إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ عليه وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ريب فيه، وسلم تسليماً كثيراً. وبعد
قال تعالى: (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) من سورة يوسف، وقال عز وجل: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) (الحجر 56)، وقال سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر 53).
أيها المسلمون: في هذه الايات الكريمات ينهي المولى عز وجل عن القنوط واليأس من رحمة الله، ومن اليأس من نصر الله لعباده المؤمنين، فالشرع قد أمرنا بالسير دون توقف، وبشرنا ان المولى سيعيننا ما دمنا في طاعته، بل أمرنا الشرع أن نعمل حتى في أحلك الظروف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (النخلة الصغيرة) فليغرسها».
أيها المسلمون: لا يخفى علينا مدى الضعف والهوان الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية من ناحية الأمن رغم كثرة الرجال وتوفر القوة، ومن ناحية الاقتصاد رغم توفر الثروة وغير ذلك، إزاء هذا الواقع قال بعض الناس إن النصر لن يأتنا، كيف سننتصر على يهود؟ كيف ننتصر على أمريكا؟ كيف نخرج المنظمات التي تعمل في بلادنا وتبث الكفر في كل مكان كيف نطردها من بلادنا؟ فقد كثر المتخاذلون، وكثر المتهالكون الذي لا يسارعون إلى مغفرة من الله ورضوان وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين. لذلك فعندما قام رجب أوردوغان رئيس وزراء تركيا معتزلاً قمة دافوس الاقتصادية، ومكيلاً بالكلمات فقط لرئيس دولة يهود، فرح كثير من أبناء المسلمين فقالوا هذا يعني أنه ما دام أردوغان قاطع مجلسهم وانصرف عنهم فهذا يعني أن النصر يمكن أن يأتي، ويمكن أن يكون رجب أردوغان خليفة للمسلمينن لأن آخر خلافة كانت في تركيا.وهنا في السودان خرجت مسيرات كما خرجت في تركيا.
أيها الأحبة الكرام: إن الشرع أمرنا أن نلتزم الإسلام وأن لا نيأس ابداً، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، ففي موقعة بدر كان الصحابة قلة بالنسبة لجيش المشركين، لم يتجاوزا الثلاثمائة إلا قليلاً، والمشركون فوق التسعمائة، ويوم حنين كان المسلمون اثني عشر ألفاً ومشركو هوازن وثقيف ثلاثون ألفاً، وفي مؤتة المسلمون ثلاثة آلاف فقط بينما النصارى مائتي ألفاً، وفي واقعة ملاذِ كُرد المسلمون بقيادة ألب أرِسلان خمسة عشر ألف مجاهداً والنصارى اكثر من ثلاثمائة ألفاً، وفي واقعة الزلاقة كان جيش المسلمين (بقيادة يوسف بن تاشفين الذي كان عمره حينها تسع وسبعون عاماً) كان الجيش خمسة عشر ألفاً وجيش الفونس السادس ستون ألفاً، فقتل المسلمون من الكفار تسعاً وخمسين ألفاً والذين استطاعوا دخول الحصن من الفارين مائة فقط من بينهم أميرهم الفونس السادس، وقد دخل الحصن برجل واحدة حيث فقد الثانية في المعركة؛ ففي كل هذه المعارك نصر الله عباده المؤمنين رغم قلتهم بالنسبة لعدوهم. اما اليائسون في كل زمان كان ظنهم خائباً، لأن الله تعالى وعد عباده بالنصر وأمر أن يحسن العباد الظن به، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) (غافر 51). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» أخرجه مسلم من حديث جابر. ولنا في فتح عمورية عظة وعبرة، فعندما هجم الروم على بلاد المسلمين في تركيا، صرخت امرأة مستغيثة بالإسلام وبخليفة المسلمين فقالت: (وا إسلاماه، وا معتصماه) فنقل الجند ما حدث لهم وما قالته المرأة فاشتاط الخليفة غضباً وكتب كتاباً جاء فيه " إن لم تخرج لأرسلن لك جيشاً اوله عندك وآخره عندي" وبالفعل أعد المعتصم بالله جيشاً عظيماً في وقت كان جزء من الجيش مشغولاً بفتنة بابك الخرمي صاحب الفرقة الضالة، فأخذ المنجمون والمخذلون واليائسون يقولون إن الوقت ليس وقت حرب، حتى قال المنجمون إن الخليفة سيهزم. وفي وقت الاعداد السريع أتت الأنباء السارة بالقضاء على تلك الفتنة ومقتل قائدها بابك، واختار خليفة المسلمين أقوى قلاع الروم (عمورية) عاصمة تركيا الحالية (أنقرة) وانتصر المسلمون نصراً مؤزراً؛ فقتل من الروم ثلاثون ألفاً، وأُسر منهم ثلاثون ألفاً. فأنشد أبو تمام قائلاً:
السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
إلى أن قال:
عجائباً زعموا الأيــام مجفلةً عنهن في صفر الأصفار أو رجب
وخوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
واليوم المخذلون يقولون لن ننتصر على يهود، ولن ننتصر على أمريكا، ولن نستطيع أن نوحد الأمة، والله عز وجل يقول: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ).
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه الكرام النجباء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم اللقاء وبعد،،،
إن الله عز وجل لن يسألنا عن تحقق النصر بل سيسألنا ماذا عملنا من أجل النصر، وفي الآية الكريمة يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد 40) ففي هذه الآية وعد بالنصر وطلب العمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعليه فإن الموقف الذي يحبه الله تعالى منا هو العمل لتطبيق أحكام الإسلام في كل شئون الحياة، في الحكم وفي الاجتماع والاقتصاد والسياسة الداخلية والخارجية ومنها الجهاد في سبيل الله لتحقيق الأمن والأمان للأمة الإسلامية وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام.
والموقف الذي وقفه رئيس وزراء تركيا من نقد ليهود لا يغطي بقية الأعمال التي تقوم بها دولة تركيا، فهم معترفون بدولة يهود ولهم سفارة في تركيا، بل عقدت تركيا اتفاقية تعاون عسكري عام 1996م مع يهود، تم بموجبها عمل عسكري مشترك أبرزها المناورة العسكرية في مطلع 2003 م بمشاركة يهود وأمريكا وتركيا. ولكون المسلمين في تركيا في غليان نصرة لاخوانهم كانت هذه المواقف من أردوغان التي هي ذر للرماد في العيون للتمويه وتنفيس غضبة المسلمين.
اما النصر أيها المسلمون فإنه ينزل على من ينصر الله سبحانه وتعالى، وقد طلب المولى سبحانه من المؤمنين أن يكونوا أنصار الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ). ونصر الله يكون بالعمل مع المخلصين في الأمة يداً واحدة لاستئناف الحياة الاسلامية بإقامة دولة الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة التي تحرِّك الجيوش لتنصر الله عز وجل فينصرنا سبحانه ولمثل ذلك فليعمل العاملون.