- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
اليابان والهند فكّا كماشة في الاستراتيجية الأمريكية للإطباق على الصين
شهدت منطقة الهندي-الهادئ تطورات جيوستراتيجية متلاحقة في الفترة الأخيرة همّت دولها المحورية، فقد شهدت اليابان أكبر تحول استراتيجي في سياستها الدفاعية منذ الحرب العالمية الثانية، فقد أقرت الحكومة اليابانية الجمعة 2022/12/16 مراجعة جذرية لسياستها الدفاعية للتصدي للنفوذ العسكري الصيني الذي وصفته طوكيو بأنه "تحد استراتيجي غير مسبوق" لأمن الأرخبيل، وبناء عليه تعمل طوكيو على مضاعفة إنفاقها العسكري من 1% إلى 2% من إجمالي ناتجها المحلي بحلول 2027، وتوحيد قيادتها العسكرية، وزيادة مدى صواريخها عبر الحصول على صواريخ بعيدة المدى وتعزيز ترسانتها العسكرية بنحو 500 صاروخ توماهوك استراتيجي أمريكي الصنع، فضلا عن السفن الحربية والطائرات المقاتلة والاستثمار في أمنها السيبراني ودعم قدراتها فيه.
والحدث الآخر الذي شهدته منطقة الهندي-الهادئ هو ذلك الفصل الجديد المتكرر من الاحتكاكات العسكرية الحدودية بين الهند والصين والمرشحة للتصعيد، والاحتكاك الأخير بين البلدين كان يوم 2022/12/9، وتشير التقارير إلى أن الاحتكاك الأخير مشابه لما حصل عام 2020 بمنطقة غالون. وتنذر هذه الاحتكاكات الأمنية المتكررة على الحدود بين الصين والهند إلى تدهور خطير للعلاقات بين أكبر قوتين نوويتين في آسيا ومنطقة الهندي-الهادئ.
إن هذه التطورات المتلاحقة في منطقة الهندي-الهادئ هي بعض من مخرجات الاستراتيجية الأمريكية الكبرى لاحتواء الصين التي اتخذتها إدارة بايدن، وهي بعض من خطوات جيوستراتيجية أمريكية لاستعادة السيطرة والهيمنة في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ في منافسة شرسة مع الصين.
ولقد سرعت أمريكا مع إدارة بايدن خطواتها تفعيلا وتنفيذا لجوانب متعددة من استراتيجيتها بعيدة المدى وحربها الباردة المعدلة الهادفة لتحجيم الصين ولجمها وللحد من اندفاعها المتسارع في مزاحمتها ومنافستها. ومن نقاط الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء الصين، إعادة تركيز وتمركز القوى بآسيا ثم إنشاء تحالفات وشركات استراتيجية أمنية وعسكرية لمجابهة الصين، فكانت الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية "أوكوس" بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا للعمل المشترك في منطقة الهندي-الهادئ، الأمر الذي عزز قوة أمريكا النووية والتكنولوجية، فضلا عن منحها موانئ جديدة في أستراليا.
ثم كانت رباعية "كواد" الأمنية الاستراتيجية بين أمريكا وأستراليا واليابان والهند، وكان هدفها هو تفعيل وتنشيط دور اليابان والهند في الاستراتيجية الكبرى لأمريكا في احتواء الصين، تحت غطاء دعم الأمن في منطقة الهندي-الهادئ، ورباعية "كواد" هو تحالف موجه بالأساس ضد الصين، واليابان والهند هما ركيزتاه بل هما حجر الأساس في البناء الاستراتيجي والجيوستراتيجي الأمريكي في منطقة الهندي-الهادئ، فموكول لهما الدور المحوري في استراتيجية أمريكا لاحتواء الصين.
بدأ الحوار الأمني الرباعي الذي يعرف اختصارا باسم "كواد" كشراكة فضفاضة بعد تسونامي المحيط الهندي 2004، وظل خاملا لأكثر من عقد، وفي 2017 جرى إخراجه من خموله وبعث الحياة فيه، حينما رأت كل من إدارتي ترامب وبايدن في "كواد" أداة لتفعيل وتنشيط الاستراتيجيات الأمريكية ضد الصين في منطقة الهندي-الهادئ، فعقدت بعدها أول قمة رسمية سنة 2021 جاء في بيانها، قال القادة: "نحن نقدم وجهات نظر متنوعة وموحدون في رؤية مشتركة لمنطقة مفتوحة وحرة في الهندي-الهادئ، نحن نسعى لمنطقة حرة ومفتوحة وشاملة وترتكز على القيم الديمقراطية وغير مقيدة بالقسر"، وكانت أول رسالة استراتيجية موجهة من تحالف "كواد" للصين، تلقتها الصين بامتعاض شديد ووصفت الصين تحالف "كواد" بأنه زمرة "تستهدف البلدان الأخرى".
ومن أخطر اجتماعات قادة الحوار الأمني الاستراتيجي "كواد" الاجتماع الأخير في 2022/05/24 في العاصمة اليابانية طوكيو في ختام جولة الرئيس الأمريكي بايدن الآسيوية، وكان الموضوع هو تشديد عزم الرباعية على ضمان منطقة الهندي-الهادئ حرة مفتوحة في ظل أجواء الغزو الروسي لأوكرانيا. وبحسب تقرير رويترز قال رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا بعد الاجتماع: "عقد القادة الأربعة مباحثات صريحة بشأن تأثير الوضع في أوكرانيا على منطقة الهندي-الهادئ". أما التعليق الأخطر فكان تعليق الرئيس الأمريكي بايدن قبيل الاجتماع بشأن تايوان، وكان رسالة واضحة للصين وكشفا للغطاء عن سياسة "الغموض الاستراتيجي" التي انتهجتها واشنطن تجاه تايوان، وصرح بايدن في المؤتمر الصحفي مع كيشيدا بأن "الولايات المتحدة سترد عسكريا إذا غزت الصين تايوان".
إن الاستراتيجية الأمريكية تسعى لحشد وتجييش دول الجوار والمحيط للإحاطة بالصين وتطويقها بحزام ناري معاد، لخلق محيط معاكس وطارد لطموحات الصين الخارجية ومصالحها خارج الإقليم، فضلا عن البعد الاستراتيجي الخفي وهو إثارة الخلافات والنزاعات بين الصين ومحيطها لإنهاكها وشل حركتها خارج الإقليم.
وتمثل اليابان والهند حجر الأساس في البناء الاستراتيجي الأمريكي وركيزتا حرب أمريكا الباردة المعدلة ضد الصين، فأمريكا هي التي دفعت باليابان لتطوير قدراتها العسكرية الهجومية وصولا إلى تغيير عميق لدستورها وتحول جذري في استراتيجيتها الدفاعية، حتى يتمكن الجيش الياباني من تغيير عقيدته القتالية، لتحقيق الارتباط والاندماج الكامل في الاستراتيجية الأمريكية، وتتمكن بذلك أمريكا من تجهيز أحد فكي كماشتها شرق الصين وتحديدا حول بحر الصين الشرقي.
ثم كانت الشراكة الاستراتيجية بين أمريكا والهند، وُصِفت بأنها منح الهند الدور الاستراتيجي نفسه الذي كانت تلعبه الصين في مواجهة الاتحاد السوفيتي، واليوم تمنحه أمريكا للهند في مواجهة الصين. وشملت تلك الشراكة الاستراتيجية مع الهند التعاون العسكري والأمني والاقتصادي، وتم تسليمها كشمير للتفرغ للصين ولجعل كشمير كذلك قاعدة متقدمة لأمريكا لموقعها الاستراتيجي فهي بوابة تركستان الشرقية بلاد المسلمين وبؤرة التوتر الصينية، والنافذة الجيوستراتيجية على الشمال الغربي للصين، ما أحدث تحولا في ميزان القوى وتعزيزا للدور الهندي في مجابهة الصين. وبهذا تكون أمريكا قد أكملت تجهيز فكي كماشتها لتطويق والإطباق على الصين؛ فك اليابان في شرق بحر الصين، وفك الهند في الغرب والجنوب الغربي للصين ومرتفعات جبال الهملايا.
فاليابان والهند تمثلان حجر الزاوية في الاستراتيجية الكبرى لأمريكا لاحتواء الصين، وما استجد مؤخرا في اليابان أو على الساحة الهندية هو تفعيل وتنشيط لدور البلدين كفكي كماشة لتطويق الصين انتهاء للإطباق عليها لتلجيمها وتحجيمها.
أما اليابان فخيوط أوراقها الاستراتيجية تمسك بها أمريكا كلية عبر الاتفاقية الأمنية الحمائية التي فرضت على اليابان عقب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية واحتلال القوات الأمريكية لأراضيها، فأمريكا هي التي أشرفت على وضع بنود الدستور الياباني بما فيه الفقرة التاسعة أو البند التاسع (بند السلام) الذي منع اليابان حينها من التحول إلى قوة هجومية. لكن تغير الوضع الجيوستراتيجي في الإقليم بعد الثورة الصينية والحرب الكورية والمد الشيوعي، دفع بأمريكا لتعديل المعادلة اليابانية لخلق توازن للقوى في آسيا، فعادت أمريكا بعد استقلال اليابان للدفع بها لبناء قوات عسكرية يابانية دفاعية وإعادة تسليح قواتها ليتسنى لها الدفاع عن نفسها، مع ضرورة تمتين علاقات التحالف مع أمريكا، فكان تعديل المعاهدة الأمريكية اليابانية، ثم تم بعدها توقيع أخطر معاهدة في تاريخ اليابان حيث تم التوقيع رسميا على "معاهدة التعاون والأمن المتبادل بين اليابان وأمريكا، فيما يتعلق بالمنشآت والمناطق ووضع القوات المسلحة الأمريكية داخل اليابان" في 1960/01/19، والمعاهدة بمثابة شرعنة للوجود العسكري الأمريكي على أراضي اليابان، لتصبح هي المدخل الرئيسي لدمج اليابان في السياسة والاستراتيجية الأمريكية.
واليوم وأمام الخطر الصيني فأمريكا هي التي دفعت باليابان لتعديل سياستها الدفاعية وصولا إلى التحول الجذري الأخير، فقد ابتدأ الأمر سنة 2017 عبر إعلان وزارة الدفاع اليابانية عن ميزانية قياسية قيمتها 51 مليار دولار للسنة المالية 2017، الهدف منها تطوير نظام الدفاع الصاروخي الياباني باك-3، ولشراء نسخة متطورة من مقاتلة الشبح إف-35، وتعزيز قدرات خفر السواحل في جزيرة مياكوجيما وأمامي أوسيما لمواجهة أنشطة بكين المتزايدة في بحر الصين، كما تمت الدعوة لتعديل المادة التاسعة من دستور اليابان المادة التي تمنع استخدام الحرب كوسيلة لتسوية النزاعات.
وتعزيزا وتفعيلا للدور الياباني أعلنت الولايات المتحدة في نيسان/أبريل 2021 تصميمها الدفاع عن اليابان باستخدام جميع الوسائل المتاحة، بما فيها السلاح النووي وذلك بموجب معاهدة 1960 بل تم توسيع مفعول المعاهدة عمليا لتشمل جزر سينكاكو المتنازع عليها مع الصين والواقعة في بحر الصين الشرقي.
ثم كان مؤخرا الإعلان عن استراتيجية الأمن القومي الياباني الجديدة في 2022/12/16، والتي اعتبرت دوليا تحولا استراتيجيا جذريا في سياسة اليابان الدفاعية، فقد أعلنت طوكيو عن مضاعفة ميزانيتها الدفاعية السنوية التي تبلغ حاليا 1% من إجمالي ناتجها المحلي لتصبح 2% بحلول 2027، متبنية بذلك الشرط الإلزامي الذي كانت أمريكا قد فرضته على الدول الأعضاء في حلفها الأطلسي، عطفا على ذلك الحصول على صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب مواقع ومنصات إطلاق الصواريخ المعادية، وتشير وثائق الحكومة اليابانية إلى صواريخ توماهوك الاستراتيجية الأمريكية، وأشارت وكالات الأنباء اليابانية مؤخرا عزم طوكيو شراء عدد منها قد يصل إلى 500 صاروخ استراتيجي، إلى جانب صواريخ "إس إم-6" بعيدة المدى. وقالت ناوكو أوكي من مركز الأبحاث الأمريكي "أتلانتيك كاوتسل" إن ذلك "سيتجاوز ما تعتبره اليابان تقليديا ضروريا للدفاع عن نفسها". ولقد أثارت الاستراتيجية اليابانية الجديدة حتى قبل إعلانها الرسمي استياء بكين، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين "اليابان تتجاهل الحقائق وتبتعد عن التفاهمات المشتركة وعن التزامها بعلاقات ثنائية جيدة وتشوه سمعة الصين". في المقابل رحبت واشنطن بهذه الاستراتيجية وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان إن "هدف اليابان المتمثل في زيادة استثماراتها الدفاعية بشكل كبير سيعزز التحالف الأمريكي الياباني ويحدثه".
فاستراتيجية اليابان الجديدة هي شق من الاستراتيجية الكبرى لأمريكا في احتواء الصين، وأمريكا تستثمر وتستغل استراتيجيا العداء التاريخي الصيني-الياباني لبناء جدار فوقه تكون اليابان دعامته، ووظيفته صد ومنع تمدد النفوذ الصيني خارج الإقليم، وتقوية العسكرية اليابانية هو لإسناد الدعامة لتقوية الجدار الاستراتيجي المضروب شرقا على الصين، ولتقوية صلابة الفك الياباني للكماشة الاستراتيجية الأمريكية.
فاليابان هي النواة الصلبة في تحالف "كواد" المناهض للصين، وهي التي تضطلع بالمهمة الرئيسية في تعزيز المحور المناهض للصين في المحيط الهادئ، وأمريكا هي التي أوكلت لها هذه المهمة. ولقد كانت زيارة رئيس الوزراء الياباني كيشيدا للهند في 2022/03/19 لتنسيق المواقف وتفعيل السياسات المتعلقة بالبلدين تجاه الصين، والضغط في اتجاه تنشيط الدور الهندي.
هذا عن اليابان ودورها المحوري في الاستراتيجية الكبرى الأمريكية أما بالنسبة للهند ودورها فيها، ففي بيان لوزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2018 حول شعار "الهندي-الهادئ المفتوح والحر" شرحت الوزارة دور الهند في منطقة الهندي-الهادئ: "فمن مصلحة الولايات المتحدة ومصلحة الإقليم أن تلعب الهند دورا متزايد الأهمية في الإقليم... وسياستنا أن نضمن لعبها لهذا الدور"، ولدمج الهند إدماجا كاملا في الاستراتيجية الأمريكية ففي أيار/مايو 2018 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية تغيير اسم قيادة المحيط الهادئ إلى قيادة الهندي-الهادئ لتشمل المحيطين ومنطقة الهندي-الهادئ.
لقد اعتُبِرت الهند دوما بالنسبة للسياسة الاستراتيجية الأمريكية كجزء من الإرث الاستراتيجي الاستعماري الغربي، بالأمس كانت الهند جزءاً من الاستراتيجية البريطانية واليوم تسلمتها اليد الاستراتيجية الأمريكية لتوظيفها في سياساتها ومشاريعها الجيوستراتيجية. ففي تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر 2002 ورد فيه "أن العسكريين الأمريكيين ماضون في خططهم للسعي للوصول إلى القواعد الهندية والبنى التحتية العسكرية... موقع الهند الاستراتيجي في وسط آسيا وكحلقة وصل بين الشرق الأوسط وأقصى آسيا يجعلها جذابة بالنسبة للجيش الأمريكي". وفي 2005 كان ممثل قيادة المحيط الهادئ أكثر وضوحا أمام أكاديمية الحرب الأمريكية حيث قال: "نحتاج للدعم الهندي الملموس لأن أهدافنا الاستراتيجية عالمية... لا يزال وضع القوة الأمريكية ضعيفا بشكل خطير في قوس المنطقة الواقعة بين جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي وأوكيناوا وغوان في المحيط الهادئ".
وهكذا بدأت أمريكا في عسكرة الهند وتقوية قدراتها القتالية لدمجها في استراتيجيتها الأمنية وصولا للزج بها في حربها الباردة المعدلة ضد الصين. ولقد بدأت عملية إدماج الهند في الاستراتيجية الأمريكية منذ 2004، ومضت بوتيرة أسرع مع حكومة مودي؛ ففي 2016 وقعت الهند مذكرة اتفاق تبادل لوجيستي مع أمريكا، والتي تسمح لكل دولة باستخدام المنشآت العسكرية للدولة الأخرى لأغراض معينة، وتم توقيع اتفاق شبيه سنة 2020 لتثبيت الأول، كما وقعت الهند مع أمريكا اتفاقيات لتأمين الاتصالات المشفرة بين الجيشين، وتم توجيه التسليح الهندي صوب سوق شركات السلاح الأمريكي فارتفعت المبيعات خمسة أضعاف بين عامي 2013 و2017.
كما أوكلت أمريكا للهند بناء علاقات وطيدة مع عدد من دول الإقليم من ضمنها إندونيسيا وفيتنام وميانمار وسنغافورة والفلبين، كما لا تخفي الهند طبيعة هذه العلاقات وحقيقة جهودها في الإقليم من أنها تستهدف الصين، والغاية الاستراتيجية الأمريكية هي توسيع المحيط المناوئ والمعادي للصين. كما شاركت الهند كلا من أمريكا وأستراليا واليابان في مناورات مالابار البحرية لعام 2022 قبالة ساحل يوكوسوكا جنوب طوكيو باليابان. وقامت البحرية الهندية كذلك بالإبحار إلى جانب البحريات الأمريكية واليابانية والفلبينية في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. كما أن الهند وإندونيسيا توصلتا لاتفاق لتطوير وإدارة ميناء سابانغ الموجود بالقرب من مضيق مالقا الاستراتيجي للتحكم في عبور ومرور الناقلات المتوجهة إلى الصين. وخلال الشهر الماضي أجرت الهند مناورات عسكرية مشتركة مع أمريكا استمرت أسبوعين في ولاية أوتارخوند المحاذية للصين.
كما تسعى أمريكا إلى تزويد الهند بأسلحة متطورة خدمة لاستراتيجيتها الكبرى. كما قلصت الهند تعاملها التجاري مع الصين وسعت لعقد صفقات تجارية مع أستراليا والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى كبدائل عن الصين.
وهكذا ولدفع الهند للانخراط التام في السياسة الاستراتيجية الأمريكية، اتخذت أمريكا سبيلا لذلك عسكرة الهند وإيهام النخبة الهندية الحاكمة بقوة الهند العظمى، للدفع بالهند إلى الساحة الدولية وخاصة منطقة الهندي-الهادئ كقوة عظمى في الإقليم. فقد ذكرت دراسة أكاديمية الحرب الأمريكية "من الحاسم لجعل هذا النظام يعمل أن نقنع الهند بمصيرها الواضح وأن تتصرف بقوة في سبيله. سيتطلب الأمر بشكل أساسي أن تفكر نيودلهي جيوستراتيجيا كقوة عظمى في الإقليم وأن تتخلى عن خوفها من تعزيز مصالحها الحيوية الوطنية، وتحيزها شبه التلقائي لإرضاء الأصدقاء والأعداء على حد سواء". وضمن هذا السياق أعلنت أمريكا في استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 "نرحب بظهور الهند كقوة عالمية رائدة وشريك استراتيجي ودفاعي أقوى".
فأمريكا جيوستراتيجيا تسعى لأخذ الهند إلى حلفها وقطع الطريق على الصين وروسيا، وجعلها تندمج كلية في الاستراتيجية الكبرى الأمريكية وتنخرط في حربها الباردة المعدلة، موهمة الهند بأنها قوة عظمى إقليمية وأن الحرب الباردة المعدلة هي كذلك حرب الهند للحفاظ على مكانتها المزعومة في الإقليم، وهذه هي الخديعة الكبرى والفخ الاستراتيجي الذي نصبته أمريكا للنخبة الهندوسية الحاكمة لجعلها تسير في ركابها وضمن حلفها ضد الصين.
وما الاحتكاكات الأمنية الحدودية وهذه العدوانية المتصاعدة بين الهند والصين، والتي بلغت ذروتها في الاشتباكات بين جيشي البلدين عند خط السيطرة الفعلية سنة 2020 ثم أعقبتها الاحتكاكات الأخيرة 2022/12/9، فما هذه الاحتكاكات إلا بعض من تلك الحاجة الاستراتيجية لأمريكا في إشعال النيران على طول المحيط الصيني لاستنزاف وإنهاك الصين بنيران محيطها. حتى إن اشتباكات 2020 بين الهند والصين والتي خلفت 24 قتيلا من الطرفين أغلبهم من الهنود، استقبلتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بحماسة وصراحة وقحة سافرة بوصفها "الخطوة النهائية في رحلة الهند نحو تحالف مع الغرب ضد الصين".
إن هدف واشنطن الاستراتيجي هو تصعيد التوتر بين الصين والهند لإشعال الجبهة الغربية الجنوبية للصين الممتدة على الحدود مع الهند بطول 3500 كيلومتر، ثم إبقاء ملف الخلافات الحدودية بين البلدين مفتوحا لاستنزاف وإنهاك الصين بمحيطها. وما الهند في الاستراتيجية الأمريكية الكبرى إلا فك هندي لكماشتها على الجبهة الغربية الجنوبية للصين.
إن أدوار اليابان والهند آخذة في التطور وفي زيادة منسوب الضغط على الصين، فاليابان اندمجت كليا في الاستراتيجية الأمريكية والهند تسير بوتيرة أقل نظرا لعلاقات الهند الاقتصادية بكل من روسيا والصين، ذلك ما تسعى أمريكا لعلاجه عبر سياسة دفع الشركات الأمريكية لتحويل سلاسل إنتاجها من الصين إلى الهند رغم العقبات التي تعترضها (البيروقراطية الهندية الثقيلة، معدل الضرائب والأجور المرتفعة، كلفة النقل المرتفعة)، كما تسعى لربط الهند بأسواق ومصادر توريد بديلة، لفك ارتباط الهند بالصين وروسيا لإلحاقها ودمجها كليا في الاستراتيجية الأمريكية الكبرى على غرار اليابان.
لا تعدو اليابان والهند أن تكونا فكي كماشة تمسك بها أمريكا خدمة لاستراتيجيتها في احتواء الصين، وأداة لتنفيذ العديد من التطبيقات والمهام المرسومة سلفا من دوائر السياسة الاستراتيجية الأمريكية، وما كانتا إلا آليات ومعدات تستهلك في سبيل الحفاظ على السيطرة والهيمنة الأمريكية.
ختاما هو الغرب دوما وأبدا الاسم الآخر للشر الخالص، عرق شيطان استهواه الرجيم فأغواه واستخلصه له ليكون للبشرية عدوا مبينا. وها هو العالم المنكوب بمنظومة الغرب الملعونة واستراتيجياته المدمرة، صورة للتطبيق العملي لفلسفات الغرب الكافرة المشؤومة "البقاء للأقوى" و"الإنسان ذئب أخيه" و"من يملك القوة يملك الحق". هو العالم كما يراه ساسة الغرب الذئاب مادة افتراس وساحة توحش وتطاحن.
آن لهذا العالم المنكوب أن يبعث بعثا جديدا، وآن الآن لهذه الأمة الإسلامية أن تنبعث حقيقتها العظمى مرة أخرى خلقا جديدا "خلافة راشدة على منهاج النبوة"، لتطهر العالم بإسلامها العظيم من رجس الغرب وخبث حضارته، وتخرج البشرية من تيه صحراء الغرب المقفرة المغبرة، ومن حيرتها وضلالها وترجعها إلى نور ورحمة ربها، ومن ضيق دنياها إلى سعة الدنيا والآخرة.
وأنتم والله المسؤولون والقمين بكم ذلك يا أهل الإسلام العظيم.
﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مناجي محمد