- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حجج التخاذل عن نصرة غزة
هل قادة الجيوش والحكام اليوم محقون في حججهم؟!
التخاذل عن نصرة قضايا المسلمين من قادة الجيوش والحكام عادة ما تكون له أسباب متعددة، منها:
أولا: الخوف؛ فقد يكونون جبناء ليسوا أهلا لقيادة الناس والجيش.
ثانيا: حب الدنيا وكراهية الموت؛ فيكونون غير مستعدين للتضحية لأنهم التفتوا إلى متع الدنيا وشهواتها ونسوا الآخرة.
ثالثا: أن يكونوا عملاء وخونة أصلا جاؤوا للحكم أو لقيادة الجيش عبر تأثير خارجي؛ رشاوى أو مستعمرين أو خداع أو اغتصاب للسلطة.
رابعا: أن يكونوا كفاراً أصلا وموالين للمستعمرين وحريصين على خذلان أمتهم وتركيعها لأعدائها لأن هذا واجبهم وهذا هو عملهم.
خامسا: هم حكام جيدون فعلا ويحكمون بالإسلام ولكنهم غير قادرين يخشون من أن تتحول البلاد إلى دمار إذا هم نصروا قضايا المسلمين الملحة، وبحاجة لوقت أطول للتجهيز والتحضير.
أما بالنسبة للحكام وقادة الجيوش في النقطة الخامسة وهم الحكام وقادة الجيوش المسلمون والشجعان والحريصون على أمتهم والذين يحكمون بالإسلام ولكن قدرتهم غير كافية على نصرة إخوتهم المضطهدين والمحتلين، فهؤلاء قد يعذرون لأن الكفاية لم تتحقق في بلادهم وجيشهم وعتادهم لنصرة إخوتهم المظلومين، وقد حدث هذا في التاريخ الإسلامي وتأخرت نصرة المظلومين بسبب ضعف المسلمين أمام تكالب الأعداء عليهم. ولكن قادة الجيوش والحكام هؤلاء غير موجودين الآن، لأنه لا يوجد اليوم حاكم مسلم يطبق أحكام الشرع وحريص على أمته، فواقع اليوم أنه لا توجد خلافة سواء أكانت قوية أو ضعيفة، فلا يوجد حكم بالإسلام ولا يوجد خليفة أصلا. ولذا فهذه النقطة ليست محل بحث الآن.
أما بالنسبة للحكام وقادة الجيوش في النقاط الأربع الأخرى، فهم الموجودون في واقعنا اليوم، أي واقع ما بعد هدم الخلافة العثمانية، أي واقع الحكم بغير ما أنزل الله من أحكام الكفر ودساتيرها. فالحكام جميعهم اليوم لا يحكمون بالإسلام وقادة الجيوش ليسوا معنيين أصلا بالإسلام كنظام شرعي سياسي يتحكم بالأمور. وهؤلاء على أحسن تقدير هم مسلمون علمانيون ليس لهم علاقة بالإسلام بصفته السياسية أو التشريعية، وإنما يتبعون الكفار ودساتير الكفر التي في بلادهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولذا ليست لهم روابط وعلاقة فكرية أو ثقافية بشعوبهم وأمتهم، فهم إما أعداء للأمة والشعوب أو هم بأحسن تقدير ليس لهم أي انتماء للأمة وشرعها وثقافتها وتاريخها.
وهؤلاء إما أنهم اغتصبوا السلطان في بلادنا بأنفسهم وتمردوا على دولة الخلافة العثمانية قبل هدمها أمثال العائلة الهاشمية في الأردن وآل سعود في بلاد الحرمين، وإما أنهم أُتي بهم للحكم بعد هدم دولة الخلافة وتمزيقها لكيانات صغيرة قطرية وطنية وعُينوا رؤساء وملوكاً عليها بعد حروب استقلال وهمية أخرج المستعمرون فيها جيوشهم من بلادنا وأبقوا حكاما وملوكا تابعين لهم يخدمون مصالحهم فيها ويرسخون تبعية شعوبها للمستعمرين ويرسخون الشرذمة والفرقة والتنافر بين شعوب المسلمين.
وبعد هذا التفصيل والسرد السريع لواقع حكامنا وقادة الجيوش يمكن فهم عدم تحركهم لنصرة غزة رغم ما مر عليها من ويلات وكوارث، ورغم ما حصل ويحصل من مجازر ومذابح تشيب من هولها الولدان، فهؤلاء لا يحكمون بالإسلام - وإن ادعى بعضهم ذلك زورا وبهتانا - وهم لا يشعرون بأنهم ملزمون بنصرة غزة أو تحرير فلسطين، فهذا الأمر ليس من اختصاصهم وليس من صلاحياتهم وليس في جدول أعمالهم، بل هم أصلا موجودون لأجل إبعاد المسلمين عن دينهم وترسيخ فرقتهم وشرذمتهم وتركيعهم للمستعمرين الحقيقيين الذين يقفون خلفهم منذ هدم الخلافة العثمانية عام 1924م.
وهذا السرد ليس هدفه بث اليأس في الشعوب بالنسبة لموضوع نصرة غزة، وإنما هو لبيان العدو الحقيقي الذي يقف كسد منيع بين المسلمين ونصرتهم لغزة؛ إنهم هؤلاء الحكام وتلك الأنظمة القائمة في بلادنا الإسلامية التي يدين فيها الحكام وقادة الجيوش لدول الغرب الاستعمارية أمريكا وبريطانيا وفرنسا. وهؤلاء يحمون كيان يهود ويحرصون على بقائها ويسعون للتطبيع معها بأمر من أسيادهم المستعمرين لبلادنا والناهبين لثرواتنا والمذلين لشعوبنا.
ولذا كان هناك فرق وتناقض وتضارب بين ما تريده الشعوب وما يريده الحكام وقادة الجيوش، فشعوبنا وأمتنا تريد تحرير فلسطين بينما هؤلاء يريدون حماية كيان يهود، شعوبنا تريد الحكم بالإسلام والوحدة وهؤلاء يريدون الحكم بدساتير المستعمرين وترسيخ الفرقة والتشرذم والذل لشعوبهم. إلا أن هؤلاء الحكام وقادة الجيوش لا يصرحون بهذه الأهداف، بل يصرحون بأهداف أخرى لتضليل الشعوب؛ وهي أنهم يريدون الوحدة ويريدون تطبيق الإسلام ويريدون عون غزة ولكن لا يستطيعون ويخشون تقسيم البلاد أكثر وأكثر، ويخشون بطش النظام الدولي ويخشون على الشعوب والأوطان، وغيرها من الأهداف المعلنة ضحكاً على الشعوب وتضليلا لها عن أهدافهم غير المعلنة.
وخلاصة القول: إن الشعوب الإسلامية هي أمة واحدة يبلغ تعدادها قرابة ملياري مسلم، وثرواتها عظيمة وقدراتها كبيرة لو اجتمعت، وهي قادرة على تحرير فلسطين وتغيير حالنا واقتصادنا لأفضل حال، ولكن الذي يمنعها من نصرة غزة وتحرير فلسطين وتغيير حالنا هم الحكام الذين يدينون بالولاء للغرب ويعملون لحماية كيان يهود. وما لم تتحرك شعوبنا لقلع هؤلاء الحكام وأنظمتهم ودساتيرهم فسيبقى كيان يهود يحتل فلسطين ويذيق أهلنا فيها الأمرين.
إن على الضباط المخلصين وأجناد المسلمين أن يعصوا حكامهم وقادة جيوشهم ويتحركوا لنصرة أهلنا في غزة، ولا يغتروا بتلك الحجج والمخاوف، فكلها حجج يعلنونها ليخفوا حقيقة دعمهم لكيان يهود والمستعمرين. ولا بد للشعوب المسلمة أن تتحرك بوعي وبصورة مركزة لتحرير البلاد وجيوشها من سيطرة هـؤلاء الحكام وقادة الجيوش والمستعمرين من خلفهم.
ولا بد أن يقوم العلماء والدعاة بدورهم بفتح أعين الشعوب وتوعيتها على الأهداف المبطنة للحكام، ولا بد من دعوتهم الشعوب للثورة على حكامها وأنظمتهم، ولا بد من أن يدعوا الضباط والأجناد لعصيان الحكام وقادة جيوشهم ليس فقط لنصرة غزة وإنما للخلاص من المستعمرين.
ولا بد للأحزاب والجماعات أن توحد الخطاب لتحرك جماعي رغم اختلافها وتنوع جداول أعمالها. لا بد لكل حزب وجماعة أن تشكل فريق أزمة يتصرف ويتحرك مع نظرائه في الأحزاب والنقابات للتحرك وتوحيد الخطاب والأعمال وقت الأزمات كأزمة غزة اليوم. لا بد أن نتحرك بوعي ونترك العشوائية والارتجالية.
فهناك هدفان يراد تحقيقهما؛ الأول مُلحّ وهو نصرة غزة وإجبار هؤلاء الحكام وقادة الجيوش على التحرك للضغط على أسيادهم المستعمرين لإيقاف مجازر كيان يهود. وأما الهدف الآخر فهو العمل لإزالة هؤلاء الحكام وقادة الجيوش وتحرير البلاد والعباد من ربقة المستعمرين. ولا بد أن يتفق الجميع الآن على الأقل على الهدف الملح والعاجل وهو نصرة غزة وإيقاف كيان يهود عند حده وإجبار المستعمرين على كبح جماحه.
وبعد الخلاص من هذا الهدف الملح لا بد للجميع من النظر والتدبر والتحرك لتحقيق الهدف المهم بالخلاص من استعباد المستعمرين لبلادنا بتخليصها من الحكام وقادة الجيوش التابعين لهم.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح