- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأزمة ليست في صندوق هيئة قناة السويس
ولكن في النظام الذي أوجده والسياسات والتشريعات التي قننته
نقلت العربي الجديد على موقعها الأحد 5 شباط/فبراير2023م تحليلا لمعهد كارنيغي للشرق الأوسط يشرح فيه تداعيات موافقة مجلس النواب (البرلمان) المصري على قانون إنشاء صندوق هيئة قناة السويس، بهدف استثمار فائض الإيرادات التي يحققها تشغيل القناة، والسماح بتأجير الأصول وبيعها، وإنشاء الشركات، والاستثمار في الأدوات المالية، وأوضح أن القانون يسمح للهيئة بتكوين احتياطاتها النقدية الخاصة بتمويل المشاريع الإنمائية في القناة من دون العودة إلى وزارة المالية للحصول على الأموال اللازمة، إلا أنه لم يأت على ذكر أي إشراف تشريعي على عمليات الصندوق، وتابع المعهد أن الجيش يتقاضى عمولة غير رسمية على جميع السفن التي تعبر القناة؛ وحفاظاً على هذا التقليد، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الصندوق سيخضع لإشراف "كيان سيادي"، وهو مصطلح مخفف يُقصد به أحد أجهزة المخابرات أو المؤسسة العسكرية، واستدرك بأن السيسي أدلى بهذا الحديث رغم أن القانون اختص مجلس الوزراء - نظرياً - بسلطة التعيينات في مجلس إدارة الصندوق؛ ما يتيح للجيش بصورة أساسية الوصول إلى الصندوق غير الخاضع للإشراف، وسحبه أي مبالغ طائلة من عائدات قناة السويس من دون رقابة مدنية، وبيّن المعهد أن تعديل القانون جاء في خضم أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب النقص الحاد في العملة الصعبة، وتدهور قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته التاريخية مقابل الدولار، على أثر خفض قيمة العملة المحلية ثلاث مرات متتالية في أقل من عام، وأكمل في التحليل أنه سيُعاد توجيه جزء من عائدات قناة السويس على الأقل إلى الصندوق المقترح، ما يعني حرمان موازنة الدولة من مصدر مهم للعملة الصعبة؛ بينما تزداد الأوضاع تأزماً بسبب نقص السلع الأساسية، وبلوغ التضخم أعلى مستوياته منذ خمس سنوات مع تسجيله نسبة 18 في المائة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.
وأكد المعهد أن لإنشاء الصندوق هدفين أساسيين؛ أولهما تعزيز الدعم للنظام داخل المؤسسة العسكرية في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة، والثاني هو التوصل إلى حل وسط بالسماح للمستثمرين الخاصين بالمشاركة في عمليات القناة من دون فقدان السيطرة العسكرية، وختم بالقول إن خطة النظام تتمثل في تهيئة الساحة لخصخصة قناة السويس، من دون تغييرات في قواعد حوكمتها، أو تعزيز الشفافية في ما يتعلق باستخدام عائداتها، محذراً من انهيار مدوٍّ لنموذج التنمية الاقتصادية للنظام، الذي يصر على المضي قدماً في مساره المشوب بالخلل، وما يترتب عن ذلك من تبعات كارثية على المصريين.
معهد كارنيجي أنشأه رأسمالي أمريكي، وهو قطعا يضع تقاريره وما يخلص إليه أمام صناع القرار في البيت الأبيض، وهنا هو ينبههم إلى أن رأس النظام المصري أمام معضلة حقيقية فهو لا يستطيع أن يخرج الجيش من معادلة الاقتصاد المصري بل ومضطر لإعطائه المزيد من الامتيازات لضمان ولاء قادته وحمايتهم أمام أي حراك أو هبة شعبية محتملة خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية، ولعل هذا ما أشار إليه التقرير بالهدفين الأساسيين لإنشاء الصندوق وهما دعم النظام داخل المؤسسة العسكرية والوصول إلى حل وسط يرضي السادة والمانحين بدخول استثمارات لا تؤثر على حصة العسكر في القناة التي لو نزعت منهم ربما تؤدي لعواقب وخيمة.
لماذا قناة السويس؟! قناة السويس تمر منها 8% إلى 12% من تجارة العالم المنقولة بحرا و35% من حجم التجارة من وإلى موانئ البحر الأحمر والخليج العربي، و20% من حجم التجارة من وإلى موانئ الهند وجنوب شرق آسيا، و39% من حجم التجارة من وإلى منطقة الشرق الأقصى. والقناة ككل الموارد الدائمية تمثل مصدرا مهما ومتجددا للعملات الصعبة حيث تمثل إيراداتها 5% من الدخل القومي لمصر، وقد بلغت إيراداتها منذ 2014-2015 حتى 2021-2022، 45.282 مليار دولار (ويكيبيديا).
في كانون الأول/ديسمبر الماضي صرح رئيس هيئة قناة السويس "أن فكرة الصندوق بدأت منذ عام 2019 مع توليه رئاسة هيئة قناة السويس، منوها أن السيسي سأله "أنت شايل كام على جنب؟"، وأجابه حينها بأن كل أموال الهيئة تذهب إلى موازنة الدولة، ووقتها تم اقتراح فكرة إنشاء الصندوق. وعن ميزانية صندوق هيئة قناة السويس قال 85% من دخل القناة يذهب إلى الموازنة العامة، ويتبقى 15% تذهب للأجور ومصاريف التشغيل، وفي نهاية العام كانت تتبقى أموال فائضة من بند المرتبات ومصاريف التشغيل وكانت تذهب أيضاً إلى موازنة الدولة، ولكن بعد إنشاء القانون ستذهب الأموال المتبقية إلى الصندوق لاستثمارها، أيضاً مبلغ التعويض الخاص بالسفينة إيفرجيفين ذهب أيضاً للصندوق، وأكد أنه لا يوجد أجانب في إدارة صندوق هيئة قناة السويس، لكن الصندوق من الممكن أن يقوم بعمل مشاريع بالمشاركة مع أجانب، ولكن النسبة الأكبر ستكون لهيئة قناة السويس، وبالتالي تكون الإدارة في يد الصندوق والهيئة". (روسيا اليوم 23/12/2022م).
ما نخلص إليه هنا هو أن فكرة الصناديق تم استحداثها لإخراج جزء من دخل الدولة إلى ميزانية خاصة وسرية بعيدا عن ميزانية الدولة، ووفق القانون لا يستطيع أحد الاطلاع عليها أو أخذها، الأمر الذي جعل لمصر 4 ميزانيات؛ واحدة عامة معلومة وإن كانت معلوماتها ليست محل ثقة، و3 ميزانيات سرية الجيش والصندوق السيادي والصناديق الخاصة ومنها صندوق قناة السويس. ولهذه الميزانيات الأربع أن تقترض ما تشاء دون أن تتحمل أعباء السداد فأعباء السداد تتحملها الميزانية العامة، أي تقتطع من قوت الشعب ثم يخرج علينا من يدعي أن الزيادة السكانية تلتهم التنمية وأننا نتصرف بلا مبالاة ودون تحمل للمسؤولية فننجب الأولاد ثم نطالبه بالإنفاق عليهم ويكأنه هو من يطعم أهل مصر حقا؟!
في ظل الرأسمالية توقع أي شيء، فالقوانين تصاغ على هوى الغرب وعملائه وبما يخدم مصالحه ويمكنه من الهيمنة على الموارد ونهب الثروات، وشركات الغرب تهيمن على كل موارد البلاد؛ على القناة وحقول الغاز والبترول ومناجم الذهب وغيرها بعقود ذات بنود سرية لا يعرف الناس عنها شيئا ولا يستطيعون الطعن فيها، فالغرب ليس بحاجة لتلك الصناديق أصلا وإنما هي وسيلة من الحكام لمزيد من النهب ومزيد من سهولة التصرف دون الحاجة حتى للرجوع للمجالس الشكلية المنتخبة أو المعينة، ناهيك عما سوف يوفره من حماية إذا تجرأت الشعوب وحاسبته.
إن الحل الوحيد والحقيقي الذي ينجي مصر من هيمنة الغرب وعملائه ومن دوامة النهب والتفريط المستمرين في الموارد والثروات هو تطبيق الإسلام الذي يقيد الحاكم بأحكام شرعية ملزمة له وللرعية، وما فيها من تقسيم للملكيات يحدد ما تتملكه الدولة وكيف تتصرف فيه، وما يمكن للأفراد تملكه، وأسباب التملك، وما هو من الملكية العامة التي لا يجوز تملكها لشركات أو أفراد أو شخصيات حقيقية أو اعتبارية، وهي الموارد الدائمية وشبه الدائمية ومنها قناة السويس وحقول النفط والغاز والمناجم، أي كل منابع تلك الموارد التي يهيمن الغرب عليها وينهب ما تدره من ثرواتنا، فالإسلام أوجب على الدولة أن تهيمن على تلك الموارد وأن تنتج هي الثروة منها وتعيد توزيعها على الناس جميعا على حد سواء لا فرق بين مسلم أو غير مسلم فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات.
هذا ينطبق في واقعه على قناة السويس وما تدره من دخل وعلى مناجم المعادن وحقول الغاز وآبار النفط فيجب أن تكون تحت إدارة الدولة بعيدا عن الشركات الأجنبية وغيرها، والتي يجب طردها من البلاد بشكل نهائي، كما لا يجوز أن تختص فئة من دون باقي الناس بشيء من الثروة التي يجب أن توزع جميعها على الرعية بشكل عادل، وهذا كله سهل يسير، إلا أن تحقيقه على وجهه يحتاج نظاما بديلا ودولة تطبقه، يحتاج الإسلام بأنظمته كاملة تطبق في ظل دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
أيها المخلصون في جيش الكنانة! إن واقع مصر وأهلها وما يعانون من شقاء لا يخفى عليكم، وإن النظام الذي يشتري صمتكم الآن سيضحي بكم إذا شارفت مركبته على الغرق، ولن تنفعكم أمواله التي يغدق بها عليكم ورتبه ومميزاته التي يمنحكم، ووالله إنها لسحت تجركم إلى جهنم فالفظوها والفظوا النظام معها لفظ النواة، وإنكم وإن كنتم طوق نجاة هذا النظام الآن فمن ينجيه وينجيكم من عذاب الله يوم القيامة وقد كنتم عونا له في حربه على الله ودينه وشرعه؟! وإن نجاتكم وبراءة ذمتكم هي في البراءة من هذا النظام ورجسه والانحياز لأمتكم في صراعها مع الغرب وعملائه من الحكام الخونة، ونصرة العاملين لتطبيق الإسلام وإقامة دولته التي تطبقه من جديد، فسارعوا فالأمر جد لا هزل فيه، ووالله لا نجاة لكم وللأمة إلا به، فمن للإسلام إن لم يكن أنتم ومن ينصره غيركم؟! ألا فلتبادروا عسى الله أن يغفر لكم ما قد سلف ويبدله حسنات وكرامات تكتب في سجلكم يوم تلقونه بنصرة تطبق الإسلام وتقيم دولته، والله ما قصرنا في النصح لكم وسنظل نخاطب نخوتكم ونستنصركم حتى يخرج من بينكم من يستجيب ويقول لبيك لبيك لبيك ويحمل راية رسول الله ﷺ بحقها فينتصر للأمة ويستعيد سلطانها من جديد، وستذكرون ما نقول لكم ونفوض أمرنا إلى الله.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر