- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العمل السياسي على أساس الإسلام فريضة شرعية وضرورة حياتية
لطالما شكلت السياسة وسطا طارداً للناس العقلاء والمخلصين والمتعففين عن الخوض في المال العام. وكان الناس يتناصحون بالابتعاد عن السياسة حتى لا يغرقوا في أوحالها ويخوضوا في الفساد المستشري فيها.
ولا شك أن الوسط السياسي بالفعل فاسد في عمومه، والأجواء المسيطرة عليه بعيدة عن الدين والأخلاق الحميدة ويسيطر عليها الفساد والنفعية والمصلحة البحتة.
ولكن الابتعاد عن السياسة ليس هو الحل، لقد خرجنا للتو من أزمة الوباء وقيل لنا وقتها اجلسوا في بيوتكم لا يحطمنكم الفيروس وأنتم لا تشعرون، وكان أمثلنا طريقة من يغسل يديه بالماء والصابون ثلاث مرات في اليوم، وتبين لنا حينها هشاشة النظام الصحي وعجزه عن توفير أدنى مقومات العلاج. وها نحن نعيش في هذه الأيام هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة نتيجة ارتفاع التضخم وغلاء الأسعار، وما أنتج ذلك من ضنك وضيق شديد لدى معظم الناس. أضف إلى ذلك الكوارث الاجتماعية نتيجة تشجيع الفساد والدعوة الصريحة إلى الشذوذ الجنسي والانحلال الخلقي. وهذه الأوضاع لا شك أنها نتائج لمؤامرات هدامة وسياسات فاشلة أو سياسات تقدم مصالح السياسيين ورجال الأعمال على مصالح الناس.
لقد أصبح من الواضح لدى الجميع أن ترك ميدان السياسة للفاسدين، وتوهُّم أن الحياة يمكن أن تستمر هادئة حتى لو ابتعد العقلاء عن السياسة خدعة كبرى، وها نحن ندفع ثمن هذا الوهم غاليا. فحين يصبح الحصول على مقومات العيش البسيطة الأساسية (منزل، طعام، مدارس، نقل، طب،...) أمراً حكراً على نسبة ضئيلة من المجتمع قد لا تتجاوز العشرة بالمائة، ندرك حينها كم تم تضليلنا، وحين يصبح الحفاظ على عقول أطفالنا وأخلاقهم همّاً ثقيلاً يؤرق العائلات، فاعلم حينها فداحة الأوضاع.
لقد أصبح الاشتغال بالسياسة اليوم واجبا يكاد أن يكون عينيا وليس ترفا فكريا ولا عملا نخبوياً، فالفقر الزاحف على الجميع والإفساد الذي يستهدف الجميع، وجبال الأزمات التي تثقل كاهل الجميع وتحاصرنا من كل الاتجاهات، يستوجب من الكل إعادة التفكير بجدية فيما يحيط بنا؛ في الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المطبقة علينا، في الأولويات، في الأسس التي يجب أن تنبني عليها العلاقات الداخلية والخارجية، في نظام القضاء والعقوبات، في التعليم والإعلام، في مقاييس اختيار السياسيين... في كل شيء.
لا شك أن هذا العمل ليس بسيطا، ولا شك أنه ليس مما يقوى عليه كل الناس، ولكن بالمقابل ليس مطلوبا من الكل أن يتحول إلى مفكر وباحث، ولكن المطلوب من الجميع أن يستنكروا الأوضاع وينفضوا فوراً عن المجرمين الفاسدين الذين كانوا سببا فيما آلت إليه الأوضاع، ولا يؤيدوهم حتى ولو بشطر كلمة، ويلتفوا حول من يتلمسون فيهم الإخلاص والقدرة على تقديم العلاج الناجع، قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا عُمِلَتْ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا» صحيح الجامع للألباني، حسن.
لقد أرشدنا الإسلام إلى أن السياسة هي رعاية مصالح الناس وخدمتهم والسهر على شؤونهم، وهي دون شك عمل راقٍ شريف وليس عملا فاسدا وسخاً كما صوّره وصيّره العلمانيون، وإلا لم يشتغل به الأنبياء، قال عليه الصلاة والسلام: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» صحيح الجامع للألباني.
وعندما نقول بوجوب الانخراط في العمل السياسي بصفته واجباً شرعياً وضرورة حياتية، فإننا من المؤكد لا نقصد الانخراط في الأحزاب السياسية التي أوجدتها ورعتها الأنظمة القائمة لتكريس الواقع وتبريره، ولا نقصد المشاركة في لعبة الانتخابات التي لا تعدو أن تكون إعطاء الشرعية لنظام فاشل سلفاً، وإنما نقصد الانخراط في الأحزاب المبدئية التي تحمل تصورا متكاملا عمليا منبثقا من الشرع، عن الدولة وأجهزتها وطريقة عملها، فبغير هذا العمل لن تحصل أي نتائج، بل ستستنفد الجهود وتضيع الأوقات ولن يُجنى منها سوى مزيد من المآسي والضنك.
لقد جهز حزب التحرير منذ خمسينات القرن الماضي، تصورا واضحا شاملا للدولة منبثقا حصريا من أحكام الشرع، ابتداء من الدستور ومرورا بمختلف أجهزة الدولة وأنظمتها، وهذه الكتب موجودة متوفرة على مواقعه لمن يريد الاطلاع عليها. ومنذ نشأته لم ينفك حزب التحرير يدعو المسلمين إلى الالتفاف حوله، ومؤازرته في عمله الدؤوب لاستئناف الحياة الإسلامية وانتشالهم من القعر الذي أنزلهم إليه أتباع الاستعمار، وإعادتهم لاقتعاد مركز الريادة الذي شغلوه عن جدارة واستحقاق على مدى عشرة قرون. وهذا العمل قد قطع بفضل الله أشواطا كبيرة، والوعي اليوم على أهمية وجود دولة خلافة للمسلمين يكاد يكتسح الشارع من الرباط إلى كوالالمبور.
فهلم إلى عز الدنيا ونعيم الآخرة، هلم إلى ما يحييكم حياة طيبة هنية، ويحفظكم ويحفظ أعراضكم من عبث العابثين. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله