لا تفاوض إلاّ في المباح
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صلِّ وسلم عليه وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
يقول المولى سبحانه وتعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [الحجرات 9-10]
في هذه الآيات الكريمات يأمر الله سبحانه عباده المؤمنين إن حدث اقتتال بين طائفتين من المسلمين أن يصلحوا بينهما، فإن أبت إحداهما الرجوع إلى الحق وإيقاف الاقتتال أمر الشارع بقتال الفئة الباغية حتى ترجع، وأمر الشارع عند رجوع الباغي إلى الحق أن يكون الاصلاح على أساس الإسلام وحده، وهو العدل والقسط الذي يحب الله عز وجل أهله.
ونحن نجد الآن في كثير من بلاد المسلمين أن الغرب الكافر أشعل حروباً وصنع متمردين من أبناء الأمة ومدهم بالمال والسلاح ليكونوا رأس الحربة في تنفيذ مخططاته الرامية لتمزيق ما هو ممزق وتفتيت ما هو مفتت من بلاد المسلمين، وضلل الساسة والحكام وأشغلهم بما يسمى بالمفاوضات التي تكون أجندتها في الأصل هي أجندته، وما يتوصل إليه من اتفاقيات هي ما يرمي إليه الكافر المستعمر ويريده، كيف يكون ذلك؟ يكون هذا الأمر للبعد عن أحكام الإسلام وشرائعه عند حل قضايانا بما فيها قضية الاقتتال بين المسلمين، وقد كانت الآيات صريحة في الرجوع للإسلام؛ وهو العدل وحده، أما الذي يحدث في عصرنا الحالي فهو الجري إلى التفاوض وليس الإصلاح على أساس الإسلام، أما التفاوض فيكون شعاره أن يحمل كل واحد من المتفاوضين في جيبه كما هائلاً من التنازلات للطرف الآخر ولو على حساب ديننا الحنيف ولو التنازل عن حقٍ لا يملكه المتفاوضون!
وإن كان لنا أن نتنازل عن حق أجازه الشرع فهو يكون في المباحات، أما الواجب وارتكاب الحرام فلا تنازل فيه.
فهذا رسولنا عليه السلام عندما عُرض عليه الملك والمال وأن يتزوج أجمل النساء وغيرها من عروض الدنيا للتنازل عن بعض الإسلام، كان يقول: «لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه». وعندما تنازل رسولنا عليه السلام عن بعض الأمور التي واكبت صلح الحديبية إنما كان في أمر مباح يحق له أن يتركه ككتابة باسمك اللهم مكان بسم الله الرحمن الرحيم، ومحمد بن عبد الله محل محمد رسول الله، وأمر في الوثيقة المسلمين حديثاً ان يبقوا في مكة، والذين ارتدوا سمح لهم أن يدخلوا مكة ولا يقبض عليهم، ووافق صلى الله عليه وسلم أن يرجع بدون أن يعتمر، على أن يعتمر في العام القادم، فكل ذلك مباح وليس حراماً، وكان عقد الصلح بين دولة الإسلام بقيادة رسولنا عليه الصلاة والسلام وبين دولة الشرك في مكة، وليس بين مسلمين داخل بلد واحد.
أيها المسلمون: إن الذي أصبح بدعة في زماننا عندما يحمل أحد سلاحاً ويظهر قوة كأن يدخل حتى يصل عاصمة البلاد أن يعمل له ألف حساب فيعمل على إرضائه، ففي جنوب السودان تم الاتفاق على إعطاء الكافر مناصب حكم وهو في الإسلام حرام، وتم قسمة ما يسمى بالسلطة والثروة، وعندما خرج المتمردون قالوا انا خرجنا من أجل الجنوب وشعب الجنوب، فتم إرضاء المتمردين وتقسيم السلطان والمال لهم مع أن السلطة والثروة لا تقسم، فالسلطة في الإسلام واحدة لا يجوز تجزأتها إلى كيانات متناقضة، والسلطان نفسه هو ملك للأمة الإسلامية، تهبه لمن تشاء من أبنائها كإمام للمسلمين، فلا يتم فيه التقسيم وإن عمد أحد على تقسيمه فهو عطاء مَنْ لا يَملِك لمن لا يستحق، وكذا الثروة، فمثلاً إن النفط هو من الملكية العامة وهي ليست ملكاً للدولة فلا يحق للدولة أن تعطي المتمردين والسياسيين وتمنع غيرهم، بل الأصل أن يُوزع ريع النفط إما مالاً أو خدمات تقدم للأمة، وليس للدولة في هذا المال إلاّ الإشراف، وأيضاً ينطبق على ذلك عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
استغفر الله العظيم لي ولكم من سائر الذنوب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وآله وصحبه الكرام النجباء وبعد،،،
أيها المسلمون: إن القضية لا تحل بإعطاء كل من يحمل سلاحاً، مالاً ووزارة أو وظيفة، فهذه الحلول ليست من الإسلام في شيء بل هي تمكن الكافرين المستعمرين من تنفيذ مخططاتهم بواسطة من تلقى الدعم منهم، وقد أوصلوه إلى سدة الحكم كما حدث في اتفاقية نيفاشا التي مكنت المستعمرين كذلك من دخول أي جحر أو ركن في السودان بمنظماتهم ودولهم، بل وتمكنوا من الاختلاء بأهل المناطق المنكوبة في المعسكرات فيبثون سمومهم فيهم وكان نتيجة ذلك وخيمة، فكم من أبناء المسلمين مَنْ تنصّر وترك الإسلام.
أيها المسلمون: إن الحل يكون بتطبيق أحكام الإسلام في كل ركنٍ من البلاد حتى يُرْفعَ الظلم من كل مظلوم ولا يُمكّن الكفار من رقاب أبناء الأمة، وعند تحقيق عدالة الإسلام، فإنه إذا تمرد أحدٌ على حكم الإسلام فإنه يكون مكشوفاً للأمة لأنه خرج على الإسلام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَاكُمْ، وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ» رواه مسلم، ولكن إن ميم الجمع في هذا الحديث لجماعة المسلمين التي عليها إمامٌ يحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه فإذا تحول الحكم في السودان أو غيره من بلاد المسلمين إلى حكم إسلامي، فإن الفتنة ستزول ويظهر الحق من الباطل ولن يُبدَّد سلطان الأمة أو ثروتها، فهي ملكنا والله عز وجل سيسألنا ماذا فعلنا فيما نملك؟ هل أنفذناه في طاعته سبحانه أم في طاعة الكافر المستعمر الذي لا يسعد إلا عندما يرانا في ذلة وهوان وبُعدٍ عن الحق.
نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً ويغفر لنا أجمعين.