- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ترتيب أوراق الصراع بين الأمة الإسلامية وأعدائها الحقيقيين
إن المتابع لما يحدث الآن في غزة وما يحدث في الشام منذ ما يزيد عن عقد من الزمان يرى بوضوح أن الأحداث الدولية والإقليمية والمحلية قد أعادت ترتيب أوراق الصراع بيننا كأمة إسلامية وبين الغرب الكافر بقيادة النظام الرأسمالي الاستعماري، فقد تحول الصراع الخفي إلى علني، وتصدر الغرب الصراع ضد الشعوب العربية والإسلامية وصارت سياسة كسر عظم يقودها الغرب بنفسه هي السياسة المناهضة، فلم تعد الأنظمة الموجودة في بلادنا هي من تقود الصراع ضد الشعوب بل تراجعت لتقف وراء العدو الحقيقي الغربي وتعينه بما تستطيع ولكن الغرب عاد ليقود الصراع بنفسه من جديد وبصورة علنية (نحكمكم أو نقتلكم)، (تخضعون أو تعدمون).
لقد أصبحت تصريحات الساسة الغربيين مباشرة ومحددة دون مواربة ولا مناورة ولا موادعة، بل بكل صراحة ويفهمها العوام والسذج، كنا نقول في الماضي لسان حالهم مفاده، أما الآن فإنهم يصرحون ويقولون بحالهم ولسانهم أننا نحن الغرب ويهود والأنظمة في كفة والأمة الإسلامية في كفة أخرى. فالشيء الأهم في هذا الصراع أنه عاد من جديد بيننا (كمسلمين) وبين الغرب الكافر المستعمر بشكل مباشر دون وسيط (الدكتاتور الحاكم).
فعندما خرج الثوار ضد المجرم بشار في سوريا خرجت روسيا لعون النظام بكل وضوح ودون مواربة، بدفع من أمريكا، وحملت روسيا معظم الجرائم التي ارتكبت هناك. ثم جاءت الحرب في غزة لتسقط آخر قناع ولتبين السيد الحقيقي الذي يقف وراء كل شيء ووراء الصراع بين الأمة وعدوها الحقيقي الغرب الكافر بقيادة أمريكا ومعها الإنجليز والفرنسيون...
فالشام وغزة الآن أعادا ترتيب أوراق الصراع وأولوياته بين الأمة وأعدائها الحقيقيين. فكيان يهود وإن كان عدوا حقيقيا للأمة الإسلامية إلا أنه أداة بيد الغرب الكافر المستعمر، والحكام والأنظمة في بلاد المسلمين وإن كانوا هم من يخنق الشعوب الإسلامية بصورة يومية ويمزقها ويفرقها إلا أنهم أداة أيضا، لأن الذي يدير الصراع الحقيقي ويضع السياسات ويخوض الحروب ويضع استراتيجيات تركيع المسلمين وإبقائهم تحت السيطرة هم الغرب بقيادة أمريكا، يعني أن الصراع اتضح للأمة بكل فئاتها من جديد، إنه صراع بين مسلمين وكافرين، أي هو الصراع التقليدي الأصيل عبر العصور.
لقد سقطت كل الأقنعة باعتراف المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، فبالأمس يرد سيناتور في أمريكا على صحفي بكل وضوح ويقول نحن كنا وما زلنا ندعم (إسرائيل) وسنبقى معها، فيسأله الصحفي: والفلسطينيون والمدنيون؟ فرد عليه السيناتور وداعا للفلسطينيين.
إن نهاية هذا الفصل في صراعنا مع المستعمرين بصورة مباشرة سيكون مؤلما ومخضبا بدماء المسلمين، وإن ما يحدث في غزة وما حدث ويحدث في الشام هو خير دليل على ذلك، ولكن للأسف فإن لكل شيء ضريبة يجب أن تدفع، وإن أول خطوات النصر تبدأ بتمييز العدو الحقيقي الذي يقف وراء الويلات والمصائب التي أصابت أمة الإسلام منذ ما يزيد عن قرن من الزمان. الصراع عاد واتضح وبان بين الأمة من جهة وبين الغرب الكافر من جهة أخرى وكان لا بد من دفع ثمن الوعي وثمن إبراز العدو الحقيقي. الغرب وأدواته من يهود وحكام المسلمين وهيئة الأمم ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والشرعة الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد كلها أدوات الغرب للسيطرة على أمة الإسلام وتركيعها وإبقائها تحت هيمنة الدول الكبرى المستعمرة بقيادة أمريكا.
هذا الوعي وإن كان مكلفا جدا وثمنه بحار من الدماء التي سفكت وستسفك للأسف، إلا أن بداية النصر تكون بتمييز العدو ومعرفته وإزالة كل الشبهات عنه حتى يتبلور الصراع معه وحتى تركز الآليات والطاقات والجهود نحو هذا العدو الحقيقي ونحو كل أدواته وأذرعه. فالثمن وإن كان مريرا ومكلفا إلا أن الأمة ولأول مرة تدفع ثمنا كبيرا ولكن مقابل أن تعي أمراً مهما وليس أثماناً في مهب الريح، بفضل الله ومنته، ولذا كانت هذه الأثمان التي دفعها المسلمون في الشام ويدفعها المسلمون في غزة هي أثمان باهظة ولكنها ليست دون مقابل.
وصدق الشاعر إذ قال:
دعي شَفَراتِ سُيوفِ الطُّغاةِ *** تُطَبِّقُ منكِ على الْمَقطعِ
فأنشودةُ المجد ما وُقِّعَت *** على غير أَوْرِدَةٍ قُطّعِ
وخلي النفوسَ العِذابَ الصلاب *** تَسيل على الأَسَل الشُّرَّعِ
فساريةُ العلمِ المستقلِّ *** بغير يدِ الموتِ لم تُرفعِ
وإن كانت هذه القصيدة قد قيلت في الجزائر وتحررها من استعمار فرنسا لها، إلا أن مسلمي الجزائر قد استبدلوا بالاستعمار الفرنسي أدواته الذين حلوا مكانه بعد مغادرته، فحكم الجزائر بعد ذهاب فرنسا أذرعها وأيديها، ثم حل أدوات الإنجليز محل أدوات فرنسا لما ضعفت، هذا هو الحال في الجزائر وغيرها من بلاد المسلمين، استبدال الاستعمار بأدواته أو باستعمار آخر.
أما الآن وبعد تجلي المستعمرين والأعداء من جديد فإن ما يتوجب علينا عمله كأمة إسلامية هو أن نخطو الخطوة التالية الواعية وهي الخطوة نحو وحدتنا السياسية الحقيقية، فلا تكفي الوحدة الروحية العقدية، بل لا بد أن تترجم هذه الوحدة العقدية بوحدة سياسية تهدم الحدود والعروش وتوحد الشعوب والطاقات والمقدرات في دولة عز وفي خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة قادمة قريبة بإذن الله.
ولذا فإن كانت الخطوة الأولى في طريق نصرنا وعزنا ووعينا قد تمت بحمد الله بتجلي العدو ومعرفته وتحديده، فيبقى الآن أن تتحرك الشعوب الإسلامية حركة واعية لاستعادة وحدتنا السياسية لكي تتم قيادة الصراع بوصفنا أمة واحدة ضد الغرب الرأسمالي المستعمر كما يتوجب وبالمستوى والوعي المطلوبين فلا تهدر الطاقات في صراعات طائفية وقوميات ووطنيات مقيتة وعداءات تافهة وسخيفة وممزقة وموهنة للأمة ومبددة لثرواتها ومقدراتها وطاقاتها.
وبالمناسبة هذا الأمر وهذا الوعي هو ما صلح به أمر المسلمين في بداية التشريع الإسلامي عندما قامت أول دولة إسلامية على الأرض في المدينة المنورة وكان قائدها رسول الله ﷺ. فقد وضع ﷺ أول دستور للمسلمين في وثيقة المدينة لما أقام الدولة هناك حيث حدد أن أساس التابعية في الدولة بين المسلمين الإسلام والإيمان. قال ﷺ: «... وَإِنَّ ذِمَّةَ اللهِ وَاحِدَةٌ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ مَوَالِي بَعْضٍ دُونَ النَّاسِ... وَإِنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ، لَا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ».
أليست هذه الوثيقة السياسية وهذه الوحدة السياسية التي تضمنتها ونصت عليها هي ما نحتاجه للصراع اليوم؟ وهل استطاع المسلمون الأوائل هزيمة الفرس والروم بدون تلك الوثيقة وبدون تلك الوحدة السياسية التي كان أساسها العقيدة الإسلامية؟ وهل سنستطيع اليوم قيادة الصراع مع الغرب المستعمر دون أن يكون لنا دولة تحكم بالإسلام؟
لا بد أن نتوجه بكل طاقاتنا وكل فئاتنا من مفكرين وعلماء وأحزاب ونقابات لترسيخ وحدة الشعوب الإسلامية في دولة واحدة ووحدة سياسية وإلا فإن المستعمرين اليوم الذين باتوا واضحين جليين لنا قد يعيدون الكرة باستبدال أنفسهم بأداة جديدة يختفون وراءها من جديد كما اختبأوا وراء عبد الناصر من قبل وأردوغان من بعد. لا بد من دولة تملك قرارها لقيادة الصراع مع قادة الصراع الغربيين وهذه الدولة لا بد أن يكون أساسها الإسلام، فالإسلام وحده الذي يستطيع توحيدنا وجمع شملنا. قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وقال عمر بن الخطاب هادم الإمبراطوريات وفاتح القدس: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره، أذلنا الله".
اللهم هيئ بنصرك لأهلنا في غزة والشام وكل بلاد المسلمين، وعجل لنا بخلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة تحمينا وتعزنا فيها وتحرر بلاد المسلمين بها وتقودنا بها من خير إلى خير ومن نصر إلى نصر. اللهم آمين
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح