- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تعيين الولاة بالمحاصصات وتقاسم السُلطة بطريقة نخبوية
فشلٌ يضاف لسوءات الحكومة
تشهد الساحة السياسية في السودان خلافات حادة تتعلق بتعيين الولاة المدنيين، بين الحاضنة السياسية للحكومة نفسها "قوى الحرية والتغيير"، و"الجبهة الثورية" التي تحمل السلاح وتفاوض الحكومة في جوبا، فيما رفض حزب الأمة مبادرة المجتمع المدني، المتعلقة بقائمة الترشيحات المسربة، وتحفّظ تجمع المهنيين عليها، وقالت مصادر لـ"العين الإخبارية"، الأحد 19 تموز/يوليو الجاري، إن الجبهة الثورية وافقت عقب اجتماع مطول عقدته أمس السبت على تكليف ولاة شريطة ألا يكونوا "دائمين"، إضافة إلى اختيارهم هذا الموقف رغم شروطه يعد تقدماً في مسألة اختيار الولاة التي تتأرجح بين فشل إلى فشل.
والجبهة الثورية كانت قد رفضت سابقاً في بيان لها حسب صحيفة الجريدة 21 نيسان/أبريل 2020م "تعيين الولاة المدنيين بالكيفية التي تريدها قوى الحرية والتغيير، لأنها تخرق إعلان جوبا لبناء الثقة والتمهيد للتفاوض، ولأنها تفتقر إلى المعايير الموضوعية التي يجب أن يتم اختيار الولاة على أساسها".
وقد جرى في 11 نيسان/أبريل الماضي، اتفاق بين مجلسي السيادة والوزراء وقوى الحرية والتغيير على "مصفوفة بجدول زمني لاستكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية"، ونصت الإجراءات أيضاً على تأجيل تعيين حكام الولايات إلى حين التوصل إلى اتفاق حول السلام في مناطق الحروب، ليتسنى لقادة التمرد المسلح المشاركة في السلطة الانتقالية، لكن المصفوفة لم يكتب لها النجاح واستبدلت عدة مرات بسبب الخلافات بين القوى السياسية مما يدل على استشراء المحاصصة والترضيات.
وكانت القائمة التي سربت من قيادات التحالف الحاكم ومكتب رئيس الوزراء، قد خلت تماماً من اسم أي امرأة، مما أثار حفيظة الناشطات، وفضلاً عن غياب النساء، وجهت للائحة انتقادات لاعتمادها على المحاصصة الحزبية حتى من الأحزاب المشاركة.
هذه الخلافات هي جزء يسير مما يجري وراء الكواليس وما طفح على السطح مما تتناوله وسائل الإعلام كفيل بتوضيح المحاصصات والشروط المعوجة لتعيين الولاة، هذا المنصب الذي له في الإسلام دلالات عظيمة لا علاقة لها بما يجري الآن في ظل الأنظمة الوضعية.
فالوالي هو الشخص الذي يُعيّنه الخليفة حاكماً على ولاية من ولايات دولة الخـلافة وأميراً عليها؛ فالولاة حكام، إذ الولاية هنا هي الحكم، جاء في القاموس المحيط: (وَوَليَ الشيءَ وعليه وِلايةً وَوَلايَةً أو هي الـمَصْدَرُ، وبالكسر الـخُطّةُ والإمارَة والسُّلطانُ). وحيث إنهم حكام، فيشترط فيهم ما يشترط في الحاكم: أن يكون الوالي رجلاً، حراً، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، ومن أهل الكفاية.
هذه الشروط تلغي المحاصصات الحزبية الضيقة التي احتدمت حول تعيين الولاة في السودان وتجعلها باطلة شرعاً، ناهيك عن أن تعيين الوالي لا يكون من جانب أحزاب اتفقت أو اختلفت، بل يحتاج الوالي إلى تقليد من الخليفة، أو ممن ينيبه في هذا التقليد، فلا يُعيّن الوالي إلا من الخليفة. والأصل في الوِلاية أو الإمارة، أي في الوُلاة أو الأُمراء، هو عمل الرسول ﷺ، فإنه ﷺ ثبت أنه وَلّى على البلدان وُلاة، وجعل لهم حقَ حُكمِ المقاطعات، فقد وَلّى معاذ بن جبل على الـجَـنَـد، وزيـاد بن لَبيد على حَضْـرَمَوت، وولّى أبا موسـى الأشـعـري على زَبيد وعدن...
وللولاة صفات لا بد من توفرها؛ فقد كان ﷺ يتخير وُلاته مِن أهل الصلاح للحكم، وأولي العلم المعروفين بالتقوى، ويختارهم ممن يُحسنون العمل فيما يُولّون، ويُشرِبون قلوب الرعية بالإيمان ومهابة الدولة. عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً» رواه مسلم، والوالي أمير على وِلايته، فهذا الحديث وهذه الصفات تبطل ما قدمه المختلفون حول تعيين الولاة في السودان من صفات مثل الخبرة والإثنية والعرقية وغيرها من الصفات... وهذا طبيعي في نظام لا يقوم أساسه على الإسلام؛ فما بني على باطل فهو باطل.
والأمر ليس تسابقاً وفوزاً بولاية من الولايات لكنه مسؤولية عظيمة تحمّلها حكام المسلمين الأفذاذ أمثال عمر رضي الله عنه الذي قال يوماً لمن حوله: "أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرتُه بالعدل، أكنت قضيت الذي عليّ؟ قالوا: نعم، قال: لا، حتى أنظر في عمله، أَعَمِل بما أمرتُه به أم لا". وكان شديد الحساب لولاته وعمّاله، وبلـغ من شدته في محاسبتهم أنه كان يعزل أحدهم أحياناً لشبهة لا يَقطع بها دليـل، وقـد يعـزل لـريـبـة لا تـبـلغ حد الشبهة. ولقد سُـئِل في ذلك يوماً فقال: "هَانَ شَيْءٌ أُصْلِحُ بِهِ قَوْماً أَنْ أُبْدِلَهُمْ أَمِيراً مَكَانَ أَمِيرٍ". غير أنه مع شدته عليهم كان يُطلق أيديهم، ويحافظ على هيبتهم في الحكم، وكان يسمع منهم، ويُصغي إلى حججهم، فإذا أقنعته الحجة لم يُخْفِ اقتناعه بها، وثناءً على عامله بعدها. وقد بلغه يوماً أن عامله على حمص عُمير بن سعد قال وهو على منبر حمص: "لا يزال الإسـلام منيعاً ما اشتدَّ السُـلطان. وليست شدَّة السُلطان قتلاً بالسيف أو ضرباً بالسَوْط، ولكن قضاءً بالحق وأخذاً بالعدل" فقال عمر فيه: "وددت لو أن لي رجلاً مثل عُمير بن سعد أستعين به على أعمال المسلمين". وهكذا كانت الولاية في الإسلام عندما كانت للأمة دولة تقوم على أساس الوحي العظيم، وهذا ما يجب أن يعمل له؛ إقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة حتى تستقيم حياة الناس على الحق والعدل.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)