الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لحظة غزة... لحظة عِزّة

 

في ساعات الرخاء تختلط وجوه المنافقین مع وجوه المخلصین، ویضیع الكاذبون بین الصادقین، فالكل یدلي بدلوه، فلا حساب على الكلام في ساعات الراحة، ولكن إذا ما لمعت السیوف، واشتدت الخطوب، وبلغت القلوب الحناجر، رأیت غیوم النفاق تنجلي وتفصح الوجوه عن أصلها، فتخمدُ رؤوس النفاق وتعلو أصوات الصادقین مجلجلة مدویة لا تخاف صولة الباطل ولا تخشى عقاب الظالمین...

 

لقد میزت حرب غزة الناس إلى فسطاطین؛ فسطاط منافقین خانعین من حكام مأجورین ومن فحولهم من مطبلین وإعلامیین مردوا على النفاق، وفسطاط أبناء الأمة الصادقین الذین خرجوا لنصرة أهلهم وإخوانهم في فلسطین على الرغم من أن من یملك نصرة أهل غزة هم الجیوش والعروش القابعة على رقاب الناس، إلا أنها كانت كالخشب المسندة بل ترفض أن تُستثار من أبناء الأمة لأن الأمر لديها "ممنوع التدخل"!

 

لقد میزت هذه الحرارة المرتفعة على أرض غزة معادن الناس، تماما كما یصنع صائغ الذهب حین یفتن الذهب عن شوائبه لیبقى المعدن الصافي، لقد أذابت هذه الأزمة شوائب الأمة وخبثها وغثاءها وظهر معدنها الأصیل وجوهرها الثمین، جوهر الإیمان وعقیدته الراسخة في نفوسهم وقلوبهم.

 

إن هذه اللحظات التي نعیشها الیوم هي لحظات مفصلیة في تاریخ الأمة، لحظة أكدت حقیقة أن دولة يهود هي دولة من ورق، وفزاعة هواء، هز أركانَها ثلةٌ من الشباب المخلص، سقطت على أیديهم مقولة "الجیش الذي لا یقهر"، و"رابع قوة في العالم"، وتكنولوجیا واستخبارات وبهرجات! بل سقطت معها هيبة الدولة "الأولى" في العالم (أمریكا)، الراعي لدولة يهود، في مشهد أشبه ما یكون بسحرة فرعون عندما تلقفت الأفعى (الحقیقیة) حبالهم وعصيّهم الزائفة...

 

نعم أسقط في ید الكیان المسخ المنتفخ، أسقط في ید الغرب كله عندما رأى شعوذته تنهار أمام رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فبان عوار الكاذبین.

 

إن لحظة غزة هي محطة جدیدة من محطات تحرر الأمة، وخطوة جدیدة نحو وصولها إلى محطتها الأخیرة؛ محطة الوحدة الكاملة، والسیادة الشاملة تحت لواء حاكم مسلم عادل صادق، یعید للأمة عزتها وقوتها التي فقدتها منذ عقود.

 

لقد كان الربیع العربي نقطة تحول في وعي الأمة، حیث انكسر حاجز الخوف من الأنظمة الظالمة العمیلة التي سامت الناس سوء العذاب على مدى عقود، فجاءت حركة الناس لتكسر حاجز الخوف ویخرج الناس بكل علو وسفور مطالبین بسقوط أنظمة الظلم والفساد.

 

أما الیوم فهذه محطة جدیدة على طریق نصر الأمة، لحظة سقوط هيبة الكیان الغاصب لفلسطین، وسقوط هيبة أعوانه من الغرب، فظهرت للناس تفاهة وضآلة هذا النظام الكرتوني، لحظة صدق من ثلة من الشباب المسلم أظهرت هشاشة الكیان الغاشم، وهشاشة الغرب وعدته وعتاده وشعوذاته وإعلامه، وبینت للأمة أن هذا الكیان یمكن أن یزول بجیش مسلم مخلص بسیط لو وجد القیادة المخلصة والعقیدة السلیمة.

 

لحظة غزة، كشفت للعالم كله نفاق الأنظمة الغربیة وكذبها وكیلها بمكیال الباطل، فراحت تدفع كذبها بكذب أكبر منه، فصارت كمن یطفئ النار بالنار، فانتفخ سحرها وبان عوارها وردّ كیدها إلى نحرها بفضل الله.

 

لحظة غزة، أظهرت معدنا أصیلا لأمة الإسلام عامة، وأهل غزة خاصة، أولئك الذین صدقوا عهد الله وصبروا على البلاء، والله لا یضیع أجر المحسنین. وما هذا الامتحان إلا دلیل على محبة الله لهم، قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلَاهُمْ»، عسى الله أن یحتسب من قتل منهم شهداء عنده، ویرفعهم درجات في علیین.

 

جزى الله أهل غزة خیر الجزاء، وأثابهم على صبرهم وبلواهم، جزى الله أهل غزة كل خیر أن كشف صبرُهم نفاقَ المنافقین، وخزيَ المبطلین، وصدقَ الصادقین.

 

جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ *** وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُنِي بِرِیقِي

وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْداً وَلَكِنْ *** عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِیقِي

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خالد علي – أمریكا

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع