- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بغياب سلطان الإسلام افتقدت الأمة عزتها
المسلم يستمد عزته وقوته وقدرته وطاقته من الله سبحانه الذي هو مصدر العزة، قال الله سبحانه: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾ [سورة فاطر: 10]، فحينما يستشعر المسلم عظمة الله سبحانه وقدرته يكون قريباً من الله، والله قريب منه يمده بأسباب العزة والقوة، وبالتالي يهون كل أمر، فيرى العسير يسيراً وميسوراً، ولا يأبه بما يلاقيه، فيتحدى الصعاب والأمور العظام. ولنا في رسول الله e خير قدوة، الذي هو محل الاقتداء والتأسي، والله سبحانه يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [سورة الأحزاب: 21].
فصلوات الله وسلامه عليه كان يستمد العزة والقوة من الله سبحانه وكان لا يأبه بما يلاقيه من الصد والأذى من قومه، فكان متحدياً سافراً وهو فرد أعزل لا يملك إلا سلاح الإيمان، وهو متيقن بوعد الله ونصره.
وقد نهج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والخلفاء منهج رسول الله e فكانت العزة مليئة في حياتهم، ومواقفهم العظيمة والبطولية تشهد بذلك، فهذا خليفة المسلمين هارون الرشيد ردّ رداً مدوياً على نكفور ملك الروم حينما عزم على عدم دفع الجزية لدولة الخلافة قائلاً له: "هذا من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نكفور كلب الروم، الجواب ما تراه لا كما تسمع، والسلام على من اتبع الهدى"، وموقف آخر حينما جيّش الخليفة المعتصم جيشاً عرمرماً من أجل امرأة مسلمة استغاثت به عندما حاول علج من علوج الروم الاعتداء عليها، قائلة: "وا معتصماه!!" فلبى نداءها وحررها وفتح عمورية. هذا غيض من فيض من مواقف العزة والشموخ والإباء في حياة السلف، وذلك عندما كانت للمسلمين دولة، هذه الدولة هي دولة الخلافة، وحينما كان سلطان الإسلام موجوداً وحاضراً في حياتهم.
وبغياب سلطان الإسلام، وإقصاء الإسلام عن سدة الحكم افتقدت الأمة الإسلامية هيبتها وعزتها وقوتها وقدرتها، فأصبحت عاجزة لا تقوى على الحركة، وأخذت تتلاطمها الأمواج من كل جانب لا تدري ما حلَّ بها.
وحينما ابتعدت عن منهج ربها وتخلّت عن تطبيق شرعها أذاقها الله لباس الخوف والجوع فهانت على نفسها، وأصبحت تعيش الفاقة والفقر وضنك العيش، قال الله سبحانه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ [سورة طه: 124] وبالتالي غدت تحيا حياة الذل والهوان والحرمان والبأس والانكسار والهزيمة، ولم تعد تنعم بالأمن والأمان، ومن جراء ذلك طمست من ذهنها ومن معالم حياتها مواقف العزة والكرامة والنصر والتمكين، وبالتالي رجعت القهقرى، فاستبيحت بيضتها واحتلت بلادها، وديست كرامتها، ودنست مقدساتها، وانتكهت أعراضها، ونهبت ثرواتها ومقدراتها من الكافر المستعمر الذي لا يراعي فيها إلّاً ولا ذمة، ونصّب عليها حكاماً رويبضات سفهاء أنذالاً ليطبقوا عليها أحكام الطاغوت، وأخذوا يتنافسون في سبيل إرضائه طمعاً لبقائهم في مناصبهم ولو على حساب أمتهم، ولم يكتفوا بذلك بل تآمروا وتواطئوا مع الكافر المستعمر، وتنازلوا عن الأرض المباركة فلسطين التي فيها مسرى الحبيب محمد e المسجد الأقصى المبارك ليهود، واعترفوا بكيانه المسخ، ولم يكتفوا بذلك بل تسابقوا على تطبيع العلاقات والاعتراف به، وفتح السفارات معه، بل أصبح صديقاً عندهم يجب التنسيق معه لمحاربة الإسلام.
كل هذا وغيره حصل للأمة الإسلامية لغياب سلطان الإسلام، فحتى تعود الأمة إلى سابق عهدها لا بدَّ من الرجوع إلى دينها الحنيف، فلا يصلح حالها اليوم إلّا بما صلح أولها، وهذا يؤكد قول الرسول e: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَداً كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي». وحينئذٍ تعود أمة عزيزة منيعة تنعم بالأمن والأمان والعزة والنصر والتمكين، وحتى يتحقق ذلك لا بدّ لها أن تعمل مع العاملين المخلصين لإعادة سلطان الإسلام، ولا يكون ذلك إلّا من خلال دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ خالد عبد الكريم حسن – الأرض المباركة (فلسطين)