السبت، 21 محرّم 1446هـ| 2024/07/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مع الكتاب

الاستعدادات المادية والنصر

 

قال تعالى في سورة الأنفال: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِنْ تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

 

ما معنى تستفتحوا؟

 

جاء في التفسير الميسر: (إن تطلبوا - أيها الكفار - من الله أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين فقد أجاب الله طلبكم، حين أوقع بكم مِن عقابه ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين، فإن تنتهوا - أيها الكفار - عن الكفر بالله ورسوله وقتال نبيه محمد ﷺ، فهو خير لكم في دنياكم وأخراكم، وإن تعودوا إلى الحرب وقتال محمد ﷺ وقتال أتباعه المؤمنين نَعُدْ بهزيمتكم كما هُزمتم يوم "بدر"، ولن تغني عنكم جماعتكم شيئاً، كما لم تغن عنكم يوم "بدر" مع كثرة عددكم وعتادكم وقلة عدد المؤمنين وعدتهم، وأن الله مع المؤمنين بتأييده ونصره.) انتهى

 

لفتة من واقعنا:

 

سألني أحد الإخوة الكرام اليوم سؤالا هذا نصه: (إذا كانت دولة كبيرة مثل أوكرانيا وكانت تملك على أراضيها أسلحة نووية عند انهيار الاتحاد السوفيتي ولم تستطع أن تواجه دولة غازية إلا بوابل من جسور جوية لتزويدها بالسلاح، وبالكاد تستطيع المواجهة والصمود، فكيف بدولنا الممنوعة من التصنيع عامة والأسلحة خاصة إذا قامت دولة خلافة وتكالبت الدول عليها ومنعت كل الدول تصدير الأسلحة لهذه الدولة الحديثة خاصة في البدايات، فسيكون صراعاً بين الدولة للوقوف على قدميها وبدء التصنيع، ومن الجهة الأخرى سعي الدول الأخرى في منع الدولة أن تتمكن من السيطرة على الداخل بحيث لا يمكنها بدء التصنيع.

 

المعروف أن الدول الصناعية ذوات الصناعات الثقيلة كالسيارات والمركبات والسفن وغيرها يمكنها بسهولة تحويل التصنيع من المدني إلى العسكري ولكن بلادنا حتى الزراعة محبطة ناهيك عن الصناعة. ما هو تصورك الموضوعي لهذا السيناريو؟ أعرف أن الله قادر على كل شيء. ولكن أريد جوابا كاستعداد أبي بكر الصديق للحرب وكأنه لم يتوكل على الله.)

 

وكنت أقرأ اليوم في كتاب الله عز وجل واستوقفتني هذه الآية في سورة الأنفال حيث إنها كانت بمثابة جواب للقلق الذي عند الأخ السائل حول دولة الخلافة القادمة بإذن الله قريبا، وعن كيفية حمايتها، ومعاناتها المحتملة في الوقوف أمام أعدائها ومحاولة حصولها على ما يلزم من استعدادات علمية وتقنية وعسكرية اللازمة للصمود والتطور والإنشاء والارتقاء.

 

إن هذه الآية الكريمة في سورة الأنفال، لإزالة أو تقليل هذا القلق وتلك المخاوف عند الفئة المؤمنة في أي عصر كان، تلك المخاوف المتعلقة بموضوع ضعف دولة الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريبا بإذن الله، تلك المخاوف التي تحضر للذهن حين المقارنة بين قوة أعداء الأمة العلمية والتقنية والعسكرية، مقارنة بما سيكون عند دولة الخلافة الراشدة. فالله تعالى أخبر في هذه الآية أعداء الأمة حقيقة مُرة بالنسبة لهم، وهي أنه لن تغني عدة الكفار ومدى استعدادهم وتطورهم وتقدمهم العلمي والعسكري والصناعي، لن يكفي كل ذلك لهزيمة أمة محمد، لن يكفي جمعكم يا أمريكا ويا روسيا ويا أوروبا، ولن تكفي عدتكم ولو كثرت وتطورت، فالله مع هذه الأمة المؤمنة ولو كانت ذات عدة قليلة، إذا استعدت بما عندها وبما قدر لها وقامت لنصرة ربها ودينها وأمتها. فهذا جواب جلي ووعد حق من الله تعالى متعلق بقوة العدو المادية والتقنية والعسكرية وأنها لا تكفي لهزيمة المؤمنين فالله تعالى معهم.

 

ولقد جاءت آيات كثيرة في هذا الصدد وهذا المعنى لا يتسع مقام هذه المقالة القصيرة لذكرها جميعها ولكن نذكر منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾، فيد الله عز وجل فوق يد الناصرين لدينه والمريدين بصدق نصرة هذا الدين وهذه الأمة الكريمة.

 

وهذا لا يعني إطلاقا إغفال الاستعداد المادي للصمود أمام العدو، والتواكل دون القيام بأي استعداد، فالله تعالى طالب أمة محمد ﷺ بالاستعداد بأقصى طاقة وقدرة مادية متوفرة والأخذ بالأسباب المتاحة للصمود والوقوف في وجه أعداء الأمة وأعداء الله ودينه، فقد قال تعالى في السورة نفسها، سورة الأنفال: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ وقال تعالى في سورة محمد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

 

وإن أهم وأفضل وأجدى ما تقوم به الأمة اليوم في موضوع الاستعداد المادي للصمود أمام الأعداء هو استعادة خلافتها الراشدة. فتصير لأمتنا دولة واحدة كما لها دين واحد وكما أنها هي أمة واحدة يكون لها حاكم واحد وجيش واحد ودستور واحد. فالوحدة حول دين الله وشرعه لا تتحقق إلا في دولة الخلافة الراشدة، وهذا ما جاء به نبينا الكريم ﷺ وهذا ما نعرفه في تراث وتاريخ أمتنا، وبهذا فقط استطاعت أمتنا الصمود أمام أعدائها ومن يتربصون بها، وبهذا فقط استطعنا أن نتصدر بين الأمم وننشر الإسلام للعالم، وبهذا فقط استطعنا حماية بلادنا وثرواتنا وخيراتنا.

 

وغير ذلك لا يمكن تصور أي حل مجدٍ للصمود أمام أعدائنا، إذ كيف يكون استعداد الأمة إذا لم يكن لها دولة توحدها وتمنع تفرقها وتشرذمها؟ كيف يكون الاستعداد اليوم في دول أسسها سايكس وبيكو؟ كيف يكون الاستعداد اليوم في دول قطرية وطنية كرتونية هزيلة مفرِّقة للمسلمين ومعزِّزة لتشرذمهم؟ كيف يكون الاستعداد اليوم وحكام هذه الدول يدينون بالولاء للغرب والمستعمرين ويقدمون خيرات وثروات هذه الأمة قربانا ليرضى عنهم أسيادهم المستعمرون؟ كيف يكون الاستعداد في دول قد استشرى فيها الفساد حتى النخاع في كل المجالات والقطاعات العسكرية والعلمية والتقنية والإدارية؟

 

ولذا فإن حجر الأساس واللبنة الأولى في الاستعداد المادي والصمود أمام أعدائنا والأخذ بالأسباب هو أن تكون للأمة دولة واحدة تجمعها وتوحد صفوفها وطاقاتها وقدراتها وثرواتها لنصرة الدين والبلاد والعباد. فدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله هي أفضل ما تستعد به أمتنا لهزيمة عدوها.

قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فرج ممدوح

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع