- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جماعات الإسلام السياسي في بلاد المسلمين
قراءة فيما بثته الجزيرة في (موازينها)
قبل عدة أيام استضافت قناة الجزيرة القطرية الفضائية باحثا ومعلما للفلسفة في إحدى الجامعات التونسية واستعانت بأستاذين كريمين، وتحدثوا جميعا حول جماعات الإسلام السياسي في بلاد المسلمين، وبالذات في البلاد العربية، ودور هذه الجماعات في إعادة الخلافة، وقد تناول البرنامج حزب التحرير (والذي هو - حسب مقدم البرنامج - من أبرز الحركات التي ركزت على إعادة الخلافة وجمع كيانات الأمة تحت مظلة الخلافة)، وعليه فقد كان من الإنصاف وحسن إدارة البرنامج أن تناقش طريقة الحزب في الوصول إلى إقامة الدولة وضم الكيانات القائمة الآن في بلاد المسلمين بشيء من التفصيل، سيما والأمر يخصه كثيرا، أن تستضيف أحد شبابه ليشرح وجهة نظر الحزب بالبيان والتفصيل، لا أن يتم حشو اسمه وتناقش أطروحته ويكون حظه من البرنامج أقل من خمس دقائق!
على كل حال، ونحن نعلم توجه الجزيرة ولماذا أنشئت ومن وراءها، إلا أننا نجد أنفسنا معنيين أن نبين الأمور التالية:
أولا: إن حزب التحرير قد أخذ على عاتقه حمل هذه الأمانة العظيمة وهو يصل ليله بنهاره منذ سبعة عقود ليعيد الخلافة، التي ستضم هذه الكيانات الكرتونية في بلاد المسلمين، هذه الخلافة التي لم يعرف المسلمون غيرها طوال ثلاثة عشر قرنا إلى أن جاء الكافر المستعمر بمعاونة بعض من مطاياه في بلاد المسلمين فهدمها وأنشأ مكانها دولا وصنع لها أعلاما وأناشيد وحدودا...
ثانيا: إن حزب التحرير وقد تبين له المرض الذي أنهك جسم الأمة وكاد يجهز عليها ويستأصل شأفتها كان لا بد أن يجمع قواه ويخوض صراعه مع الغرب الكافر وأذنابه وهو يسير في طريقه بقوة وصلابة، سيما بعد أن تبين أن المستعمر لم يستعمر بلاد المسلمين ويهدم الخلافة إلا لأنها تمثل بالنسبة للمسلمين الإطار الجامع والنظام السياسي الذي يحفظ بيضتهم ويقيهم من غوائل الأمم، فبات همه أن ينسف فكرة الخلافة من أذهان المسلمين بعد أن تآمر عليها وهدمها بالفعل في بدايات القرن المنصرم، فهذا اللورد كرزون يلخص لنا كيف يفكر الغرب كله، فعندما عاب عليه مجلس العموم البريطاني تركه تركيا على حالها وبمساحة جغرافية كبيرة بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى مع أنه كان يملك وقتها هو ومن معه من دول الكفر والاستعمار العمل على أن يصنع بها كما صنع في بلاد الشام فكان جوابه: "لقد قضينا على سر قوة المسلمين قضينا على الخلافة"، ولذلك لم يكن لحزب التحرير بعد معرفته المرض الذي نخر جسم الأمة وجعلها غثاء كغثاء السيل لا وزن لها ولا قيمة بين الأمم، لم يكن له إلا أن يفكر في إعادة الخلافة وما هي الطريقة الشرعية لإعادتها، ثم بعد أن تقام ما هو الدستور والقوانين التي يجب أن تطبقها وكيف يجري ضم البلاد الإسلامية التي انتزعت من جسد الأمة، وهو يعتبر أي جهد في غير هذا مضيعة للوقت ولن تكون له ثمرة، فالمرض الأساس هو عدم وجود كيان يمثل الأمة الإسلامية بوصفها أمة واحدة وأن ما يُظن أنه أمراض فتكت في جسمها الأمة إنما هي أعراض لذلك المرض الأساس، فإذا عولج المرض فإن جسم الأمة سرعان ما تدب به الحياة من جديد، وأمام هذا التوصيف فإن حزب التحرير منذ سبعين عاما يعمل في الأمة ومعها ليجعل الهم الذي يحمله هماً تحمله الأمة حتى إذا ما أصبح رأيه رأيا عاما في الأمة يكون قد قطع شطر الطريق.
ثالثا: إن الأمة الإسلامية اليوم قد أبصرت ما يبصره الحزب فلم يعد مطلب إعادة الخلافة مطلبا لحزب التحرير فقط، ففي الوقت الذي كانت تنتشر فيه الحركات الوطنية والقومية التي أنشأها الغرب وعملاؤه لتصرف الناس عن قضيتهم المصيرية وهي إقامة الخلافة، فإن الناس اليوم قد تجاوزوا هذه الحركات التي لم يعد لها وجود، حتى من بقي منها على قيد الحياة فإنها قد أجبرت على أن تتدثر بلبوس الإسلام حتى يقبلها الناس ويعملوا معها، وما ذلك إلا لأنه علم أن الأمة قد عرفت مشكلتها وشخصت مرضها وحسمت أمرها، فلم يعد ينتطح في ذلك عنزان أو يختلف عاقلان؛ أن الأمة أصبحت تدرك أن أم المصائب هي زوال الخلافة، ولسنا هنا نحاول أن نتحدث عن أمنيات أو أحلام وإنما نتحدث عن عدو حقيقي للغرب وهاجس أصبحت مراكز الدراسات الاستراتيجية تكتب فيه المطولات وتحذر منه العالم، ألا وهو أن الأمة بدأت تتبصر طريقها وأن الخلافة لم تعد فكرة حزب التحرير وحده، ولا أدل على ذلك من تآمر الدنيا على ثورة الشام لأنها رفعت شعار إقامة الخلافة، وما جمعة تحكيم الشريعة التي جمعت الملايين من الناس في مصر عنا ببعيدة.
فحزب التحرير قد قطع مع الأمة شوطا بل أشواطا من أجل أن تكون الخلافة مطلبها، وهو والحمد لله حقق ما رسمه وزيادة، فالأمة الإسلامية هي أمة حية ولا ينقصها إلا أن تتوحد في كيان واحد وليس ذلك إلا الخلافة، ونستطيع القول إن الأمة بفكرتها العامة قد حسمت أمرها وانتصرت على كل فكرة ليست من دينها وعقيدتها.
رابعا: إن الجزيرة تسأل ضيوفها عن حزب التحرير كي تضفي على نفسها شيئا من المصداقية والجرأة، حتى تقول للمشاهد ها نحن نتحدث عن الجماعات الإسلامية جميعها ومنها حزب التحرير، وإلا فإن قناة الجزيرة هذه نفسها من قال قائلها بالأمس القريب بعد أن استضاف تحريريا: "هذه آخر مرة أستضيف فيها تحريريا"! لما وجد تفاعل الناس مع طرحه وسؤاله على الهواء مباشرة، فالقنوات الفضائية ومنها الجزيرة ليست معنية أو مهتمة بالخلافة أو أي من هموم الأمة، وها هو مونديالها وعرسها الكروي قد طغى على كل تغطيتها الإعلامية، فليس مهرجانا يعقده حزب التحرير ويحضره الآلاف خبر عاجل أو مهم أو تجب تغطيته وتصويره، وإنما مؤتمر صحفي يعقده ميسي بعد فوز السعودية على الأرجنتين هو الأهم، وبهذا تنهض الأمة في قناة الجزيرة!!
خامسا: إن تناول فكرة الخلافة بهذا التسطيح والبساطة لا يليق بفكرة عظيمة حملتها الأمة ثلاثة عشر قرنا، وإن تناول حزب التحرير كأي حزب شكّله هواة ليس عملا صحفيا ومهنيا، وكان حريا بقناة الجزيرة أن تحترم عقل المشاهد وترتفع بتقديم الفكرة وتكون على مستواها، أما أن تضع المقدمة وتصل إلى النتيجة كما تحب وتشتهي فليس ذلك عملا صحفيا بريئا وإنما وراء الأكمة ما وراءها؛ فمثلا إن الجزيرة لما افتتحت كان شعارها الرأي والرأي الآخر حتى إنها من فرط (إنصافها!) تستضيف من يمثل كيان يهود بحجة أنها تريد السماع من كل الأطراف، فلماذا عندما يتعلق الأمر بحزب ملأ سمع الدنيا وبصرها وأصبحت فكرته تزاحم كل الأفكار التي رعاها الغرب من قومية ووطنية وعلمانية، لماذا والأمر بهذه الجدية والاهتمام تتكرم علينا الجزيرة بخمس دقائق لتختزل فيها ثلاثة عشر قرنا؟!!
سادسا: عندما سئل ضيف الجزيرة عن حزب التحرير عاب على الحزب الطريقة التي استنبطها للوصول للحكم، والتي هي طريقة النبي عليه الصلاة والسلام، إلا أنه خلط بين ما قاله ابن خلدون في مقدمته من أن الحكم يقوم على ركيزتين أساسيتين: وهي الشوكة والعصبية أولاً، والمال الذي يعطيه الحاكم للجند ليستقر له الحكم، وبين كون الحزب يريد أن يصل للحكم عن طريق الرأي العام، ولا أدري هل كان ذلك خلطا متعمدا أم عن جهل بطريقة الحزب للوصول إلى الحكم، على كل حال فإن المقارنة بين حزب كحزب التحرير يسعى لأخذ الحكم عن طريق الأمة ويطلب النصرة ممن بيدهم القوة التي يستطيعون بها إيصاله للحكم وبين دولة قامت على شوكة وعصبية وتمتلك المال الذي تعطيه للجند، إن هذه المقارنة لا تصح، فالحزب لم يخف طريقته يوما فهو يطلب النصرة ممن بيده القوة حتى تعود الأمة فتمتلك سلطانها من جديد حتى إذا بايعت استقر الحكم له وطبق الإسلام تطبيقا انقلابيا جذريا، فتصبح فكرة الحزب بعد ذلك دستورا وأنظمة وقوانين.
فالرأي العام الذي نقله مصعب بن عمير للنبي عليه الصلاة والسلام وكيف أصبحت فكرة الكتلة التي رأسها النبي في مكة رأيا عاما عند أهل المدينة، ثم لما صرف الله له وفد الأوس والخزرج اجتمع الرأي العام مع حزم وقوة أهل النصرة فلم يعد ينقص الدولة الجديدة إلا أن يستلم من تمت بيعته الحكم، فقد وصل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة حاكما ببيعة أهل النصرة وأصحاب الشوكة والقوة. والحزب ما انفك يطلب النصرة من أهل القوة والمنعة، فلربما طلب النصرة من عشيرة أو جيش أو قبيلة، وجماع ذلك عنده أن النصرة حكم شرعي يطلب من مظانه فكل من يغلب على الظن أنه إن أعطى النصرة جيشا كان أو قبيلة أو عشيرة فإن الحزب يوجه له الخطاب لأنه من قوى الأمة وليس من قوى الحاكم، وبمعنى آخر كل من جاز عمليا أن يكون سندا لنظام الحكم البائد فإنه يصلح أن يكون سندا لنظام الحكم الجديد.
سابعا: إن الأمة لم يعد ينقصها من عوامل العزة وأسباب القوة شيء إلا أن تبايع خليفتها على الحكم بالكتاب والسنة وتطبيق الإسلام، وإن أهل القوة والمنعة يوشكون أن تتآزر إرادتهم مع الرأي العام الكاسح في الأمة، وإنهم سيبقون من جسم الأمة وأجهزتها، فالظلم يعمهم كما هي الأمة، وإن أهل القوة والمنعة لن يعدموا سعداً وأسيداً وأسعد، بل فيهم العشرات والمئات من مثلهم ممن سينصرون الإسلام ويعملون على استعادة مجده وسؤدده، وإن غدا لناظره قريب... إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو المعتز بالله الأشقر