الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

كيف تحمل الأمّة قيادتها الفكرية إلى العالم؟

 

 

إن الفكر السياسي في أي مجتمع من المجتمعات هو أعلى أنواع الفكر على الإطلاق، وهو يعني التفكير المتعلق برعاية شؤون الناس، وأعلى أنواعه التفكير المتعلق بالإنسان، وفي العالم، من زاوية خاصة، وهي زاوية العقيدة الإسلامية عند المفكر السياسي الذي يتجسد فيه مبدأ الإسلام.

 

هذا الفكر السياسي، لا بد له من قيادة سياسية حتى يوجد، إذ وجوده في الكتب وأدمغة العلماء أو نقله ودراسته دراسة أكاديمية، لا قيمة له، ولا يعتبر وجودا حقيقيا ومؤثرا في الواقع. ولذلك، كان من الطبيعي أن تعي هذه القيادة الفكر السياسي بشيء من الإبداع وأن تباشر استعماله في منأى عن التكلف، فهي لا تتجاهل الواقع ولكنها لا تخضع له، بل تحاول استخدامه للسير بالمجتمع والدولة نحو الوضع الذي ترتسم في مخيلتها تصاميمه عن إدراك وتدبّر، وهي بذلك أشبه بعمليّة تحويل تصميم هندسي دقيق لبناء معيّن إلى واقع ملموس، وهنا يكمن الإبداع لدى القيادة السياسية، حيث تلتقي قدرتها على إدراك الواقع بالواقع كما هو، وبالحقائق المنطبقة على الواقع، بكل ما يقتضي الأمر من موضوعية وتجرد، ما يساعدها على تنزيل الأفكار والأحكام على الوقائع المتجددة، وقيادة من حولها فكريّا من الموجود إلى المنشود.

 

فإن كانت الشخصية العادية والقيادة الإصلاحية متقيدة بالواقع حتى يصبح مصدر تفكير لها بحيث تتغير وتتلون بحسبه، فإن القيادة السياسية المبدعة تتقيد بالواقع لتتحكم به وتُغيّره وتصبغه بلونها، وذلك بجعله موضع تفكير لتعالجه كما يطلب المبدأ، دون تجاوزه أو القفز فوقه، أي أنها تجعل معالجتها لواقع موجود، لا لما يمكن أن يكون واقعا.

 

إن وجود حزب التحرير في الأمة بغاية استئناف طراز العيش بالإسلام، لهو دلالة حسيّة على أن أحاسيس الأمة الإسلامية قد تحولت إلى فكر رغم كل الجراح التي أثخنتها، وأن هذا الفكر قد وجد طريقه إلى الثلة الواعية فيها، ثم تبلور في الفئة المتميزة التي تكوّن الحزب منها، ليسير في الأمة وهو مدرك لفكرته مبصر لطريقته متصور لغايته. فالإسلام كمبدأ هو إحساس الأمة الداخلي، والحزب هو المعبّر عن هذا الإحساس، ويجب أن يبقى كذلك. ولذلك صحّ القول إن قاعدة هذه الأحاسيس (وهي الفكر والعمل من أجل غاية) هي التعبير الحقيقي للمبدأ، كما ورد في كتاب "التكتل الحزبي" لمؤسس الحزب الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله.

 

إذ لا بد أن يكون لكل عمل قصد متصور في الأذهان قبل القيام به، وهذا القصد هو جزء من الجو الإيماني، لأن الجو الإيماني يتكون من الإيمان بالمبدأ أي بالإسلام، ومن القاعدة العملية التي هي اقتران الفكر بالعمل، وأن يكونا من أجل غاية. وكون الفكر والعمل من أجل غاية معيّنة، هو المراد من أنه يجب أن يكون لكل عمل قصد، وبالتالي لا يكون العمل لمجرد القيام بالعمل، دون أن تكون له غاية متصورة في الأذهان. وهذا، لا بد من وجوده لدى الحزب باعتباره كلا، ولدى كل عضو من أعضائه. ويجب أن يربى هذا القصد ويوجد في نفوس الجميع.

فالحزب يقوم على الفكرة وحدها، أي على مبدأ الإسلام حسب فهمه هو لأفكاره وأحكامه، فالفكرة وحدها هي التي يقوم عليها، فهي سر حياته، وهي وحدها التي تجعله حياً، وتجعل حياته دائمة. فهو لا يقوم على الأشخاص مهما أوتوا من العلم والجاه والقوة، ولا يهتم بكثرتهم أو قلتهم، ولا يقوم على تأييد الناس له، قلّ هذا التأييد أو كثر، ولا يقوم على ما يوفر له القدرة على العمل مهما كانت هذه القدرة مغرية بالتسهيل والتسيير، والتقدم والارتفاع. ولا يقوم على ما يقربه من الحكم أو يسهل له أن يتولاه وإنما يقوم على شيء واحد هو الفكرة، ولذلك كان من أشهر مقولاته: قضيتنا ليس استلام حكم وإنما قضيتنا هي بناء دولة. لأن الارتفاع الفكري هو الذي يحدث النهضة، والأصل في النهضة ليس أخذ الحكم، إنما هو جمع الأمة الإسلامية على الفكرة الإسلامية وجعلها تتجه في حياتها على هذه الفكرة، ثم يؤخذ الحكم ويقام على تلك الفكرة، وهو ما يعني أن أخذ الحكم ليس غاية في حد ذاته بل لا يصلح لأن يكون غاية، إنما هو طريقة للنهضة عن طريق إقامته على الفكرة.

 

ويعتبر الحزب هذه الفكرة سر حياته، أي روحه التي يحيا بها، والتي إذا فقدها مات. فالفكرة هي أساس وجوده، وهي أساس حياته، وهي أساس سيره. ولذلك لا يُعنى إلا بالفكرة وحدها، ويوجه همّه كله نحو الفكرة، ويعتبر جل أعماله متعلقاً بالفكرة سواء من حيث التبني، أو من حيث النشر أو من حيث التطبيق، أو من حيث ما يتطلب بناء المجتمع أو يستلزم إقامة الدولة، أو يقتضي إنهاض الأمة، أو يستوجب حمل الرسالة إلى العالم. وإذا كان يعمل لإقامة الدولة وبناء المجتمع، وإنهاض الأمة، وحمل الرسالة إلى العالم، فإنما يعمل بالفكرة، ومن أجل الفكرة. فالفكرة هي كل شيء في حزب التحرير.

 

والحزب بحمله لهذه الفكرة العالمية، مدرك تمام الإدراك أن الانقلاب الفكري والشعوري الذي يريد أن يحدثه في الأمة سيؤدي بالضرورة إلى جعل المسلمين يحملون قيادتهم الفكرية دوليّا إلى العالم، لتظهر على سائر القيادات الفكرية في جميع الوجود.

 

كما يدرك أن عليه مهمة القيام بهذا الدور، ولذلك كان لا بد أن تظل الناحية الفكرية هي الأساس، وأن يظل اقترانها بالعمل السياسي فقط، هو حجر الزاوية في العمل. وهنا نعود إلى مسألة ضرورة التأكد من تنزيل الأفكار على الوقائع الجارية سواء من خلال الاتصال الحي والمباشر والحديث مع الناس، أو من خلال الأعمال السياسية المقصودة.

 

إن قيادة الشعوب هي ذروة الأعمال السياسية ولا يصل إليها أحد إلا بقيامه بالأعمال السياسية، بل لا يتأتى القيام بها إلا من خلال القيام بالأعمال السياسية. فالعمل السياسي هو الطريقة لقيادة الشعوب وهو عينه المادة التي تتكون منها قيادة الشعوب والروح التي تبعث الحياة والنشاط والسير في قيادة الشعوب. وغياب الأعمال السياسية، يعني قتل رغبة الأمة الجماعية في التغيير الجذري، وأملها في التحرر من قبضة النظام العالمي.

 

فمنطق السياسي هو منطق حيّ شديد التعقيد وهو عملي له واقع أو يجب أن يكون له واقع وليس من همه أن يحافظ على الأساليب ولـكن من همه المحافظة على سلامة الأهداف. فهو يجد من شروط حيويّته عدم التقيّد بالوسائل ولا الأساليب ولـكن من شروط بقائه سلامة الأهداف سلامة تامة من غير أي خدش أو أي انحراف.

 

فلا يوجد في الأعمال السياسية ما يقيّد الحزب بأسلوب معيّن، بل على العكس، فإن المطلوب هو الإبداع في الأساليب، ولذلك قيل إن الأسلوب يحدده نوع العمل. فقد يعبّر الحزب عن موقفه بنشرة أو بيان، وقد يعبّر بندوة صحفية، وقد يعبّر بهما معا، لأنّ الأهم هو أن يكون له رأي وموقف حيث يجب أن يكون له ذلك. بل قد يكون أسلوب الوقفة الحاشدة (مع حسن اختيار المكان والزمان) أشد تعبيرا عن موقف الرفض مثلا لسياسة حكومية معيّنة، وهكذا...

 

المهم إذن، هو أن تكون الأفكار والأحكام التي يقدّمها الحزب لبناء الأمّة وصهرها في بوتقة الإسلام معالجات لوقائع، أي أن يتم تنزيل الفكر على الواقع لعلاجه بالإسلام، وحسن اختيار الأفكار التي تعالج ذلك الواقع. يقول الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: "من دخل قرية فشا فيها الربا، فخطب فيها عن الزنا فقد خان الله ورسوله"!

 

أما عن قدرة العمل الحزبي على التأثير في الواقع، وتقدير ذلك من قبل الشباب، فهناك عوامل تكتنف ذلك التقدير ينبغي فهمها والإحاطة بها، منها تحديد الأفكار المراد إيجادها في الرأي العام، وتحديد آليات وتقنيات إيجاد الرأي العام ثم مقاييس إيجاد هذا الرأي العام.

 

ومن العوامل المهمة أيضا، هو مقصد الحزب من العمل في تلك الولاية مقابل مقصده من العمل في ولاية أخرى، وعلى سبيل المثال فإن لبنان لا تصلح لأن تكون نقطة ارتكاز، لذلك من الطبيعي أن تختلف الأعمال التي تقوم فيها عن الأعمال التي تقوم في تركيا أو باكستان، وهكذا...

 

هذا الأمر، ينطبق أيضا على الدّولة التي يُراد لها أن تبعث الحياة في العقيدة الإسلامية عند المسلمين، حيث يجب أن تحسن الدولة اختيار الأساليب المعبّرة عن مواقفها، فقد يكون القيام بمناورات عسكرية واستعراض لقوة الدولة التي يجب أن يهابها الأعداء أفضل من المسارعة إلى توقيع هدنة وصلح عسكري قد يجرئ جهات خارجية أخرى عليها، وقد يكون تحييد طرف من الصراع كما فعل النبي ﷺ في صلح الحديبية أفضل من الدخول في مواجهات مسلحة تضعف الدولة وتوحّد الأعداء ضدّها...

 

وهكذا، فإن على الدولة كما على الحزب تخيّر أحسن الأساليب من أجل القيام بالأعمال والتأثير في الواقع بما يقتضيه نشر المبدأ وحمل دعوته بين الناس، لتُرعى شؤونهم بالإسلام وتُحمل قيادته الفكرية للعالم أجمع فيُظهرها الله على سائر القيادات الفكرية التي أفل نجمها وانطفأ بريقها عالميّا قبل ميلاد دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. فماذا لو أصبح للمسلمين دولة وقيادة رشيدة على رأس هذه الدولة؟

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. وسام الأطرش – ولاية تونس

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع