- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أهل غزة الأبرار نبراس يُقتدى ويُهتدى بهم
أصبح أهل غزة قبلة للعالمين ومحط إعجاب بثباتهم ومثابراتهم وتضحياتهم التي أبهرت العالم وأدهشته، ينظرون إليها بعين الإعجاب والإكبار.
فقد انتشرت فيديوهات لبعض الفتيات وهن يرتدين الخمار ويتلون الشهادتين، وتقول إحداهن إنها أصبحت تشعر بالسعادة والسلام بعد أن أصبحت مسلمة، وإنها أقدمت على هذه الخطوة بسبب ما شاهدته في غزة، حيث كانت تبكي كل يوم. وأقرت مؤثرة أمريكية على وسائل التواصل الإلكتروني بأن الفلسطينيين بشجاعتهم وبإيمانهم هم السبب الوحيد الذي دفعها لاستكشاف الإسلام وتقول: "رؤية جميع المصائب التي يمر بها الفلسطينيون ورؤية الذين لا يزالون ينادون الله رغم ذلك هو أمر جميل للغاية".
وفي دليل على ثبات أهل غزة وقوة إيمانهم فإن أطفالا ظهروا في مقاطع فيديو يتلون القرآن الكريم فوق أنقاض منازلهم التي دمرها كيان يهود المجرم، بينما ظهر فلسطيني آخر وهو يؤذن فوق الأنقاض...
نعم فلا غرابة في ذلك فهؤلاء هم أهل غزة؛ غزة الإيمان، غزة الصمود، غزة التضحية...
تنتفي مقومات الحياة الطبيعية؛ المادية منها والمعنوية بسبب العدوان، فيُفقد الأمن والأمان، وينهال القصف والهدم والإبادة والقتل على البشر، وتنتشر الدماء، ويدب الرعب والهلع والجزع فتزيغ القلوب، ويعم الجوع والعطش بين الناس فتضطرب النفوس، ومع ذلك نجد قلوبهم تندفع برحمة الله تعالى إلى ملكوت السماوات، ملتجئة إلى موطنها الأصلي في السماء، مضطرة لله بكل ما أوتيَت من وعي بإرادة لله تعالى، فتنطلق قلوبهم ساجدة لله عند عرش الرحمن - قبل الجبين - تناجي ربها وتُناشده؛ حتى تخرج الكلمة من العمق: "كله يهون لك يا الله"، "هذا رخيص لأجلك يا الله"، وكأن هناك إشارات معنوية شعورية تصلهم من العلو، فتعمق عندهم معاني استجابة الله تعالى لهم.
إن ما يجري على أرض غزة ليس مجرد هذا فقط، على عظمته وجسامته وأهميته البالغة، وإنما صارت غزة برجالها ونسائها وأطفالها ملحمة دعوية تتجلى فيها معالم الإيمان، وترتسم فيها صور الإسلام، في الرضا والصبر والثبات والعزة والأنفة والإباء واليقين، وتتجسد فيها معاني العقيدة الإيمانية، والعبادة الحقيقية، ويمارس على أرضها ذروة سنام الإسلام. وباختصار إن أرض غزة الآن بثبات أهلها وصمودهم صارت محط أنظار العالم في الوقوف أمام نموذج تاريخي في معاني الإسلام جميعا؛ إيمانا وأخلاقا وشريعة ومعاملة وآدابا، يرمقها الناس من بعيد بإكبار وإجلال وإعظام يجعلهم في حالة ذهول وشرود واندهاش.
فهذه أم تفقد أبناءها، وتراها ثابتة صامدة، ليس هذا فحسب، ولكن يصدر عنها كلام كأنما زادها الفقد ثباتا وإصرارا على البقاء والصمود والتحدي. وهذه زوجة تفقد زوجها، فتقف صامدة صابرة محتسبة تتمتم بكلمات الرضا والفخر بالشهادة. ورجل يفقد أسرته فلا يصدر عنه ما يفيد الضجر والبرم والجموح، وإنما هو الصبر والرضا واليقين والصمود والاستسلام لله الكبير المتعال. وتلك أسرة تفقد بيتها ومعاشها ثم تجلس في بساطة ويسر بجوار الركام والأطلال في خيمة تمارس حياتها وتعطي النموذج المثال في إرادة البقاء، والإصرار على التحدي والصمود. وهذا طفل يتكلم بكلمات لا يتكلم بها الدعاة ولا العلماء في معاني العقيدة الحقة والمقاومة المستمرة والإرادة الصلبة والتحمل العظيم... وهكذا أمثلة وصور لا تقع تحت العبارة، ولا تلحقها الإشارة!
كل هذا جعل العالم كله من أقصاه إلى أقصاه ينظرون لهذه المشاهد وهم في حالة من الإعجاب والتساؤل: ما هذا النموذج النادر من البشر؟ هل هؤلاء بشر؟ ما الذي جعلهم يتحملون كل هذا؟ وما الذي حملهم على أن يتكلموا بهذا الكلام؟ وما السر وراء هذه الحالة النفسية العجيبة رغم عظم الفقد وكبر الرزء ووحشة الحياة؟!
أفلا تدعو مثل هذه المواقف البطولية إلى دخول الناس في دين الله بسبب هذه المشاهد العجيبة التي تجسدت في أهل غزة وتذكرنا بمواقف الصحابة والتابعين؟ كيف لا وقد سكنت واستقرت نداءات القرآن التي حفظتها صدورهم عند السراء، فحفظتهم عند الضراء، تلوح لهم هذه الآيات في الأفق فتناديهم: ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
لماذا هذا حالهم؟! وكأني به بسبب كلمات القرآن التي درسوها وتدارسوها، فعمقت في فكرهم ومشاعرهم معالم الإسلام وأركان الإيمان والثبات، فتمثلت لهم تلك الكلمات مشاهد عيانا؛ لتقول لهم: فاستجبنا، ونجينا، ونصرنا، وآوينا، ورفعنا، وهدينا، وقربنا، وبشرنا... فنقلتهم هذه الكلمات القرآنية من الترتيل إلى التشكيل، ومن التنظير إلى التطبيق؛ لتكون سلوكيات معبرة عن العبودية الخالصة، كلمات مزروعة في وعيهم وثابتة، نقلتهم من الدونية إلى العلوية، حقا إن الغزيين قوم اختارهم الله تعالى؛ لأنهم قوم استشعروا مركزية الآخرة، فلما أدركوا اصطفاء الله تعالى لهم، وعوا أن الله بتكليفهم قد اصطفاهم، قال ﷺ: «وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلَانُ».
أستشعر، كأن هناك من يناديهم بنداءات قرآنية قد حفظوها في وجدانهم واصطبغوا بها، صارت تُبدِّد لهم ما في نفوسهم من وهن وهشاشة رغم المحن والمصائب التي يرونها عيانا.
فأبشروا يا أهل غزة بنصره الذي وعد، والواقع حتما رغم كيد الكائدين؛ نصر مؤزر وفرج قريب يتوج هذا الصبر وهذه الأمثلة الرائعة التي أبهرتم بها العالم. نعم نعود سادة للأمم وقادتها وذلك عند ميلاد دولتنا؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتحرر كامل فلسطين من إخوان القردة والخنازير.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان