خطبة جمعة: السياسة هي رعاية شؤون الأمة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله يقول في القرآن العظيم
{وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }الذاريات22
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمدا عبده ورسوله
يقول في الحديث الشريف الذي رواه الحاكم (ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به)
اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين واجزه عنا أفضل ما جزيت نبيا عن أمته
اللهم إنا نشهد أنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد فيك حق الجهاد حتى أتاه اليقين منك
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
وبعد..
فإنني أبتدئ هذه الخطبة بتوضيح يزيد الواعين يقظة، وينبه المتغافلين عن حقيقة أريد لها أن تلتبس في الأذهان وهو (أن السياسة هي رعاية شؤون الأمة) رعاية كاملة تشمل نواحي الحياة جميعها من أنظمة حكم واقتصاد واجتماع وعبادة وأخلاق، والإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله جل وعلا للأمة الإسلامية، الدين الذي يسوس الأمة سياسة تنيلها العزة في الدنيا، وترضي عنها الله في الآخرة، وعليه فإن من اعتقد بفصل الدين عن السياسة فقد هوى في مدارك الرأسمالية العفنة أعاذنا الله من ذلك ولذلك فقد اقتضى التنويه.
وإذا أردنا الإبحار في كتاب الله تعالى، مستندين إلى قوله عز من قائل {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يوسف111
معتمدين على فهمنا للمراد من ذكر القصة في السورة، فإن قارب الأجر والثواب سيرسو بنا على ضفاف أنهر صاحب الجنتين في سورة الكهف إذ يذكر الله تعالى صنفا من العباد آتاه الله تعالى وفرة من المال ليبلوه أيشكر أم يكفر؟
{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً }الكهف32
ما شاء الله على هذا الكرم والجود
لقد امتلك الرجل أضخم ما عرف آنذاك من مشروعات .... وسائل الإنتاج والمنتجات في يده
وليس ذلك فقط
} وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً {الكهف 32
زيادة خير على خير فائض أصلا
نعم مشروعان زراعيان يستحق الوصول إليهما والعمل فيهما المجازفة، فما الحال وقد ملكهما الرجل
}كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً{ الكهف33 المحصول على وشك القطاف، وثمنه قاب قوسين أو أدنى من إيداعه في الخزنة
لم يبق إلاّ أن يجتاز الامتحان فتتحقق أحلام يقظته.
فقال لصاحبه وهو يحاوره
}فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً{ الكهف34
بداية السقوط والتهاوي في مدارك إبليس التعالي على خلق الله والتكبر عليهم بما فضل الله بعضهم على بعض }وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً{ الكهف35
نسي أو تناسى أن الذي أعطى لقادر أن يأخذ، وأن الخالق لقادر أن يميت، ونسب الفضل لنفسه وادعى الخيرية كما ادعاها قدوته وأمثاله إبليس {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }الأعراف12 وكما فعل رفيق دربه قارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ }القصص78
وبعبارة مختصرة فقد سقط صاحب الجنتين في الاختبار فتهاوت جنتاه {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً }الكهف42
لقد سقط صرحه الاقتصادي الذي طغى بسببه على خلق الله، وكفر بطغيانه بأنعم الله
أيها الإخوة
بعد سقوط الشيوعية الملحدة، تفردت على سطح الأرض الرأسمالية المتغولة أو اقتصاد السوق الحر بأدواتها وأذرعها الشريرة كالعولمة، وصار مجرد الوصول إلى إحدى الدول الرأسمالية حلماً جازف الكثيرون من أبناء المحرومين، (أبناء خير أمة أخرجت للناس، أبناء عمر الفاروق الذي كان يؤتي كل مولود رزقه، أبناء عمر بن عبد العزيز الذي لم يكن يجد من يعطيه المال، أبناء هارون الرشيد صاحب الغمامة)، وركبوا البحر الذي ابتلع الكثيرين منهم لأجله.
فالعملة الصعبة والسيارة والبيت وبطاقات الائتمان كلها تنتظر الرابح الأكبر الذي يقهر البحر ويصل
وانهزم الجاثمون على صدورنا من حكام الضرار أمام البهرج الرأسمالي، وطبقوها علينا قسرا وحاربوا الله والدين والمسلمين فأفقروا البلاد والعباد.
لقد بنى المنظّرون للرأسمالية قواعدهم السياسية والاقتصادية على أساس فصل الدين عن الحياة واعتماد الربا الوسيلة الاقتصادية الأنجع في تفكيرهم لتحفيز الاقتصاد، وهذان الأساسان ناقِضان لعرى الإيمان والإسلام ومحاربة لله ورسوله وشرعه، وعلى الرغم من انتفاخ أصاب الرأسمالية، {اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} البقرة15
إلاّ أن هذا الانتفاخ لم يدُم وها هي صروح الرأسمالية تتهاوى تحت ضربات الأزمة الاقتصادية العالمية ، التي ما هي إلاّ الشعرة التي قصمت ظهر الرأسمالية الكافرة التي حاربت الله وطغى أصحابها، كما طغى صاحب الجنتين فآلت إلى ما آلت إليه الجنتان وها هي خاوية على عروشها، وما محاولات حكام الغرب دَبَّ الحياة في جسدها المتعفن، إلاّ الحركة التي ينتفضها الخروف المذبوح قبل استسلامه الأخير للموت
}أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }التوبة109
وسيخرج النظام الاقتصادي الإسلامي المطبق من الدولة الإسلامية التي يسعى المخلصون من أبناء الأمة لإعادة بنائها من جديد بعد أن هدمها الكافر المستعمر عام 1924م
وسيرى العالم أجمع عدل وقوة نظام الإسلام من جديد كما رآه أول مرة على يدي الحبيب المصطفى وحزبه
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات حكامنا وبعد
فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما فيما أخرجه ابن حبان وصححه الألباني (يا معشر المهاجرين خمسُ خصالٍ أعوذ بالله أن تدْركوهن: ما ظهرتِ الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلاّ ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قومٌ المكيالَ والميزان إلا ابتُلوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجَور السلطان، وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلاّ مُنعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطروا، ولا خفَر قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم وما لم تعملْ أئمتُهم بما أنزل الله جل وعلا في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم )
وبعد أيها الإخوة، فإنني أترك لتقواكم وخوفكم من الله تعالى تقييم ما نحن فيه من الذل والصغار والشقاق والخلاف بعد أن وقفتكم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذا
وهل لمتثاقل أو متآمر أو مغرر به من حسني النية أن يشكك للحظة أو ما دونها في أن ما يطبق على البشرية من نظم حكم واقتصاد هي حرب على الله ورسوله محقها الله القوي العزيز
وأن الدولة الإسلامية والنظام الإسلامي الشامل المبني على العقيدة الإسلامية (الاقتصادي الاجتماعي السياسي) هي الخلاص والحل الذي سينقذ العالم من جور ما ابتدعته العقول البشرية الناقصة القاصرة
اللهم إنا نسألك أن نكون ممن تقوم دولة الخلاقة الراشدة الثانية على أعتاقهم وأكتافهم فننال عز الدنيا ونعيم الآخرة إن شاء الله