- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-04-03
جريدة الراية: قرار مجلس الأمن الهزيل لا يوقف الحرب
وإنما يوقفها قرار الأمة بنصرة نفسها
قبل أيام صدر قرار من مجلس الأمن يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وقد صوتت عليه 14 دولة من الدول الأعضاء فيما امتنعت أمريكا عن التصويت، وإضافة لوقف إطلاق النار فقد نص القرار على إطلاق سراح الرهائن وعلى شجب العمليات "ضد المدنيين" وشجب "الإرهاب"، فيما شدد الأعضاء على ضرورة إيصال المساعدات إلى قطاع غزة.
لم يقدم القرار الصادر كثيرا في الميدان والناحية التنفيذية، سواء من ناحية واقع القرار نفسه، أو من ناحية ما اعتاده كيان يهود من تعامل مع قرارات مجلس الأمن المتعلقة "بالقضية الفلسطينية" عبر تاريخه.
أما من حيث واقع القرار فإنه لم ينص على وقف دائم لإطلاق النار، وإنما على وقف فوري، يؤدي إلى وقف دائم، أما الوقف الدائم فليس من ضمن القرار. وينص القرار كذلك على أن يكون وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، حيث أوشك الشهر على الانتهاء، كما أن القرار يفتقر لآلية تنفيذية خصوصا وأنه تم بحثه تحت البند السادس، وهو بند لا يحتوي على إجراءات قد تدفع لتطبيق القرارات قسرا كما هو البند السابع، وقد وصفه الأمريكان وغيرهم بأنه غير ملزم وكأنهم أفرغوه من محتواه فورا.
وأما من حيث تعامل كيان يهود مع القرار، فإنهم وكعادتهم في الغطرسة والوقاحة، رفضوا القرار بل وأبدوا غضبهم من أمريكا بسبب قيامها بعدم التصويت ضده، وذلك من خلال إلغاء زيارة لوفد لهم كانت مقررة إلى واشنطن، وأما على الأرض فقد استمرت عملياتهم العسكرية، ولا يزال القصف مستمرا وأعداد الشهداء والجرحى في ازدياد، ولا يزال كيان يهود يعيق دخول المساعدات بل وتقصف التجمعات التي تحاول الحصول عليها، ولذلك لم يكن للقرار شأن كبير أو أثر في مباشرة وقف الحرب.
ما كان لافتا في القرار هو عدم تصويت أمريكا ضد القرار على غير العادة، بل كان عدم تعطيله من قبلها متوقعا، ولعل موقف أمريكا هذا هو أهم ما في القرار، من حيث كونه رسالة سياسية لحكومة الكيان الحالية، حكومة نتنياهو، وإظهار الامتعاض وعدم الرضا من قبل إدارة بايدن، خاصة وأن الأمر بات محرجا من جهة تعنت هذه الحكومة، وأمريكا بعدم التصويت على القرار لا توقف الحرب، فالقرار أضعف من ذلك وأقل شأنا، ولكنه تنبيه للكيان من تهوره الذي بات مستنكرا عالميا، وتحذير من حالة العزلة التي يجر الكيان نفسه إليها، وأمريكا إنما تقوم بذلك لتحمي الكيان من نفسه، وتكبح من تهوره وتبطئ من اندفاعه، من حيث وتيرة العمليات وطريقة الأداء في هذه المرحلة، ولا يعني كل ذلك أنها تتخلى عنه، فهو لا يزال يشكل مصلحة كبرى لها في وجوده وبقائه، وهي التي دعمته وأمدته بالذخائر وتغطيه في القتل والإجرام في المراحل السابقة من هذه الحرب.
وهكذا، وبعد عدة أشهر من الحرب المدمرة التي شنها كيان يهود على غزة، وبعد جولات وتداولات في مجلس الأمن بقرارات عُطلت كلها، يصدر أخيرا قرار من مجلس الأمن ولكنه فاقد للفاعلية، فقرارات مجلس الأمن لم تكن يوما مصممة لوقف القتل، ولا لصيانة الأرواح وجلب الأمن الدولي كما يزعمون، بل هي في الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك، وهي جزء من سياسات الدول الكبرى وخاصة أمريكا، تخدم أهدافها، ولا علاقة لها بوقف القتال إلا من حيث التوظيف أو قطف الثمار، وبعد أن تكون الدماء قد جرت أنهارا، في حروب غالبا ما تشنها الدول الكبرى ذاتها، أو تقتضيها مصالحها.
لا يلجأ لمجلس الأمن عادة كملاذ للخلاص وأمل منتظر في الحلول إلا الدول الضعيفة التي لا حيلة لها، أو الدول التي تحكمها أنظمة عميلة لا تتحرك إلا على إيقاع الدول الكبرى، وإلا فإن الدول التي لها قرار مستقل، ورؤية لمصالح نفسها لا تنتظر مجلس الأمن لضمان أمنها وتحقيقه، ولا تستند إلى غير قوتها في رد الهجوم والعدوان، بل ولا تعبأ بقراراته، ولأجل هذا عادة تتسلح الدول كافة وتسعى لامتلاك القوة، وأدوات الردع ووسائل الهجوم؛ فها هي روسيا مثلا قد ضمت إليها جزيرة القرم رغما عن مجلس الأمن، وشنت حربا على أوكرانيا دون التفات إليه، بل ما كان يعيقها في حربها من قرارات في مجلس الأمن تعطلها بوصفها دولة دائمة العضوية. وها هو كيان يهود المسخ، وعبر عشرات السنوات كان يرمي بقرارات المجلس وراء ظهره ولا يزال، ويستخدم القوة ويشن الحروب ويمارس الظلم والإجرام والغطرسة...
فقط هم حكام المسلمين العملاء من يقف على أبواب مجلس الأمن ليستجدوا حقا ويرجو نصرا، وهم فقط من اتخذ من مجلس الأمن والدول الكبرى قبلة ومرجعا، لما هم عليه من الجبن والعمالة، والخيانة والتآمر، وفقط هم المسلمون، الذين لا تحرك لهم الجيوش، أو تتحرك لأجلهم المدافع والطائرات، أو تطلق الصواريخ، رغم ما يمتلكون منها ومن كل وسائل الحرب، والوفرة في العدة والعدد، وذلك لأنه لا دولة لهم على الحقيقة ترد عنهم، وتغضب لأجلهم وتحارب في حروبهم، وأما الأنظمة الموجودة فهي ليست أكثر من وكالات للاستعمار لإدارة البلدان الإسلامية المستعمرة. ولو كان للمسلمين دولة حقيقية لما وجدت هذه الحروب أصلا، وإذا صارت لهم دولة إسلامية فإنها ستدخل الحرب فورا، وتحسم الحرب فورا، وتسحق الكيان المسخ فورا، فقط هي دولة الخلافة التي تسترد قرار الأمة وتفعّل إرادتها، وهي وحدها التي تحرر طاقات المسلمين، ليخوضوا حروبهم وينصروا أنفسهم ودينهم، فيستجلبوا معه نصر ربهم سبحانه، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.
بقلم: الأستاذ يوسف أبو زر
المصدر: جريدة الراية