- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
التجارة الخارجية في ميزان الدول الوطنية الوظيفية ودولة الخلافة الراشدة
ذكرت هيئة الجمارك السودانية في بيان لها أنه ومنذ الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة في حزيران/يونيو من العام الماضي لم يعد هناك ما يسمى بالدولار الجمركي. وأضافت في توضيح، أنه وتنفيذاً لسياسات الدولة الاقتصادية يتم العمل بمؤشر أسعار بنك السودان المركزي للعملات الأجنبية لغرض تحصيل الرسوم الجمركية، وتابع: "تفيد هيئة الجمارك بأن ما تم تطبيقه في أول آب/أغسطس الجاري من زيادة الجمارك ورفع الدولار بنسبة 26.8% من 445 إلى 564 جنيها كان وفقاً لسياسات الدولة الاقتصادية ومؤشر أسعار العملات الأجنبية لبنك السودان المركزي".
وعلى إثر رفع سعر الدولار الجمركي، ارتفعت أسعار السلع والخدمات، ودعت الغرفة القومية للمستوردين بإيقاف الاستيراد وعدم سداد الرسوم الجمركية، والضريبية لمدة ثلاثة أيام حتى يتم التواصل مع الجهات التي أصدرت هذا القرار، وتوضيح ما دار معهم عبر مؤتمر صحفي.
هذا الجدل القائم حول زيادة الدولار الجمركي، وإلغائه، وما تم هو في حقيقته زيادة في الجمارك، هو جدل بيزنطي، لأن الجمارك تقيّم بالدولار، وبعد تبني وزارة المالية سياسة تحرير الجنيه، أصبحت التجارة الخارجية وجماركها تقيّم بالدولار على حسب سعر السوق، وهذا يرهن البلاد ومواردها لصنم اسمه الدولار ولسياسات صندوق النقد الدولي الاستعمارية.
أما الإسلام العظيم فينظر إلى التجارة الخارجية حسب تابعية التاجر، لا حسب منشأ البضاعة، فالتجار الحربيون يمنعون من التجارة في بلادنا إلا بإذن خاص للتاجر أو للمال. والتجار المعاهدون يعاملون حسب المعاهدات التي بيننا وبينهم، والتجار الذين من الرعية يمنعون من إخراج ما تحتاجه البلاد من المواد، ومن إخراج المواد التي من شأنها أن يتقوى بها العدو، عسكريا أو صناعيا أو اقتصاديا، ولا يمنعون من إدخال أي مال يملكونه، ويستثنى من هذه الأحكام البلد الذي بيننا وبين أهله حرب فعلية ككيان يهود، فإنه يأخذ أحكام دار الحرب الفعلية في جميع العلاقات معه تجارية كانت أم غير تجارية. هذا ما يتبناه حزب التحرير في مشروع دستور دولة الخلافة في العلاقات التجارية بين الشعوب والأمم مع دولة الخلافة.
فالتجارة الخارجية هي عمليات البيع والشراء التي تتم بين الشعوب والأمم، لا بين أفراد من دولة واحدة، سواء أكانت بين دولتين، أم كانت بين فردين، كل منهما من دولة غير الأخرى، فهي كلها تدخل تحت سيطرة علاقة دولة بدولة، لذلك تباشر الدولة منع إخراج بعض البضائع وإباحة بعضها، وتباشر موضوع التجار الحربيين والمعاهدين، فهي تباشر موضوع التجار من غير رعاياها حسب تعامل دولهم مع تجار دولة الخلافة، أما رعاياها فيكفي الإشراف عليهم في التجارة الخارجية كالتجارة الداخلية.
إن التجارة الخارجية تتعلق بها أحكام شرعية هي أحكام البيع، وأحكام دخول الأموال من دار الحرب إلى دار الإسلام، وخروجها من دار الإسلام إلى دار الحرب، وأحكام ما ينال المسلمين منها ضرر، وأحكام ما يتقوى به العدو على المسلمين، لذلك كانت التجارة الخارجية متعلقة بالتجار وليس بمنشأ البضاعة.
لهذا كانت الأحكام المتعلقة بالتجارة الخارجية إنما هي الأحكام المتعلقة بالأفراد من حيث نظر الشرع لهم ولأموالهم، أي من حيث حكم الله في حقهم، ومن حيث حكم الله في أموالهم المملوكة لهم. ومن هنا كانت أحكام التجارة الخارجية ليست متعلقة بالمنشأ بل متعلقة بالتاجر.
وأما الأمر الثاني: فإن دليله ما ورد في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه في وصية الرسول لأمراء الجيوش، حيث يقول: إن الرسول ﷺ كان مما قاله للأمير: «...ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ».
ووجه الاستدلال بهذا الحديث، أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ». فالتحول إلى دار المهاجرين شرط ليكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، أي لتشملهم الأحكام، فيكون من لا يتحول إلى دار الإسلام من حيث حكم المال كغير المسلمين من ناحية حرمانه منه، وهذا يعني عدم تطبيق الأحكام المالية عليه لأنه لم يتحول لدار المهاجرين أي لدار الإسلام، فالرسول كان يعتبر غير دار المهاجرين دار كفر ولو كان يسكنها مسلمون، وعلى هذا فالتاجر الحربي مسلما كان أو غير مسلم لا يدخل بلادنا إلا بأمان، وكذلك المعاهد فيسار معه حسب معاهدته لقوله سبحانه: ﴿فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ﴾ ولا فرق في المعاهد بين المسلم والكافر.
أما من يحمل التابعية الإسلامية مسلما كان أو ذميا، فلا يمنع من إخراج البضاعة التي يريدها، ولا من إدخال البضاعة التي يريدها، وذلك لقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾، فهو عام يشمل كل بيع أي يشمل التجارة الداخلية والتجارة الخارجية، وكذلك لا تؤخذ منه رسوم جمارك لما روي عن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت زياد بن حدير يقول: "أنا أول عاشر عشر في الإسلام، قلت من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا، كنا نعشر نصارى تغلب"، فهذه الأدلة على دار الإسلام ودار الحرب وعلى عدم دخول الحربي دار الإسلام إلا بأمان مسلما كان أم كافرا، والمعاهد يعامل حسب معاهدته.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم مشرف
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية السودان