- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أهل السودان بين مخاطر الفيضانات وإهمال الدولة
توقعت الإدارة العامة للخزانات بوزارة الري والموارد المائية حدوث زيادة في وارد مياه النيل الأزرق كنتيجة لهطول أمطار غزيرة في الهضبة الإثيوبية. وقالت الوزارة إنه ستحدث زيادة تدريجية لمناسيب مياه النيل الأزرق جنوب خزان الروصيرص وشماله حتى الخرطوم. ودعت الوزارة الناس إلى اتخاذ الحيطة والحذر حفاظا على الأرواح والممتلكات. كما تحدثت تقارير عن ارتفاع في منسوب نهر عطبرة، مما أدى إلى وصول كميات غير متوقعة من المياه إلى بحيرة سد مروي في شمال السودان.
وعلى الرغم من تأكيد السلطات المختصة بذل الجهود الممكنة، إلا أن البعض يرى وجود مخاوف مستمرة، تتطلب استعدادات أكبر، للحد من الخسائر الكارثية التي حدثت العام الماضي. ومن أبرز الأسباب التي تعزز مخاوف تكرار كارثة الفيضانات في السودان هذا العام:
استمرار هطول الأمطار الغزيرة في الهضبة الإثيوبية وعدم اتخاذ أي خطوات لتوسيع مجرى النيل في الخرطوم، والذي تم تضييقه بسبب التعديات الإنشائية خلال حقبة النظام السابق، إضافة إلى عدم وضوح الرؤية بشأن ملء بحيرة سد النهضة.
ووفقا لما تقوله إثيوبيا ويؤكده بعض الخبراء السودانيين، فإن السد الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق على بعد 20 كيلومترا فقط من الحدود سيقلل عند اكتماله خطر الفيضانات على السودان من خلال تنظيم تدفق المياه. لكن خلال مراحل الملء الأولية هذه تتزايد احتمالات التدفق العشوائي، أو غير المتوقع لمياه السد في اتجاه الأراضي السودانية، مما يزيد من احتمال حدوث فيضانات في بعض مناطق السودان؛ خصوصا أن سعة خزان الروصيرص السوداني الذي يبعد نحو 100 كيلومتر من سد النهضة لا تتعدى 10 في المئة من سعة السد الإثيوبي.
وفي هذا السياق يشير خبير السدود أبو بكر مصطفى إلى أن عدم قدرة إثيوبيا على استكمال مرحلة رفع الحوائط الخرسانية إلى 595 مترا والاكتفاء بمستوى 574 متراً فقط قد يزيد من خطر حدوث فيضانات أكبر هذا العام. ويشير مصطفى لموقع سكاي نيوز عربية إلى أن الفترة التي سبقت وقوع كارثة الفيضانات شهدت حالة من الارتباك في عملية تشغيل سد الروصيرص بسبب الملء الأولي المفاجئ لسد النهضة بمقدار 4.9 مليار متر مكعب.
وتتركز المخاوف أكثر في مناطق ولايتي سنار الواقعة على ضفاف النيل الأزرق والأكثر قربا من الهضبة الإثيوبية، وكذلك ولاية الخرطوم التي تقع معظم مناطقها بالقرب من ضفتي النيلين الأزرق والأبيض اللذين يلتقيان في منطقة المقرن في قلب العاصمة الخرطوم ليشكلا نهر النيل الذي يمتد إلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط في أقصى شمال جمهورية مصر. وتعتبر مشكلة تضييق مجرى نهر النيل واحدة من أبرز الأسباب التي فاقمت من فيضانات العاصمة الخرطوم العام الماضي؛ وهو ما يثير مزيدا من المخاوف من ألا تسفر الجهود الحالية عن نتائج ملموسة تقلص من الخسائر المحتملة.
واعتبر خبراء في مجال الري وهندسة الخزانات والمياه والإنشاءات أن السبب الرئيسي في كارثة إغراق آلاف المساكن في الأحياء الفقيرة في العاصمة الخرطوم العام الماضي يعود إلى التلاعب في منح رخص بناء منازل ومنشآت ومشاريع أقيمت على ضفاف النيلين الأزرق والأبيض ونهر النيل بمناطق مختلفة في مدن العاصمة الثلاث؛ الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان.
وأضافوا أن هذه الرخص التي منحت تمت دون استشارة الجهات المختصة؛ وعلى رأسها وزارة الري لاستكمال شروط السلامة اللازمة لحماية الأحياء الفقيرة. وأدت هذه المشاريع مع مرور الزمن إلى تضييق مجرى نهر النيل، الذي لم يجد سبيلا عندما فاضت مياهه سوى اكتساح الأحياء الفقيرة. كما أن معظم الأضرار التي لحقت بالمناطق الواقعة خارج الخرطوم والبعيدة من النيل تسببت فيها عمليات بيع أراض ومخططات سكنية في أودية ومجاري سيول. وتشير تقارير إلى وجود شبهات فساد كبيرة في عدد من المشروعات العمرانية التي أقيمت على ضفاف النهر خلال العقدين الماضيين.
وتقول وزارة الري السودانية إن التوسعات العمرانية على مجرى النيل تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الأضرار التي لحقت بأحياء فقيرة في جنوب وشرق وغرب الخرطوم. وأكد وزير الري الأسبق عثمان التوم، وهو خبير في مجال الخزانات أن وزارة الري كمؤسسة لم تتم استشارتها في أي من تلك المشروعات.
واعتبر الخبير القانوني محمد الحافظ أن ما حدث "جريمة جنائية يجب عدم التهاون فيها". وقال الحافظ لموقع سكاي نيوز عربية إن الأضرار والخسائر البشرية والمادية التي تكبدها سكان الأحياء الفقيرة هي بسبب الأخطاء الكارثية التي ارتكبها النظام السابق والمتمثلة في منح تراخيص بناء استثماري دون مراعاة للآثار المحتملة على حياة وممتلكات الناس.
وقالت صحيفة الانتباهة السودانية الصادرة يوم 2021/7/23 عن فيضانات السودان إن غرفة طوارئ الخريف والفيضانات بمحلية مروي بالولاية الشمالية، أعلنت أن إدارة سد مروي، أفادت بوصول كميات هائلة فوق المتوقعة من المياه، الأمر الذي جعل احتمالات فتح تصريف الخزان كبيرة. وقررت السلطات فتح بوابات سد مروي لتصريف كميات المياه الهائلة التي اجتاحت المنطقة.
وقالت قناة سكاي نيوز عربية، إن فيضانات السودان تثير المخاوف من احتمال تكرار مأساة فيضانات العام الماضي، التي أودت بحياة 117 سودانيا، ودمرت 100 ألف منزل، وشردت نحو 600 ألف شخص.
وأعلنت سلطات محلية مروي في الولاية الشمالية في السودان، حالة الطوارئ بعد وصول كميات من المياه فوق المتوقعة عند سد مروي، وهو ما أثار المخاوف من أن فيضانات السودان ستغرق البلاد.
وقال شهود عيان: إن الأمطار الغزيرة بمحلية الفاو تسببت في ضرر جزئي لعدد 250 منزلاً بأحياء القرية 16 وحاج السيد والمؤسسة والصفاء، وقالت وكالة سونا السودانية الرسمية، عن فيضانات السودان إن سيولا هائلة تدفقت في منطقة الفاو بولاية القضارف، حيث اجتاحت السيول المؤسسات الحكومية والأحياء السكنية، وفقا لشهود عيان.
وأضافت في خبر لها عن فيضانات السودان: "غمرت المياه مكاتب رئاسة محلية الفاو وإدارة المرور والأراضي ومجمع الهيئة القضائية ومكاتب النيابة، بجانب هيئة الرهد الزراعية والمخزن العمومي للهيئة ومحطة المياه بالفاو وانقطع الإمداد المائي عن المدينة".
لقد أظهرت هذه الفيضانات بشكل قاطع وواضح فشل هذه الأنظمة الكرتونية في درء مخاطر هذه الفيضانات التي تعلم الحكومة وقتها فهي لم تفاجئها، وهذا يدل دلالة قاطعة على عدم مبالاة الدولة في حماية الناس وممتلكاتهم فهي في سبات عميق. فعندما تحدث مثل هذه الكوارث فإنها في كثير من الأحيان تكشف عن الطبيعة الحقيقية لإشكالية في الفكر الرأسمالي وأنظمته الحاكمة، في عدم إعطاء الأولوية لمصالح الناس. أليس من المؤلم أن يواجه آلاف الناس الويلات والخراب بعد أن دمرت منازلهم وعطلت مصالحهم بسبب الفيضانات؟ فما كان الوضع ليصل إلى هذه الدرجة من السوء لو كانت الحكومة معنية بمصالح رعاياها، حيث إنها كانت ستتخذ تدابير مبكرة لمواجهة تلك الكارثة كحفر المجاري لتصريف المياه التي تهطل في الأحياء السكنية أو عمل تروس لمنع المياه من التدفق في هذه الأحياء.
حتى وإن لم يكن للدولة القدرة بطبيعة الحال منع حدوث مثل هذه الكوارث، لكنّ الله تعالى أمرهم باتخاذ تدابير وقائية وبذل وسعها من خلال وضع إجراءات خاصة كوسيلة لتخفيف حدة هذه الكوارث عند وقوعها. إلا أنه لم يحدث شيء من هذا القبيل، على الرغم من أن قسم تنبؤات الطقس توقع في وقت سابق هطول أمطار غزيرة في أجزاء كثيرة من البلاد، فقد تجاهلت الحكومة هذه التنبيهات ولم تتخذ أي إجراء تجاهها!
أما الإسلام، كونه مبدأ وطريقة شاملة للحياة، فقد حدد أن مسؤولية العناية بالشؤون العامة هي مسؤولية الدولة وليس الأفراد أو المنظمات الخاصة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ومن ثم فالدولة الإسلامية، أي الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، عند حدوث الكوارث مثل الفيضانات والزلازل، سوف تستخدم الأموال من بيت المال لرعاية المتضررين، وهذه هي مسؤولية الدولة تجاه رعاياها وليس إحساناً منها. أما إذا حدث ولم توجد أموال كافية في بيت مال المسلمين، فإن الدولة تفرض ضريبة لمرة واحدة على أغنياء المسلمين لمعالجة هذه الحالة. هذه هي طريقة رعاية دولة الخلافة لمصالح الرعية بغض النظر عن الدين أو اللون أو المنطقة لأنها ستقوم بالتطبيق الحقيقي لأحكام الإسلام. هذه هي معالجات الإسلام الجذرية كيف لا وهو نظام من لدن حكيم خبير.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم علي سعيد
القسم النسائي - ولاية السودان