فيه ما افترق في غيره من الرجال.
وأما ال الماهية، وهي التي يراد منها بيان حقيقة الجنس القائمة في الذهن مما ينطبق على القليل وعلى الكثير، دون اعتبار العدد أو الصفات الطارئة أو دون التعرض لأفراده، نحو: الألماس أصلب من الحديد، فماهية الألماس أصلب من ماهية الحديد، ونحو: أهلك الناس الدينار والدرهم أي: جنسهما، وليس المراد كل فرد. فإن من الدنانير والدراهم ما يكون زادًا لصاحبه إلى الجنة. ومنه قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ أي: من هذه الحقيقة لا من كل شيء اسمه ماء.
وأما "ال" التي للعهد، فهي إما أن تكون للعهد الذِّكريّ وهي ما سبقَ لمصحوبها ذكرٌ في الكلام، كقولكَ "جاءني ضيفٌ، فأكرمت الضيفَ" أي الضيف المذكور. ومنه قولُه تعالى ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾.
وإما أن تكون للعهد الحُضوريّ وهو ما يكونُ مصحوبُها حاضراً، مثل "جئتُ اليومَ"، أي اليومَ الحاضرَ الذي نحن فيه.
وإما أَن تكون للعهد الذهنيّ وهي ما يكونُ مصحوبُها معهوداً ذِهناً، فينصرفُ الفكرُ إليه بمجرَّدِ النُّطقِ به، مثل "حضرَ الأمير"، وكأن يكون بينك وبينَ مُخاطَبك عهدٌ برجلٍ، فتقول "حضرَ الرجلُ"، أي الرجلُ المعهودُ ذِهناً بينك وبين من تخاطبه.[2]
فلا شك إذن أن لفظ الجماعة الوارد في حديث الرسول rللعهد، سواء أكان للعهد الذهني من باب أن لفظة الجماعة معروفة واضحة محددة، أم العهد الحضوري، أي الجماعة التي أنشأها الرسول rويريد استمرار سنتها.
وهذا ما يهمنا في المسألة، وهو أن الجماعة معروفة مفهومة معهودة في حديث الرسول r.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
[1] أبو مهدي، هانئ الأشهب: حقيقة مفهوم أهل السنة والجماعة.
[2] جامع الدروس العربية للغلاييني، وتعجيل الندى بشرح قطر الندى بتصرف
لمتابعة باقي حلقات السلسلة
وسائط
1 تعليق
-
اللهمّ ارحمنا بالخلافة الرّاشدة الثّانية على منهاج النبوّة التي تزلزل أركان الطّواغيت وتسعد البشريّة جمعاء...