- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلة اللاجئين
(مترجم)
تعدُّ مشكلة اللاجئين إحدى المآسي الإنسانية الناجمة عن الاستعمار، التي أنتجها النظام الرأسمالي، وإن حلّ هذه المشكلة ممكن من خلال دحر الاستعمار.
لقد كشفت الثورة التي حدثت في أوروبا بعد العصور الوسطى عن المبدأ الرأسمالي، ومع الثورة الصناعية التي تلت ذلك مباشرة، حققت الدول الغربية تطوراً وقوة عظيمة لم تستطع الدول الأخرى منافستها. ومن أجل الحصول على الثروة والموارد اللازمة لصناعتهم وازدهارهم، ومع هذه القوة العظيمة التي بين أيديهم، قاموا بغزو والاستيلاء على البلاد التي يقع معظمها في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، حيث توجد هذه الثروات والموارد، وقام الاستعمار باكتشافها. فأصبحت إنجلترا وفرنسا وهولندا وإسبانيا والبرتغال الدول الرئيسية في هذا الاستعمار.
وبعد الحرب العالمية الثانية، انضمّت الولايات المتحدة إلى هذه الدول المستعمرة. ومع إضافة أمريكا إليها، أصبح الاستعمار أسلوباً تستخدمه الدول الصناعية والمتقدمة في استغلال الثروات والموارد في الدول المتخلفة التي لا تملك القدرة على مقاومة الاستعمار، ونشر الفكر الرأسمالي.
واستخدمت أمريكا الأساليب العسكرية والسياسية والاقتصادية من أجل تثبيت نفوذها الخاص في أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، وخاصةً في مستعمرات بريطانيا وفرنسا الواقعة في هذه المناطق. ودعت إلى حقّ الأمم في تقرير مصيرها واستقلالها وحريتها ومساواتها وعدالتها وحقوق الإنسان. وفي مواجهة هذا الوضع الجديد، كان على الدول الاستعمارية أن تمنح مستعمراتها ما يسمى بالاستقلال.
وعندما غادر الاستعمار، أحضروا حكاماً خدما لهم قاموا بتعيينهم من السكان المحليين لهذه البلدان للعمل مكانهم. ومن ثمّ واصل هؤلاء الحكام العملاء استغلال الثروات والموارد المملوكة لهذه البلدان بأيديهم. لقد منعوا تنمية هذه البلدان، وحرموها من الوصول إلى وضع يمكنها من منافستهم، وحكموا عليها بالتخلف المفتوح للاستغلال، وتركوا شعوب هذه البلاد للجوع والبؤس، وحتى حقوقهم الإنسانية الطبيعية حرموهم منها، وتركوهم تحت الضغط والاضطهاد الذي كان من الصعب تحمله.
ونتيجة لكل هذا، بدأ الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى موارد بلدهم وحرموا من أبسط حقوقهم الإنسانية الطبيعية، بدأوا في طلب اللجوء في البلدان المتقدمة حيث يمكنهم الحصول على احتياجاتهم بسهولة، ولا يتعرّضون للضغوط، فأصبح العالم يواجه مشكلة كبيرة تسمى اللاجئين ومأساة إنسانية جديدة مؤسفة.
إن من المفارقة واليأس في محاولة الهروب من الجوع والبؤس والقمع الذي سببه استعمار الدول الأمريكية والأوروبية، وتطبيق النظام الرأسمالي، الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية ضدّ طالبي اللجوء هؤلاء، فضلاً عن الإجراءات القاسية، والموقف الوحشي، وهو أيضا قضية تحتاج إلى تقييم.
إنّ هذه المشكلة القائمة أمام العالم منذ زمن طويل، والتي تؤلم ضمير الإنسانية كل يوم تقريبا، وتذكر نفسها وتبقيها على جدول الأعمال، لم يتمّ حلها، ولا يمكن حلّها. ولا ينبغي توقع حلّ المشكلة من أولئك الذين خلقوا المشكلة بالفعل.
وكما ذكرنا في بداية المقال، فإن مشكلة اللاجئين لا تختفي إلا من خلال دحر الاستعمار الذي كشف عن نفسه. ويمكن منع الاستعمار من خلال الدول الكبيرة والقوية في الولايات المتحدة وأوروبا التي أدت إليه، وكذلك من خلال ضربة قوية توجهها دولة كبيرة وقوية أخرى لها حجم وقوة من نوعها وتستطيع محاربة الاستعمار والمستعمرين.
اليوم، لا توجد عقلية أو دولة في العالم يمكنها محاربة الاستعمار والدول الاستعمارية، ليس فقط في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط بل في العالم كله.
وفي الوقت الحالي، يعدّ الإسلام البديل والخيار الوحيد في مواجهة النظام العالمي الرأسمالي الاستعماري، ليس فقط للاجئين أو المضطهدين، بل لجميع المسلمين والإنسانية جمعاء وكل الذين يعانون من النظام الرأسمالي الفاسد. ولأنه غير مطبق فهو بعيد عن معترك الحياة والنضال ضدّ الاستعمار.
وعندما تعود الخلافة الإسلامية القوية، سيتمكن الإسلام من العودة إلى ميدان الحياة والتطبيق، ويتوحد جميع المسلمين تحت القيادة الفكرية والسياسية الإسلامية، وسيحارب كل من في البلاد الإسلامية واللاجئين الاستعمار والاحتلال في بلدانهم، ويمكن حينها القضاء على الاستعمار، وستتاح للناس الذين يعيشون هنا الفرصة للاستفادة من ثرواتهم ومواردهم.
لقد تمّت فتوحات عظيمة على يد الخلفاء الذين طبقوا الإسلام لقرون عديدة، وتم إنقاذ الناس الذين تعرضوا للاضّطهاد والقمع والجوع والبؤس من القوى والأنظمة التي فعلت بهم هذه الأشياء. ولم تستغل دولة الخلافة شعوب البلدان التي فتحتها كما تفعل الدول الاستعمارية الرأسمالية اليوم، بل على العكس، جلبت لها العدالة والرخاء. ولم تصادر الثروات والموارد التي يملكونها، بل أزالت العقبات التي تحول دون استخدامها من قبل هؤلاء الناس.
ولهذا السبب، لم يضّطر أهل البلاد التي فتحتها دولة الخلافة إلى الهجرة إلى بلدان أخرى واللجوء إليها، بل فضّلوا العيش كرعايا محترمين في دولة الخلافة، والتاريخ شاهد على ذلك.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رمزي عُزير – ولاية تركيا