رعاية شؤون الأمة في الإسلام مسؤولية الدولة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صلِّ وسلم عليه وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
جاء رجل الى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله ومعه زوجه وبناته الست فقال: (يا عمر هؤلاء بناتي ست وأمهن، اطعمهن واكسهن وكن لهن من الزمان جُنة) قال عمر: (وماذا إذا لم أفعل؟) قال الاعرابي: (سأذهبن) قال عمر: وماذا إذا ذهبت؟ قال: (عن حالهن يوم القيامة لتسألن، الواقف بين يدي الله إما إلى نار واما إلى جنة)، قال عمر لن تضيع هذه الأمة ما دام فيها أمثال هؤلاء.
أيها المسلمون: يتبين من هذه القصة مدى الواجب الملقى على عاتق المسلمين وسلطانهم، فإن الرعوية واجب من أهم واجبات الراعي، فدين الإسلام يهتم بالإنسان ورعاية شؤونه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ} فهذا واجب الرعوية الذي يميز أمتنا بعظمة القيم التي تؤمن بها وتعمل بها، فكان منه قول الرسول صلى الله عليه وسلم (... وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) وقال عليه الصلاة والسلام: ( ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)، وقد أوجب الإسلام علينا حفظ هذه الأحكام وقيمها، وجعل وجود السلطان واجباً لرعاية شؤون الأمة ليحفظ لها حقوقها الشرعية، ويسد حاجاتها الأساسية كلها، عَن سَلَمَة ابْن عُبَيْد الله بْن محصن عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ آمِناً فِي سِرْبِه ، مُعَافى فِي بَدَنِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا) فقد جعل الإسلام أساسيات ست لا بد من اشباعها للأفراد والجماعة وهي، المأكل والملبس والمسكن، وهذه يجب حتماً منحها لكل أفراد الرعية وتمكينهم من اشباعها فرداً فردا، والأخريات هي الأمن والتطبيب والتعليم توفرها الدولة للمجتمع، وقد حضّ الإسلام على توفيرها للرعية؛ فالجائع يجب أن تطعمه الدولة، والذي ليس له سكن يجب أن توفره له الدولة، فكلها مربوطة بالرعاية على سبيل الوجوب أن توفره لمن عجز عن سد حاجاته الأساسية، لذلك نجد الاعرابي وهو فقير قادم من البادية أمر خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه أن يسُدّ حاجاته وحاجة بناته وزوجته، وكعادة ابن الخطاب كان يمتحن رعيته ليعلم أين تقف الأمة في فهمها للإسلام، وكان يقول للمسلمين: (ألا رحم الله امريء أهدى اليّ عيوبي)، طالباً النصح منهم، لذلك عندما حاسبه الاعرابي وذكّره بأن الله سيسأله عن عدم رعايته لهم، فرح الخليفة عمر وقال: (لن تضيع هذه الأمة ما دام فيها أمثال هؤلاء).
أيها المسلمون: اصبح العالم كله محكوماً بالنظام الرأسمالي الذي ليس فيه مسؤولية الرعاية من قبل الدولة، لذلك وجدت المنظمات التي تعمل لسد النقص من الغذاء والدواء والسكن وغيرها فكانت اكبر المنظمات منظمة الأمم المتحدة بكل فروعها الأمنية والطبية والتعليمية وغيرها مثل اليونسيف واليونيسكو والفاو ومجلس الأمن وغيرها، واصبحت هذه المنظمات الراعي الفعلي لكثير من الناس في بلدان العالم الإسلامي، وقد صرحت امرأة مسؤولة في المجلس القومي للطفولة في السودان قائلة: "إن أطفال دارفور وغيرهم أصبحوا تحت رحمة هذه المنظمات وليس تحت رعايتنا" وذلك على اثر بيع أطفال دارفور من قبل منظمة فرنسية، وقد تحدث كثير من أبناء المسلمين عن طرد هذه المنظمات الكافرة العاملة في السودان على اثر قرار المحكمة الجنائية الدولية، ولكنهم تساءلوا عمن الذي سيسد الفجوة بذهاب هذه المنظمات، فهذا السؤال يدل على أن قائله يجد أمامه مشكلتان: الأولى ان هناك احتياج فعلي في المناطق التي تعمل فيها هذه المنظمات، والثانية: أنه لا يوجد من يرعى شؤون الناس هناك، إلا هذه المنظمات التي وفر لها الكافر الامكانات والأموال الهائلة. فالواجب ان تقوم الدولة برعاية شؤون الناس في أي مكان. والذي جعله الاسلام مسؤولاً عن رعاية الجماعة هو سلطان المسلمين بأن يوفر الأمن جيش المسلمين وشرطة المسلمين، وحرم الاسلام علينا أن نحتمي بالكافرين وأن نسلم أبناءنا لأحضان الكافرين قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «انا لانستضيء بنار المشركين». ونجد أنه اذا تمت الرعاية بحق الاسلام فإنه لن يكون هنالك تمرد واذا تمت الرعاية على وجهها بالاسلام فاذا تمرد أحد فلن يجد من يسمع له من المسلمين، ولكن عندما كان العكس وأدخلت المنظمات تم تسليم أبناء المسلمين لهذه المنظمات الكافرة فباعت الأطفال وجعلت أبناء الأمة في معسكرات بعد ان كانوا أحراراً فأصبحنا نحن المجرمين لأننا مكنّا الكافرين من رقاب اخواننا، وكان التهافت آخر القرار الذي تجرأ الكفار به علينا.
أيها المسلمون: أما وقد ثبت حرمة عمل هذه المنظمات في الأمة فقد رأى بعض أبناء الأمة أن تستبدل هذه المنظمات بما يسمى بمنظمات وطنية فهل هذا الرأي رأي اسلامي؟ أليس ذلك مخالف لأحكام الاسلام التي تجعل للمسلمين حاكماً يحكمهم بالإسلام ويرعى شؤونهم بالاسلام فكان حالهم كحال من يرضى لإمرأة متزوجة أن ينفق عليها رجل آخر غير زوجها وهو المسؤول من النفقة في الاسلام، وربما يقول قائل نحن محتاجون ولا نملك، فهل هذا صحيح، فاذا نظرنا الى الأمن ألا يوجد جيش وشرطة، ألا يتقاضون رواتب فما هو عملهم ان لم تكن حماية الرعية؟، واذا قيل أن هناك جوعاً هل السودان محتاج للطعام بعد هذا الكم الهائل من الماء والأراضي الشاسعة والرجال القادرين على الزراعة، إذاً فالقضية هي تطبيق الاسلام ورعاية شؤون الناس به.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون: إن واجب الرعوية واجب على الدولة في الاسلام وليس واجباً على المنظمات ولا يجوز أن نبدل دين الله عز وجل، وهذا يجعل ديننا ناقصاً ويجعل المسلمين يتسولون المنظمات مع أن الأمة الاسلامية هي أغنى أمة بما حباها الله من نعمة، بل يجعل القيم والأحكام التي تميز عبوديتنا لله سبحانه من فعل الكافرين فنحن نعتقد بعقيدة الاسلام التي انبثقت وبنيت عليها أحكام ولايجوز أن نخالفها ولننظر لقصة عمر بن الخطاب عندما كان معاوناً لخليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق، حيث خرج عمر يبحث عن حال الرعية هل هنالك أحد لا تصله خدمات الدولة، فوجد إمرأة عجوزاً في طرق المدينة وهي كفيفة البصر فسألها عمر رضي الله عنه كيف تأكلين وكيف تشربين وأنت لايوجد لك جارٌ قريب أو قرابة لك فقالت له العجوز، إن شيخاً يأتيني في الصباح الباكر بالطعام والماء وينظف خيمتي ويذهب، فسألها عمر هل تعريفينه فقالت لا، فتأكد رضي الله عنه من موعد حضوره وبعد أن صلى الفجر مع خليفة المسلمين أبي بكر الصديق أسرع يختبئُ خلف الخيمة لينظر من هذا الذي يرعى هذه المرأة فإذا بخليفة المسلمين أبي بكر الصديق يحمل طعاماًُ وماءً لهذه المرأة فقال عمر: ماهممت بخير الا وجدت أبا بكر سبقني اليه.
أيها المسلمون: إن هذا ليس خيالاً بل هو الاسلام الذي جعل الرعاية واجباً على خليفة المسلمين لكل فرد من الرعية، قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (فالامام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته) لذلك أيها الأحباب فإنه يجب علينا اعادة هذه الأحكام وجعلها موضع التطبيق قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فإن الذي سيغير حالنا الى السعادة والعدل هو الاسلام.