الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تونس... الخُطا الحثيثة نحو وأد الثّورة، فهل ينجحون؟

 

انطلقت من تونس ثورة عارمة أطاحت ببن علي، وكانت بحقّ ثورة على النّظام، إذ لم تهدأ بمجرّد رحيل بن علي وواصل النّاس ثورتهم على بقايا نظام بن علي، وصار بنيان المستعمر الذي أسّسه منذ أكثر من قرن من الزّمان يتهاوى وينذر بالانهيار، ولهذا جيء بحركة النّهضة وقياداتها من المنفى البريطاني، من أجل إطفاء جذوة الثّورة، أو التّخفيف منها على الأقلّ:

 

1- استطاعت حركة النّهضة أن تفوز في أوّل انتخابات (انتخابات المجلس التّأسيسيّ، تشرين الأول/أكتوبر 2011)، وحينها انتخبها النّاس لسبب وحيد وهي أنّها حزب إسلاميّ وأنّ قياداته ممن يخافون الله، وتصاعدت المطالبات في الشّارع بتطبيق الشّريعة الإسلاميّة، لكنّ الحركة خذلت النّاس، وبدأ الأمر بكلام راشد الغنّوشي في 2012 أنّ مسألة الشّريعة في تونس مسألة خلافيّة وأنّ الدّعوة إلى تطبيقها وحده سيُحدثُ فتنة!

 

2- ثمّ كان مؤتمر الحركة العاشر الذي حسم مسألة تطبيق الإسلام، بل مسألة إسلاميّة الحركة التي أعلنت صراحة فصل الدّينيّ عن السّياسيّ!

 

3- تحالفت الحركة مع حزب نداء تونس، الحزب الذي يُمثّل الحرس القديم (جماعة بن علي)، وسارت الحركة وقياديّوها يعلنون في كلّ مرة أنّهم ليسوا حزبا إسلاميّا، وكلّ ذلك إرضاء للعلمانيين وتطمينا للغربيين!

 

4- وجعلوا بتحالفاتهم الآثمة تونس تحت الوصاية الأجنبيّة المباشرة، الأمر الذي صار يعرفه الجميع في تونس، وهذا الأمر أوجد خيبة واسعة لدى كلّ النّاس حتّى ما صرت تسمع إلّا انتقاد السّياسيين حكاما ومعارضة، وتصاعد النقد إلى الدّعوة إلى إزاحتهم جميعا.

 

هكذا مرّ ما يقرب من عشر سنوات والثّورة لا تهدأ، وتزداد خيبة الوسط السّياسيّ وعلى رأسهم حركة النّهضة، وينكشف عجزه عن قيادة النّاس أو تهدئتهم، وبان أنّ هذا الوسط السّياسي ضعيف مضعضع الأركان (إن كان له من أركان)، آيل إلى السّقوط وأنّ في الأفق ثورة لن تُبقي ولن تذر، خاصّة وأنّ الأمر تزامن مع اشتعال الأحداث في الجزائر فالسّودان.

 

فجيء بقيس سعيّد (وهو في الأصل أستاذ قانون دستوريّ، من خارج الوسط السّياسيّ التّقليديّ)، ليواصل المهمّة التي فشلت فيها حركة النّهضة (قتل الثّورة، وإنهاء أمرها) وسار في خطوات:

 

1- نأى بنفسه عن البرلمان والأحزاب السّياسيّة، التي استهلكت نفسها وازدادت تآكلا بمن فيهم حركة النّهضة.

 

2- تجميد البرلمان ثمّ تعليق العمل بالدّستور، ثمّ حلّ البرلمان وتغيير الدّستور، ليضع كلّ الصّلاحيّات في يده.

 

ولسائل أن يسأل: كيف تمكّن قيس سعيّد من إزاحة الوسط السّياسي القديم؟ وما هي القوّة التي تقف وراءه خاصّة إذا علمنا أنّ تونس يهيمن عليها المستعمر؟

 

وللجواب على ذلك نقول:

 

1- قيس سعيّد دعمته فرنسا، وبمساعدتها تمكّن من السّير في خطواته الانقلابيّة.

 

2- ضعف الأحزاب السّياسيّة وعلى رأسهم النّهضة، وعجزهم عن وقف المدّ الثّوري، بل كانوا أحيانا هم السّبب في بقاء جمرة الثّورة مشتعلة.

 

3- ولهذا يبدو أنّ البريطانيين تركوا لقيس سعيّد أن يُكمل المهمّة عنهم إذ لا بديل لهم عن حركة النّهضة وزعيمها، وكانوا قد خسروا من قبل "الباجي قايد السّبسي" ولا بديل له عندهم، ولم يكن وصول قيس سعيّد أو تدابيرُه الاستثنائيّة ممّا يُخرِجُ تونس عن دائرة سيطرتهم، خاصّة إذا علمنا أنّ قيس سعيّد ليس بالشّخص الذي يملك نفوذا سابقا في تونس حتّى يُخشى منه، ولم يسر قيس في إيجاد وسط سياسيّ بديل يكون حزام أمان له، فالمناصرون للرئيس شأنهم شأن الأحزاب التّقليديّة، لا وزن لهم عند النّاس ولا يوجد مؤشّرات أن سيكون لهم من وزن، إضافة إلى غرق الرئيس في مشاكل لا حدّ لها، وهو لا يقوى على تجاوزها ولا يملك تجاهها إلّا خطاباً "ثوريّا" إنشائيّا، صار مثار سخرية النّاس.

 

والحاصل أنّنا أمام وسط سياسيّ (رئيسا ومعارضة) ضعيف هزيل بل هو أقرب إلى الموت السّريريّ وما من بديل، ما جعل السّاحة السّياسيّة فارغة لا قيادة واضحة فيها، وحتّى اتّحاد الشّغل الذي طالما اعتُبر قوّة يمكنها تحريك الشّارع وقيادته، آل أمره إلى الضعف والهزال، حتّى صار منتسبوه ينتقدونه علنا ويرفضون السّير وراء قياداته الحاليّة، ما جعل السّاحة السّياسيّة في تونس فارغة من قيادات تجمع النّاس وتقودهم. فالاحتجاجات ازدادت تشتّتا وتشرذما، كلّ يغنّي على ليلاه، ثمّ إنّ هذه الاحتجاجات المتفرّقة لا تأتي بنتائج، ما ولّد وضعا مأزوما وانسداد أفق مقصوداً منه تيئيس النّاس ومن في صدره بقيّة من ثورة.

 

ويبدو أنّ هذا الوضع المائع، ناسب المستعمر بكلّ أطيافه (من هو وراء الرئيس ومن يتحكّم في الإدارة والأمن)، فنرى أنّ الطّريق ممهّدة للرئيس يفعل ما يشاء رغم عجزه عن توفير أبسط حاجات النّاس الضّروريّة من خبز وماء وكهرباء...

 

ولا خوف عند المستعمر إلّا من قيادة جديدة قد تظهر بين النّاس وتخرج الأمور عن السّيطرة، وهذه القيادة ليست إلّا حزب التّحرير وشبابه، ولذلك رأينا في الأشهر الأخيرة محاصرة لحركة النّهضة وسجن قياداتها التّاريخيّة (الغنّوشي، علي العريّض، عبد الحميد الجلاصي...) ثمّ بداية المحاكمات، فحوكم الغنّوشي بالسّجن مرّتين، ثمّ تمّ تحريك ملفّ اغتيال شكري بلعيد والبراهمي ضدّ الحركة، ويبدو أنّ الاتّجاه يسير نحو توريطهم وإدانتهم بالاغتيال، كلّ هذا تمهيدا لحلّ الحركة باعتبارها حركة إسلاميّة خطرة، ومن ثمّ المرور إلى حظر حزب التّحرير باعتباره حزبا إسلاميّا، ولن يُعدم المستعمر سيناريوهات وتعلّات لحظره، وهو المقصود أساسا حتّى لا يعطى الفُرصة في أخذ قيادة السّاحة السّياسيّة الفارغة فراغا غير مسبوق مع انعدام البديل العلماني أو اليساريّ.

 

هكذا يتبيّن أنّ الصّراع اليوم صار واضحاً طرفاه، العدوّ المستعمر ويمثّله أوروبا (بريطانيا وفرنسا) وأمريكا، وحزب التّحرير باعتباره الممثّل الفعلي والحقيقي للمسلمين لا في تونس فحسب بل في كلّ العالم، ويبدو أنّ هذا الصّراع دخل طوره الأخير، من ذلك ما رأيناه من بريطانيا التي حظرت الحزب وبدأت تشنّ حربا على إعلاميّاته تضييقا ومنعا من أن يصل صوته للنّاس. وهو أمر لن يكون منحصرا في بريطانيا بل نرى أنّه سيتعدّى إلى باقي المناطق خاصّة التي يتحرّك فيها الحزب بشيء من "الحريّة".

 

والخلاصة أنّ الصّراع اليوم في تونس صار مباشرا، من المسافة صفر، بين الأمّة بقيادة حزب التّحرير والعدوّ المستعمر، ولم يعد العملاء حكّاما أو أحزابا أو منظّمات إلّا مجرّد أدوات مهترئة، لن تقدر بإذن الله أن تقف أمام دعوة الحزب وشبابه، فليس إلّا الصّبر والمجاهدة والمثابرة فإنّ هذه الدّعوة منصورة بإذن الله، ولقد علمنا من كتاب الله العزيز أنّ الله ناصر عباده وأنّ علامة النّصر أن يتميّز الحقّ من الباطل وأن يتباين الفريقان، فإن تباينا كما هو حاصل اليوم، فلم يبق إلّا النّصر من الله العزيز القويّ.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد الناصر شويخة

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع