- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الغرب وعملاؤه: رصد دائم للإسلام السياسي وحربٌ عليه وعلى جماعاته
(حزبُ التحرير مثالاً)
نشر موقع عربي 21 في 25 حزيران 2023 مقالة للباحث الأردني حسن أبو هنية بوصفه خبيراً بالحركات الإسلامية، عنوانها "أزمة الإسلام السياسي الراديكالي ونموذج حزب التحرير" ذهب فيها إلى أن الإسلام السياسي بكل توجهاته وأحزابه، سواء الديمقراطية أو الجهادية العسكرية، يعاني اليوم وبخاصة بعد الثورات العربية من ضغوط هائلة. وقال فيها: "إذا كانت أسباب أزمة الإسلام السياسي بشقيه الديمقراطي والعسكري ظاهرة وواضحة، فإن أسباب أزمة الإسلام السياسي الراديكالي الذي يمثله حزب التحرير الذي يقع في منزلة بين منزلتين من أوجه الإسلام السياسي؛ أشد التباساً وأكثر حيرة". وتحدث فيها عن نشأة الحزب ومؤسسه ومنهجه وأيديولوجيته ودستوره، وعن تركيزه على الخلافة وهيمنة فكرة الدولة الإسلامية على أعماله، وعن طلب النصرة، وعن أمرائه الذين تعاقبوا على قيادته، وصرامته في التقيد بمنهجه وموقفه من القتال واستعمال العنف.
وقال إنه يرفض المشاركة السياسية والديمقراطية، وإنه راديكالي ومحظور. وقد مرت مقالته على هذه الأمور بشكل خاطف، وكل ما ذكره فيها عن الحزب مكرر في كتب ومقالات تكاد لا تُحصى. وقد قال إنّ ثبات الحزب على مواقفه جعله محل ثقة وجاذبية. ثم ناقض نفسه وقال إنّ هذا الثبات تصلُّب وجمود يتناقض مع المرونة والبراغماتية، ويحول دون اقتناص الفرص الواقعية، وبخاصة إبان الثورات العربية وما توفر فيها من تحولات ديمقراطية. وأضاف أنّ هذا الأمر كان سبباً في خلافات وانشقاقات داخل الحزب، وخلص إلى أنّ حزب التحرير هو أكثر جماعات الإسلام السياسي معاناةً، بسبب أيديولوجيته. وقال: "هو اليوم يعاني من حالة من الجمود بسبب الحظر المفروض عليه والقيود القانونية والملاحقات الأمنية، وبسبب الخلافات والانشقاقات التي تسببت بها التحولات الديمقراطية والثورات الشعبية". وقال: "خلاصة القول إن حزب التحرير اليوم فقدَ جاذبيته وأصبح ظلاً لما كان عليه سابقاً، إذ بات يفتقر إلى مقتضيات التثقيف والتفاعل والكفاح السياسي... فقد شكلت التحولات الديمقراطية والانتفاضات الثورية لحزب التحرير تحديا وتهديدا أكثر من كونهما فرصة".
عنوان هذا المقال "أزمة الإسلام السياسي الراديكالي ونموذج حزب التحرير" لافت، ويُشعر بأن فيه ما قد يستحق الاعتبار أو البحث، وربما ارتقاء بالرأي والعمل. إلا أنه لم يكن جادَّ الطرح، وكان بعيداً عن الموضوعية والصدق، ما يُثير تساؤلات! والملاحظات عليه كثيرة سواء من حيث عبثيتُه وعدم الوقوف على أي جدوى منه للقارئ، أو من حيث استعراض أفكار حزب التحرير بشكل غير دقيق. وفي مقدمة هذه التساؤلات: لمن تكتب أيها الباحث؟ ولمن تقدم أوراق اعتمادك بهذه المقالة بل بهذا التقرير؟
فكثيرٌ مما استعرضه الكاتب حسن أبو هنية في هذه المقالة جاء بغير فائدة، وبلا أي مسوِّغ لعرضه أصلاً. فما المفيد الذي يقدمه للقارئ مثلاً بعرضٍ شديد الإيجاز عن نشأة الحزب ومؤسسه وطريقته وتوالي أمرائه، وعن رؤيته للخلافة أو وجود دستور للدولة عنده؟ وهو مما لا تفتأ تكرره مئات المقالات. وما علاقة هذا الأمر أو ضرورته بعنوان المقال أصلاً؟ أضف إلى ذلك أن الكاتب يتحدث عما يسميه أساسيات في منهج حزب التحرير، كطلب النصرة والطريقة، ويعرضها بما يبين افتقاره لدقة فهمها. ومن اللافت إقحامه لذاته بل تخيلاته في الموضوع ومحاكمة الحزب على أساسها، وكأنها مسلَّمات وهو القاضي! وهذا مع ما فيها من تناقض ونقض لما يعرضه هو نفسه في موضع آخر، كحديثه مثلاً عن عدم مرونة الحزب وعدم استغلاله فرصة الديمقراطية في الثورات العربية، وبالتالي وقوعه في خلافات داخلية وفقدان التأثير والجاذبية، مع أنه هو نفسه قال في فقرة سابقة إن ثبات الحزب على أفكاره وعدم تبديلها وفَّر له موثوقية وجاذبية. فبعد أن قال مثلاً: "لم يبدل حزب التحرير مواقفه بشأن القضايا الأساسية، حيث يرفض الحزب استخدام العنف لتحقيق أهداف محددة، ويرفض الحزب المشاركة السياسية ومبادئ الديمقراطية وأسس الليبرالية والاشتراكية. وقد وفّر هذا الثبات الأيديولوجي درجة عالية من الموثوقية مع مرور الوقت، وعزّز جاذبيته لشرائح محددة من المسلمين (معظمهم من المثقفين الشباب) في جميع أنحاء العالم"، ناقض نفسه وقال: "شكلت قضايا التحولات الديمقراطية والثورات الشعبية فرصة وتحدّياً لحزب التحرير، لكن الحزب تمسك بأيديولوجيته وافتقر إلى المرونة والقدرة على التكيف مع تحول السياقات السياسية والاجتماعية. فقد حافظ حزب التحرير على أيديولوجيته كجماعة إسلامية سياسية "راديكالية"، تنبذ المشاركة السياسية والتكيّف مع الديمقراطية، ورافضة للعمل القتالي الجهادي والانخراط في الثورات المسلحة".
وهذا واحد من أمثلة عدة تصدم القارئ المدقق، وتشكل ملاحظة بين ملاحظات تدفع إلى التساؤل المذكور آنفاً: لماذا يكتب هذا الكاتب؟ ولمن يكتب؟
فالمقال كثير الأخطاء وفيه تناقض. بل فيه أخطاء قطعية يعرِضها الكاتب وكأنها مسلمات فكرية في العمل السياسي، وذلك كفكرة المرونة في الأحكام الشرعية وقبول الديمقراطية والليبرالية. وفيه انتقاص من رؤية حزب التحرير وموقفه الثابت على عدم المساومة على الشرع، وعلى عدم اقتناص فرصة التحولات الديمقراطية التي زعمها الكاتب في الثورات، استغلتها جماعات أخرى حيث قال: "وهو ما أفسح المجال لظهور حركات إسلامية أكثر مرونة وبراغماتية كالإخوان المسلمين، أو جماعات أشد راديكالية وثورية قتالية كالسلفية الجهادية، وقد تراجع الحزب خلال السنوات التي أعقبت ثورات الربيع العربي". وهذا ما أدى - بزعمه - إلى خلافات داخلية في الحزب وانشقاقات بسبب تصلبه الأيديولوجي وطبيعته السياسية الراديكالية ونهجه الانقلابي وعدم ميله إلى الديمقراطية! فهل هذا الكلام مجرد خطأ أو وهم؟ أم وظيفة ودعاية مضادة؟ أم تفريغ مكنونات؟
وعليه، فإن هذا المقال ساقط منهجياً، لأنه يفتقر للموضوعية، وجُلُّه حشوٌ لا طائل منه. والقليل الذي يبقى منه بعد الحشو يخدم الأبحاث الغربية التي تستقصي عن الإسلام السياسي وجماعاته وعلى رأسها حزب التحرير. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يتم تناوله هنا؟ والجواب على ذلك هو أن ما تقدم عن هذا المقال ومضمونه هو للتأكيد على ما سيأتي عنه. وهو أنه ليس مقالاً يستهدف بيان رأي سياسي أو فكري يخدم المجتمع أو القارئ، وإنما هو تقرير أو جزء من تقرير أو دراسات ترعاها مراكز الدراسات الغربية بهدف محاربة الإسلام السياسي. وصاحب المقال حسن أبو هنية ذو باعٍ في هذا المشروع أو هذه الحرب على الإسلام. وفيما يلي بيان ذلك:
إن حجم الاهتمام الذي تبذله مراكز التفكير الغربية، ومئات الباحثين فيها، للوقوف على أفكار المسلمين ومواقفهم وردود أفعالهم تجاه كثير من الأحداث، والتحري الدؤوب عن ذلك لممّا يلفت النظر بشكل كبير. ويلاحَظ في هذا الصدد، العددُ الكبير لهذه المراكز في أمريكا والغرب، وتنوع اهتماماتها التي يأتي في مقدمتها الإسلام. كما يُلاحَظ التكرار في الدراسات التي تقدمها هذه المراكز. وبخاصة فيما يتعلق بالإسلام السياسي وجماعاته، وتفاعل المسلمين معها، ومدى تفاعلهم مع الأفكار الغربية، وقبولها أو رفضهم لها. وبناءً على ذلك تطلق توصيفاتها للجماعات والأفراد بالانفتاح والمرونة والاعتدال، أو الجمود والتطرف والإرهاب. وتقدِّم اقتراحاتٍ تستهدف إنجاح الغزو الفكري الغربي والتحويل الديمقراطي. ولذلك هي بحاجة إلى استقصاء دائم لمجتمعات المسلمين، ولمراكز وباحثين يرفعون إليهم التقارير. من هذه المراكز مثلاً مركز أمريكي اسمه "مشروع مكافحة التطرف"، موقعه www.counterextremism.com/، ويتبع له مشروع اسمه "عين على التطرف". ومركز آخر باسم "المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية"، موقعه .afpc.org/ ويقوم المركزان برصد الجماعات والتوجهات الإسلامية بشكل عالمي، ويصدران في ذلك تقارير على مدار الساعة، ويتشابه إنتاجهما في هذه الشؤون التي يتنافسان فيها. وقد أصدر المركز الأول تقريراً واسعاً عن حزب التحرير في حزيران 2018 بعد أن سبقه المركز الثاني بإصدار تقرير مماثل عن الحزب في نيسان من العام نفسه. ويقوم المركزان بتحديث مستمر لإصداراتهم عن الجماعات الإسلامية. وهناك مركز أوروبي اسمه "عين أوروبية على التطرف" موقعه eeradicalization.com/، ينصب اهتمامه على الإسلام السياسي وطروحاته وخطره. ومقالة الباحث حسن أبو هنية مقالة وظيفية تخدم هذه المراكز وحربها على الإسلام.
وقد لوحظ زيادة اهتمام هذه المراكز بجماعات الإسلام السياسي وأوضاعها بعد الثورات العربية، وبخاصةٍ في السنوات الثلاث الأخيرة. ولوحظ أيضاً تركيز اهتمامها على حزب التحرير بشكل خاص، والمقارنة بينه وبين الجماعات الأخرى. وذلك لأنه الوحيد بينها، باتفاق هذه الدراسات، الذي لم يغير أو يساوم أو يمدّ يداً للتلاقي مع أي دولة. ويرجع هذا الأمر إلى أن كل الجماعات الإسلامية ذات الوجود العابر للبلدان تعاملت مع الغرب أو مع عملائه، وعلى الأقل تم جرها إلى ذلك وتطويعها، ما جعل لدول الغرب نفوذاً عليها، ما عدا حزب التحرير الذي يصفونه بالتطرف والأصولية وأحياناً بأنه حزامٌ ناقلٌ للإرهاب. وقد شكل العجز عن تطويع حزب التحرير واستتباعه فشلاً للغرب ومشكلة يخشونها بسبب ما علموه من جدية مشروعه وسعيه لإنجاحه، ومن انتشاره وكونه عالمياً وتركيزه على الأمة ووحدتها وهويتها الإسلامية. وهذا وما استدعى اهتماماً خاصاً من مراكز الدراسات الغربية، وبخاصة بعد الذي شاهده الغرب خلال الثورات العربية من توجه إسلامي قوي عند الأمة للتغيير الإسلامي والوحدة والخلافة. وما تحتويه وتنشره المراكز والمواقع المذكورة آنفاً يؤكد هذا الأمر ويوثقه. ولم يكن آخر ذلك مثلاً تقرير من 23 صفحة للبريطانية الباحثة في الأمن الدولي والإرهاب أوليفيا مانغان، نشره موقع "عين أوروبية على التطرف" في 25 أيار 2023 عنوانه حزب التحرير و"حركة المهاجرون": تحليل للجماعات الإسلامية المتطرفة وعلاقتهم بالعنف. ومن ذلك مقالات وأبحاث ومحاضرات كثيرة للباحثة البريطانية إليسا أورفينو المشرفة الأكاديمية على برنامج ودراسات التطرف ومكافحة الإرهاب في معهد الدراسات الأمنية للمنطقة الشرقية في المملكة المتحدة، كمقالتها حزب التحرير: جماعة إسلامية متماسكة صمدت أمام اختبار الزمن نشرها الموقع نفسه في 31 أيار 2023. وكتاب لها بعنوان حزب التحرير والخلافة.. لماذا لا تزال الجماعة جذابةً للمسلمين في الغرب، أصدرته الباحثة سنة 2020، ولها مقابلات ومنشورات حوله، منها مقابلة عنوانها
حزب التحرير: نظرة متفحصة نشرها موقع "عين أوروبية على التطرف". وكل منشوراتها تحمل المعاني نفسها عن ثبات الحزب، وجاذبيته للمسلمين في الغرب بسبب مواقفه التي تعبر عما يعتمل في نفوس المسلمين. والتدقيق في هذه الإصدارات المتكاثرة مؤخراً يبين أن المراد منها التحذير من حزب التحرير وانتشاره لأنه غير قابل للاستتباع أو المساومة، وفي الوقت نفسه يؤثر في المسلمين وبخاصةٍ في الغرب.
إنَّ الشاهد في استعراض هذه الإصدارات عن حزب التحرير هو أن مقالة حسن أبو هنية تأتي في نفس سياق التحذير من حزب التحرير لكونه يختلف عن الجماعات الأخرى التي عندها قابلية الاستتباع للأنظمة العربية أو الغربية، ويمكن أن تساوم على أفكارها أو أهدافها. لذلك جاء يؤكد ما تضمنته وكررته مقالات ودراسات أوليفيا مانغان وإليسا أورفينو والمراكز المذكورة آنفاً، فيقول: "وعلى خلاف العديد من جماعات الإسلام السياسي الأخرى، لم يبدل حزب التحرير مواقفه بشأن القضايا الأساسية، حيث يرفض الحزب استخدام العنف لتحقيق أهداف محددة، ويرفض الحزب المشاركة السياسية ومبادئ الديمقراطية وأسس الليبرالية والاشتراكية". ويؤكدُ مثلهم أنّ: "حزب التحرير يرفض كافة التأويلات والتفسيرات حول الديمقراطية الإسلامية بصورة جذرية، وباعتبارهما مفهومين متناقضين تماماً، إذ تُعرّف الديمقراطية عند حزب التحرير باعتبارها أيديولوجية تقوم على العلمانية. وإذا كان نظام الخلافة والدولة الإسلامية يغاير ويتناقض مع الأيديولوجيات المنافسة للإسلام كالرأسمالية والاشتراكية، فإن ما ينبثق عن هذه الأيديولوجيات وفي مقدمتها الديمقراطية كنظام سياسي يعتبر نظام كفر، وهو من أخطر التحديات التي تواجه العالم الإسلامي". لذلك اندرجت هذه المقالة في استقصاءات الغرب عن الحزب بغية الوقوف على المزيد من أفكاره وأوضاعه وخصائصه، لعلهم يجدون سبيلاً إلى اللقاء معه. ولكن الكاتب لم يسكت على ما لا يروق لحكام البلاد وأجهزتها مما تكرره إليسا أورفينو عن جاذبية الحزب ونجاحه بالتعبير عما في نفوس المسلمين. لذلك حرص على نقض قولها، وختم بقوله: "خلاصة القول إن حزب التحرير اليوم فقدَ جاذبيته وأصبح ظلاً لما كان عليه سابقاً". والأغرب من ذلك قوله الذي يدرك خطلَه أدنى عارفٍ بالحزب، وهو: "فقد شكلت التحولات الديمقراطية والانتفاضات الثورية لحزب التحرير تحدياً وتهديداً أكثر من كونهما فرصة، وقد عصفت هذه التحولات بالحزب".
ومما يزيد ما تقدم تأكيداً أن حسن أبو هنية هو من المساهمين بأبحاث ونشاطات تستهدف القضاء على الإسلام السياسي وطيِّ صفحته، وقد شارك في مؤتمرين إقليميين عُقدا في عمان لهذا الغرض بالتعاون مع باحثين غربيين: مؤتمر "آفاق الإسلام السياسي في إقليم مضطرب، الإسلاميون وتحديات ما بعد الربيع العربي" في فندق كراون بلازا في 23 أيار 2017، ومؤتمر "ما بعد الإسلام السياسي: الشروط، السياقات والآفاق" في فندق لاند مارك يومَي 2-3 أيار 2018.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود عبد الهادي