- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
باكستان في ذكرى استقلالها السابعة والسبعين
دولة على حافة الانهيار، فما الذي يمكن الاحتفال به؟!
بينما تحتفل باكستان بمرور 77 عاماً على استقلالها، فإن الواقع الذي يواجه الأمة قاتم. إن ما كانت ذات يوم أرضاً غنية بالإمكانات أصبحت مثالاً صارخاً على أن سوء الإدارة المزمن والفساد والقيادة قصيرة النظر تدفع البلاد إلى حافة الانهيار، ورغم أن هذه المناسبة قد تدعو إلى الاحتفال، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تطغى عليها، وهي أن الدولة الباكستانية تخذل شعبها على كل الصعد تقريباً.
عدم الاستقرار السياسي: الحكم في حالة من الفوضى، والنظام السياسي في باكستان في حالة من الفوضى، ومنذ نشأتها، ابتليت البلاد بعدم الاستقرار السياسي، الذي اتسم بتغييرات متكررة في القيادة، وانقلابات عسكرية، وثقافة الفساد الراسخة، وخلال 77 عاماً على الاستقلال، شهدت باكستان أكثر من 30 رئيساً للوزراء، ولم يكمل أي منهم فترة ولايته الكاملة! إن الاضطرابات السياسية الأخيرة، بما في ذلك الإطاحة بعمران خان، ليست سوى الحلقة الأخيرة في تاريخ طويل من فشل الحكم الذي ترك البلاد بلا قيادة، وكان لعدم الاستقرار المزمن هذا عواقب مدمرة، فقد تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في باكستان عند متوسط 2.9% فقط على مدى العقد الماضي، وهو أقل بكثير من المعدل اللازم لمواكبة النمو السكاني السريع، كما أدت الفوضى السياسية إلى إبعاد المستثمرين، ما أدى إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 33% في عام 2023. وقد أدى عجز القيادة عن الارتقاء فوق الثأر الشخصي والصراعات على السلطة إلى ترك البلاد على غير هدى، دون اتجاه أو استراتيجية واضحة للمستقبل.
الانهيار الاقتصادي: بلد مفلس في كل شيء والاقتصاد الباكستاني في حالة سقوط حر، ويتأرجح على حافة الانهيار التام، فالبلاد مفلسة فعلياً، مع انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي إلى 2.9 مليار دولار فقط، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية بضعة أسابيع من الواردات، وقد ارتفع معدل التضخم إلى نسبة كارثية بلغت 38%، الأمر الذي دفع الملايين من الباكستانيين إلى مستويات سحيقة من الفقر والبؤس. لقد فقدت الروبية 35% من قيمتها مقابل الدولار في عام واحد فقط، الأمر الذي أدى إلى تآكل القوة الشرائية للناس العاديين. كما أن وضع الديون خطير بالقدر نفسه، وتضخمت الالتزامات الخارجية إلى أكثر من 130 مليار دولار، وارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 90%. إن خطة الإنقاذ الأخيرة التي قدمها صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار ليست أكثر من شريان حياة مؤقت، حيث فشلت في معالجة القضايا البنيوية الأساسية التي ابتلي بها الاقتصاد؛ فالزراعة، التي ينبغي أن تكون العمود الفقري للاقتصاد، تعاني من الشلل بسبب نقص المياه واستخدام التقنيات التي عفا عليها الزمن والإهمال الحكومي، ما يدفع البلاد نحو أزمة غذائية كارثية.
الرعاية الصحية: فشل كارثي في نظام الرعاية الصحية في باكستان وهو في حالة انهيار، إن تخصيص الحكومة الهزيل لـ1.1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الصحة يشكل إدانة دامغة لأولوياتها، حيث يوجد في البلاد طبيب واحد لكل 1300 شخص وسرير مستشفى واحد لكل 1600، وهي نسبة تنذر بكارثة في أوقات الأزمات. وتشهد باكستان أحد أعلى معدلات وفيات الرضّع في العالم بمعدل 59 لكل 1000 مولود. ومعدل الوفيات النفاسية مروع بالقدر نفسه، إذ يبلغ 140 حالة وفاة لكل 100.000 مولود، وكشفت جائحة كوفيد-19 عن أوجه القصور الشديدة في نظام الرعاية الصحية، حيث اكتظت المستشفيات، وشاب توزيع اللقاحات عدم الكفاءة، وترك الملايين دون إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وفي المناطق الريفية، تكاد تكون مرافق الرعاية الصحية غير موجودة، وهذا ليس مجرد فشل، بل هو وصمة عار وطنية.
التعليم: نظام مصمم للفشل، ويشكل نظام التعليم في باكستان إحراجاً وطنياً، فهو يفشل في تزويد شبابها بالمهارات اللازمة للبقاء، ناهيك عن الازدهار، في العالم الحديث، ويبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة في البلاد حوالي 60%، وهو من أدنى المعدلات في العالم، ويعكس تخصيص الحكومة الهزيل من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم، والذي لا يتجاوز 2%، تجاهلها التام للمستقبل. وهناك أكثر من 23 مليون طفل خارج المدارس، ما يجعل باكستان من بين الأسوأ في العالم من حيث القدرة على تحصيل التعليم، ويواجه الذين يلتحقون بالمدارس معلمين مدربين بشكل سيئ، ومناهج دراسية قديمة، وبنية تحتية متهالكة، ويعمل نظام التعليم على إنتاج جيل من الشباب غير المستعدين لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، ما يزيد من تعميق دائرة الفقر والبؤس.
الفقر وعدم المساواة: مجتمع على حافة الفقر، ويعيش ما يقرب من 40% من سكان باكستان البالغ عددهم 230 مليون نسمة تحت خط الفقر، ويعيش الملايين على أقل من دولارين يوميا، كما أن فجوة الثروة فاحشة، إذ يسيطر أغنى 10% من السكان على 60% من ثروة البلاد، في حين يُترك 40% من السكان للتنافس على الفتات. ويعمل هذا التفاوت الصارخ على تمزيق نسيج المجتمع، ويغذي الاستياء والاضطرابات، ويُعَد معامل جيني في باكستان، وهو مقياس للتفاوت في الدخل، من بين أعلى المعدلات في العالم، وهو ما يعكس مجتمعاً منقسماً وغير متكافئ، وتتوسع الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية بمعدل ينذر بالخطر مع فرار سكان الريف إلى المدن بحثا عن الفرص التي لا وجود لها، ويتجاوز معدل البطالة بين الشباب 25%، الأمر الذي يولد السخط ويمهد الطريق لاضطرابات اجتماعية.
الخاتمة: أمة تبتعد عن مبادئها التأسيسية
بينما تحتفل باكستان بمرور 77 عاماً على استقلالها، فإن الحقيقة القاسية هي أن الأمة ابتعدت كثيراً عن المُثُل التي تأسست عليها. لقد تم إنشاء باكستان باسم الإسلام، مع الوعد بإقامة دولة تقوم على مبادئ العدل والمساواة والرعاية الاجتماعية، كما تصورها مقاصد الشريعة. وتشمل هذه المقاصد حماية النفس والدين والعقل والنسل والمال. ومع ذلك، تفشل باكستان اليوم في التمسك بهذه المبادئ ذاتها. حيث تتعرض حياة الناس للخطر بشكل يومي بسبب نظام الرعاية الصحية الفاشل، والفقر المتفشي، وغياب الخدمات الاجتماعية الأساسية. ولا يزال الحق في التعليم، وهو حق بالغ الأهمية لحماية العقل، غير متاح لملايين الأطفال. إن السياسات الاقتصادية التي تحابي الأثرياء على حساب الفقراء تنتهك مبادئ العدالة وحماية الثروة. إن العدالة الاجتماعية حلم بعيد المنال في مجتمع تتعمق فيه فجوة التفاوت بين الناس، ويترسخ فيه الفساد. لذا يتعين على قادة باكستان أن يفكروا في مدى انحراف الأمة عن رؤية مؤسسيها. لقد انتهى زمن الخطابة الفارغة والإصلاحات السطحية. ومن أجل تكريم التضحيات التي بذلت من أجل الاستقلال، يتعين على باكستان أن تعيد ترتيب نفسها مع مقاصد الشريعة، لضمان العدالة والمساواة والرفاهية لجميع رعاياها. ولن يتسنى لباكستان تجنب الكارثة، والوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسها إلا من خلال العودة إلى هذه المبادئ الأساسية. وإذا استمر قادة البلاد في تجاهل هذه الضرورات، فإن العواقب ستكون كارثية، ليس فقط لباكستان، بل وأيضاً بالنسبة للمثل العليا التي كان من المفترض أن تتمسك بها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي