الخميس، 03 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ترميم وإصلاح الأنظمة الحاكمة أم هدمها؟

 

إن الشجرة ذات الجذر الفاسد لا ينفع معها تقليمُ فروعِها ولا استصلاحُها لأن جذرها فاسد. فمهما غيّرت السماد والتراب وأغدقت عليها بالري والماء فإن العطب والعفن قد دب بالجذور وباتت كل أنواع العلاج الميسورة عبارة عن إهدار للطاقات والثروات والموارد، وأصبح حالها كما يقال في العامية (فالج لا تعالج)! وأصبح أفضل علاج لها هو القلع من الجذور والخلاص منها ومن أعبائها وأثقالها، وحرث التربة تحتها ومعالجتها وغرس نبتة صالحة جديدة، حيث إن أعباء وكلفة انتظار نموها وكبرها وإثمارها أقل بكثير من محاولة علاج واستصلاح الشجرة الأولى ذات الجذور الفاسدة. قال تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾.

 

وأما الشجرة ذات الجذور الصالحة، وإن كان الفساد والعطب قد دب بفروعها وثمارها، فهي شجرة يمكن إحياؤها من جديد بوسائل عدة يعلمها أولو الخبرة من المزارعين والمهندسين الزراعيين. وتكون تكلفة معالجتها وإصلاح ساقها وفروعها أقل بكثير من قلعها وغرس غيرها وانتظار مدة ليست بقليلة حتى تكبر وتنتج وتعطي ما هو متوقع منها من ثمار وغلات. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.

 

والأنظمة تشبه الأشجار من هذه الناحية تماما. فالنظام الذي أصله وبذرته فاسدة لا يمكن إصلاحه وترميمه، بل إن أية محاولة للقيام بذلك هي محاولة فاشلة وعابثة ومضيعة للطاقات والمقدرات، وهي مسألة خطرة للغاية لأن عملية إصلاح النظام الفاسد في أصله وبذرته هي في الأصل عملية توسيخ وإفساد لأولئك الذين يحاولون إصلاحه ولو بعد حين، فالنظام الفاسد في أصله وبذرته هو كالمغناطيس الذي يجذب الجميع لينصهروا فيه ويصبحوا جزءاً منه، ومعظم محاولي ترميمه وإصلاحه يصبحون في نهاية المطاف ودون مبالغة وللأسف من حماته والمدافعين عنه والداعمين له! قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾.

 

والأمثلة على هذه الأنظمة كثيرة ومتعددة، وأكثرها تلك الأنظمة التي نشأت بعد معاهدة سايكس وبيكو، حيث قسمت البلاد العربية بعد سلخها عن الخلافة العثمانية وتم تقطيعها إلى كيانات قطرية لترسيخ التقسيم والتجزئة والفرقة، وافتعلوا الوطنيات ومنحوا كل قطعة من هذه القطع حدوداً وأعلاماً وحاكماً أو عائلة حاكمة، ثم لكي يعطوا هؤلاء الحكام شرعية وقداسة في هذه البلاد افتعلوا حروباً وهمية أو شبه وهمية، سموها حروب استقلال، ليخرج هؤلاء الحكام كأبطال ومحررين وطاردين للاستعمار. وبهذا شُكلت الأنظمة الجديدة للكيانات القطرية ووُضع لها حكام وأنظمة وأعلام ورايات ودساتير ذات طابع وطني وخرج المستعمر وبقي الحكام وأنظمتهم ودساتيرها وقوانينهم مع شرعية لحكمهم، كيف لا وقد طردوا المستعمرين؟!

 

وبهذا يتبين لنا ما معنى النظام الذي أصله فاسد أو بذرته فاسدة، أي نظام أصله من عمل المستعمرين وزرعوا بذرته الفاسدة وسقوها ورعوها على عينهم، حتى نمت وكبرت وعمرت، وكل ما ينتج عنها من فروع وثمار هي فاسدة وإن حملت بعض الثمار هنا وهناك. فالجذور فاسدة فالحاكم والدستور والقانون وجهاز الأمن وجهاز المخابرات وقادات الجيش غرسوا وسقوا ونموا ويُسقون بماء المستعمرين، وجيّرت وأعدت لخدمتهم وتنفيذ مشاريعهم وإمعان الفرقة والتجزئة والفساد والإفساد في تلك البلاد التي سموها: الأردن وسوريا ولبنان والمغرب وتونس... وهذه البلدان يسيرها المستعمرون عن بعد ولذا فشلت فيها كل محاولات الإصلاح والترميم والتحسين، بل تحول معظم المصلحين إلى فاسدين أو شبه فاسدين وداعمين للنظام الفاسد في أصله وبذرته.

 

فلو دققت في الأردن مثلا وفي العائلة الهاشمية هناك، فقد كانت عونا للإنجليز للقضاء على الخلافة العثمانية، ثم منحهم الإنجليز حكم الأردن، فالنظام الأردني نظام فاسد في أساسه وبذرته. ولو دققت في المحاولات التي قام بها الإسلاميون الذين ظنوا أنهم يستطيعون تغيير النظام من الداخل كالإخوان المسلمين مثلا، تجد أن النظام الأردني قد أدخلهم في متاهات الفساد ومنحهم المراكز والمواقع السامية فيه من مقاعد وزارة ونواب وغيرها، لدرجة أنهم أصبحوا من أكثر الداعمين للنظام الهاشمي وبشهادة العديدين من رموز الإخوان المسلمين في الأردن وعلى رأسهم الشيخ حسن الهضيبي الذي قال في أكثر من موقعة "يعلم النظام الأردني بأن الإخوان المسلمين هم دعامة وسند للنظام الهاشمي منذ تأسيسه"، وقد قالها غيره من رموز الإخوان في أكثر من موقع. وهذا هو المقصود بأن النظام الفاسد في أصله وبذرته هو مغناطيس لإفساد أولئك الذين يحاولون إصلاحه وترميمه وإن حسنت وخلصت نواياهم، إلا أنهم فاتهم الإدراك والوعي اللازمين حتما للتغيير المنشود.

 

ومثال أكبر على ذلك ما حل في الإخوان المسلمين في الممكلة المغربية، فقد حاولوا وتغلغوا في النظام حتى صاروا أغلبية في مجلس النواب بل وحكومة أغلبية مؤخرا، العدالة والتنمية، ليقودهم النظام الحاكم الفعلي (الملك وبريطانيا من خلفه) ليقوموا هم بأنفسهم بتوقيع السلام والتطبيع مع كيان يهود! فانظر يا رعاك الله إلى أي درجة فساد جذب النظام المغربي المصلحين!!! لقد قاموا هم أنفسهم بإجراء معاهدة التطبيع والاستسلام مع كيان يهود. وبعد أن قاموا بذلك قادتهم اللعبة الديمقراطية الفاسدة أصلا لكي يخسروا الانتخابات القادمة ويخسروا الحكومة ويبقى لهم الإرث الاسمى في الفساد ألا هو التطبيع مع كيان يهود. بل إن الشعب المغربي المسلم لفظهم وكرههم بعد ذلك. قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.

 

وإن الأمثلة كثيرة جدا على الأنظمة الفاسدة في أصلها وبذرتها، وإن ما ذكر ما هو إلا غيض من فيض وقطرة للتدليل على مدى خطأ القول الذي درج (أصلح الفرد يصلح المجتمع) والقول الآخر (إصلاح النظام خير من مواجهته)، فالإصلاح يكون لنظام أساسه صحيح ولكن فسدت بعض معالمه ورموزه، وليس لنظام نشأ وترعرع ونما على يد المستعمرين وعلى أعينهم.

 

ولبيان مدى جرم هذه الأنظمة وخدمتها لأسيادها المستعمرين نذكر مثالا واحدا: إن الذي أسس كيان يهود ودعمه وأنشأه هم الإنجليز، والذي أسس كيان الأردن وكيان المغرب مثلا هم الإنجليز، والذي كان يقود الجيش العربي لمحاربة اليهود عام ١٩٤٨ هو كلوب باشا القائد الإنجليزي، فكانت حرب تسليم فلسطين وليست حربا فعلية، ولك أن تعي بعد ذلك ما تعنيه هذه الأنظمة في المنطقة وكيف أنشئت وكيف أوجدت وكيف تعمل ولصالح من، ومن هم أعداؤها الحقيقيون ومن هم أصدقاؤها الحقيقيون. قال تعالى: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.

 

ولعل فهم الواقع هو نصف الطريق في حل مشاكله، فإذا غاب فهم الواقع عن الأذهان، استعصت الحلول له ولمشاكله، وصعب على القائمين بشؤون التغيير تغيير أبسط وأسهل الأمور، ودب الفشل واليأس في قلوب الناس وخصوصا إذا تكررت الأخطاء نفسها والتجارب ذاتها دون محاولة فهم واقع هذه الأنظمة وطبيعة نشأتها ومن يقف وراءها وما هو الهدف منها. والمشكلة أبدا ليست في ارتكاب الأخطاء، فلا يوجد عمل دون خطأ، ولكن المشكلة هي في تكرار الخطأ نفسه والتجربة ذاتها دون الاستفادة من كل خطأ سابق.

 

والخلاصة: إن الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية لا يمكن ترميمها ولا إصلاحها من الداخل، لأنها أنظمة أصلها فاسد وبذرتها فاسدة، وإن هذه الأنظمة والكيانات لا بد من التعامل معها على أنها كيانات استعمار وترسيخ للفرقة والتقسيم والفساد والإفساد، ويجب التعامل مع الوزارات والمجالس النيابية والدستور وقادات الجيش على أنهم دمى في يد الاستعمار، وأنهم يتحكمون بالبلاد والعباد من خلالهم وبمساعدتهم. وأنه لا يمكن أن يكون هناك تغيير حقيقي إلا بالخلاص من هذه المنظومة كاملة.

 

ومن أراد أن يقرأ عن الحل لواقعنا السياسي القائم بوجود هذه الأنظمة وطريقة تغيير واقعنا السياسي إلى واقع أفضل وواقع صحيح وواقع يرضى عنه الله ورسوله فيمكنه قراءة كتاب (منهج حزب التحرير في التغيير) ليطلع على الحلول والطريقة الصحيحة لمعالجة واقعنا السياسي والخلاص من هذه الأنظمة الفاسدة، فقد تناول حزب التحرير في هذا الكتيب الحلول المطروحة اليوم وفندها ووضع يده على الحل الصحيح من بينها وبيّن أدلته وفصّلها ووضحها.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور فرج ممدوح

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع