- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أمر الله تعالى بالتأسي بالنبي r، ووجوب طاعته، والاحتكام إليه، فقال عز من قائل: ﴿قُل إن كنتُم تُحبُّونَ الله فاتَّبِعُوني يُحبِبكُمُ الله ويَغفِر لكم ذُنُوبَكُم والله غَفُورٌ رحيمٌ * قُل أطِيعُوا الله والرَّسُولَ فإن تَوَلَّوا فإنَّ الله لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ﴾ آل عمران، وقال في سورة الأحزاب: ﴿لقد كان لكم في رسولِ الله أُسوَةٌ حسنةٌ لِمَن كان يَرجو الله واليومَ الآخر وذَكرَ الله كثيراً﴾،
مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة التاسعة
ثانيا: مصطلح أهل السنة
أمر الله تعالى بالتأسي بالنبي r، ووجوب طاعته، والاحتكام إليه، فقال عز من قائل: ﴿قُل إن كنتُم تُحبُّونَ الله فاتَّبِعُوني يُحبِبكُمُ الله ويَغفِر لكم ذُنُوبَكُم والله غَفُورٌ رحيمٌ * قُل أطِيعُوا الله والرَّسُولَ فإن تَوَلَّوا فإنَّ الله لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ﴾ آل عمران، وقال في سورة الأحزاب: ﴿لقد كان لكم في رسولِ الله أُسوَةٌ حسنةٌ لِمَن كان يَرجو الله واليومَ الآخر وذَكرَ الله كثيراً﴾،
﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾
وحين وصف القرآن المؤمنين، وصفهم بالمؤمنين، وبالمسلمين، وقال: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾، قال الطبري في تفسيره: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ قال: ألا ترى قول إبراهيم ﴿وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ قال: هذا قول إبراهيم ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ ولم يذكر الله بالإسلام والإيمان غير هذه الأمة، ذُكرت بالإيمان والإسلام جميعا، ولم نسمع بأمة ذكرت إلا بالإيمان، انتهى
إذن فقد اختص الله تعالى هذه الأمة بتسمية المسلمين من دون الأمم، وإن كان أطلق على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصف الإسلام، إلا أن اسم المسلمين علامة على أمة لم يختص به إلا هذه الأمة، فكان موضع شرف لها.
كما وأطلق على أهل المدينة وصف المهاجرين والأنصار، وامتدحهم الله تعالى ورضي عنهم بخصلتي الهجرة والسبق في الإسلام، وخصلة نصرة الدين وإقامة الدولة، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بإحسان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
لم يُعهد عن الرسول rوصف المسلمين بأهل السنة
ولم يُعهد عن الرسول rوصف المسلمين بأهل السنة، ولا بالشيعة، ولا بالمعتزلة، وإن كان قد أمر rبالتزام سنته، والاقتداء به، ولم يسمع مصطلح أهل السنة عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم جميعا، أي أن المصطلح لم يكن معروفا في صدر الإسلام.
الروايات التي نسبت للصحابة والتابعين وصف أهل السنة جُلها ضعيف، أو لم تكن تعني فرقة أو طائفة:
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره قولا نسبه لابن عباس رضي الله عنهما، وذكر أيضا في تفسير ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمُقْرِئُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ عَمْرٍوَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ قَالَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
ومجاشع ضعيف منكر متهم. قاله ابن معين وأبو حاتم والبخاري والعقيلي وابن حبان والحاكم والدارقطني. وعلي بن قدامة فيه ضعف أيضاً، قال الذهبي في الميزان: أشار ابن معين إلى لين فيه بقوله: لم يكن البائس ممن يكذب. قال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي. اهـ.
والأثر المروي عن ابن عباس عند ابن بطة لا يصح: فقد رواه الحسن بن أبي جعفر عن ابن عباس ولم يدركه فهو مرسل، والحسن بن أبي جعفر ضعفه أحمد وابن معين والمديني وغيرهم وقال البخاري: منكر الحديث...
وفي كتاب البدع لابن وضاح: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: "كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فَأَتَاهُمُ الْحَسَنُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: "يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَرَى فِي مَجْلِسِنَا هَذَا؟ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يَطْنَعُونَ عَلَى أَحَدٍ، نَجْتَمِعُ فِي بَيْتِ هَذَا يَوْمًا، وَفِي بَيْتِ هَذَا يَوْمًا، فَنَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ، وَنَدْعُو رَبَّنَا، وَنُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ r، وَنَدْعُو لِأَنْفُسِنَا وَلِعَامَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ الْحَسَنُ أَشَدَّ النَّهْيِ.
وفيه أيضاً: نا أَسَدٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ قَالَ: "لَقِيتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ الْخُزَاعِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: قَوْمٌ مِنْ إِخْوَانِكَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لَا يَطْعَنُونَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ هَذَا يَوْمًا، وَفِي بَيْتِ هَذَا يَوْمًا، وَيَجْتَمِعُونَ يَوْمَ النَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ وَيَصُومُونَهُمَا، فَقَالَ طَلْحَةُ: "بِدْعَةٌ مِنْ أَشَدِّ الْبِدَعِ، وَاللَّهِ لَهُمْ أَشَدُّ تَعْظِيمًا لِلنَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ مِنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَوَثَبْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ كَمَا سَأَلْتُ طَلْحَةَ، فَرَدَّ عَلَيَّ مِثْلَ قَوْلِ طَلْحَةَ كَأَنَّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادٍ"
وهما من رواية الربيع بن صبيح وهو مضطرب جداً. ولخّص ابن حبان الكلام فيه جيّداً وقال: كان من عباد أهل البصرة وزهادهم وكان يشبه بيته بالليل ببيت النحل من كثرة التهجد إلا أن الحديث لم يكن من صناعته فكان يهم فيما يروي كثيرا حتى وقع في حديثه المناكير من حيث لا يشعر لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد. اهـ. توفي سنة 160.
وفي الرواية الثانية أبان بن عياش وهو ضعيف متروك منكر عند الحفاظ كشعبة ووكيع وأبي عوانة وأحمد ويحيى بن معين فلا تصحّ بتة.
وفي الإبانة الكبرى أيضاً: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَافْلَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: 82] قَالَ: "لَزِمَ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ".
جعفر بن محمد ثقة، ومحمد بن إسحاق هو ابن خزيمة الإمام، أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج ثقة أيضاً، ولكن عبد الله بن خراش ضعيف منكر كما صرّح به أبو زرعة وأبو حاتم والبخاري. وقال ابن عدي: عامة ما يروي غير محفوظ.
من هنا، فلنا أن نقول بأن المصطلح لم يكن معروفا في صدر الإسلام البتة.
فها هو كتاب الموطأ للإمام مالك يخلو من كلمة: أهل السنة، والإمام مالك توفي في سنة 179 للهجرة! فلو كان المصطلح معروفا حتى ذلك التاريخ لذكره الإمام مالك رضي الله عنه!
وهذا كتاب الأم للشافعي، (توفي 204 للهجرة) لم تذكر فيه لفظة أهل السنة إلا مرة واحدة، وسياقها لا يدل على أنه يعني ما نفهمه اليوم من ذكر "أهل السنة والجماعة" قال رضي الله عنه: "وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ الْحَقَّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالذِّمَّةِ وَإِنْ مَنَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْحَقَّ يَقَعُ عَلَيْهِمْ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّبْرِ لِلْحَقِّ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى" ولم يرد ذكر أهل السنة في كتابه الرسالة، ولو كان مثل هذا المصطلح معروفا في زمانه لأكثر من استعماله!
ثم إنني بحثت في مسند الإمام أحمد بن حنبل، وفي كتابه فضائل الصحابة، وفي كتابه الزهد، عن مصطلح أهل السنة فلم يرد في متن المسند ولا في تلك الكتب ولا مرة واحدة،
وقد روى الإصطخري عن الإمام أحمد قوله: هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها، المعروفين بها، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي rإلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق. اهـ. وقد جاء في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم نسبة هذا القول إلى حرب صاحب الإمام ابن حنبل. ص258.
ورد وصف أهل السنة في كلام ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز
ولعلّ أوّل ظهور لهذا المصطلح: أي أهل السنة، هو الذي جاء في كلام ابن سيرين - المتوفّى سنة ١١٠ ه - حين قال: (كانوا لا يسألون عن الإسناد حتّى وقعت الفتنة، فلمّا وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد، ليُحدَّث حديث أهل السنّة ويُترك حديث أهل البدعة )[1]واضح أن معناه: المشتغلين بالسنة ورواتها الثقات.
وظهر في رسالة لعمر بن عبد العزيز يرد فيها على القدرية قال فيها: (... وقد علمتم أن أهل السنة كانوا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة)، وعلى الأرجح أنه يفهم من قوله ما فهم من قول ابن سيرين قبل قليل.
فكما ترى من الصعوبة بمكان التحقيق في بداية ظهور المصطلح، وإن ذكر فإنما يذكر ذكرا عابرا يظهر منه أنه لما يكن بعد مبلورا صفة لفرقة أو جماعة معينة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
[1] صحيح مسلم ـ المقدّمة ـ باب 5 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1978 م، الكفاية في علم الرواية / الخطيب البغدادي: 122 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1988 م
لمتابعة باقي حلقات السلسلة