- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نصرة أهل فلسطين وتحريرها واجب الأمة لا حكامها
كما هو معروف لدى الجميع فإن أرض فلسطين فتحها الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدون قتال، وحررها من رجس الصليبيين القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تحت ظلال السيوف في معركة حطين، وحافظ عليها خليفة المسلمين في العهد العثماني السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله تعالى، وبقيت فلسطين حاضرة دولة الخلافة حتى تآمر عليها خونة العرب والترك بتخطيط ودعم أوروبي فأسقطوها في الثالث من آذار/مارس 1924م. ومنذ ذلك التاريخ ضُربت على الأمة حدود سجونها الواسعة بأسوار سايكس وبيكو العالية، ولا زالت تلك السجون في بعض بلدان المسلمين تتعدد في البلد الواحد بفعل التقسيم لما هو مقسم! ولقد نالت أرض فلسطين حصتها من ذلك التقسيم والتجزئة، حيث أصبحت كل قطعة في فلسطين معزولة عن الأخرى بفعل احتلال كيان يهود الغاصب لها، وقبول قيادات الفصائل الفلسطينية لذلك الوضع والسكوت عليه!
في مقابل لهذا الوضع استمر كيان يهود الغاصب في قضم الجزء بعد الجزء وضمه إلى سلطته طمعاً في تصفية كل أرض فلسطين وجعلها ملكاً له وتحت تصرفه، وكذلك إفناء وإخراج أهل فلسطين منها بالقتل والتهجير والسجن مدى الحياة بدايةً من العام 1948 حتى اليوم.
لذلك عندما نقول نصرة أهل فلسطين وتحريرها واجب الأمة لا حكامها، فذلك لأسباب منها، أن جميع الدول في بلاد المسلمين هي صناعة غربية متكاملة الأركان لا يستطيع فيها حاكم واحد أن يخرج عما يريده الغرب منه، فولاء هؤلاء الحكام ومن اتبعهم هو لسيدهم الغربي وليس لأمتهم. فالغرب عندهم هو صاحب الفضل عليهم، إذ أقعدهم على كراسي الحكم والجاه والسلطان، وجعل من كل واحد منهم خنجراً ينهش به هذه الأمة قتلاً وتعذيباً وسجناً وتهجيراً وإخفاءً وظلماً وقمعاً وقهراً، وما غزة عن تآمرهم ببعيدة، فلم يتحرك منهم أحد لنجدتها، بل سارعوا إلى تهديد من يريد من الجيوش أن تتحرك لنصرتها، ولا عجب فيما يتصرفون لأن مهمتهم بحسب أسيادهم أن يشكلوا جدار الصد الأول عن يهود، ومخطط لهم أن يقفوا ضد نهضة الأمة وإعادتها إلى سابق مجدها كما يريد لها خالقها.
إضافةً إلى ما سبق، هناك سبب آخر وهو أن عملية طوفان الأقصى والعدوان الذي تلاها رسخ قناعة الأمة بأن مصيبتها الكبرى هي في الحكام الذين قدسوا الحدود وخذلوا الأمة وأعانوا المستعمر، حتى خرجت الجماهير تلـعن الحكام وتحملهم مسؤولية ما يصيب أهلنا في غزة، كيف لا وقد شاهدت الأمة بعينها مدى عمالة وخسة الحكام الذين تداعوا إلى قمة سخيفة في القاهرة يرددون فيها عبارات السلام والتفريط والخيانة، بينما لم يحركوا ساكنا ولا جنديا ولا طائرة لنصرة غـزة وأهلها المنكوبين، وحتى أقرب المقربين وأولى الناس بالفزعة والنصرة، الأردن ومصر، انشغل حكامهما بإحكام القبضة على الحـدود ومنع الناس من عبورها لقتال يهود، كما منعوا حتى المظاهرات أو المساعدات من الوصول إلى أهل غزة، بل اقترح المجرم السيسي بديلا للتهجير أمام يهود، بأن يهجروا أهل غــزة إلى صحراء النقب بدلا من سيناء.
لقد عمقت تلك الأحداث الهوة والشرخ بين الأمة وحكامها، وبرهنت على أن أولى المصائب وكبرى العقبات التي تقف بين الأمة وتحقيق ما تريد إنما هم الحكام والأنظمة، وباتت تلك حقيقة لا مجرد فرضية أو أطروحة، بدليل الهرولة المفضوحة من الحكام نحو التطبيع مع كيان يهود والذي يقابله رفض قاطع من الشعوب لذلك التطبيع، وهذا يدل على مدى اتساع الهوة بين الحكام وشعوبهم، وأنّهم في واد وشعوبهم في وادٍ آخر. فالتطبيع مع كيان يهود تطبيعُ حكام وليس تطبيعَ شعوب.
إن الأمة الإسلامية لن تتحرر ولن تُحرر مقدساتها إلا بإزالة هذه الأنظمة والدويلات الوظيفية الخادمة للغرب المستعمر في بلادنا والمؤتمرة بأمره، فالمعركة مصيرية في فلسطين، وقد أظهرت للأمة حقيقة هذا الكيان الهزيل والضعيف والذليل وأنه محمي من هذه الأنظمة التي كانت تضلل الأمة وتسقيها أحلاماً وردية تحت مسميات دول الطوق والمقاومة وجيش القدس، ودول الممانعة وغيرها!
لقد أدركت الأمة الحقيقة المؤلمة أن مصيبتها ومشكلتها الأساسية مع تلك الأنظمة العميلة، فكان لا بد من التفكير بالتغيير والعمل للتغيير، ولن يكون التغيير حقيقيا إلا من خلال إدراك الحل الصحيح وهو القضاء على هذه الأنظمة واستئناف الحياة الإسلامية، من أجل هذا أيها المسلمون، ندعوكم جميعاً أفراداً وجماعات، جنوداً وقيادات وجميعَ فئات المجتمع أن تعملوا وتساندوا وتؤازروا حملة الدعوة العاملين المخلصين في حزب التحرير ليتمكنوا من إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وتطبيق الإسلام جملةً وتفصيلاً، الخلافة التي فيها وحدها عزكم وأمنكم، وفيها قبل كل شيء رضا ربكم عنكم، والتي بها يرفع الله يد عدوكم عنكم، بل ويضع يدكم عليهم لتخرجوهم من الظلمات إلى النور بإذنه تعالى. فمن خلال الخلافة على منهاج النبوّة فقط، والوحدة الحقيقية للأمّة، يمكن تحقيق مواجهة حازمة لجرائم الغرب الصّارخة والدّفاع عن دماء المسلمين. فمنذ سقوط الخلافة سيطرت أفكار الديمقراطية الفاسدة والثقافة الرأسمالية المتعطشة للدماء على النظام الدولي، وأخضعت البشرية جمعاء، وخاصة الأمة الإسلامية، للاحتلال والاستعمار، والظلم والجرائم، حتى إنّ الأرض والبحر والطيور والحيوانات لم تسلم من فظائعهم، فتاريخ الغرب حافل بالجرائم ضد الإنسانية، وحيثما وقعت خطواتهم المشؤومة، خلقوا الرعب والجريمة لعدم التزامهم بأي قيم إنسانية أو أخلاقية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله القاضي – ولاية اليمن