الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل قرغيزستان دولة مستقلة حقا؟

 

تحتفل قرغيزستان كل عام بيوم 31 آب/أغسطس، باعتباره يوم الاستقلال منذ عام 1991. فهل قرغيزستان دولة مستقلة حقاً؟ وهل هناك معايير تحدد استقلاليتها؟ نبحث عن إجابة على هذا السؤال من خلال الرجوع إلى الحقائق التاريخية.

 

لا شك أن الاستقلال السياسي والعسكري والاقتصادي هو الشرط الأساسي للدولة المستقلة حقا. إن مصطلح "الاستقلال"، الذي يعني التحرر من الحكم الاستعماري، استخدمه الكفار في الأصل لفصل الأراضي الإسلامية عن الخلافة العثمانية الضعيفة. ورفعت بريطانيا وفرنسا شعارات "الاستقلال" لفصل البلاد العربية والأفريقية عن الخلافة العثمانية واستعمارها. ثم بدأت الحرب العالمية الأولى وتم إسقاط الخلافة. ولم تكن الدول المستعمِرة مقتنعة بالأراضي التي احتلتها واندلعت الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لها، تقدمت أمريكا، التي تطمح إلى قيادة العالم، بمبادرة "الاستقلال"، وكان "ميثاق الأطلسي" هي الخطوة الأولى نحو عملية "الاستقلال".

 

إن ميثاق الأطلسي يعد أحد الوثائق البرنامجية الرئيسية للتحالف المناهض لهتلر، التي قبلها رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأمريكي في مؤتمر الأطلسي وأُعلن عنها في 14 آب/أغسطس 1941. وفي 24 أيلول/سبتمبر، انضم إليها الاتحاد السوفييتي. وقد صدر هذا الميثاق من أجل تحديد النظام العالمي بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. بعد ذلك، بدأ استخدام مصطلح "الأمم المتحدة" كمرادف للتحالف المناهض لهتلر، وأصبح هذا فيما بعد أساسَ منظمة الأمم المتحدة.

 

وطالبت أمريكا في هذا المؤتمر، بفتح طريق الوصول إلى مستعمرات الدول الأخرى مقابل الدخول في الحرب إلى جانب الحلفاء، وهذا مدرج رسمياً في مواد الميثاق. فعلى سبيل المثال، يوجد في الميثاق بند بعنوان "استعادة حقوق السيادة والإدارة الذاتية للشعوب التي سُلبت منها بالقوة". وهذا يعني إيجاد فرصة لأمريكا لتحريض الدول المستعمَرَة ضد القوى الاستعمارية القديمة بشعار الاستقلال واستعمارها من جديد.

 

كذلك، بدأت عملية إنهاء الاستعمار من الهند التي حصلت على الاستقلال عام 1947. لكن في الحقيقة عندما بدأت أمريكا في تحريض هذا البلد على "الاستقلال"، فأعطت بريطانيا استقلالاً مزيفاً للهند وباكستان، وأبقتهما في قبضتها. وتكررت مثل هذه المظاهر في الدول التي انفصلت فيما بعد. واستمر الصراع بين أمريكا وبريطانيا في الهند حتى يومنا هذا؛ فحزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) الحزب الحاكم هناك عميل لأمريكا، وحزب المؤتمر الوطني الهندي عميل لبريطانيا، بينما استولت أمريكا على باكستان بالكامل.

 

واستمرت عملية إنهاء الاستعمار بشكل رئيسي في البلدان الآسيوية حتى ستينات القرن الماضي. وقد حظي إنهاء الاستعمار، بدعم قوي من الأمم المتحدة في تلك الفترة. وفي ستينات القرن الماضي، قبلت الأمم المتحدة تصريح "منح الاستقلال للدول والشعوب الواقعة تحت الاستعمار". وفي عام 1961، اتفق الرئيسان الأمريكي كينيدي والسوفيتي خروشوف في فينَّا على تقسيم المستعمَرات بينهما. وبعد ذلك، ظهرت حركات من أجل "الاستقلال" بقوة، خاصة في أفريقيا.

 

وكما يتبين مما سبق، فقد فتحت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي طريقهما الخاص لدخول مستعمَرات بريطانيا وفرنسا (وغيرهما من الدول الاستعمارية الأصغر مثل إيطاليا وإسبانيا) من خلال نضالات الاستقلال.

 

وبدورهم حاول المستعمِرون القدامى تشكيل منظمات إقليمية للحفاظ على مستعمراتهم. فعلى سبيل المثال، حاولت بريطانيا الحفاظ على مستعمراتها من خلال منظمة دول الكومنولث. وحاولت فرنسا أيضاً الحفاظ على مستعمراتها من خلال منظمة الفرنكفونية. وهكذا، أصبحت النزاعات الاستعمارية لهؤلاء المستعمرين تنجز من خلال الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.

 

بعد ذلك، بدأت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة ومنافسها الاتحاد السوفييتي، حتى هزم في هذه الحرب وانهار. وحصلت الدول المتحالفة داخل الاتحاد السوفيتي على الاستقلال المزيف. وقد أنشأت روسيا رابطة الدول المستقلة للحفاظ على مستعمَراتها. ومع ذلك، لم تتمكن من إبقاء مستعمراتها بالكامل في قبضتها. في البداية، انتقلت دول البلطيق إلى أوروبا، ما أدى إلى انخفاض نفوذ روسيا. وبعد ذلك، قامت روسيا بتشكيل منظمة معاهدة الأمن الجماعي من الناحية العسكرية ومنظمات الاتحاد الاقتصادي الأوراسي من الناحية الاقتصادية. وقد ازداد نفوذها ضعفا، حيث أصبحت البلدان الواقعة تحت استعمارها أعضاء في منظمات دولية أخرى وفتحت طرق الوصول إليها أمام المستعمرين الآخرين لدخولها.

 

والآن دعونا نقف على (استقلال) قرغيزستان من وجهة نظر سياسية وعسكرية واقتصادية:

 

من الناحية السياسية حصلت قرغيزستان، مثل غيرها من البلاد المتحالفة في آسيا الوسطى، على استقلال مزيف. فقد تولى السلطة في البداية أكاييف الذي خدم روسيا دون قيد أو شرط. وفي انقلاب عام 2005، منعت روسيا الكوادر الغربية من الوصول إلى السلطة وأخذت أكاييف الذي خدمها جيدا إلى موسكو ووضعت باكييف في مكانه. ثم أسقطت باكييف بالتمرد بسبب تعاونه مع أمريكا والصين وميله إلى سياسات "متعددة النواقل"، وقام بإزالة الكوادر الموالية للغرب و"سمح" بالحكومة المؤقتة. كما اعتقل أتامباييف الذي جاء بعده، بسبب تصرفاته ضد بوتين. وعندما فشل جينبيكوف في القيام بمهمته، وصلت الحكومةُ الحاليةُ إلى السلطة بإذن روسيا...

 

ومن الناحية الاقتصادية، فإنه ليس سرا أن قرغيزستان غارقة في الديون. كما أنها دخلت أيضاً في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بناءً على طلب من روسيا وتعاني حالياً من عنفها. فعلى سبيل المثال، تواجه عدداً من العوائق في استيراد السيارات وتصدير البضائع المحلية إلى دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

 

ومن ناحية أخرى، فإن التوسع الاقتصادي للصين أغرق قرغيزستان في مستنقع الديون، فقد استولت الصين على مناجم قرغيزستان وأراضيها بذريعة "الاستثمار". بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الحالية تميل اقتصاديا نحو الصين، لذلك يتم إبرام معظم عقود المشاريع الكبيرة معها. وقد ألغى الرئيس جباروف بالفعل المرسوم الذي يحظر نقل المعادن على شكل خام لصالح الصين. وإلى جانب ذلك فإن القروض والمنح الواردة من الغرب تضغط على قرغيزستان من جميع الجهات.

 

وأما من الناحية العسكرية، فإن روسيا تسيطر على قرغيزستان تحت نفوذها. وقامت ببناء قاعدة عسكرية في قرغيزستان، تحت ذريعة ـ"التطرف والإرهاب"، بينما في الواقع، كان المقصود منها منع التدخل العسكري الأمريكي والصيني. ويجري تجديد الاتفاقيات بشأن هذه القاعدة العسكرية وتوسيع أراضيها.

 

وهكذا تحققت التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية من خلال المنظمات الاستعمارية العالمية والمحلية. فإذا لم تكن السيادة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهي الخصائص الأساسية للاستقلال، في يد الدولة، فإن شعار النبالة يصبح مجرد صورة فقط؛ ويصبح النشيد الوطني مجرد أغنية، والعَلَم يصبح مجرد خرقة!

 

أيها المسلمون: دعونا لا ننخدع بأكاذيب مثل الاستقلال المزيف، فلنعمل لإعادة عدل الخلافة، التي هي الطريقة الوحيدة للتخلص من ظلمة الديمقراطية وطغيان المستعمرين! لأن بلادنا كانت أرضا إسلامية لفترة طويلة، وكان أجدادنا متمسكين بإسلامهم بشدة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على المسلمين أن يتوحدوا حول خليفة واحد لوقف نهب الكفار المستعمرين لثرواتنا من البلاد الإسلامية! لأنه لا يجوز للمسلمين أن يعيشوا تحت الظلم والذل. يقول الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ممتاز ما وراء النهري

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع