الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سهلٌ غزو الشعوب ولكن حكمها صعب

 

 

الأصل في الدول المستقلة لا سيما الدول الكبرى أن تكون صاحبة فكر مبدئي، لأن الأصل في الدول الكبرى أن تكون متميزة في استقلالها، وإن أرادت غزو الشعوب فهي تغزوها لتحكمها وليس لنهبها.

 

ولتبسيط الفكرة لا بد من شرح أحد المصطلحات المهمة ألا وهو المبدأ، فالمبدأ وفق التعريف الاصطلاحي الذي وضعه حزب التحرير بعد دراسته للعقل والفكر وأنواع الأفكار؛ هو فكرة كلية وتصور كلي عن الحياة والكون والإنسان وعما قبل الحياة وما بعدها. وتحتوي هذه الفكرة الكلية أفكارا عامة وجزئية لمعالجة مشاكل الإنسان وجعله يرتقي في الحياة الدنيا بشكل ناجح، كما تحتوي نظاما لتطبيق وحماية هذه الفكرة الكلية وتنفيذ معالجات المبدأ في الدولة ونشره للشعوب الأخرى.

 

وباختصار فالمبدأ هو عقيدة ونظام. فالإسلام عقيدته لا إله إلا الله ونظامه هو نظام الخلافة. والرأسمالية عقيدتها هي العلمانية (أي فصل الدين عن الدولة) ونظامها هو النظام الديمقراطي الليبرالي، والشيوعية عقيدتها المادية (لا إله والحياة مادة) ونظامها هو النظام الديمقراطي الاشتراكي.

 

ووفقا لهذا التعريف يوجد ثلاثة مبادئ في العالم اليوم؛ الرأسمالية والإسلام والشيوعية. والرأسمالية تعتنقها الشعوب وتتبناها تقريبا كل الدول الكبرى في العالم اليوم سواء بشكلها الكامل أو مع إساءات متراوحة في التطبيق. والإسلام يعتنقه الكثير من الشعوب ولا تتبناه الدول في العالم منذ هدم آخر دولة إسلامية في عام 1924م. والشيوعية تعتنقها القليل من الشعوب الآن ولا تتبناها الدول الكبرى اليوم.

 

هل معنى وجود هذه المبادئ أنها كلها تجلب النهضة والسعادة والخلاص والنجاة في الآخرة؟

 

لا، ليس معنى وجود ثلاثة مبادئ في الحياة اليوم أنها كلها مبادئ صحيحة وتؤدي إلى نهضة صحيحة، وبالتالي إلى السعادة في الدنيا والخلاص في الآخرة. إطلاقا، وإنما هي مبادئ تصلح وفيها القدرة على الربط بين شعوب العالم وتستطيع الشعوب إذا تبنتها أن تنهض وترتقي على أساس فكري. ولكن هل هذه النهضة صحيحة أم خاطئة؟ الذي يبين صحة أو بطلان النهضة هو عقيدة المبدأ، فإن كانت عقيدة المبدأ صحيحة كانت النهضة أيضا صحيحة. والعقيدة تكون صحيحة إذا أقنعت العقل ووافقت الفطرة، ولا تكون إلا بالإسلام؛ لأن عقيدة الإسلام تقنع العقل وتوافق فطرة الإنسان، وهي العقيدة الوحيدة التي تحقق ليس فقط النهضة وإنما السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.

 

هل وجد في العالم القديم مبادئ أخرى غير هذه المبادئ الموجودة اليوم؟ أم عاش الناس بلا مبادئ؟

 

لقد وجدت في العالم القديم مبادئ أخرى فقد كان في روما وارثة الحضارة الإغريقية، وكما كان في الحضارة الإغريقية نفسها في اليونان مبدأ أو حالة تشبه المبدأ.

 

فروما والإغريق قبلها عبارة عن حضارة ذات فكر كلي عن الكون والإنسان والحياة، على أساس فكر أفلاطون وأرسطو وغيرهما، تطورت بالفكر والحضارة وأعطت الشعوب تصوراً كلياً عن الإنسان والحياة والكون، وفكر دولة ديمقراطي على مبادئ أرسطو وأفلاطون، وظهرت آثار فكرها ومبدئها في العلم والناحية المدنية. وبهذا يمكن القول إلى حد بعيد بأن الإغريق كانوا دولةً مبدئية مقارنة مع غيرها من الإمبراطوريات كفارس مثلا التي لم ترق أن تكون حضارة مبدئية لأنها قامت على أساس قومي لا يصلح للربط بين بني البشر.

 

ومع ذلك فإن الحالة المبدئية التي كانت عليها روما أو الإغريق لا تناسب التوصيف الدقيق للمبدأ بحذافيره ولكنها تشبهه، فقد كان الإغريق من أرقى الشعوب في العالم؛ حيث كان لهم تصور عن الحياة، فقد كانوا يؤمنون بوجود آلهة وكان لديهم فكر أفلاطون وأرسطو وتشريعات ونظام برلماني ديمقراطي وإمبراطور، فهي حضارة قدمت فكرا كليا عن الحياة والكون والإنسان ومعالجات جزئية وأفكاراً عامة للحياة وكانت بذلك أرقى حضارة في زمانها وما سبقها، وكان الجميع يطمح أن يصبح جزءا منها وأن يكون من رعاياها لرقيها في كافة ميادين الحياة والفكر، ولذلك عمرت طويلا. ولما انهارت الحضارة الإغريقية ورثها بفكرها الرومان وساروا عليها، ثم بعد أن تبنى الإمبراطور النصرانية صارت الشعوب والدولة أكثر رضا وانسجاما بسبب التفشي الكبير للنصرانية بصورة سرية بين الناس وحاجة الإمبراطور لجمع الناس حوله من جديد، وصارت كالحالة شبه العلمانية قديمة وبصورة مغايرة تجمع الفكر الإغريقي القديم ودين الدولة النصراني وتشريعات شبه ديمقراطية للدولة، والاستعمار في السياسة الخارجية، وإن كانت الحريات مقتصرة على طبقة الرأسماليين والنبلاء ورجال البلاط آنذاك.

 

ماذا بالنسبة للمغول وإمبراطورية فارس، والنازيين في ألمانيا، والفاشيين في إيطاليا، فقد كانوا دولا كبرى، هل كانوا دولا مبدئية؟

 

يمكن القول إن هذه حالات استثنائية أو شاذة للدول الكبرى حيث تكون الدولة الكبرى مستقلة ولكن صاحبة فكر ضيق أو منحط: كالمغول، والنازية، والفاشية، وعلى شاكلتها الحضارة الفرعونية والفارسية. ورغم أن المغول والتتار كانت لهم تشريعات معينة شرعها جنكيز خان ووضعها واستشار فيها الحكماء وكان المغول يتبعونها، ولجنكيز خان مقولة مشهورة (إنك تستطيع أن تغزو الشعوب من فوق صهوة جوادك ولكنك لا تستطيع أن تحكمها من فوق صهوة جوادك) إلا أن تلك التشريعات كانت فكرا ضيقا عنصريا أو أفكاراً عامة وليست كلية وذات طابع قومي. وكذلك كانت النازية والفاشية وغيرهما من الحركات الثورية السياسية التي استولت على الحكم وغزت الشعوب وكانت ذات طابع عرقي أو قومي، والتي لم ترق لأن تربط بين بني البشر وإنما بين بني العرق الواحد فقط، إذ انهارت بسرعة كبيرة.

 

خلاصة القول إن حالة الأصل في الدول المستقلة أن تكون دولاً ذات فكر مبدئي لتستقل داخليا وخارجيا بصورة متميزة، لا سيما تلك الدول الكبرى التي تسعى إلى أن تقود العالم وأن تدوم قيادتها فترة زمنية طويلة.

 

ما هو الوضع اليوم في روسيا والصين؟ هل هي دول مبدئية؟

 

هناك حالات انتقالية للدول من مبدأ قديم لمبدأ جديد كروسيا والصين: فيمكن القول إن روسيا والصين اليوم هما دولتان رأسماليتان مع إساءة تطبيق، حيث إن هاتين الدولتين قد تركتا الشيوعية وتحولتا للرأسمالية ولكن لم يتم التحول الكامل وطالت مدة التحول لدرجة أنهم قد علقوا داخليا في تناقض وحالة شبه عالقة بين الرأسمالية والاشتراكية مع تنازل كامل عن الاشتراكية في السياسة الخارجية في علاقتهما مع الدول الأخرى.

 

فروسيا داخليا قد ورثها جهاز الدولة كي جي بي سابقا (إف إس بي الآن) والصين بقي الحزب الحاكم الشيوعي فاعلا ولكن داخليا فقط، ولكن رغم ذلك فإن الاشتراكية لا تظهر إطلاقا في سلوك الدولتين خارجيا وإنما تظهر الرأسمالية بوضوح في علاقتهما السياسية والاقتصادية مع غيرهما من الشعوب. ولا تؤثر الاشتراكية بتاتا في سلوك الدولتين خارجيا. ولذا يمكن القول إن الدولتين رأسماليتان مع سوء تطبيق كبير للمبدأ الرأسمالي داخليا.

 

إن حالة التحول من مبدأ إلى أخر قد طالت في الحالة الصينية والروسية ما يعكس حالة من الاضطراب النفسي والفكري على الشعبين، وكل هذا يزيد من عقدة النقص عندهما ومن عزلتهما وعدم القدرة الكافية على التواصل مع باقي شعوب العالم الكبرى لعدم وضوح الرؤية والفلسفة التي تحملانها عن الحياة.

 

ما المقصود بحالة الأصل؟

 

إذا كان إسماعيل مثلا يخرج يوميا من بيته للعمل الساعة الثامنة ويعود الساعة السادسة مساء خمسة أيام في الأسبوع، ويبقى في البيت بعد العمل ويقضي وقته مع عائلته، ويوم السبت يخرج للتسوق مع أهله، ويوم الأحد يذهب لزيارة أصدقائه. فهذه هي حالة الأصل. فهكذا يقضي إسماعيل يومه وأسبوعه وكل أيامه. فإذا زار إسماعيل أصدقاءه في أحد الأشهر يوم الخميس بدل الأحد، فتكون هذه حالة استثنائية.

 

لذا إذا أردت أن تفهم حياة إسماعيل فعلى أي حالة تبني فهمك لحياته؟ هل على الحالة الأولى (حالة الأصل)؟ أم على الحالة الثانية (حالة الاستثناء)؟ الجواب طبعا على حالة الأصل. وهكذا تفهم كل الأمور وليس فقط حياة إسماعيل، هكذا في السياسة وفي غيرها من مجالات الحياة. أما بناء الفهم على الحالة الاستثنائية، فإن هذا يؤدي إلى كوارث جمة.

 

ومن هنا إذا أردت أن تفهم المبدأ الرأسمالي مثلا فعليك بدراسة الحالة الأمريكية أو الإنجليزية (حالة الأصل) وليس دراسة الحالة الروسية أو الصينية (حالة الاستثناء). وأيضا إذا أردت أن تعرف مبدأ الإسلام فإنك تدرس الخلافة الراشدة زمن أبي بكر أو عمر (حالة الأصل) ولا تدرس حال الخلافة زمن العباسيين أو العثمانيين (حالة الاستثناء)، وهكذا...

 

كيف يمكن وصف حالة الشعوب الإسلامية اليوم من ناحية مبدئية؟

 

إنها حالة تشبه حالة الانفصام، فالشعوب الإسلامية تعتنق الإسلام وتعشقه، أما الأنظمة فهي تتبع الدول الرأسمالية في تشريعاتها وقوانينها، وحكام المسلمين دون استثناء تابعون للغرب، ما يجعل الشعوب الإسلامية في حالة مزرية من العيش، وفي تخلف كبير مقارنة بشعوب الدول الكبرى. وإذا استمرت الشعوب المسلمة بهذا الشكل دون إيصال الإسلام للحكم في ظل الخلافة الراشدة فستبقى تعاني الأمرين وتترنح في الشقاء والتخلف والفقر والحروب والنزاعات.

 

فقط نظام الخلافة هو القادر على جلب حالة الانسجام بين عقيدة الناس وبين ما ستطبقه من دستور وقوانين، فبها يمكن الله للمسلمين دينهم الذي ارتضاه لهم، ويتبدل حالنا من خوف إلى أمن ومن تخلف إلى تقدم وتألق، ومن تشرذم وتفرق إلى وحدة ومنعة وقوة واستقلالية متميزة، وعندها ينطبق علينا قول الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.

 

لماذا على الدول الكبرى أن تغزو الدول الأخرى في العالم؟ ألا يمكن للجميع أن يعيشوا بسلام؟

 

هذه هي طبيعة الدول منذ أن وجدت الحياة على الأرض، فالدول إما غازية أو مغزية. فالصراع بين الدول الكبرى موجود منذ القدم وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والمبدأ الرأسمالي طريقة نشره هي الاستعمار أصلا، فالقوي يتسلط على الضعيف طلبا للمنفعة، والضعيف عرضة للاعتداء عليه في أي وقت، ولذلك يلاحظ محاولة الدول الصغرى دوما الانطواء تحت جناح دولة أكبر وأقوى لحفظ كيانها مقابل خاوة تدفعها للدول الكبرى المستعمرة.

 

وبما أن الصراع قديم وموجود ومستمر اليوم وغدا، إذاً يكون السؤال الأهم هو لماذا تتصارع الدول؟ هل تتصارع الدولة مع غيرها من الدول لاستعمارها والاستيلاء على خيراتها وثرواتها واستباحتها كما تفعل الدول الرأسمالية اليوم، كما فعلت أمريكا والإنجليز في العراق؟ أم تغزوها لتحمل لها الخير وعقيدة الإيمان ولإدخالهم في دين الله الواحد الأحد، كما فعلت دولة الخلافة الراشدة حين فتحت الشام والعراق وغيرها من الدول؟ فالصراع موجود منذ فجر التاريخ ولا يستطيع أحد إيقافه ولكن تستطيع دولة الحق أن تجعله صراعا بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الهداية والضلال. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فرج ممدوح

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع