السبت، 14 ربيع الأول 1447هـ| 2025/09/06م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

قيصر يطمع بالمزيد ويتجرأ على ما هو لله!!

  • نشر في ثقافي
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1212 مرات

 

لطالما زعم بعض الناس أن الدين والسياسة أمران منفصلان وخلطهما من المهلكات، يصرفون الناس عن أي خلط بينهما، ويضعون التنافر كأساس للنظرة، ويدعون أن الدين والدولة كالزيت والماء، لا يعُم السلام ولا يحل الوئام أو ينعم العباد بالاستقرار إلا إذا تم هذا الفصل. انطلقت الدعوات بين الفينة والأخرى بتحييد المساجد وترسيخ فصل المؤسسات الدينية عن السلطة السياسية. وركز الإعلام في بلاد المسلمين على ضرورة حصر العلماء والمشايخ بأمور الدين، وعزلهم عن السياسة، وتبع تلكم الدعوات جملة من القرارات التي تنظم دُور العبادة ودَور "رجال الدين" في كل من مصر وتونس والمغرب وغيرها. واتخذت إجراءات مثل: مراقبة المساجد، ووضعها تحت سيطرة وإشراف كامل من الدولة، ومنع الاعتكاف في رمضان إلا بقانون، وتوحيد الخطب، وإجراءات أخرى يقصد منها التضييق على رواد المساجد، وتقليص دَور المساجد في حدود الصلوات الراتبة؛ بذريعة حماية الدين من المتسلقين وتجار الدين.


ولعل من أبرز هذه الإجراءات وأكثرها تحدياً الظهير الملكي المغربي رقم 1.14.104 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6268 والمتعلق بتحديد مهام القيّمين الدينيين، وأهم ما جاء فيه هو مادته السابعة التي منعت "ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، أو اتخاذ أي موقف يكتسي بصبغة سياسية أو نقابية". والمفارقة هنا أن الملك المغربي يدعو لفصل الدين عن السياسة بعد أن أعلن نفسه كرئيس أعلى للمؤسسة الدينية يستمد شرعيته من تعاليم الشريعة، ويسمي نفسه بأمير المؤمنين، ويحافظ على تقاليد البيعة، بل إنه يترأس اللجنة العلمية التي يرجع إليها علماء المغرب. وإن كان الملك هو المرجع الأساس في أمور الدين، مع وجوب الفصل التام الذي أقره في مرسومه. فلأي جهة ينتمي ولماذا يُزجِي الأمور الدينية.. فهل يمثل السلطة الدينية أم المدنية؟ وأين مؤهلاته الشرعية وإجازته التي تمكنه من ترأس السلطة الدينية؟


إنه لمن عجائب الأمور أن تحارب الأنظمة الوضعية تطبيق الشريعة، وتلتزم بنموذج الدولة المدنية العلمانية بدساتيرها المستوردة، ثم تضع صبغة شرعية على قوانين من وضع البشر. بل إن المبررين للظهير الملكي تمادوا في هذا التدليس واستشهدوا بأدبيات السياسة الشرعية، وذكروا قول الماوردي: "إن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا"، وقد فسر الماوردي "حراسة الدين" بأنها "صونه على أعرافه المستقرة"!! وهذه حجة عليهم. إذ إن الديمقراطية والليبرالية والسياسات الاقتصادية الرأسمالية والمعاملات الربوية ليست من أحكام الدين المستقرة؟!


لعل من يتابع هذه الدعوة لفصل الدين عن السياسة، يتصور أن أئمة المساجد منفصلون عن الإرادة السياسية، ثم أتى من يغير عليهم الحال، أو أن الحكومات لم تفطن من قبل لأهمية تحييدهم! بينما الواقع على عكس ذلك، فالمساجد كانت خاضعة لسيطرة الحكومة منذ قيام هذه الدول القُطرية وعلماء السلاطين من دواعم ترسيخ حكم أكثر الأنظمة استبداداً وقهراً، وهذا الإبعاد للخطباء إنما هو مغالاةٌ في فصل الدين عن الحياة، وخوف من مارد الإسلام السياسي الذي بدأ يتململ، وذعرٌ من إرهاصات عودة الإسلام لسدة الحكم. أما علماء السلاطين فليس لهم شأن يذكر، ولم تتجاوز خطبهم آداب السلام وحسن التبعل، في أوقات عم الفساد حولهم وجاوز الظالمون المدى..


لم تنطق ألسنة علماء السلاطين إلا بالدعاء للطغاة، في وقت كان المسلمون يقتلون ويحرقون ويهجرون من ديارهم. أضف إلى ذلك أن أنظمة الحكم تعود لهؤلاء الخطباء أنفسهم؛ لإضفاء الشرعية على بعض القوانين التي تخالف شرع الله ولفرض هيمنة تامة للنظام؛ لكي يأمن أي محاسبة شرعية لتقصيره في شؤون الرعية، أو إضعاف البلاد وتبديد ثرواتها.


لم يكتفِ الملك المغربي في ظهيره بتنظيم شؤون رجال الدين، بل أعلن عن التزام البلاد بتبني المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية كمذهب للبلاد، وهذا يلفت الانتباه لمدى بُعد هذه العلمانية، المطبقة في بلادنا عن أصل العلمانية.. إنها علمانية أخذت الحل الوسط لمدى جديد، يقول الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في موضوع العلمانية: "من أجل الوصول إلى دين صحيح، ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًا أو فكريًا أو اجتماعيًا، ويجب أن تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصرف. يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر. هكذا يكون العصر هو عصر العقل، ولأول مرة في التاريخ البشري سيكون الناس أحرارًا، وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة." انسلخ قيصر زماننا من لب العلمانية، ولم يلتزم بفصل الدين والدولة حينما تدخل في مواعيد فتح المساجد، وأحوال الصيام والقيام والزكاة، والصدقات والاعتكاف وخطب الجمع والأعياد. ومتى وكيف يصلي المسلم على النبي وآله الأطهار.. هدم ركن العلمانية حينما تدخل في الأصول والفروع، ومناهج الدين في المدارس ومحتوى الموعظة الدينية، بل ومكان الآية والحديث في النص. فما باله لا يَعُدُّ كل هذا مزجاً بين الدين والسياسة..؟ بل هو المزجُ عينُه.


هلل مُدَّعُو العقلانية لهذه المراسيم، وهذه اللغة التي تركز علاقة السياسة بالدين كعلاقة تضاد، وباركوا الإجراءات بحجة أنها تحرر الشعب من أهواء رجال الدين، وتدخلهم في ما لا يفقهون فيه، وتحمي الناس من صراعات طائفية لا تحمد عُقباها. هذه الإجراءات التي تحيد دور المساجد، وتُلزم رجال الدين بالابتعاد عن السياسة، وإبعاد السياسة عن المساجد، تدعو ضمنًا إلى تأكيد علمانية النشطاء والأحزاب التي تحمل شعارات ومسميات دينية وتفرض عليهم التلبس بالعلمانية الصرف إذا ما أرادوا المشاركة في العملية السياسية.


هذا الموقف من الدول يستدعي وقفة من الأحزاب التي تدعي العمل للإسلام، وأن تتنبه ولا تقع في الفخ المنصوب لها بالمشاركة في هكذا ألعوبة تركز الفصل بين الدين والحياة، وتجعل منهم مجرد واجهة مسلمة لفكر قديم ومستهلك، لفظتها الشعوب المسلمة في الصحوة الإسلامية المباركة.


لقد تم تغليف هذه القوانين بعبارات براقة منمقة مثل "بناء مجتمع متراص متضامن"، و"التمسك بالمقومات الروحية"، و"التفتح على روح العصر" ونبذ "كل تعصب أو غُلُو أو تطرف". ادَّعَوا أن الإجراءات تهدف لحماية الدين، ولكنها في حقيقتها هدفت إلى نشر هيمنة أكبر للحكومة على المساجد والمنابر، من أجل حماية الأنظمة. لعل هذا التركيز على تقنين دَور الدين من دُور العبادة يطرح بعض التساؤلات في تعريف العلمانية وتطورها اليوم. تقول دائرة المعارف البريطانية: " "Secularism" حركة اجتماعية، تهدف إلى صرف الناس، وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة، إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا، والتأمل في الله واليوم الآخر".


اتفق العلمانيون أن لا يكون للدين شأن في الحياة ولكن اختلفوا بين علمانية تقبل بالدين وعلمانية ترفضه أما ما نراه في عالمنا اليوم فهو علمانية متطرفة تراقب الدين وتهابه.. تكيل بمكيالين: فتحارب الإسلام، ولكن لا تستغني عنه، بل تكتفي منه بالقدر الكافي لاستغلال الشعوب. أحياناً تطرح العلمانية الناعمة المتكيفة مع الأنظة الوضعية، وأحيانا تكشف اللثام عن علمانية متطرفة تحاصر المتدينين. لم تقم العلمانية في الأصل لتواجه الدين وتمنعه، بل أتت لتحل النِّزاع القائم بين الكنيسة والسلطة المدنية ولتبعث روح التجدد في مجتمع متحجر، أتت العلمانية لتستقل بالسياسة بعيداً عن الدين الذي اتهمته بقتل الإبداع وتسلط رجال الدين والعجز عن معالجة القضايا المعاصرة. ولكن النِّزاع الآن مختلف ويتعدى النِّزاع القائم في القرون المظلمة في الغرب، وهذا الاختلاف يكمن في حقيقة أن الإسلام مبدأ.


إنَّ التجاذُب بين الدين والسياسة، ليس له أصل في الفكر الإسلامي، بل هو دخيل عليه؛ لأن الإسلام لا يعترف بهذا الطرح، ولا يواجه الثيوقراطية (التي تعني الحكومة الدينية أو الحكم الديني) بالديمقراطية (والتي يراد منها حكم الشعب لنفسه سواء أكانت ديمقراطية رئاسية أم برلمانية) إذ إن كليهما مناقض للفقه السياسي في الإسلام.


الإسلام ليس فيه حكم لرجال دين، ولا يستمد نظام الحكم شرعيته من صك مؤسسة دينية، ولا قدسية لأفراد أيًا كانوا، فالحكم في الإسلام قائم على أن السيادة للشرع، فالذي يُحَسِّنُ ويُقبِّحُ هو الشرع، والذي يجيز ويمنع هو المولى عز وجل، ولذلك كانت القوانين في الشريعة الإسلامية مستمدة من الشرع؛ فلذلك وجب أن تكون العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، وأن لا يوجد في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلا ما كان مبنياً عليها. والإسلام لا يمكن أن يُختَزَلَ في أحكام شرعية منتقاة؛ لأنه يؤثر على كل صغيرة وكبيرة في حياة المسلم، حتى إن المستشرقين وعُوا لِهَذَا الأمر من خلال دراسة نصوص الإسلام، وسير المجتمع المسلم عبر القرون، يقول المستشرق الشهير هاملتون جب (1895-1971): "الإسلام ليس مجرد مجموعة من القوانين الدينية، ولكنه حضارة كاملة".


فالإسلام مبدأ قائم على جملة من الأفكار والمفاهيم والمقاييس التي تنبثق من مشكاة واحدة هي العقيدة الإسلامية. وقد من الله علينا بآليات للاجتهاد الشرعي، ومعالجات لمشاكل الإنسان تضمن استيعاب أي واقع جديد. ولا يصح أن يرجع المسلم إلا لهذه العقيدة، فكما جعل الله المساجد لله ليُذكَرَ فيها اسمه جلَّ وعلا، جعل السلطان للأمة، والأمة تختار من يحكمها بشرع الله عز وجل، فلا يأخذ المسلم نظمه إلا من عند الله، ولا يتبنى دساتير إلا بما هو مبني على أسس شرعية. وكما روت أمنا عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما عن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ». (رواه الإمام أحمد في مسنده)


أما ادعاء العلمانيين بأن فصل الدين عن الحياة هو لتنْزيه الدين عن السياسة؛ لأنه عرضة لفساد النفس البشرية، فما هو إلا محض افتراء. إنهم يعارضون بهذا أساسًا من أسس عقيدة المسلم، فقد تعهد رب العباد بأن يحفظ دينه، فكيف لفكرة بشرية أيًا كانت أن تلوث الدين المنَزَّل من عند الله جل شأنه؟! لم تأتِ العلمانية في السياق الأوروبي إلا لتحقق فصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية الكهنوتية المتحكمة، في إطار عجزت فيه عن مواكبة تطور العلم وافتقدت آلية التجدد والحيوية. هذا الواقع منافٍ تمامًا للإسلام؛ لأن الإسلام مبدأ، وهو عقيدة كلية ينبثق عنها نظام يعالج جميع مشاكل الحياة.


لعل الإشكالية الكبرى في هذه الأراجيف هي كونها بنيت على تاريخ الآخر، الذي يصور الدين كأساس للحروب والنِّزاعات، وتستند إلى رسومات على جدران كنائس الغرب، تشهد إلى يومنا هذا على حمامات الدم ومحاكم التفتيش، والحروب الطائفية في بلادهم. تخلَّص الغرب من هذا الإرث الثقيل بتناسيه، ورمي اللوم على الإسلام والمسلمين، وتشويه تاريخهم، بأن جعلَهُ مليئًا بالدموية. وتغافل المروجون للعلمانية على أنها منقذ للبشرية عن الحروب الكثيرة والنِّزاعات التي لم يكن الدين طرفاً فيها. لا يوجد في العالم اليوم دولة قائمة على أساس ديني سوى الفاتيكان، وبالرغم من ذلك فالتهمة ما زالت عالقة بأن الدين أساس الحروب، يصور كمصدر للعنف مثلما اتخذه ماركس في السابق كأفيون للشعوب. ثم هل قامت الحرب العالمية الأولى أو الثانية إلا على أساس ديني؟ وهل أدى النِّزاع الديني إلا لترنح العالم بين قطبين في سنوات الحرب البادرة، يتقاسمان مناطق نفوذ في العالم ويرعبان البشرية بسباق أسلحة تجاوزت حدود الأرض ووصل للفضاء؟


الدولة الحديثة القائمة على أساس المبدأ الرأسمالي أبرزت في الإنسان أسوأ ما فيه، وتميزت بتعزيز الطائفية، والفشل في صهر الشعوب. الكرة الأرضية أصبحت بؤر نزاع وقلاقل تستبد فيه مجموعة من البشر على غيرها، تارة باسم القبليات والجهوية، وتارة باسم الدين، ويظل البقاء للأقوى، وما أحداث ميانمار وسيرلانكا وأفريقيا الوسطى عنا ببعيدة. العلمانية لم تُؤدِّ للسلم، بل على النقيض شهد العالم حربين عالميتين، مات فيهما الملايين من البشر، وعاش العالم مهدداً لعقود بحرب ثالثة، وشهد العالم التطهير العرقي وحروب الإبادة، وأسلحة الدمار الشامل ومعتقلات التعذيب، والإضرار بالبيئة بشكل لم تشهده البشرية من قبل.


إن مكتسبات العلمانية المزعومة هي سراب يحسبه الظمآن ماء فهي تدَّعي العقلانية، ولكنها لم تنتج المنهج العقلي للوصول للحقائق، بل إن العلمانية نفسها جاءت نتيجة تطور تاريخي، ولم تأتِ بنتاج كبحث فكري (بل أتت كحل وسط لنِزَاعِ الكنيسة والسلطة)، تفادت العلمانية السؤال المحوري في ما وراء الكون، وما هي الغاية من خلق الإنسان، بالرغم من أنه لب النقاش ولا غنى عن الوصول لهذه الحقيقة، ولا يمكن أن يعتبر التفكير جديًا إن لم يُبنَ على أساس متين، ويستند إلى قاعدة فكرية ثابتة. العلمانية تفادت فكرة الثوابت وإدراك الحقيقة.


ومسألة التفكير في الخلق هو ما أتت العلمانية لتطمسه إذ لم تجعل هذا السؤال المصيري محل بحث، بل كونت ثقافة شعبوية تقوم على تفاديه، وأغرقت المجتمع بما بات يعرف بثقافة "الجنس، والمخدرات والروك أند رول" فهي بهذا صارت منهجاً يحارب الطريقة العقلية.


وإذا كانت العلمانية تهدف لمحاربة تحالف السلطة المستبدة مع ما يعرف برجال الدين، فإن هذا العصر شهد ازدهارًا لهذا التحالف، وتضخمًا لثروات الذين يُفتون على ذهب المعز وسيفه. شهد تملق علماء السلاطين للسلطة، حتى بات يُضرب بهم المثل في تذبذب الرأي، وخيانة الأمة، وتجلت عندهم أزمة حياء وهم يظهرون على الفضائيات ويسوقون الباطل للشعوب من أجل مصالحهم الشخصية. وكيف يردعهم تحييد المساجد، ولم يردعهم يوم الوعيد؟ لعل واقع رجال الدين عبر العالم يصور فشل هذا الادعاء إذ أصبحوا الإقطاعيين الجدد بأملاك وعقارات لا تعد ولا تحصى، بل إن المؤسسات الدينية ومشاهير رجال الدين يقومون بمشاركات اقتصادية لا يمكن تجاهلها. هيمن قيصر وترك الفاسدين في فسادهم واكتفى هو بالسلطة زاعمًا أن السلطة مفسدة!


إن هذه الدعوات لتحييد المساجد، وعلمنة الدين تستند إلى مراجعة الثقافة الإسلامية، والدعوة لتطويع الفكر الإسلامي، وتقوم على أساس استشراقي يشكك في سند النص، ويفهم ربع المتن، ثم يسيء توظيفه بخبث، ويجعل العقل مناط الحكم والفاصل فيه. إنها نظرة قائمة على خلق لَبسٍ في فهم الواقع وإسقاط تجربة الكنائس البروتستانتية على واقع المسلمين اليوم، ودون اعتبار لما حدث للكنيسة في مواكبتها للحداثة عبر سلسلة من المراجعات الفكرية التي سلختها عن النص الديني. يريدون أن يطوعوا الفكر الإسلامي لأهواء البشر؛ لأنهم لم يعرفوا إلا فكرًا مطاطيًا قابلاً للتطويع، ينصاع لأبعد مدى إذا ما مورس عليه القليل من الضغط. ألا يعتبرون مما آل إليه اللاهثون وراء الحداثة والعقلانية؟ تارة يشككون في حمل مريم البتول بذريعة أن حمل العذراء يتعارض مع العلم، متجاهلين ما ذكره رب العزة من كونها آية، وتارة أخرى يتراجعون عن رفض تولي المرأة الأسقفية، يتنازلون إلى أن تميل كفة الكنيسة في الجدال الدائر لعقود حول حقوق الشواذ وتمكينهم من مناصب قيادية في الكنيسة عبر تأويل النصوص الدينية. أيريد دعاة العلمانية من بني جلدتنا أن نسير في هذا الدرب الوحل؟! إنهم يفعلون فعلة إبليس فيتبعهم الغاوون. يعلمون الناس ما يضرهم ويغررون بالسذج دون أن يقولوا لهم: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾.


لعل من يروج لتحييد المساجد، وفرض العلمانية، والاحتذاء بالغرب، وتقليد عقيدته وفكره وسياساته يظن أن الأمة مغيبة لا خير فيها، ولا تتعلم من أخطاء الماضي. يقول خير الدين التابع للغرب "سمعت من بعض أعيان أوروبا ما معناه (أن التمدن الأوروبي تدفق سيله في الأرض، فلا يعارضه شيء إلا استأصلته قوة تياره المتتابع، فيخشى على الممالك المجاورة لأوروبا من ذلك التيار، إلا إذا أخذوه وجروا مجراه في التنظيمات فيمكن نجاتهم من الغرق" (1)


نعم انكشف نموذج المصلح الظلامي الذي يروج بضاعة مستوردة، تناقض عقيدة وحضارة وذوق الأمة، وإن كان الناس قد غرر بهم في السابق بمقولات من ادَّعَوا العلم والتجديد؛ فإن عقارب الساعة لا تعود للخلف، وهذا زمان التمحيص وتمايز الصفوف، ولسان حال الأمة اليوم يقول مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لست بالخبِّ ولا الخبُّ يخدعُنِي".


لقد قسَّم قيصر مَا لَهُ وَمَا لله، ولم يحترم هذا التقسيم، فطمع فيما هو لله.. طمع في الملك كله بعد أن تجاوز حده وتعدَّى على النصف، وأخذ مكانًا ليس له؛ فأفسد في الأرض أيما إفساد.. تجاوز حده؛ لأنه في الأصل إنسان ضعيف محدود قاصر ناقص عاجز محتاج.. تجاوز حده، ولم يحسب حساب يوم يقول فيه الملك القهار: أنا الملك، فأين ملوك الأرض؟


﴿اللَّـهُ نُورُ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ ۚ مَثَلُ نُورِ‌هِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّ‌يٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَ‌ةٍ مُّبَارَ‌كَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْ‌قِيَّةٍ وَلَا غَرْ‌بِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ‌ ۚ نُّورٌ‌ عَلَىٰ نُورٍ‌ ۗ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِ‌هِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِ‌بُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْ‌فَعَ وَيُذْكَرَ‌ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِ‌جَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَ‌ةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ‌ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ‌﴾

 


كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد

 

 


(1) خير الدين التونسي: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك.

 

 

إقرأ المزيد...

نفائس الثمرات المؤمن من يعلم أن ما قال الله عز وجل كما قال

  • نشر في أخرى
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 729 مرات


أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن الحسن البصري، قال: المؤمن من يعلم أن ما قال الله عز وجل كما قال، والمؤمن أحسن الناس عملاً وأشد الناس خوفاً لو أنفق جبلاً من مال ما أمن دون أن يعاين، ولا يزداد صلاحاً وبراً وعبادة إلا ازداد فرقاً، يقول: لا أنجو، والمنافق يقول: سواد الناس كثير وسيغفر لي ولا بأس علي، فينسى العمل ويتمنى على الله تعالى.

 



وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق عنصرية أمريكا تقتلها

  • نشر في خبر وتعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 493 مرات


الخبر:


لماذا تحول مقتل الشاب الأسود مايكل براون إلى تمرد واحتجاجات تجاوزت مدينة فيرغسون، وامتدت إلى مدن أمريكية أخرى؟


كيف كانت ستتصرف واشنطن، لو أن أي بلد آخر كان مسرحا لمثل هذه الحادثة ومثل هذه الاضطرابات، وتفريق المتظاهرين بالقوة؟ وهل فعلا لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية بلدا يعاني مظاهر عنصرية حادة، بغض النظر عن خطابها المنمق حول العدالة والمساواة؟


التعليق:


منذ أكثر من أسبوعين وأحداث مقتل الشاب الأسود الأمريكي مايكل براون في مدينة فيرغسون الأمريكية مندلعة، وامتدت إلى مدن أمريكية أخرى، وأكثر وسائل الإعلام العالمية لا تذكر الخبر إلا على استحياء وفي آخر الأخبار.


إن العالم يمر بأزمة قيميّة تميز بين البشر كافة سواء على مستوى اللون أو العرق أو الدين وما شاكل ذلك، وليس هذا إلا بسبب تطبيق المبدأ الرأسمالي وديمقراطيته الغربية بقيادة أمريكا التي حولت البشر إلى أعداد وآلات، فلا قيمة للإنسان في النظرة الرأسمالية الغربية إلا بقدر إنتاجه ومن ثم لونه وعرقه. ومما يُذكر أن هذه الحادثة، أي مقتل الشاب الأسود، ليست الأولى من نوعها بل تكررت أكثر من مرة خلال السنوات الماضية القليلة، فكانت المظاهرات المناهضة للتمييز العنصري هذه المرة مميزة وأكبر حجما وتنظيما بل وامتدت إلى مدن وولايات أخرى، وبالطبع هو الظلم العالمي الذي تمارسه أمريكا في العالم خارجيا وداخليا والاستهتار بأرواح البشر الذين كُرِموا دينًا وعند كل الشعوب والأمم. ومما ساهم في تأجيج تلك المظاهرات تعمق الأزمة المالية الأمريكية والتي من نتائجها البطالة عن العمل وازدياد الفقر مما يعني أن أي شرارة في تلك الدول الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا سيؤدي إلى اندلاع ثورات قلب أنظمة تتسلط على حرية البشر وتستعبدهم بطريقة خفية وعصرية، فلا يعطى الإنسان راتبا أكثر مما يجب بل ما يكفي وشيئاً من الرفاه، وهناك وسائل حكومية ورأسمالية لامتصاص السيولة الزائدة عند المواطنين من أبناء الطبقة الوسطى وهكذا دواليك.


إن أمريكا تتعامل داخليا وخارجيا مع البشر بمكاييل مصالحها الآنية ومصالح الرأسماليين، فما يقبل في بلاد الغرب لا يقبل في الشرق وما يقبل من اليهود أو النصارى لا يقبل من المسلمين، وذلك يتنافى ودولة الرعاية العالمية المتفردة بقوتها، فالعدل أساس الملك داخليا وخارجيا وهذا ما يُفتقد أمريكياً وأمميا على مستوى العالم، وخصوصا ما يسمى مجلس الأمن ودول الفيتو الخمس، فما يحق لهم لا يحق لغيرهم، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي حتى وصل الأمر إلى عدم احترام الكرامة البشرية والحفاظ على حياتهم، وخير مثال موضوع هذا الخبر أي الشاب الأسود الذي قتل بدم أبيض بارد.


ومثال آخر نأخذه عالميا لما يجري من عدم اهتمام عالمي بدماء البشر سواء ما يجري في غزة هذه الأيام أو ما يجري في الشام والعراق منذ سنين، فروسيا بوتين لأنها من أعضاء مجلس الأمن ولها أحقية صوت الفيتو فهي ما زالت منذ قرابة الأربع سنوات تحمي جرائم بشار في الشام وتمده بالسلاح، ورغم مقتل أكثر من مئتي ألف من البشر، فلا أحد يجرؤ على إيقاف ذلك التقتيل وتلك المهازل، فهذه شرعة الأمم المتحدة العالمية وحقوق الإنسان العالمي التي تشرع قوانينها بشريًا وبما يخدم الدُّول القويَّة.


إن العالم بحاجة اليوم إلى العودة إلى قيم راقية تحمي كرامة الإنسان ودمه وعرضه وماله، لا إلى شرعة بشرية تخدم القوي وتجعل "الذئب يحرس الغنم"، ولذا يجب على البشر البحث عن الشرعة السماوية التي تحل مشاكل العالم والأمم، وتعطي كل ذي حق حقه حتى يسود شيء من السلام والوئام العالمي ولا يبقى الظلم والتظالم سيد الموقف، وعلى المسلمين أن يعملوا لإعادة مبدأ الاسلام يحكم بينهم وينقلوه للبشرية بحضارة ورقي بعيدا عن دماء الحربين العالميتين الأولى والثانية وبقية حروب بمجملها عبارة عن حرب عالمية ثالثة قتل فيها من البشر الملايين، وما هذا الشاب الأسود في أمريكا مدعيةِ حماية حقوق الإنسان والحريات العامة إلا مثالٌ لما يحدث في العالم وينذر بما هو أكبر عالميا.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ وليد نايل حجازات

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق أيها المسلمون في آسيا الوسطى: انبذوا المشاعر الوطنية فإنها أساس الداء (مترجم)

  • نشر في خبر وتعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 579 مرات


الخبر:


ذكرت سي اي نيوز نقلا عن موقع الحركة الشعبية لأوزبكستان أن شجارا كبيرا حدث بين الأوزبك والكازاخ، في السابع والعشرين من آب/أغسطس في قرية قرمورت في كازاخستان، حيث معظم الناس هناك هم من أصل أوزبكي.


التعليق:


يلاحظ في السنوات الأخيرة في وسط آسيا تزايد النزاعات بين المسلمين على أساس وطني. نزاعات غير منتهية بين القرغيز والأوزبك في قرغيزستان، وبين القرغيز والطاجيك على الحدود بين الدولتين، وأيضا بين الطاجيك والأوزبك على موضوع أن سمرقند وبخارى منذ القدم ينتمون إلى طاجيكستان. وأخيرا الكازاخ الآن يهجمون على الأوزبك.


يوجد اليوم في وسط آسيا خمس دول كما تدعى مستقلة قائمة على أساس وطني هي:


كازاخستان وعدد سكانها 17 مليون نسمة، وتعتبر التاسعة في العالم من حيث المساحة.


أوزبكستان وعدد سكانها 30.5 مليون نسمة، وتأتي في المرتبة الـ56 في المساحة في العالم.


طاجيكستان وعدد سكانها 8 ملايين نسمة، وتحتل المرتبة الـ 96 من حيث المساحة في العالم.


قرغيزستان وعدد سكانها 5.8 مليون نسمة، وتحتل المرتبة الـ 86 من حيث المساحة في العالم.


وأخيرا تركمانستان وتعداد سكانها 5 ملايين نسمة، وتحتل المرتبة الـ 53 من حيث المساحة في العالم.


لم يوجد سابقا دول وطنية على أراضي آسيا الوسطى. فهذه الدول الخمس ظهرت في الماضي القريب، بعد احتلال أراضي المسلمين من قبل الروس الشيوعيين الملحدين المستعمرين في بداية القرن العشرين. فبعد احتلال بلدان المسلمين قام الشيوعيون برسم حدود على طول آلاف الكيلومترات وقسموها لجمهوريات من أجل الحيلولة دون اتحادها مرة أخرى. فسمموا بذلك عقول المسلمين بأفكار وطنية وأشعلوا حروبا وطنية بين هذه الجمهوريات.


جزء كبير من هذه الحدود ليس له ملامح محددة، ما يؤجج معظم الوقت نزاعات وخلافات لطرد الناس من أحد طرفي تلك الحدود بحجة أن الأرض تعود للطرف الآخر. اجتمعت اللجنة القرغيزية الأوزبكية لرسم وتوضيح معالم الحدود بين البلدين لرسم 1050 كم في عام 2010 حيث تدور المفاوضات على تبعية 58 قطعة أرض متنازع عليها. طول الحدود بين كازاخستان وأوزبكستان 2350 كم، وطول الحدود بين طاجيكستان وأوزبكستان 1100 كم.


لقد زاد انهيار الاتحاد السوفييتي من حدة النزاعات على أساس وطني، ففي عام 1991 ظهر في وسط آسيا 36 خلافا ونزاعاً على أساس وطني. ففي قرغيزستان عام 2010 حدث سفك دم على أساس وطني بين القرغيز والأوزبك. وفي هذا العام اشتعل النزاع على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان. وهناك قتلى وكثير من الجرحى ولم يتم إنهاء النزاع بعد.


لقد استخدم الشيوعيون الكفار في روسيا، الأفكار الوطنية ضد المسلمين في وسط آسيا وقد نجحوا، حيث قسموا المسلمين وزرعوا بيننا العداوة والبغضاء. واليوم أحفاد كفار الكرملين يستخدمون نفس أساليب أجدادهم للوصول لأهدافهم السياسية (فرق تسد). إن مسلمي وسط آسيا من جديد يتواجدون وسط لعبة المستعمرين الكفار.


أيها المسلمون في وسط آسيا!


انبذوا الأفكار والمشاعر الوطنية، فإنها أساس الداء. إن ديننا هو الإسلام، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.


أيها المسلمون في وسط آسيا!


الإسلام هو الطريقة الوحيدة لحل مشاكلنا، والإسلام وحده هو الذي يحمينا من الاقتتال فيما بيننا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرِبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، أَلا لا فَضْلَ لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى».

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إلدر خمزين
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق ارتفاع نسب الانتحار دليل على إفلاس الرأسمالية وفشلها في إسعاد البشرية

  • نشر في خبر وتعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 365 مرات


الخبر:


نشر موقع هسبريس بتاريخ 2014/09/06، ملخص تقرير لمنظمة الصحَّة العالميَّة حول "الانتحار والوقاية منه" عرض مؤخراً في جنِيف كشف أن أزيد من 800 ألف شخص ينتحرُون سنويًّا حول العالم، وأنَّ الانتحار أصبح ثانيَ سببٍ للوفاة لدَى الشريحة العمريَّة (15 - 29)، دون احتساب محاولات الانتحار الفاشلة، حيثُ تقول الأرقام إنَّه إزاء كلِّ شخص يلقَى حتفه، ثمَّة عشرونُ شخصًا يحاولونَ الانتحار على غرارهِ.


وفيما يخص المغرب كشف التقرير عن ارتفاعٍ مهول شهدتهُ حالاتُ الانتحَار بالمغرب ما بينَ سنتَيْ 2000 وَ2012، ففِي ظرفِ اثنتَيْ عشرة سنة، تضاعفَ "المنتحرُون" المغاربة؛ بـ97% ليقفزُوا منْ 2.7 إلَى 5.3 حالة انتحار بينَ كلِّ مائة ألف مغربِي.


وكشفَ التقرير أنَّ 1628 مغربيًّا انتحرُوا، خلال 2012، يشكلُ الرجال 87 بالمائة منهم. وتلفتُ منظمة الصحَّة العالميَّة، إلى أنَّ المسنِّين المغاربة منْ أكثر الشرائح العمريَّة إقدامًا على الانتحَار، حتَّى باتَ معدلهم يشارفُ على 14.4 حالات انتحار لكلِّ مائة ألف نسمَة، على أنَّ المسنِّين الرجَال كانُوا أكثر إقبالًا على وضع حدٍّ لحياتهم من النساء المسنَّات، ففيما لمْ يتخطَّ معدَّلُ الانتحارِ 3.7 حالات لكلِّ مائة ألف وسط النساء، بلغَ المعدلُ وسط المسنين الرجَال 30.1 حالة لكلِّ مائة ألف. وتظهرُ الدراسة أنَّ المغاربة يقبلُون أكثر على الانتحار مع تقدمهم في العمر، فبالرغم من تداول مرحلة المراهقة والشباب، كإحدى الفترات الباعثة باضطراباتها النفسيَّة والفيزيلوجيَّة، على التفكير في الانتحار، فإنَّ معدل الانتحار وسط الشريحة العمريَّة ما بينَ 15 وَ29 عامًا، يستقرُّ في حدود 5.9 حالات لكلِّ مائة ألف نسمَة، فيما يصلُ معدل الانتحار لدى الفئة العمريَّة (30 - 49) إلى 6.4 لكلِّ مائة ألف.


التعليق:


إنها لمأساة فعلاً أن يقدم على الانتحار قرابة مليون شخص سنوياً، وأن يقدم 20 ضعفاً لهذا العدد (أي 16 مليون شخص) على محاولة الانتحار، ما الذي دهى البشرية؟ ماذا ألمَّ بها؟ ألهذه الدرجة استبدَّ بها اليأس واسودَّت الدنيا في أعينها حتى عادت لا ترى مخرجاً من أزماتها إلا الخروج من الدنيا برمتها؟


أيحتاج الناس بعد هذا إلى دليل ليستيقنوا أن الرأسمالية، كنظام يسير علاقات الناس، هو نظام فاسد فاشل وأنه لا يقود الناس إلا إلى الضنك والشقاء؟


على أنه وإن كنا يمكن أن نفهم سبب إقدام الكفار عموماً على الانتحار تحت ضغط مشاكل الحياة اليومية بسبب الخواء الروحي وظناً منهم أنهم بانتحارهم سيتخلصون من مشاكلهم، إلا أننا لا نستطيع أن نتقبل أن تنتشر مثل هذه الظاهرة في البلاد الإسلامية. إن من أبجديات الإسلام أن الانتحار حرام وأن عقوبته الخلود في النار، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» [صحيح البخاري]، أي أن المنتحر يهرب من مشكل دنيوي مؤقت، إلى النار والعياذ بالله خالداً مخلداً فيها. وإن من أبجديات الإسلام أيضاً أن الله قد يبتلي المسلم في دنياه كأن يضيق عليه في رزقه أو في عافيته أو أن يبتليه في أهله أو أولاده أو ماله إلى غير ذلك، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155] إلا أن المسلم يتقبل كل هذا بصدر رحب، بل ويسعد بابتلاء الله له لأنه يرى فيه فرصة للتكفير عن ذنوبه، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [صحيح البخاري]. وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، وَيُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَدَعَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [صحيح ابن حبان، وحسنه الألباني].


فما الذي حصل حتى انتقلت إلينا عدوى الغرب الكافر، فأصبح أبناء الأمة يلجئون إلى الانتحار هرباً من المشاكل؟


لا يحتاج الإنسان إلى كثير خبرة ليدرك السبب: لقد فشل النظام فشلاً ذريعاً في توفير الحاجات الأساسية للناس، فازدادت البطالة والفقر وعجز الناس عن توفير لقمة عيش كريمة لهم ولأسرهم، فولد هذا ضغطاً يومياً متزايداً على الناس، وليت النظام اكتفى بهذا، بل إنه أخذ على عاتقه أيضاً حرْف الناس عن دينهم بإشاعة الميوعة الفكرية والفساد الأخلاقي، وحارب الالتزام الديني واعتبره نوعاً من أنواع التطرف، وهذه بدون شك الوصفة المثالية لارتفاع الانتحار، رفع الضغط من جهة وضرب العقيدة التي تشكل المناعة عند الناس وتزودهم بالقدرة على التحمل من جهة أخرى.


لقد عاش المسلمون قروناً لا يعرفون هذه الظاهرة، ورغم أنهم مروا بأزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، إلا أن تقيدهم بشرع الله سرعان ما كان يعيد وضعهم على السكة فتستقيم أمورهم من جديد، وكانت قوة العقيدة وصفاؤها في أذهانهم تجعلهم يتحملون ما يجدون من مشاق الدنيا بل ويستصغرونها، يحتسبون الأجر عند الله، دون أن يخطر ببال أحدهم مجرد خاطرة أن يضع حداً لحياته على وجه يغضب الله عليه.


أما اليوم، في ظل النظام الرأسمالي الفاسد، الذي أهمل رعاية الناس، وأفسد فكرهم، وجعلهم يعيشون في مجتمع كالغابة يأكل القوي فيها الضعيف بحكم القانون، فمن الطبيعي أن تنتشر هذه الظواهر، وقد رأينا كيف ينتحر أحدهم لأنه لم يعد يقوى على القيام بمسئولياته، وآخر لأنه فقد تجارته، وآخر لأن سراً من أسراره قد افتضح، وآخر لأن حبيبته قد هجرته، ... وكل هذه الأسباب بسيطة لو عولجت بوجهة نظر الإسلام.


إن العلاج الرباني هو البلسم الشافي لكل مشاكل البشرية، كيف لا وهو الصادر عن الحكيم الخبير العليم بأحوال الناس وطبائعهم وما يصلحهم، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]. وإنا لندعو أهل الفكر والعلم والخبرة أن ينكبوا على دراسة هذا الدين وأخذ الحلول منه وطرح ما عداه، ونحن على يقين أنه ما من مشكل واجه البشرية سابقاً أو سيواجهها لاحقاً إلا وقد بيّن الله لنا في كتابه وسنة نبيه العلاج التفصيلي الناجع له. ثم نعلمهم أن الدواء لا قيمة له، وإن كان ناجعاً، إن لم يتناوله المريض، وكذا الحلول الإسلامية، فإن الأصل أن توضع موضع التطبيق حتى يعم خيرها على الجميع، وليس من طريق لذلك إلا بإيجاد النظام الذي يطبقها، وهو نظام الخلافة الذي يطبق أحكام الشرع وحلوله، فيرفع الضنك والشقاء عن الناس ويتنعم ليس فقط المسلمون بخيراته بل البشرية جمعاء.


لقد مضى حزب التحرير في هذه الطريق منذ عقود، وبحث معظم المشاكل التي تعاني منها البشرية ووضع حلولاً لها، بل عرض تصوراً تفصيلياً لشكل الدولة التي سيناط بها تطبيق الأحكام الشرعية، وهذه الدراسات والأبحاث متوفرة على مواقع حزب التحرير على الإنترنت، ومكاتبه الإعلامية وشبابه بكل البلاد الإسلامية، فندعوكم أن تطلعوا على ثقافة الحزب وتتصلوا بشبابه وتجعلوا هذه الثقافة موضع النقاش بوصفها ثقافة إسلامية وحلولا عملية تفصيلية لمشاكل الناس وما أردته فيهم الرأسمالية من ضنك العيش، لعل الله أن يكتب الخير على أيديكم.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد بن عبد الله

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق هيومن رايتس ووتش تكشف عن اغتصاب صوماليات من قبل القوات الأفريقية

  • نشر في خبر وتعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1170 مرات


الخبر:


أورد موقع روسيا اليوم بتاريخ 2014/09/08م خبرا جاء فيه: "كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر الاثنين 8 سبتمبر/أيلول أن جنودا من القوات الأفريقية المنتشرة في الصومال اغتصبوا نساء وقايضوهن المساعدات الغذائية بخدمات جنسية.


وقالت المنظمة الحقوقية إن "بعض النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب قلن إن الجنود أعطوهن طعاما أو أموالا بعد الاعتداء عليهن لجعل الأمر يبدو وكأنه مقايضة".


وأضافت المنظمة في تقريرها حول حقوق الإنسان "لقد قاموا أيضا باغتصاب أو الاعتداء جنسيا على نساء كن يطلبن مساعدات طبية أو ماء من قواعد قوات الاتحاد الأفريقي (أميصوم)".


التعليق:


اللهم يا معز أعزنا بدولة إسلامية، يعز بها أهل دينك، خلافة على منهاج النبوة، تضع حداً لممارسات الكفار وأعوانهم، تجهز الجيوش - بكل ما أوتيت من قوة - لتذود عن أعراض المسلمات في كل بقاع المعمورة، يا الله قد طال بنا البلاء واشتدت علينا الخطوب، ولا نقول إلا كما قال حبيبك المصطفى «إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي»، ثبتنا يا الله.


يتشدقون بحقوق الإنسان، ويدّعون الحرية، ويتغنون بالديمقراطية، وهم يثبتون في كل يوم ولحظة أنهم بعيدون عنها، وما مبدؤهم إلا سراب، وأفكارهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، تذهب هباءً منثوراً.


إلى هذا وصل بهم الحد، انتهاك للحرمات، وهتك للأعراض، واستغلال لأوضاع الناس السيئة، ومقايضة الحلال بالحرام، إجبار للضعفاء والمساكين والنساء، وهم من أخذ خيراتهم ونهب أموالهم وشرّد عائلاتهم!!


أية قوات هذه، وأي جنود هؤلاء؟!، إن الجندي يتمتع بصفات الشرف والأمانة ويحافظ على ميثاق أقسم عليه عند دخوله الجيش، حتى ثوابتهم يتبرؤون منها!.. وأفعالهم لا تدع مجالاً للشك في ذلك!


أين العالم من هذا؟! ألا تحرك به صرخات النساء أي شعور بالخجل؟!.. لكن أنى لمن رضع الليبرالية والديمقراطية أن يحرك أي ساكن؟!... هي مصالحه وأهواؤه، وفي سبيل تحقيقها لا يتورع عن فعل أي شيء، مع اطمئنانه إلى أنظمة عميلة، ودول صديقة تدافع عنه وتبرر تصرفاته، ولا تدع أي مكروه يمسه.


وا إسلاماه، وا خليفتاه... متى يعود الإسلام وراياته تخفق عالياً، وصيحات جنوده ترهب كل من تسوّل له نفسه أن يمس إحداهن ولو بكلمة!!


ربنا ثبتنا وانصرنا وأعزنا، إنك على كل شيء قدير.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم: ريحانة الجنة

 

 

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع